تساؤل طرحه بشكل لافت مجموعة من مبدعي السودان على لسان الأستاذ هاشم صديق :"هل أضاع السياسيون هذا الوطن أم أضعناه نحن؟". كان هذا ضمن ما جاء في حملة مبدعين ضد اليأس التي دُشّن لها خلال مؤتمر صحفي يوم الخميس الماضي حسب صحيفة (الرأي العام) عدد الجمعة 7مايو الجاري. ويعتبر هذا أحد المشاهد التي تمثل ظاهرة حضارية برزت بقوة في المجتمع السوداني من خلال تبني قادة المجتمع المدني من مثقفين وفنانين ونجوم مجتمع لقضايا وطنية في دعوتهم إلى التمسك بالوحدة والتنمية. لا أظن أن مجموعة حملة مبدعين ضد اليأس تنتظر مثلنا إجابة على هذا التساؤل ولكن كل من ولد له إبداع بعد يونيو 89 لا يزال ينظر إلى ساعته ويدون هزيمة الوقت متحملاً اقتراف ابداعه وتبعاته منذ ذاك التاريخ .السؤال قديم ولكن هاجس الشاعر وحساسيته اختزلته في تحمل المسئولية بشكل من الأشكال.فبدلاً من البحث عن إجابة أو انتظارها تحركت المجموعة لتحمي وتذود عن قضايا وطنية بمنتهى الوضوح والشفافية رافعة ستار الغموض وكاشفة عن سلبية اعتمد عليها صناع القرار وساعدتهم في اتقان فن المراوغة. لم يحجّم انفعالي بالظاهرة غير ضرورة النظر في الجانب الأهم من الإجابة العميقة على هذا التساؤل. فالكل كان ينتظر ما بعد أبريل ، ولكل حساباته الخاصة مع هذا الشهر ، شهر بلا نفقة ولكن أيامه عُدّت على عجل .فالغائبون يعدون ليالٍ بطيئة تفصل بينهم وبين العودة والماكثون على جمرهم يباعدون ما بين النهارات القائظة في انتظار الفرج القريب .ومن بين كل خيبات الشهر خرج هذا المشروع (عشان بلدنا) بقيادة الأستاذ عثمان النو داعياً إلى الوحدة بعد أن أصبح الانفصال غاب قوسين أو أدنى. إذن هناك ضرورة دعت عقد مبدعي الوطن يُنظم من جديد لاجتراح هذا الاسم (عشان بلدنا) دون تبنٍ حزبي أو سياسي انتصاراً لفكرة جوهرها الانتماء إلى قيم الخير والجمال . لقد ظلت الوحدة بحمولتها العاطفية تعكس رغبة الأغلبية من مثقفي الشمال . رغبة في ألا ينقسم الوطن إلى نصفين ورهبة من منظر دماء تتقطر عند نصل الحدين .أما بالنسبة للجنوب فلم تعد الوحدة خياراً جاذباً إذ تدل أغلب المؤشرات على أن خيار الانفصال هو الأرجح ولكن لحين يحسم الاستفتاء هذا الأمر فإن مشروع (عشان بلدنا) يحاول أن يوقد شمعة تبدد ظلام الاحباط والبؤس الذي عانى منه أبناء الوطن في الجنوب قبل إخوانهم في الشمال . وفي إعلان المجموعة لمهرجانها الذي سيبدأ في العاشر من مايو الجاري للترويج للوحدة والتنمية من خلال احتفالات تنتقل إلى الجنوب ينبعث صدىً ويتردد منذ أن عنّ خيار الانفصال وظهر إلى الوجود فوجد من بعض الانفصاليين شيعة في الشمال وشيعة في الجنوب يوقدون فتيله كتابات ودعوات حتى بدوا وكأنهم أصحاب الحق وأصحاب الوجعة مع أنهم في نعيمهم الشمالي يعمهون . ولأن تأخر هذا المشروع في الخروج إلى النور فهو خير من الجمود والسلبية التي أصيب بها المجتمع السوداني في الآونة الأخيرة فأصبح الصبح وهو لا يزال منتظراً ما تجود به أقدار السياسة بينما المجتمعات من حولنا تتغير بيدها فإن لم تستطع فبلسانها وحتى بأضعف الإيمان . هذا المشروع يعني كل الناس ودور المبدعين فيه لتسخير إبداعهم وفنهم وكتاباتهم وأدبهم لخدمة القضايا الوطنية والتعبير عن جمال الأفكار بشكلها التجريدي من أجل ترسيخ الرسالة التي قطعت من عمر هذا الوطن زمناً طويلاً ومرت بأجيال وأجيال كل حملتها دون كلل أو ملل . ففكرة مثل فكرة الوحدة والتنمية يجب أن تتجاوز المفاهيم الرسالية فهي قد وصلت وجاء أوان تحقيقها بشكل إجرائي . هؤلاء المبدعون يعكسون جمال الفكرة المشروع ، يركزون على قيمة الفعل وجوهره بينما يركز السياسيون على شكل الفكرة وقشرتها فأي الفريقين يحمل الناس على الاستجابة الذاتية لما يدعو إليه؟ عن صحيفة "الأحداث" moaney [[email protected]]