حضر (غاضبون) وغاب (درع السودان) وآخرين    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    شاهد بالصورة والفيديو.. تيكتوكر سودانية تثير ضجة غير مسبوقة: (بحب الأولاد الطاعمين "الحلوات" وخوتهم أفضل من خوة النسوان)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تظهر بدون "مكياج" وتغمز بعينها في مقطع طريف مع عازفها "كريستوفر" داخل أستوديو بالقاهرة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    "الجيش السوداني يصد هجومًا لمتمردي الحركة الشعبية في الدشول ويستولي على أسلحة ودبابات"    يبدو كالوحش.. أرنولد يبهر الجميع في ريال مدريد    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    غوغل تطلب من ملياري مستخدم تغيير كلمة مرور جيميل الآن    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    وجوه جديدة..تسريبات عن التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة السودانية    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    (برقو ومن غيرك يابرقو)    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في نتائج الإنتخابات ... بقلم: د. عمر القراي
نشر في سودانيل يوم 07 - 05 - 2010

(كذلك كذّب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين * ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين) صدق الله العظيم
أعلن مولانا أبيل ألير، رئيس المفوضية القومية للانتخابات، نتائج انتخابات الرئاسة، في مؤتمر صحفي عقد بقاعة الصداقة، وأذيع مباشرة من التلفزيون، في ظهر يوم 26/4/2010م، وذلك بعد ان بدأ الناس يضجرون، ويتساءلون عن تأخير إذاعة نتائج الانتخابات.. وكان مما ذكره أن السيد عمر حسن احمد البشير، قد فاز برئاسة الجمهورية، وحصل على نسبة 68.24 % من جملة أصوات المقترعين. وبلغ عدد الأصوات التي حصل عليها 6,901,694.. وذكر ان السيد سلفا كير ميارديت، قد فاز برئاسة حكومة الجنوب وحصل على 92.99% من جملة أصوات المقترعين بالجنوب، وبلغ عدد الأصوات التي نالها 2,616,613 (تلفزيون السودان 26/4/2010م). وكانت المفوضية قد أعلنت في وقت سابق، أن عدد الذين سجلوا 15,778,154 مواطن، فإذا نظرنا الى ما حصل عليه السيد البشير، من جملة أصوات المسجلين نجده 43.74%.. ومع ان القانون قد نص على ان نسبة ال 50% +1 إنما تحسب من أصوات المقترعين، إلا ان اعتبار المسجلين، يجئ هنا، من أن الذين سجلوا ولم يقترعوا، إنما فعلوا هذا عمداً بإعلانهم مقاطعة الانتخابات.. وهؤلاء الذين قاطعوا، إنما هم معترضون على سياسات الحكومة، فهم من ثم ضد السيد البشير، ويجب أن تخصم أصواتهم منه، وهذا لا يمكن ان يتم، الا باعتبار أن المرجعية عدد المسجلين وليس عدد المقترعين.. وهذا المنطق لا يحرم السيد البشير من الفوز، ولكنه يوضح مدى هزال ذلك الفوز من الناحية المنطقية. ومع كل ما حدث، فقد صرح السيد ياسر عرمان، في مؤتمر صحفي، عقد بعد إعلان فوز البشير مباشرة، بأن البشير لم يحصل على نسبة ال50% +1 وانما (أخذ له قرض غير حسن من اصواتنا)!! (أجراس الحرية 27/4/2010م). لقد تحدثنا في مقال سابق، عن تزوير الانتخابات، وكيف انه أمر قد أجمع عليه كل السودانيين، فالحركة الشعبية صرحت أكثر من مرة، بتزوير الانتخابات في الشمال.. كما صرح المؤتمر الوطني، بتزوير الانتخابات في الجنوب، فقال الرئيس البشير (الانتخابات في الجنوب مزورة وغير نزيهة ونحن نعلم الطريقة التي تمت بها وان الناخب الجنوبي لم يمنح حقه كاملاً في التصويت... نحن نعلم تفاصيل التفاصيل بما حدث في مراكز الاقتراع بالجنوب) (سودانيزاونلاين نقلاً عن الشرق الأوسط 2/5/2010م). فإذا أقر شريكا الحكم بأن الانتخابات مزورة فلماذا قبلا بها؟! ولماذا اشاد البشير بالمفوضية، وهي المسئول الأول إذا تم تزوير للانتخابات بالجنوب؟! ومهما يكن من أمر، فقد فاز في الجنوب من هم ضد الحركة، وسقط بعض منسوبيها، ولكن في الشمال لم يفز غير المؤتمر الوطني، مما يدل على شمولية التزوير، وفجاجته.. وإذا سلمنا بما قاله السيد ياسر عرمان، من ان البشير لم يكمل النسبة، واخذ له اصوات من مرشحين آخرين، فالسؤال هو: لماذا وافقت الحركة الشعبية، على هذا التزوير الفاضح؟!
ولقد اجمع المجتمع الدولي، حتى الذين يسعون الآن لمصلحة حكومة المؤتمر الوطني، على ان الانتخابات مزورة.. وفي هذا الصدد نقرأ (المبعوث الأمريكي سكوت غرايشن في زيارة تستغرق خمسة أيام يزور خلالها دارفور وجوبا ويلتقي عدداً من المسئولين ويناقش المسئول الأمريكي خلال محادثاته تشكيل مفوضية الإستفتاء وترسيم الحدود ولم تستبعد مصادر تحدثت للصحافة ان تستوضح الحكومة غرايشن قبيل دخوله في المباحثات عن ما نسب اليه من تصريحات في بعض وسائل الإعلام وصف فيها الانتخابات بالمزورة وقال ان موافقة واشنطن عليها تأتي من حرصها على استقلال الجنوب) (الصحافة 1/5/2010م). أما وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون فقد أعلنت (إلتزام بلادها بتقديم المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور الى العدالة الدولية وقالت كلينتون لتلفزيون (أن. بي.سي) ان الولايات المتحدة ترى ان الانتخابات التي أعيد من خلالها انتخاب الرئيس عمر البشير معيبة بكل المقاييس...)(الصحافة 3/5/2010م). ولم يكن هنالك أي مراقبين دوليين، أو محليين أثناء تجميع الأصوات.. وإنما ظن المراقبون ان عملهم انتهى بالفرز، هذا مع ان أحد ضباط معهد كارتر، كان قد نبه في اجتماع مع منظمات المجتمع المدني السودانية، إلى أن معظم التزوير، يحدث في تجميع الأصوات. ولقد أعلنت المفوضية، بعد الاقتراع، بأن البيانات لم يمكن ادخالها في الكمبيوتر، حتى يتم التجميع آلياً، وأنها ستضطر إلى العمل اليدوي، وحين احتجت بعثة الاتحاد الأوربي لمراقبة الانتخابات، أذاعت المفوضية أنها رجعت للتجميع والعد الإلكتروني!! وإذا كان المؤتمر الوطني، وأعضاء المفوضية، قد مارسوا التزوير في المراكز، ومعهم مراقبين، فهل نتوقع الا يفعلوا ذلك في مرحلة تجميع الأصوات التي لم يكن بها مراقبة، وتم جلها بالعمل اليدوي؟! ومهما يكن من أمر، فإن النسبة التي حصل عليها المرشح عمر حسن أحمد البشير، واصحب بموجبها رئيساً للجمهورية، بعد هذا التزوير الواسع، نسبة قليلة، لا تكفي لأن تدرأ عنه تهم المحكمة الجنائية الدولية، خاصة وان منافسه السيد ياسر عرمان، قد انسحب، فإذا تصورنا الانتخابات دون انسحابه، ودون أي تزوير، فهل كان البشير سيحصل حتى على مرتبة المرشح الثالث لرئاسة الجمهورية؟! (واعتبر سلفا كير حسب اليوم السابع أمس أن فرصة فوز ياسر عرمان مرشح الحركة الشعبية المنسحب كانت أكبر في الفوز من فرصة البشير مؤكداً ان حصول البشير على نسبة ضئيلة من اصوات الجنوب (8%) لا يعني بالضرورة نيّة جماهير الجنوب في الانفصال عبر الاستفتاء) (أجراس الحرية 4/5/2010م). والبشير لم يسقط في الجنوب فقط، وإنما في كل الهوامش، التي اندلعت فيها الحروب، وعايشت ويلاتها، وعانت من النزوح.. فقد حصل على 2% في منطقة أبيي، و31% في الشرق، و15% في جنوب دارفور، و23% في النيل الأزرق، ولم يفز بصورة سافرة الا في الشمالية 94%، وولاية النيل 91%، وبين المغتربين 93%.. وما كان له ان يحصل على نسبة كبيرة وسط المغتربين، لو لم تتولى السفارات المهمة، وتسلم أصوات الجميع، على أنهم مؤتمر وطني، لا تستثنى حتى المقيمين في هولندا، التي يقيم جميع السودانيين فيها كلاجئين سياسيين، منحوا الإقامة لما لقوا من نظام البشير!!
على أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: مادام المؤتمر الوطني، هو الذي اشرف على التزوير، كما تشير كافة الأدلة، فلماذا أعطى البشير نسبة فوز ضئيلة، لا تكاد تصل الى نصف المسجلين، بينما أعطى الولاة، وكافة منسوبي المؤتمر الوطني، نسب تتجاوز التسعين بالمئة؟! يرى بعض المراقبين المهتمين، أن المؤتمر الوطني قد ناقش هذا الموضوع، ولم يستطع بسبب تدني أصوات البشير في الهامش، ان يعطيه نسبة كبيرة، حتى لا تظهر النتيجة بشكل لا يمكن قبوله.. على أن آخرين، أقرب إلى المؤتمر الوطني، زعموا أن التيار الإسلامي داخل المؤتمر الوطني، سعى عن قصد، لتحجيم البشير.. وحرص بمبالغة غير مسبوقة، بأن يأتي ببرلمان كله من التيار الإسلامي، حتى لا يجد البشير مناصرين، حالة اختلافه مع الإسلاميين في أي أمر من الأمور. فالبرلمان الجديد، لا يحتاج حتى لمناقشة القضايا، لأنه وجهة نظر واحدة.. وهذا أسوأ أنواع البرلمانات، حينما تكون البلاد مواجهة بقرارات مصيرية، مثل انفصال بعض أجزائها عنها، واحتمال الرجوع إلى الحرب، وزيادة تهميش الهامش. وفي اتجاه التركيز على إخلاء البرلمان مما عداهم، لم يترددوا حتى في إبعاد لوائح التمثيل النسبي، التي ما سمح بها القانون الا لاعطاء فرص للاحزاب الصغيرة، أن تدخل بعض ممثليها البرلمان، فلا يمكن لأحد ان يصدق ان يعجز المؤتمر الشعبي، عن النسبة الضئيلة، التي يمكن على الأقل ان تدخل د. الترابي للبرلمان، ولكنهم لم يسمحوا بذلك.. وكان محتوى الرسالة، التي وجهت بهذه الفعلة، هي الانفراد بالسلطة، وتحجيم البشير، والاحاطة به، بهدف توجيه قراراته، والتخلص منه في الوقت المناسب، كما تم التخلص من الترابي من قبل.
لقد اتسم الدور الأمريكي بالغموض والتناقض، فهو يريد ضمان قيام الاستفتاء، الذي يمكن الجنوب من إقامة دولته المستقلة، ولعل ذلك بضغوط مقدرة، ومفهومة، من اليمين المسيحي في الولايات المتحدة.. والإدارة الأمريكية، في سبيل تحقيق تلك الغاية، تغض الطرف بقدر ما، عن تزوير الانتخابات، وفسادها ظناً منها أن المؤتمر الوطني سيقوم فعلاً بالاستفتاء كما وعد، والمؤتمر الوطني، يمكن أن يسمح بذهاب الجنوب، ولكنه لا يستطيع ان يقبل ذهاب البترول، إلا إذا استطاع الأمريكان أقناع حكومة الجنوب، أن تواصل مد الشمال بالبترول، حتى بعد انفصال الجنوب.. وهو أمر صعب، ولا يقبل بدون مقابل، والمؤتمر الوطني ليس لديه ما يقدمه للجنوب، غير الالتزام بعدم التدخل في شئونه، وعدم إثارة النعرات القبلية، وتغذية الجهات المعارضة للحركة الشعبية، التي تثير ما يهدد الاستقرار، ويعوق التنمية، التي يمكن أن تقوم بها حكومة الجنوب. ونيل الجنوب استقلاله، لن يكون نهائية المطاف، وإنما ستتبعه مطالبة دارفور، ثم جهات أخرى.. وأمريكا لا تمانع من تقسيم السودان الى دويلات، وقد يرى بعض محلليها، ان كبر السودان، من أسباب فشل حكوماته المتعاقبة، على ان تفتيت السودان، لن يتم بهدوء وسلام، ومتى ما بدأت الصراعات، أصبح السودان مرتعاً للجماعات الإسلامية المهووسة، التي تثير الإرهاب وتمثل الهاجس الأول للولايات المتحدة.. ونظام المؤتمر الوطني، لن يقف ضد هذه التيارات المتطرفة لصالح أمريكا، مهما انتفع من صداقتها، ومن هنا، من مهادنة نظام فاشي في تزييفه للديمقراطية، وعدم تصور مآلات هذه المهادنة، قلنا بخلل، وتناقض، الموقف الأمريكي.
إن من أول النتائج العملية، لفوز المؤتمر الوطني في الانتخابات، حدوث اضطرابات في الجنوب، اتهمت الحركة الشعبية المؤتمر الوطني بإثارتها.. فقد جاء (حذرت الحركة الشعبية من انهيار عملية السلام الشامل بالبلاد واتهمت شريكها المؤتمر الوطني بالبدء في زعزعة الاوضاع الامنية بالجنوب بهدف تعطيل إجراء الاستفتاء في مواعيده وأكدت انها ستثير تلك القضية مع دول الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيقاد) والأمم المتحدة والدول الداعمة لعملية السلام بالبلاد. وقال الأمين العام للحركة باقان أموم إن المؤتمر الوطني يدعم ما يسمى بالحركة الشعبية التغيير الديمقراطي في تكوين مليشيات أشار الى أنها بدأت فعلاً ضرب مناطق في الجنوب قاطعاً بأن الهدف من ذلك زعزعة الأوضاع الأمنية بالجنوب لتأجيل أو منع إجراء الاستفتاء في مواعيده وشدد "هذا خطر ويعد خيانة لاتفاق السلام الشامل" وأكد ان تلك الممارسات ستضر بعلاقة الشريكين وستقود لإنهيار السودان وتعطيل السلام بجانب خلق الفوضى)(الصحافة 2/5/2010م).
وأما النتيجة العملية الثانية لفوز المؤتمر الوطني، فهو ما حدث في دارفور، من قتل، وضرب، واعتقالات واسعة، في ما عرف بمأساة سوق المواسير. فقد جاء (بلغ عدد القتلى 24 قتيل، وأكثر من 65 جريح، جراء إطلاق الرصاص من قوات الشرطة، وقوات الأمن، في وجه مجموعة من المتظاهرين، الذين نظموا مسيرة سلمية، انطلقت صباح أمس الأحد 2/5 وفي تمام الساعة الثامنة والنصف صباحاً، من أحياء الوحدة والربع الخامس وسوق المواشي ووسط الفاشر متوجهة إلى منزل الوالي عثمان محمد يوسف كبر بغرض تسليم مذكرة تطالب بإرجاع حقوقهم. إلا أن قوات الشرطة والأمن كانوا بالمرصاد وقبل وصول المسيرة الى السوق أطلق عليها الرصاص إلى جانب الغاز المسيل للدموع فسقط 9 شهداء في الحال الا ان المتظاهرين واصلوا المسيرة باصرار متحدين كل العقبات وهتفوا "مليون شهيد لوالي جديد" ورفضت السلطات تسليم الجثامين الى ذويهم...)(سودانيزاونلاين 3/5/2010م).
وقصة سوق المواسير، تصلح لأن تكون مسلسل عن خداع توظيف الاموال.. فهي باختصار ان جهة مجهولة، دفقت أموال طائلة في السوق، في يد اثنين من قيادات المؤتمر الوطني، اللذين ترشحا وفازا في الانتخابات الأخيرة.. فقاما بافتتاح شركتين باسم شركة ابو قحطان، لصاحبها أدم إسماعيل، وقوز عجيبة لصاحبها موسى صديق، وقاموا بفتح حوالي 70 معرضاً، يشترون كافة البضائع من أصحابها بأسعار تزيد الضعف أحيانا عن ثمنها، مقابل شيك يصرف بعد شهرين أو ثلاثة.. وكان الموضوع في البداية يسير بصورة مرضية، إذ ربح كثير من المواطنين، حتى تحولت المدينة الى سوق كبير. بدا التوجس حين أشار بعض الأئمة إلى حرمة هذه المعاملات، واعتبارها ربا، ولكن تم اعتقالهم،وتهديدهم، ومنعهم من الخوض في أمر هذا السوق. وحين طارت شائعة قبل الانتخابات، بان المواطنين، قد لا يجدوا عائدات من شيكاتهم، خاطب الوالي عثمان كبر الموطنين، قائلاً (هذا السوق مسئولة عنه الدولة وكذلك أموال السوق وإذا ما أردتم استمرار السوق فصوتوا لي ولعمر البشير وإذا فعلتم ذلك سأضمن لكم الاستمرار ودفع كل ديونكم واستحقاقاتكم وإلا فستدفعوا الثمن باهظاً) وقامت إدارة السوق ببث دعاية، وملصقات في كافة أرجاء المدينة تقول (الشجرة تفوز حقك محفوظ) (تعطي الديك حقك عيييك)!! ومعلوم أن الشجرة هي رمز البشير، ورمز كبر، أما الديك فهو رمز أقوى منافسيه إبراهيم سليمان. ولقد اضطر المواطنون إزاء هذا التهديد بضياع أموالهم، آن يصوتوا لكبر، ففاز فوزاً ساحقاً.. ولكنهم فوجئوا بان شيكاتهم لم تصرف، وحقوقهم لم تحفظ، فاشتكوا، وفتحت النيابة بلاغات، بمبالغ طائلة، تخص آلاف المواطنين. ولدهشة أهل الفاشر، قام الوالي كبر بدعوة عشاء لوكلاء السوق في بيته، وبعد العشاء استدعى لهم الشرطة وقبض عليهم، وأودع 63 منهم سجن شالا الشهير، على طريقة غدر بني أمية والعباسيين بخصومهم.. وكان من ضمن المعتقلين آدم إسماعيل، وموسى صديق.. ثم وجه الوالي أئمة المساجد، أن يذكروا في خطبهم، أن معاملات سوق المواسير ربا، وتتعارض مع الشريعة الإسلامية، والقوانين المحلية.. وأذاع من الإذاعة ان على المتضررين اللجوء للقضاء. وكون المتضررون رابطة جعل المواطن ضرار عبد الله ضرار المدير التنفيذي لها، وهو الذي مد الصحف بما جرى في سوق المواسير. وما تزال البلاغات مفتوحة بحوالي 10 مليون جنيه. وحين خرج المواطنون المتضررون بمسيرة لتسليم مذكرة للوالي، تم ضربهم بالرصاص(راجع تفاصيل الموضوع في: الأهرام اليوم، الصحافة، اجراس الحرية، وسودانيزاونلاين من 1-5/5/2010م).
وهكذا كشفت قصة سوق المواسير المحزنة، وما جرى فيها من تضليل، وتشويه لقيم الدين، من اجل الكسب السياسي الرخيص، وما حدث في الجنوب من اضطرابات، النتائج الحقيقية لفوز المؤتمر الوطني، وكيف انه لم يفكر بصورة جادة فيما ينتظر منه كحزب فاز بانتخابات، يحتاج ان يرسخ على ضوئها ممارسة الديمقراطية، التي تضفي على الفوز، الزائف، بريقاً، هم في اشد الحاجة إليه، ما داموا قد فقدوا قيمة المحتوى.
د. عمر القراي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.