رئيس مجلس السيادة القائد العام والرئيس التركي يجريان مباحثات مشتركة بشأن دعم وتعزيز علاقات التعاون المشترك    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    سقوط منتخبنا.. اليوم والايام التالية..!!    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    بعثة الرابطة تودع ابوحمد في طريقها الى السليم    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في نتائج الإنتخابات ... بقلم: د. عمر القراي
نشر في سودانيل يوم 07 - 05 - 2010

(كذلك كذّب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين * ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين) صدق الله العظيم
أعلن مولانا أبيل ألير، رئيس المفوضية القومية للانتخابات، نتائج انتخابات الرئاسة، في مؤتمر صحفي عقد بقاعة الصداقة، وأذيع مباشرة من التلفزيون، في ظهر يوم 26/4/2010م، وذلك بعد ان بدأ الناس يضجرون، ويتساءلون عن تأخير إذاعة نتائج الانتخابات.. وكان مما ذكره أن السيد عمر حسن احمد البشير، قد فاز برئاسة الجمهورية، وحصل على نسبة 68.24 % من جملة أصوات المقترعين. وبلغ عدد الأصوات التي حصل عليها 6,901,694.. وذكر ان السيد سلفا كير ميارديت، قد فاز برئاسة حكومة الجنوب وحصل على 92.99% من جملة أصوات المقترعين بالجنوب، وبلغ عدد الأصوات التي نالها 2,616,613 (تلفزيون السودان 26/4/2010م). وكانت المفوضية قد أعلنت في وقت سابق، أن عدد الذين سجلوا 15,778,154 مواطن، فإذا نظرنا الى ما حصل عليه السيد البشير، من جملة أصوات المسجلين نجده 43.74%.. ومع ان القانون قد نص على ان نسبة ال 50% +1 إنما تحسب من أصوات المقترعين، إلا ان اعتبار المسجلين، يجئ هنا، من أن الذين سجلوا ولم يقترعوا، إنما فعلوا هذا عمداً بإعلانهم مقاطعة الانتخابات.. وهؤلاء الذين قاطعوا، إنما هم معترضون على سياسات الحكومة، فهم من ثم ضد السيد البشير، ويجب أن تخصم أصواتهم منه، وهذا لا يمكن ان يتم، الا باعتبار أن المرجعية عدد المسجلين وليس عدد المقترعين.. وهذا المنطق لا يحرم السيد البشير من الفوز، ولكنه يوضح مدى هزال ذلك الفوز من الناحية المنطقية. ومع كل ما حدث، فقد صرح السيد ياسر عرمان، في مؤتمر صحفي، عقد بعد إعلان فوز البشير مباشرة، بأن البشير لم يحصل على نسبة ال50% +1 وانما (أخذ له قرض غير حسن من اصواتنا)!! (أجراس الحرية 27/4/2010م). لقد تحدثنا في مقال سابق، عن تزوير الانتخابات، وكيف انه أمر قد أجمع عليه كل السودانيين، فالحركة الشعبية صرحت أكثر من مرة، بتزوير الانتخابات في الشمال.. كما صرح المؤتمر الوطني، بتزوير الانتخابات في الجنوب، فقال الرئيس البشير (الانتخابات في الجنوب مزورة وغير نزيهة ونحن نعلم الطريقة التي تمت بها وان الناخب الجنوبي لم يمنح حقه كاملاً في التصويت... نحن نعلم تفاصيل التفاصيل بما حدث في مراكز الاقتراع بالجنوب) (سودانيزاونلاين نقلاً عن الشرق الأوسط 2/5/2010م). فإذا أقر شريكا الحكم بأن الانتخابات مزورة فلماذا قبلا بها؟! ولماذا اشاد البشير بالمفوضية، وهي المسئول الأول إذا تم تزوير للانتخابات بالجنوب؟! ومهما يكن من أمر، فقد فاز في الجنوب من هم ضد الحركة، وسقط بعض منسوبيها، ولكن في الشمال لم يفز غير المؤتمر الوطني، مما يدل على شمولية التزوير، وفجاجته.. وإذا سلمنا بما قاله السيد ياسر عرمان، من ان البشير لم يكمل النسبة، واخذ له اصوات من مرشحين آخرين، فالسؤال هو: لماذا وافقت الحركة الشعبية، على هذا التزوير الفاضح؟!
ولقد اجمع المجتمع الدولي، حتى الذين يسعون الآن لمصلحة حكومة المؤتمر الوطني، على ان الانتخابات مزورة.. وفي هذا الصدد نقرأ (المبعوث الأمريكي سكوت غرايشن في زيارة تستغرق خمسة أيام يزور خلالها دارفور وجوبا ويلتقي عدداً من المسئولين ويناقش المسئول الأمريكي خلال محادثاته تشكيل مفوضية الإستفتاء وترسيم الحدود ولم تستبعد مصادر تحدثت للصحافة ان تستوضح الحكومة غرايشن قبيل دخوله في المباحثات عن ما نسب اليه من تصريحات في بعض وسائل الإعلام وصف فيها الانتخابات بالمزورة وقال ان موافقة واشنطن عليها تأتي من حرصها على استقلال الجنوب) (الصحافة 1/5/2010م). أما وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون فقد أعلنت (إلتزام بلادها بتقديم المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور الى العدالة الدولية وقالت كلينتون لتلفزيون (أن. بي.سي) ان الولايات المتحدة ترى ان الانتخابات التي أعيد من خلالها انتخاب الرئيس عمر البشير معيبة بكل المقاييس...)(الصحافة 3/5/2010م). ولم يكن هنالك أي مراقبين دوليين، أو محليين أثناء تجميع الأصوات.. وإنما ظن المراقبون ان عملهم انتهى بالفرز، هذا مع ان أحد ضباط معهد كارتر، كان قد نبه في اجتماع مع منظمات المجتمع المدني السودانية، إلى أن معظم التزوير، يحدث في تجميع الأصوات. ولقد أعلنت المفوضية، بعد الاقتراع، بأن البيانات لم يمكن ادخالها في الكمبيوتر، حتى يتم التجميع آلياً، وأنها ستضطر إلى العمل اليدوي، وحين احتجت بعثة الاتحاد الأوربي لمراقبة الانتخابات، أذاعت المفوضية أنها رجعت للتجميع والعد الإلكتروني!! وإذا كان المؤتمر الوطني، وأعضاء المفوضية، قد مارسوا التزوير في المراكز، ومعهم مراقبين، فهل نتوقع الا يفعلوا ذلك في مرحلة تجميع الأصوات التي لم يكن بها مراقبة، وتم جلها بالعمل اليدوي؟! ومهما يكن من أمر، فإن النسبة التي حصل عليها المرشح عمر حسن أحمد البشير، واصحب بموجبها رئيساً للجمهورية، بعد هذا التزوير الواسع، نسبة قليلة، لا تكفي لأن تدرأ عنه تهم المحكمة الجنائية الدولية، خاصة وان منافسه السيد ياسر عرمان، قد انسحب، فإذا تصورنا الانتخابات دون انسحابه، ودون أي تزوير، فهل كان البشير سيحصل حتى على مرتبة المرشح الثالث لرئاسة الجمهورية؟! (واعتبر سلفا كير حسب اليوم السابع أمس أن فرصة فوز ياسر عرمان مرشح الحركة الشعبية المنسحب كانت أكبر في الفوز من فرصة البشير مؤكداً ان حصول البشير على نسبة ضئيلة من اصوات الجنوب (8%) لا يعني بالضرورة نيّة جماهير الجنوب في الانفصال عبر الاستفتاء) (أجراس الحرية 4/5/2010م). والبشير لم يسقط في الجنوب فقط، وإنما في كل الهوامش، التي اندلعت فيها الحروب، وعايشت ويلاتها، وعانت من النزوح.. فقد حصل على 2% في منطقة أبيي، و31% في الشرق، و15% في جنوب دارفور، و23% في النيل الأزرق، ولم يفز بصورة سافرة الا في الشمالية 94%، وولاية النيل 91%، وبين المغتربين 93%.. وما كان له ان يحصل على نسبة كبيرة وسط المغتربين، لو لم تتولى السفارات المهمة، وتسلم أصوات الجميع، على أنهم مؤتمر وطني، لا تستثنى حتى المقيمين في هولندا، التي يقيم جميع السودانيين فيها كلاجئين سياسيين، منحوا الإقامة لما لقوا من نظام البشير!!
على أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: مادام المؤتمر الوطني، هو الذي اشرف على التزوير، كما تشير كافة الأدلة، فلماذا أعطى البشير نسبة فوز ضئيلة، لا تكاد تصل الى نصف المسجلين، بينما أعطى الولاة، وكافة منسوبي المؤتمر الوطني، نسب تتجاوز التسعين بالمئة؟! يرى بعض المراقبين المهتمين، أن المؤتمر الوطني قد ناقش هذا الموضوع، ولم يستطع بسبب تدني أصوات البشير في الهامش، ان يعطيه نسبة كبيرة، حتى لا تظهر النتيجة بشكل لا يمكن قبوله.. على أن آخرين، أقرب إلى المؤتمر الوطني، زعموا أن التيار الإسلامي داخل المؤتمر الوطني، سعى عن قصد، لتحجيم البشير.. وحرص بمبالغة غير مسبوقة، بأن يأتي ببرلمان كله من التيار الإسلامي، حتى لا يجد البشير مناصرين، حالة اختلافه مع الإسلاميين في أي أمر من الأمور. فالبرلمان الجديد، لا يحتاج حتى لمناقشة القضايا، لأنه وجهة نظر واحدة.. وهذا أسوأ أنواع البرلمانات، حينما تكون البلاد مواجهة بقرارات مصيرية، مثل انفصال بعض أجزائها عنها، واحتمال الرجوع إلى الحرب، وزيادة تهميش الهامش. وفي اتجاه التركيز على إخلاء البرلمان مما عداهم، لم يترددوا حتى في إبعاد لوائح التمثيل النسبي، التي ما سمح بها القانون الا لاعطاء فرص للاحزاب الصغيرة، أن تدخل بعض ممثليها البرلمان، فلا يمكن لأحد ان يصدق ان يعجز المؤتمر الشعبي، عن النسبة الضئيلة، التي يمكن على الأقل ان تدخل د. الترابي للبرلمان، ولكنهم لم يسمحوا بذلك.. وكان محتوى الرسالة، التي وجهت بهذه الفعلة، هي الانفراد بالسلطة، وتحجيم البشير، والاحاطة به، بهدف توجيه قراراته، والتخلص منه في الوقت المناسب، كما تم التخلص من الترابي من قبل.
لقد اتسم الدور الأمريكي بالغموض والتناقض، فهو يريد ضمان قيام الاستفتاء، الذي يمكن الجنوب من إقامة دولته المستقلة، ولعل ذلك بضغوط مقدرة، ومفهومة، من اليمين المسيحي في الولايات المتحدة.. والإدارة الأمريكية، في سبيل تحقيق تلك الغاية، تغض الطرف بقدر ما، عن تزوير الانتخابات، وفسادها ظناً منها أن المؤتمر الوطني سيقوم فعلاً بالاستفتاء كما وعد، والمؤتمر الوطني، يمكن أن يسمح بذهاب الجنوب، ولكنه لا يستطيع ان يقبل ذهاب البترول، إلا إذا استطاع الأمريكان أقناع حكومة الجنوب، أن تواصل مد الشمال بالبترول، حتى بعد انفصال الجنوب.. وهو أمر صعب، ولا يقبل بدون مقابل، والمؤتمر الوطني ليس لديه ما يقدمه للجنوب، غير الالتزام بعدم التدخل في شئونه، وعدم إثارة النعرات القبلية، وتغذية الجهات المعارضة للحركة الشعبية، التي تثير ما يهدد الاستقرار، ويعوق التنمية، التي يمكن أن تقوم بها حكومة الجنوب. ونيل الجنوب استقلاله، لن يكون نهائية المطاف، وإنما ستتبعه مطالبة دارفور، ثم جهات أخرى.. وأمريكا لا تمانع من تقسيم السودان الى دويلات، وقد يرى بعض محلليها، ان كبر السودان، من أسباب فشل حكوماته المتعاقبة، على ان تفتيت السودان، لن يتم بهدوء وسلام، ومتى ما بدأت الصراعات، أصبح السودان مرتعاً للجماعات الإسلامية المهووسة، التي تثير الإرهاب وتمثل الهاجس الأول للولايات المتحدة.. ونظام المؤتمر الوطني، لن يقف ضد هذه التيارات المتطرفة لصالح أمريكا، مهما انتفع من صداقتها، ومن هنا، من مهادنة نظام فاشي في تزييفه للديمقراطية، وعدم تصور مآلات هذه المهادنة، قلنا بخلل، وتناقض، الموقف الأمريكي.
إن من أول النتائج العملية، لفوز المؤتمر الوطني في الانتخابات، حدوث اضطرابات في الجنوب، اتهمت الحركة الشعبية المؤتمر الوطني بإثارتها.. فقد جاء (حذرت الحركة الشعبية من انهيار عملية السلام الشامل بالبلاد واتهمت شريكها المؤتمر الوطني بالبدء في زعزعة الاوضاع الامنية بالجنوب بهدف تعطيل إجراء الاستفتاء في مواعيده وأكدت انها ستثير تلك القضية مع دول الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيقاد) والأمم المتحدة والدول الداعمة لعملية السلام بالبلاد. وقال الأمين العام للحركة باقان أموم إن المؤتمر الوطني يدعم ما يسمى بالحركة الشعبية التغيير الديمقراطي في تكوين مليشيات أشار الى أنها بدأت فعلاً ضرب مناطق في الجنوب قاطعاً بأن الهدف من ذلك زعزعة الأوضاع الأمنية بالجنوب لتأجيل أو منع إجراء الاستفتاء في مواعيده وشدد "هذا خطر ويعد خيانة لاتفاق السلام الشامل" وأكد ان تلك الممارسات ستضر بعلاقة الشريكين وستقود لإنهيار السودان وتعطيل السلام بجانب خلق الفوضى)(الصحافة 2/5/2010م).
وأما النتيجة العملية الثانية لفوز المؤتمر الوطني، فهو ما حدث في دارفور، من قتل، وضرب، واعتقالات واسعة، في ما عرف بمأساة سوق المواسير. فقد جاء (بلغ عدد القتلى 24 قتيل، وأكثر من 65 جريح، جراء إطلاق الرصاص من قوات الشرطة، وقوات الأمن، في وجه مجموعة من المتظاهرين، الذين نظموا مسيرة سلمية، انطلقت صباح أمس الأحد 2/5 وفي تمام الساعة الثامنة والنصف صباحاً، من أحياء الوحدة والربع الخامس وسوق المواشي ووسط الفاشر متوجهة إلى منزل الوالي عثمان محمد يوسف كبر بغرض تسليم مذكرة تطالب بإرجاع حقوقهم. إلا أن قوات الشرطة والأمن كانوا بالمرصاد وقبل وصول المسيرة الى السوق أطلق عليها الرصاص إلى جانب الغاز المسيل للدموع فسقط 9 شهداء في الحال الا ان المتظاهرين واصلوا المسيرة باصرار متحدين كل العقبات وهتفوا "مليون شهيد لوالي جديد" ورفضت السلطات تسليم الجثامين الى ذويهم...)(سودانيزاونلاين 3/5/2010م).
وقصة سوق المواسير، تصلح لأن تكون مسلسل عن خداع توظيف الاموال.. فهي باختصار ان جهة مجهولة، دفقت أموال طائلة في السوق، في يد اثنين من قيادات المؤتمر الوطني، اللذين ترشحا وفازا في الانتخابات الأخيرة.. فقاما بافتتاح شركتين باسم شركة ابو قحطان، لصاحبها أدم إسماعيل، وقوز عجيبة لصاحبها موسى صديق، وقاموا بفتح حوالي 70 معرضاً، يشترون كافة البضائع من أصحابها بأسعار تزيد الضعف أحيانا عن ثمنها، مقابل شيك يصرف بعد شهرين أو ثلاثة.. وكان الموضوع في البداية يسير بصورة مرضية، إذ ربح كثير من المواطنين، حتى تحولت المدينة الى سوق كبير. بدا التوجس حين أشار بعض الأئمة إلى حرمة هذه المعاملات، واعتبارها ربا، ولكن تم اعتقالهم،وتهديدهم، ومنعهم من الخوض في أمر هذا السوق. وحين طارت شائعة قبل الانتخابات، بان المواطنين، قد لا يجدوا عائدات من شيكاتهم، خاطب الوالي عثمان كبر الموطنين، قائلاً (هذا السوق مسئولة عنه الدولة وكذلك أموال السوق وإذا ما أردتم استمرار السوق فصوتوا لي ولعمر البشير وإذا فعلتم ذلك سأضمن لكم الاستمرار ودفع كل ديونكم واستحقاقاتكم وإلا فستدفعوا الثمن باهظاً) وقامت إدارة السوق ببث دعاية، وملصقات في كافة أرجاء المدينة تقول (الشجرة تفوز حقك محفوظ) (تعطي الديك حقك عيييك)!! ومعلوم أن الشجرة هي رمز البشير، ورمز كبر، أما الديك فهو رمز أقوى منافسيه إبراهيم سليمان. ولقد اضطر المواطنون إزاء هذا التهديد بضياع أموالهم، آن يصوتوا لكبر، ففاز فوزاً ساحقاً.. ولكنهم فوجئوا بان شيكاتهم لم تصرف، وحقوقهم لم تحفظ، فاشتكوا، وفتحت النيابة بلاغات، بمبالغ طائلة، تخص آلاف المواطنين. ولدهشة أهل الفاشر، قام الوالي كبر بدعوة عشاء لوكلاء السوق في بيته، وبعد العشاء استدعى لهم الشرطة وقبض عليهم، وأودع 63 منهم سجن شالا الشهير، على طريقة غدر بني أمية والعباسيين بخصومهم.. وكان من ضمن المعتقلين آدم إسماعيل، وموسى صديق.. ثم وجه الوالي أئمة المساجد، أن يذكروا في خطبهم، أن معاملات سوق المواسير ربا، وتتعارض مع الشريعة الإسلامية، والقوانين المحلية.. وأذاع من الإذاعة ان على المتضررين اللجوء للقضاء. وكون المتضررون رابطة جعل المواطن ضرار عبد الله ضرار المدير التنفيذي لها، وهو الذي مد الصحف بما جرى في سوق المواسير. وما تزال البلاغات مفتوحة بحوالي 10 مليون جنيه. وحين خرج المواطنون المتضررون بمسيرة لتسليم مذكرة للوالي، تم ضربهم بالرصاص(راجع تفاصيل الموضوع في: الأهرام اليوم، الصحافة، اجراس الحرية، وسودانيزاونلاين من 1-5/5/2010م).
وهكذا كشفت قصة سوق المواسير المحزنة، وما جرى فيها من تضليل، وتشويه لقيم الدين، من اجل الكسب السياسي الرخيص، وما حدث في الجنوب من اضطرابات، النتائج الحقيقية لفوز المؤتمر الوطني، وكيف انه لم يفكر بصورة جادة فيما ينتظر منه كحزب فاز بانتخابات، يحتاج ان يرسخ على ضوئها ممارسة الديمقراطية، التي تضفي على الفوز، الزائف، بريقاً، هم في اشد الحاجة إليه، ما داموا قد فقدوا قيمة المحتوى.
د. عمر القراي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.