التخطيط أساس لأي مشروع ناجح , وغيابه مدعاة للتخبط وعدم التركيز وبالتالي أقرب الطرق للانهيار , ولا شك أن السياسة وإدارة البلاد تحتاج لإستراتيجية وخطط محكمة لكي نسوس الناس سياسة راشدة نخرج بها إلى آفاق أرحب من سعة العيش والأمن والطمأنينة في النفس والمال والولد. كثير ما سمعنا عن خطط خمسية وأخرى عشرينية منذ مطلع يوليو 1989 المشئوم الذي أصبحنا فيه من ديمقراطية حقة وحرية في الفكر وحرية في التعبير إلى فجر ليله ونهاره سواء لا تستطيع أن تعيش إلا أن يصبح الفرد فينا أصم وأبكم ليس بإرادته طبعا ولكن بإرادة من اخمدوا شمعة الديمقراطية . تسارعت الأحداث وتلاحقت المواقف وجرت مياه كثيرة تحت الجسر , واتضح فيما بعد أن كل ما سمي بخطط إستراتيجية إنما هي تكتيكات وسياسات جهوية نتنة ومحسوبية وظلم وفساد وتكميم الأفواه وإرهاب الناس , وإقصاء لمكونات الشعب السوداني , فيه قسم الشعب إلى فريقين - تابع و منقاد لا تسمع ولا ترى إلا ما يريهم زبانية الأقلية الحاكمة وبالتالي تتفضل الدولة عليها بحقوقتعتبر من واجب الدولة أو الحكومة أن توفرها لمواطنيه دون منة ولا منحة , و أخرى رفضت الخنوع والانكسار , فعبرت عن موقفها جهراً أو مواراة فأصبحت بقدرة قادر فئة مغضوبة عليها فقط لأنها أرادت أن تسمع وترى ما يفعل بوطنها و تقول لا للفساد , وبالتالي مصير هؤلاء إلى سجون و تنكيل وتخوين , تارة ونعتها بأنها عميلة لجهات استخباراتية او خائنة للوطن , وكأن الوطنية صكوك تمنحها النظام وفق هوى ومزاج من أتوا إليها بقهر السلاح. مرت سني نظام البشير العجاف والحكومة معتمدة كلياً في إدارة البلاد وفق الفعل وردة الفعل (رزق اليوم باليوم) , ولا تجد قضية من القضايا بادر هذا النظام بأن يخطو فيها خطوة تنبع من إرادتها الذاتية إلا بردات أفعال الآخرين و أحيانا نكاية فيها. النظام ملأ الدنيا ضجيجا وصراخا بأنه أتى بسلام شامل في جنوب البلد أوقف نزيف القتل استمر لعقدين من الزمان , وما كان ليكون هذا الأمر لولا توقيع حزب المؤتمر الشعبي لاتفاقية جنيف مع الحركة الشعبية . مضى عقدين من القهر والبطش ولاح في الأفق بوادر الخروج إلى فجر جديد يجعل من السودان بلد موحد متعايش , ولكن من يريدون للوطن ان يتفتت سرقوا فرصة الأمل التي لاحت وجاءت تجربة الانتخابات مشوهة وتعاني من علات مميتة من مصطلحات لم يعرفها السودان من ابتداع ( للقج) في علم السياسة والانتخابات كوسيلة للفوز بعيد عن إرادة الجماهير , وأساليب أخرى لتمويل الحملات الانتخابية , فكانت تجربة ما عرف بسوق كبر الفاشر المواسير وما صاحبه من صورة بشعة لاستغلال السلطة بان تنهب أموال الغلابة تحت مسمع وإشراف من الجهة التي ينبغي أن تكون حامية لهذا الإنسان البسيط. لا شك أن النظام بدأ الآن يقطف حصاد تكتيكات التمكين التي أثبتت فشلها ولعل هذا التكتيك قد يفضي إلى تفتيت السودان وفق هذه المعطيات التي بين يدي واقع الراهن السوداني , شاهدنا تنصيب البشير والواقع المر للعزلة التي ظهر من خلال الحضور الدولي والإقليمي , غياب المحيط العربي والإسلامي مؤشر قوي لما ينتظر هذه الحكومة من عزلة أوقعت نفسها فيه , من الغريب ان تغيب مصر الشقيقة عن مراسم تنصيب البشير والأكثر غرابة وهو مؤشر له دلالات أخرى في مستقبل السودان , أن يحضر رئيس الوزراء المصري ورئيس الاستخبارات الرجل الأهم في منظومة السياسة المصرية , تنصيب الفريق أول سلفاكير ميارديت رئيس حكومة الجنوب (دولة السودان الجديد المرتقبة) , وان يوفد الشقيقة مصر وزير دفاعها إلى تنصيب البشير , هل أصبح الجزء أهم من لكل ؟؟؟ لا أدري أين غابت جين السيادة التي تفور في أي لحظة يتعرى فيه النظام وينكشف , والله لان كان هذا النظام له من هذا الامر وكما يملأ دائما الدنيا بالسيادة المفقودة وان كانت تحترم نفسه لقدمت صوت احتجاج على الاقل لمصر من باب (شيلني أشيلك ) والتي بموجبه ضاعت حلايب ونجح الجناة في مقتل سي مبارك من الانفلات من العقاب, وأصبح الدولتان في خندق واحد في مناطحتهما لدول حوض النيل وان كان الاتفاق الجديد في مصلحة جنوبالوادي قد يرفع من حصتنا ال 18مليار متر مكعب الى 25 خمسة عشرين مثلا على أقل تقدير. ولم يقف الأمر في الأشقاء في شمال الوادي بل العربية السعودية لدولة المحورية في العمل العربي وكذا دول الخليج الأخرى , والمؤشر الاهم غياب صاحب المنبر التي تملك الساحة الآن قطر . حتى جزر القمر التي لا تملك الدفاع عن نفسها إلا بقوات البشير التي أرسلت بموجب علاقة العروبة (أصل رئيس الدولة الحضرمي ) والإسلام تمنعت أن تتفضل بطلة على البشير حتى تكبر كومبارس الشرعية المزيفة. حضر التنصيب من تحكمهم برتوكولات معينة مثلا رئيس ملاوي أتى لكونها ترأس الاتحاد الأفريقي , وغاب عراب الإتحاد الأفريقي وملك ملوكها وبدل من ذلك أوفد الفريق ابوبكر يونس التوبي ذو الأصول السودانية حتى لا تحسب على ملك الملوك شيئا من مساهمته في التعاون مع مطلوب للقضاء الدولي. ظهر البشير في حفل التنصيب وشبه العزلة واضح في وجهه , ومن خلال تفاعله مع مضمون الخطاب وفي إلقائه له وواضح أن الرجل لم يكن مشاركا بشكل لصيق في إعداد الخطاب أو ربما بعض الفقرات حدث فيه بعض النقاش قد ضمنت دون رضا منه. وكذلك الربكة في التنظيم وحتى القمع للصحافة حتى في حفل التنصيب كذلك يؤكد ضيق وضجر النظام من مؤشرات مآلات المستقبل لهذه الحكومة. مؤشرات كثيرة توضح ملمح هذه الحكومة وما تنبيء به الأيام , وكما ذكرت إن العشرين التي اتسمت جلها بالتكتيك والمراوغة أضيفت إليها خمسة حاسمة في تفتيت السودان , ولعل ست أشهر التي يفصل الجنوب من ان يعلن استقلاله باستفتاء التاسع من يناير 2011 أو حتى بإعلان هذا الاستقلال من داخل برلمان جنوب السودان وهو الأرجح على اقل وفق مؤشرات تنفيذ لاتفاق. هناك اثني عشرة بندا ما زال لم تحسم بعد أخطرها عملية ترسيم الحدود في جنوب كردفان والنيل الأزرق وجنوب دارفور والأخيرة هذه ستكون القنبلة التي ستجعل من برلمان الجنوب أن تعلن الاستفتاء من داخل برلمانها , خاصة اذا علمنا ان اتفاقية ابوجا نصت لى اعادة حدود دارفور الى ماكان عليه في 1/1/1956م بمعنى ان تكون لها حدود مع مصر واعادة المنطقة التي قطعت منها لاجل دعم الولاية الشمالية اقتصاديا بالاستفادة من إيرادات الجمارك بتحويل وتجفيف نقطتي مليط والحمرة الحدوديتيت في شمال كردفان وشمال دارفور ولاستفادة فيما بعد من موارد المنطقة المعدنية. بالإضافة الى إعادة حدود دارفور الجنوبية والتي تتحدث الخرط عن ان هذه الحدود تقع على مسافة 18 ثمانية عشر ميلا جنوب بحر العرب , وليس حفرة النحاس او الردوم فحسب . بمعنى ان هناك ثمة مشكلة ستحدث وما حدث من اشتباكات بين الدينكا والرزيقات هي مقدمة لما هو ات. وسيكون ادوات هذا الصراع هي المليشيات الموالية للخرطوم والاهالي من اهلنا الرعاة من الطرفين الدينكا والرزيقات , سيحصد ضعف ما تمشدق به النظام ان ثمة وقف للقتال وأصبحوا يقارنون ما بين تفت السودان واستمرار الحرب , هناك اصوات تبرر عملية انفصال الجنوب بمقايضة جنوب السودان بالدماء التي ستراق اذا لم يبرم هذا الاتفاق .والمعطيات تدل ان باستمرار هذا النظام سيكون هناك انفصال غير سلس وبالتالي حرب شاملة بتسليح أكثر قوة من ذي قبل وسيكون هناك لاعبين جدد في المسألة. قضايا أخرى ذات صلة ستجعل من رهان النظام على الجبهة الداخلية المزورة أزمة سوق كبر للمواسير , خاصة وبعض الأخبار التي رشحت عن أن هناك اتجاه لعزل عثمان كبر من الولاية ومن رئاسة المؤتمر في شمال دارفور وهذا قد يعجل بانقسام واستقطاب حاد وسط مجموعة لا تجمع بينهم الا المصلحة والمصلحة قد انتهت. التحدي الآخر هو تحدي السلام في دارفور عقب المؤامرة التي كانت تهدف إلى تصفية القضية بسلام يصدق فيها بفتات من الوظائف عبر الضغط على زعيم العدل والمساواة من اجل التراجع عن موقف حركته من منبر الدوحة باعتبارها الحركة الأقوى ولا يمكن إبرام سلام شامل يحقق الأمن بدونها, حاول بعض المغرضين والموترين تصوير ما جرى على انه انتصار للنظام وكأن حل مشكلة دارفور يكمن في شخص الدكتور خليل وحده , وبغباء مفرط نسوا أو تناسوا بأن العدل والمساواة لديها مؤسسات لا تتأثر بغياب أحد لا بموته ولا ببعده , وحدث على الأرض من هزائم متكررة للجيش الحكومي على يد قوات العدل والمساواة دليل قاطع على مؤسسية هذه الحركة ومؤشر آخر على أن السودان على موعد مع أبوجا أخرى . ومن المؤشرات التي يجب ان نضعها في الحسبان رفض واستهجان قواعد حركة العدل والمساواة في كافة مكاتبها ما حدث لزعيم الحركة ورفض العودة إلى المنبر مما وضع قيادة الحركة ومؤسساتها أمام استحقاق مهم هو رفض القواعد لما حدث وبالتالي العودة للمنبر لا يعبر عن الحركة وقواعدها ويضع كذلك المراهنين على عودة زعيم العدل والمساواة يضع هؤلاء في محك خطير ومهم ويجعل من توقيع اتفاق أمر في غاية الصعوبة خاصة بعد تصريح لأحد قادة حركة التحرير والعدالة من ان تأجيل المفاوضات أفضل للقضية من الاستمرار دون وجود العدل والمساواة حركة التحرير بقيادة عبد الواحد نور. يضاف إلى تصريحات الساسة الليبيين عن دهشتهم لطلب الحكومة السودانية و تشبثهم بفرد واحد وإغفالهم لمن هو خلف هذا الشخص في إشارة للدكتور خليل زعيم العدل والمساواة المتواجد حاليا في طرابلس. فضلا عن وجود فصائل أخرى خارج إطار العدل والمساواة والتحرير السيسي , هذا يجعل من تكرار تجربة أبوجا وعودة فكرة جبهة الخلاص أمراً مطروحاً. والأهم من في المسألة التشادية القاعدة العريضة للعدل والمساواة او المتعاطفين معها داخل دولة تشاد والذي ظهر خلال منع السلطان من عبور زعيم العدل والمساواة لأراضيها وعن محاولات لاقتحام للمطار من قوات كبيرة لولا رفض قادة العدل والمساواة للخطوة . ***يحاول بعض تجار الكلمة ان يغيروا وجه حقائق الأشياء , وأصبح همهم الأول ورهانهم على وثائق زعيم العدل والمساواة والجميع يعلم أدوار هؤلاء النفر , خاصة صاحب أقاصي الدنيا والذي يعمل هذه الايام صبي لدى كرزاي التحرير والعدالة , بالإضافة إلى عمله ألاستخباراتي في سفارة البشير بالإمارات العربية خلف واجهة الملحق الثقافي , وهو ينسج القصص من خياله المريض عن معارك قاضها العدل والمساواة ضد الفصائل الدارفورية وعن عدم قبول وترهات , ينسجها الرجل ولكن رسالتنا لهذا الموتور ان العدل والمساواة مؤسسة ولا يهمها بريق الكراسي والمناصب بقدر ما يهمها مصالح الشعب ونتحدى صاحب أقاصي الدنيا ان يكون لمن يستخدموك حتى لتوصيل الطلبات من والى الدوحة ان يكون لهم عشر ما لزعيم العدل والمساواة من قبول وجماهير في أرض السودان بكل أقاليمه. الدكتور بهويته السودانية والوطنية ومن فقدوا الهوية هم من يتاجرون بالكلمة من أجل لقمة السحت والمواقف الرخيصة. قال هذا الموتور أن الدكتور خليل في طريقه لخسارة الدوحة 1 والسؤال منذ متى كانت للمنابر قدسية ؟ العدل والمساواة لا تعرف القدسية إلا لقضيتها العادلة , لا قدسية لا للدوحة ولا لغيرها . لسنا ممن طاب لهم المقام في فنادق الخمس نجوم ونسوا أهليهم في خضم هذا الخداع المبرمج لتصفية القضية. ان انفصال الجنوب أصبح واقعاً لا تجمل وجه الواقع المؤلم لا بمرابطة السيد على عثمان بجوبا , الا بقدر وداع الرجل للمدينة الساحرة لانه قد لا يعود اليها الا بتأشيرة ممن قبلوا ما سموه بطلب نائب الرئيس من اجل التشجيع على الوحدة. كيف تتم الوحدة في ست شهور مع مزامير العنف الكراهية التي يملأ سماء لبلاد صباح مساء من صقور الانفصال في الشمال والجنوب , وبين سلام اجتماعي مفقود بين أهل الجنوب وشماله وبين سياسات لا يبادر فيها لاحتواء مشكل ماء الا بعد ان يصل مرحلة التعفن واليأس من ان تعاد للمسار الصحيح. دارفور بدأت بمطالب بسيطة , ولكن ردات الفعل التي توصف بالسيادية أخذتها العزة بالإثم فتفاقمت الأمور وأصبح أمر الحل مستعصيا ان لم يكن مستحيلا في ظل المؤتمر الحاكم , والأبعد من ذلك ظهور أصوات ولو بشكل خافت عن نزعتها للانفصال , وصفها بعض من ينصبون أنفسهم أوصياء على البلاد والعباد بنرجسية تاريخية من أهل دارفور !!! ولكن هذا الصوت ربما يصبح يوما ما هو الأعلى بين الأصوات إذا ما استمر هذا النظام. [email protected]