الأحداث المتلاحقة في مسيرة السودان السياسي والاجتماعي والاقتصادي و ونتيجة لسياسات نظام الإقصاء أفرزت الكثير من المظاهر الغير مألوفة لدى المجتمع السوداني , أصبح إنسان السودان المتسامح الذي لا يميل إلى العنف , انقلب رأس على عقب وصار الشاب يطعن صديقته أو زميلته فقط لمجرد انه معجب بها وساوره شك بان شخص آخر يبادلها ذات الشعور , وأصبح جمع المال والثراء السريع غاية ! لا يسأل عندها مشروعية مصدر هذا المال ,من حيث الحلال والحرام , وغياب مبدأ من أين لك هذا ,ممن تظهر عليهم علامات التخمة المفرطة في سنين قليلة , بل يجد هؤلاء الثناء على ما فعلوا وربما يكافئوا بمزيد من فرص السرقة والنهب , في النقيض من ذلك تطال الملاحقات والمضايقات لكل من يظهر أي رأي تجاه النظام وأعوانه أو ربما عدم إبداء أي رأي يعتبر جريمة يجب ان تجد نفسك أما ضحية لنظام ما سمي بالصالح العام أو نفي لجهة قد تضطرر لترك وظيفتك لانعدام جدوى استمرارك فيها في ذلك المكان النائي. وهو ما حدث بالفعل للبعض خلال فترة الانتخابات المزورة الماضية. فاشر السلطان تلك المدينة الوادعة المسالمة , التي تحتضن ارث تاريخي كبير من قيم التسامح والعفة من لدن أجيال وأجيال لم يعرف الاحتيال وطرق الغش إليه سبيلا إلا بعد أن دنس أرضها ممن لا قيم ولا أخلاق لهم وأصبحوا من المتنفذين فيها , فصالوا جالوا وعاثوا فساداً في الأرض. في ديسمبر من العام 2006 اجتاحت مليشيات مسلحة لسوق الفاشر ونهبت السوق والممتلكات و قتلت المدنيين , دون أن تلاحق هذه المجموعة وأشيع وقتها أن السيد كبر قد قدم استقالته بما بقي عنده من الحنيفية الدارفورية والنخوة والأصالة والكرامة , عندما رفضت هذه المليشيات الانصياع لأوامره , بحجة أنها لا تأتمر بأوامر احد غير شيخ علي (علي عثمان طه راعي حرس الحدود) , وعقد وقتها المرحوم دكتور مجذوب الخليفة مؤتمراً صحفياً أكد فيه أن الأجهزة الاتحادية لها دور كبير في الخلل الأمني , وذلك بتكوينها وتسليحها لمليشيات لا سلطان للولاة المحليين أي إمرة تجاههم ,فأوفدت الحكومة المركزية وقتها وفدا أمنيا يترأسه دكتور نافع وعبد الرحيم حسين وآخرين وبمعيتهم حفنة من الجنيهات السودانية إلى حاضرة الولاية , لتطيب خاطر الوالي المنتفض , فأطفأت هذه الجنيهات ثورة وكل مظاهر الغبن لدى السيد كبر وحكومته ,وأصبح يثني على موقف الحكومة وانه حصل من الوفد الاتحادي علي حزمة صلاحيات لكبح جماح عناصر استخبارات حرس الحدود , الذين تسببوا في الأحداث ,ليبدأ الرجل سلسلة الغواية الإدارية والسلوكية , ليبتدع سبيلا آخر من سبل خداع وغش ونهب المواطنين , ألا وهو ما سماه هو بسوق الرحمة ,ليصبح سوق المرابين أو سوق المواسير بعد فتوى سماحة الشيخ كبر المبجل !! هذا السوق الذي يدار من داخل أروقة إحدى نقاط الشرطة !!!, (وفرة الأمن واستتبابه جعل من نقاط الشرطة سوقا لمص دماء الأبرياء) وتحت رعاية ومباركة من سعادة الوالي , بل وربما شريك أصيل في العملية ,خاصة لو صدقت الروايات التي تقول بان هذا السوق كان واحدة من مصادر تمويل حملة كبر لبيع الذمم ليعيد شرعنة السرقة والفساد. ما حدث بالأمس , من قتل لعشرات الأبرياء من المواطنين العزل من أطفال دون الخامسة عشرة , وإطلاق نار متعمد وفي الرأس وهو استهداف مقصود لبعض أهل المدينة , هو بلا شك عمل مستهجن ومدان ويعيد بنا الأمور إلى نقطة البداية ويضع كافة القطاعات تحت مسئولية تاريخية لا بد أن يتحملوه بشجاعة. ما جرى في الفاشر هي رسالة لما بعد شرعنه القتل والإقصاء عقب ما سمي بالانتخابات التي زورت فيها إرادة الشعب ومقدراتهم , ومؤشر كذلك على العودة لمربع الحرب . ما حدث يجعل من عملية المفاوضات ضرب من الخيال وضرب من العبث , خاصة مع تزامن هذه العمليات مع ضربات جوية لمواطنين في غرب وشمال دارفور وتدمير موارد المياه وكذلك عملية تجييش للمليشيات في جنوب دارفور لخلق نوع من الزعزعة لعرقلة ترسيم الحدود واستفتاء جنوب السودان . النظام يسعى إلى فرض سياسة الأمر الواقع , ويسعى الى تصفية قضية دارفور وللأسف عن طريق أبنائه وعلى حساب مواطنيه الأبرياء. تصريحات بعض فصائل دارفور عن تفاؤلها بالوصول لسلام مع النظام وهي تدعم مشروع النظام الذي يرى أن مسألة تقاسم السلطة والثروة قد حسمت بإجراء هذه الانتخابات وبتمثيل أبناء دارفور في لحكومة. يضع عدة استفهامات , ويفتح الباب واسعا لما يشاع عن وجود صفقة ما تدبر . وما نسمعه عن تضمين حقوق أهلنا يوصف بالشطط والتفريط فيها يوسم بالموقف العقلاني ويدعم رسالتنا لكل أبناء دارفور من الحركات الثورية أن تعيد النظر فيما يجري بالدوحة على ضوء ما يحدث على الأرض , فلا يمكن ان نتحدث عن سلام في ظل عدم وجود إرادة سياسية او قرار سياسي بالمضي نحو السلام , النظام لم يتخذ أي قرار بتحقيق السلام. فأي حديث عن السلام في غياب الحقوق والمطالب الأساسية لشعب دارفور واهم من يعتقد انها تحقق الاستقرار , أي سلام لا يحقق العدالة سوف لن تكون له أثر في الأرض. واجبنا ان نقرأ الأحداث والسوابق بموضوعية , لا نكرر ابوجا أخرى . بقلم :حسن إبراهيم فضل [email protected]