النقد بالمعنى اللغوى مشتق من النقود ، ونقده نقداً أي أعطاه نقوداً ونقد الشيء نقداً أي نقره بإصبع أو منقار ونقد فلان فلاناً أي ذمه وعابه، أما النقد بالمعنى الإصطلاحي فهو تعبير شفهي أو كتابي صادر من شخص متخصص في أدب أو علم أو فن أو من شخص عادي يتم بموجبه إظهار إيجابيات وسلبيات العمل محل النقد. ولعل النقص الكامن في الإنسان والذي ينسحب على كل أعماله ونزوع الإنسان الدائم نحو التطور هما اللذان يبرران وجود الحاجة الماسة للنقد ، فلا سبيل إلى تطوير كل الأعمال البشرية إلا عبر النقد ، ولعل الدليل على خطورة دور النقد هو أن غياب النقد يؤدي إلى انحطاط مستوى الأعمال البشرية ، لأن النقد يُظهر الإيجابيات ويحفز الناس على تكرارها طلباً للمدح ويُظهر السلبيات ويحفز الناس على تفاديها تجنباً للقدح! ولعل المتتبع لقصة النقد في التاريخ العربي يكتشف أن النقد قد بدأ انطباعياً وبسيطاً وانحصر في الشعر كقول بعض النقاد الجاهليين : إمرؤ القيس هو أشعر الناس إذا ركب والأعشى إذا طرب والنابغة إذا رهب ، أما في العصر الحديث فقد تطورت الأشكال الأدبية من رواية ، قصة ، فلم ، مسرحية، مقال صحفي، كاريكاتير ومن ثم تعددت أشكال النقد وتطورت آليات عمله وأصبحت له معايير أدبية أو علمية أو فنية أو اجتماعية متعارف عليها محلياً وعالمياً! ويُمكن تقسيم النقد إلى ثلاثة أنواع ، الأول هو النقد الإطرائي وهو الإشادة بشدة بالعمل محل النقد والإدعاء بكماله المطلق وخلوه من أي عيب وهذا النوع من النقد مذموم لأنه يتعارض مع الطبيعة البشرية الناقصة ولأنه يؤدي إلى إصابة صاحب العمل بالغرور والتوقف عن الإبداع إذا توهم أنه قد بلغ مصاف الكمال، النوع الثاني هو النقد الهدام وهو نوع من النقد يستقبح العمل المنتقد برمته ولا يُظهر له حسنة واحدة وهذا النوع من النقد يقتل المبادرات الإبداعية في مهدها ، أما النوع الثالث من النقد فهو النقد البناء وهو أفضل أنواع النقد لأنه نقد موضوعي مجرد من الهوى الشخصي فهو يُظهر العيوب بأمانة ويُظهر الحسنات بتجرد دون محاباة مكشوفة أو حقد خفي! ومن المؤكد أن المبدع لأي عمل بشري أياً كان مجال عمله يحتاج بشدة إلى ممارسة النقد الذاتي لأعماله الخاصة عبر النظر إليها بعيون الآخرين وهو أمر يحتاج إلى شجاعة أخلاقية لأن الإنسان ميال بطبعه إلى محاباة ذاته والانحياز إلى نفسه ، أما الإنسان الذي يتوهم خلو عمله من العيوب فهو معتل نفسياً ومختل عقلياً لأن أي عمل بشري مهما بلغت درجة اتقانه لا يخلو من عيب خفي أو ظاهر فالكمال لله وحده وغني عن القول إن اللامبالاة في تقييم الأعمال البشرية المختلفة تتساوى في مفعولها التدميري مع النقد الإطرائي والنقد الهدام لأنها تقتل النزعات الإبداعية بسلاح التجاهل المطلق، لهذا وذاك ، يجب علينا جميعاً المساهمة في تطوير كافة الأعمال البشرية الخيرة التي تستهدف تحقيق الحق والخير والجمال عبر قيامنا بممارسة النقد البناء لأعمال الآخرين وتقبلنا بصدر رحب للنقد البناء لأعمالنا من قبل الآخرين وإلا فسوف نصبح شركاء في جريمة قتل الإبداع البشري بدم بارد مع سبق الإصرار والترصد! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر