إشكالية المعارضة و جنون الاستوزار .. ومنها الأبتر والأعمى والعدمان (2/2) بالأمس تحدثنا عن بعض تصنيفات المعارضة التي ينصب جُل إهتمامها وكدحها لتستوزر أو تستأنب مشتقة – تستأنب مشتقة من نائب وعلى وزن يستوزر من وزير أو يستنوق من ناقة- ؛ وفي كل الأحوال لا سبيل للخروج من المولد خالي الوفاض ولا مانع من القبول "بخف واحد " من "خفي حنين" ، في هذا ما يسمى مجازاً في عرفهم "الخروج بأقل الخسائر" - فيما لو لم يتحقق لهم أحد الحسنيين - فأقل الخسائر هذه تقع ما بين " نائب بالمجلس الولائي" أو "عضو بالمحليات " وهذا اضعف الايمان.!! لكنني اليوم سأتحدث عن النخب الوارثة لأحزاب عائلية طائفية ، فهؤلاء بالضرورة هم القدوة لمريديهم والتابعين المواليين ؛ والحديث عن هذه الفئة مضحكٌ مبكي ؛ فهؤلاء عندما يخاصمون يفجرون ليس في الداخل فقط ؛ بل وفي والخارج أيضاً ؛ بل ويمارسون عمليات الضرب تحت الحزام ؛ ويستعملون كل الادوات التي حولهم لإدعاء صوابهم ودمغ الآخر دوماً بالخطأ والخيانة ؛ بل ويطلقون من التصريحات ما يجعلك تتشكك في نفسك ؛ رغم تأكدك من الحقيقة وفي أمرٍ قد يكون وقع لك، وذلك عملاً بالمثلين المصري ( العيار اللي ما يصيب يدوش)!! والسوداني ( عدوك سهره ولا منامه)!! ليلة البارحة إستمتعت بمقابلة أجرتها الاعلامية ( رولا خرسا ) في قناة الحياة المصرية الخاصة مع الامام الحبيب السيد/ الصادق المهدي ؛ فتأكدت رغم علمي بأن السياسة لعبة قذرة يحلل فيها الحرام ويُحرم فيها الحلال وأن الكذب والتدليس فيها ملاحٌ .. مباحٌ .. مباحٌ يا ولدي وليس نحصوراً في رجال الصف الثاني بل يمارسه قادتها وفي العلن وعلى المكشوف لأنهم بذلك أنهم لا يخاطبون من يعرفهم بل يخاطبون ويسوقون بضاعة كاسدة فاسدة لمن لا يلم بالحقيقة ولا يعرف حقيقتهم ؛ فقد كانت أسئلة الإعلامية مبطنة وفيها ما يحرج إذ أعدت أسئلة محايدة صاغتها من كل ما تجمع لديها من معطيات من منظمات دولية واقليمية راقبت الانتخابات؛ فإذا بالامام يعلن أن الانتخابات مزورة وخرج لنا بمصطلح جديد وباللغة الانجليزية "كارتونجيت" (Carton Gate ) مقارناً بينها وبين "وترجيت" (Water Gate ) مما جعل مقدمة البرنامج تلفت نظر الامام بعدم منطق المقارنة فاستدرك كالعادة وادخلها في دهاليز وحواري ودائرة توهان قانونية أشبه بتداخل المكرونة (الاسباغيتي) لا سبيل لحلحلتها فقفزت المذيعة لأسئلة أخرى. ولأول مرة أرى الامام الحبيب يتحدث ولا يبدو واثقاً من نفسه أو مما يقول أو مندفعاً كالسيل في حوارته المتلفزة كما جرت العادة وقد ظهر ذلك جلياً من تعبيرات وجهه ومن بعض الاسئلة التي كانت أجابته عنها بعيدة كل البعد عن السؤال الموجه ؛ والذي بدا لي أن كثير من تلك الاسئلة كانت محرجة له ولكنه كالعادة إلتف عليها باجابات هلامية فضفاضة !! كان الآمام الحبيب نجماً لآمعاً في بعض الفضائيات العربية الخاصة ؛ وفضائيات بعينها كالعربية مثلاً ؛ ولا بد لشخص منظر مثله من عشق الأضواء وإلا فكيف ينشر لنا نظريته الجديدة ( الوسطية) !! والتي سبقه لها تجمع علماء المسلمين بقيادة العلامة الشيخ القرضاوي والمفكر الدكتور محمد سليم العوا! ؛ وما يعجبني في الامام الحبيب نشاطه وهو يخطو العقد الثامن من عمره المديد –بإذن الله - وكذلك توقد ذهنه خاصة براعته في تشتيت انتباه من يسأله ؛ خاصةً إن في الرد ما يرتد عليه؛ فعلى الفور يبحر بك في عالم لا صلة له بما سألت وكما يقول المثل ( لا تاخد منو حق ولا باطل).!! ؛ الامام يتمتع بمهارات فائقة ومتعدد المواهب ؛ خاصة في توظيف بعض ممن تبقى حياً من زملاء دراستة في كلية فكتوريا وعلاقاتهم للوصول إلى الفضائيات الخاصة.!! كنت أتمنى لو أن الامام الحبيب تجرد من إنتمائه الطائفي الحزبي؛ وأن يكون موضوعياً كما يفعل بقية رصفائه من المنظرين ؛ ولا يستغل منبر فُتح له ليسخر من عقول المشاهدين، إذ أن المقابلة تمت في ذات اليوم التي أعلن فيه رئيس المفوضية مولانا ابيل ألير نتائج فوز البشير بالانتخابات الرئاسية بنسبة 68% من جملة أصوات المقترعين ؛ هل هذه النسبة توحي ناهيك عن تجزم بأي تزوير؟! المعلوم أن الانظمة الشمولية التي اعتادت أن تزور الانتخابات لا تقبل بما دون 95-99%.!! هذا الأنموذج من الساسة عَبَدَتْ كراسي الحكم حتى إعتقد بسيادته وأحقيته التاريخية على الدائرة والحزب والاتباع؛ وما عليه إلا أن يأمر فيطاع ؛ لكونه وريث مجد طائفي لا سبيل للتنازل عنه حتى لو أدى به ذلك إإلى أن يكرس بعدم الخلط بين الدين والدولة في 1968 ويأتي بنقيضذلك في 2010 فيجمع بين الامامة والسياسة !!؛ و يرى البعض أن في هذا المسلك شرعنة منطق "الكيل بمكيالين" والذي درجت عليه تلك رموز النخبوية لتححل لنفسها ما تشتهي نفسها في أي زمانٍ ومكان لأن الحزب اقطاعية وملكية خاصة للعائلة !! ؛ومن هنا أدركت معنى وما وراء ولماذا كان مصطُلح (رموزأحزاب الاقطاع الطائفي)!! هذه الفئة من النخب التاريخية تأكسد فكرها لدرجة أنها لم تعد تدرك أن " دابة الارض " أكلت "منسأتها" وبالتالي لن تستوعب التطور الفكري الاجتماعي الاقتصادي الذي حدث كتطور حتمي في حركة المجتمع؛ فما كان منها إلا وأن انسحبت من الانتخابات خلافاً للقانون؛ وليت الامام أوضح للإعلامية من باب الأمانة أنهم أعلنوا تزوير الانتخابات حتى قبل أن تُجرى ؛ وأن حزبه انسحب بعد الموعد القانوني للإنسحابات أي ضرب بعرض الحائط القانون الذي يدعي الايمان بسيادته !!؛ وحينما أدرك الامام أن الوضع لن يكون في مصلحة حزبه بل قد يُعرضه لانتقاد شديد ولوم من قواعد حزبه ؛ حزم حقائبه هو وغيره كالعادة باتجاه الشمال؛ ولكن الاعلامية الفطنة سألته إن كان خروجه غاضباً أو مغاضباً؟! ؛ فأجابها بالنفي لكنه أدخل مقدمة البرنامج في حيص بيص ؛ حينما قال لها: أن كل ما في الأمر أن لديه ارتباطات في (منتدى الوسطية) بالاردن وله رافد آخر في لبنان وها هو الآن في مصر ؛ فسألته هل" وسطية اسلامية " فأجاب : " وسطية سياسية " واستدرك لاحقاً بأنه هو رئيس المنتدى في الاردن؛ فأدركت أن شهية الرئاسة عند الامام مفتوحة دوماً إن لم تكن رئاسة وزارة فلا ضير من " رئاسة منتدى".. مسألة فطرية.!! هذه الفئة من الرموز مثل الحواة؛ يسحرك بفعلٍ أو قولٍ زائف حالما تكتشفه؛ وأنت نفسك من صدقه لحظة الصدمة الاولى التي سحر ناطريك فيها ، فهم مثل الساحر الذي يطلب منك جنيهاً مقابل أن يعطيك لفافة لتفتحها بعد (24) ساعة لتجدها مليئة بالذهب.!! ؛ وهذه النخبة تحديداً تسحرك بالوعود المستحيلة وهم كسحرة فرعون ؛ والناخب كالغريق الذي يستنجد ولو بقشة ؛ فيأخذ منك صوتك الانتخابي وبعد الفوز تفتح اللفافة فلا تجد فيها شيء ولا تجده هو أيضاً ، ولسان حاله يقول ( إلى الملتقى) بعد اربعة سنوات في انتخابات جديدة ؛ فهو لا يقول لك " وداعاً " على الاطلاق فإن قالها فما يحدث بعد مضي الأربعة سنوات. هذه النخب المتأسدة تعيش أربع سنوات الدورة الانتخابية بمعزل عن الناخب الذي انتخبه؛ يعيش في رفاهٍ ورغد وفي ذات الوقت فهي تفكر في ابتداع تفانين خداع جديدة استعداداً للدورة القادمة وبالطبع بالاحتكاك عرف من هم النفعيون الانتهازيون الذين يجندهم ليقوموا بدور " سحرة فرعون" وبالطبع لهم من الطيب نصيب.!! ؛ والضحية في كل دورة هو الناخب الذي سيلدغ من ذات الجحر مثلما حدث ثلاث مرات وعندما أفاق من سُم الحيايا رفض أن ينخدع للمرة الرابعة ؛ فهل استوعبت النخب وارعوت؟! بالطبع لا؛ لم ترعوِ ؛ بل أدركت بفطرتها الاستعلائية ونظرتها الفوقية اضمحلال زخم التأييد والولاء الأعمى بانخفاض أعداد مقبلي أيادي السادة ؛ وأن شيء ما قد حدث خلال ربع قرن تركوا فيها الساحة لغيرهم واكتفوا بالاستقوا بالأجنبي والخارج ؛ أو ربما أنها قد تنبهبت وفقدت الأمل في قواعدها ؛ وآثرت الاستقواءب الخارج كخيار وحيد لأحد لا بديل له . هناك فئة من هذه النخب عادت للوطن قارنت حاضر التطور الذي تشاهده وما بين الحطام الموروث الذي كان قبل يونيو 1989 ؛ هذه الفئة من النخبة الطائفية براغماتية الهوى فمن استقرائها للواقع أدركت أن هذا الشعب اسيؤيد الشيطان إن أنجز له حتى بعض من آماله ناهيك عن التطور الملموس الذي مس كل مناحي الحياة ولا مس وغطى الشريحة العظمى من الشعب الذي عانى الأمرين من سلوكيات هذه النخب الحزبية التي مارست الاقطاع الطائفي في أعلى معانيه؛ فافرحها ما أنجز بعد الانعتاق من ربقة ديمقراطية الاقطاع الطائفي حتى وإن علق بما بعض المثالب؛ فالمثل يقول " شيء خيرٌ من لا شيْ " ولكن لا يمكن لهذا الشعب تحمل لدغة رابعة ربما يكون فيها الموات.!! آن لهذه الأحزاب التي عاشت على استغلال الولاء الطائفي أن تتوقف عما تمارسه بالهرب من واقع حالها داخلياً إلى اللجوء للخارج ونفث سموم في وسائل اعلام خارجية لن ينساها هذا الشعب مثلما لن ينسَ لهم تحريضهم على ضرب مصنع الشفاء أو مساندة أوكامبو للنيل من البشير رمز السادة الوطنية ؛ فالسيادة الوطنية هي الأرض والعرض فماذا نرتجي ممن باع الأرض والعرض.!! أوجه حديثي لتلك النخب وأسحب صفة "المتأكسدة " وأقول لها: إن لم تكن لديك المقدرة على تحمل إفرازات حركات المجتمعات وتطورها فلا أقل من تلتزمي مكانك والوقار ؛ فمكانك تُحمدي ؛ وحتى تنالي على الأقل تقديراً معنوياً؛ فإن فعلت غير ذلك فالتاريخ سيصدر حكمه بحقكم وقد سبق وأن فعل ، وتعلمون أن التاريخ لا يرحم؛ إلا إن كانت كنتم لا تأبهون بالتاريخ أصلاً؛ فهذا أمرٌ آخر يؤخذ عليكم وفيه سوء تقدير وقيمة التاريخ نحو الاجيال الحاضرة والقادة.!! abubakr ibrahim [[email protected]]