باتخاذها لقرار المقاطعة المشروطة أو الانسحاب المشروط أو أياً كانت التسمية أو التوصيف فان المحصلة النهائية لما كان يعرف بقوي جوبا أنها هزمت موقفها من أهم استحقاق انتخابي يشهده السودان طوال تاريخه فلو أننا تحينا جانبا مطاعن وانتقادات هذه القوي لمجمل العملية الانتخابية من نقد للاحصاء السكاني وتقسيم الدوائر وعدم حيدة مفوضية الانتخابات والتمويل وغيرها مما يصح وصفه بسفاسف الامور كون أن هذه القوي تطعن في أمور جرت وانتهت (بأثر رجعي) وكون أنها رضيت بالعملية الانتخابية حتي اقتربت جداً مواعيد الاقتراع وسمت كل مرشحيها لمختلف المستويات ومارست حملتها الانتخابية الي اخر لحظة. لو تركنا كل ذلك جانباً وقلنا ان حسابات هذه القوي كانت مرتبكة وكانت (غير واعية)! بطبيعة ما هي مقدمة عليه فان الهزيمة النكراء التي ألحقتها هذه الاحزاب بنفسها ولن يشفق عليها أحد أو يتعاطف معها فيها هي أنها ظلت تتلاعب باختبارات وارادات الناخبين السودانيين وأحدثت قدراً كبيراً جداً من البلبلة وسط الرأي العام السوداني جعلته غير متأكد مما اذا كانت الانتخابات قائمة في موعدها أم ستؤجل وما اذا كانت هذه القوي ستخوضها أم لا. هذا التلاعب بمشاعر الناخبين السياسية والاستهتار بارادته كناخب من حقه أن يختار ويجد سعة في الاختيار ما بين البرامج المطروحة والمرشحين هو الهزيمة الكبري لهذه القوي فقد ظلت تقدم رجلاً وتؤخر أخري حتي أدركت أن (أوزانها الجماهيرية) بالغة الضعف والهشاشة فاتخذت قرار المقاطعة الذي من بؤسه وسوئه جعل كل من استمع اليه يسخر من أحزاب تطالب بأن تلعب في الميدان لوحدها وتمنح الكرة في قدمها وتترك لها الشباك مفتوحة لتحرز هدفها!! والأمر الاكثر أسفاً- وأصاب الناخبين السودانيين بجرح سياسي غائر- هو أن هذه الأحزاب ما اتخذت موقفها الضعيف هذا الا بعد أن سحبت الحركة الشعبية مرشحها الرئاسي ياسر عرمان من الترشح للرئاسة فبدا هذا (الموقف المفاجئ) لها بمثابة لدغة أفقدتها وعيها فسارعت بالصراع والهرولة للخروج من الميدان!! لعلها عبر التاريخ وغطاته بل ومفارقاته التي تجعل قوي سياسية يقول بعضها أنهم (أصحاب الأغلبية) في اخر ديمقراطية تعددية في ثمانينات القرن المنصرم ترهن وجودها وارادتها بقوة نهضت حديثاً مثل الحركة الشعبية وحساباتها حسابات مختلفة ولعلها أيضاً من ماسي الممارسة السياسية أن يخشي قادة سياسيين من عرض أنفسهم علي الناخبين بعد أن ظلوا لعقود يملأون الساحة ضجيجاً ويقولون أنهم الخيار الوحيد للناخب السوداني!! وسيظل موقف القوي السياسية المخزي هذا عاراً في جبين هذه القوي كونها (هربت) هروباً واضحاً من استحقاق ديمقراطي وتركت من كانوا يعولون عليها نهباً للظنون والوساوس وخيبة الامل!! ان هذه المقاطعات المشروطة من أحزاب كنا نظنها كبيرة وواثقة من نفسها حددت بجلاء مستقبل الديمقراطية في السودان حيث سقطت من حسابات الناخبين هذه القوي التي انقضي أجلها ولم تعد في عداد الأحباء بحال من الاحوال!!