للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    هل رضيت؟    موقف موسى هلال يجب أن يسجل في دفاتر التاريخ    الخال والسيرة الهلالية!    الدعم السريع يغتال حمد النيل شقيق ابوعاقلة كيكل    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    وصول البرهان إلى شندي ووالي شمال كردفان يقدم تنويرا حول الانتصارات بالابيض    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    نائب البرهان يصدر توجيها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    بمشاركة أمريكا والسعودية وتركيا .. الإمارات تعلن انطلاق التمرين الجوي المشترك متعدد الجنسيات "علم الصحراء 9" لعام 2024    تراجع أم دورة زمن طبيعية؟    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    محمد وداعة يكتب: حميدتى .. فى مواجهة ( ماغنتيسكى )    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    شاهد.. الفنانة مروة الدولية تطرح أغنيتها الجديدة في يوم عقد قرانها تغني فيها لزوجها سعادة الضابط وتتغزل فيه: (زول رسمي جنتل عديل يغطيه الله يا ناس منه العيون يبعدها)    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ظلال الأمير ... الشيخ الغاية والوسيلة ... بقلم: تيسير حسن إدريس
نشر في سودانيل يوم 22 - 05 - 2010

ما حك جلدك مثل ظفرك .... و الجمرة بتحرق الواطيها ... أمثلة شعبية عرفها إنسان السودان البسيط ، فهمها وأدرك كنهها فكيف تغيب عن ذاكرة ساستنا الكرام قادة الأحزاب المعارضة لنظام الإنقاذ ، أم أصابهم ما أصاب شباب الأمة من لوثة الحصول علي (أللوتري) وحل مشاكلهم بضربة حظ تنقلهم إلي ارض الأحلام ديار العم سام ، فصار هذا سعيهم و وسيلتهم لحل معضلات الوطن و التي يأتي علي رأسها وجود نظام الإنقاذ بكل مثالبه و مشاريعه المدمرة. هل عقمت الساحة السياسية السودانية عن تقديم المبادرات الجريئة ؟! و عافت الألم مخاض انتفاضة شعبية جديدة تزيل أدران هذا النظام ؟؟ ... ليتحول الوطن بقدرة قادر لمسرح للعبث (يقدل فيه الورال) وتتحول أحزابنا التاريخية لمجرد ظاهرة صوتية لا تمل العويل و البكاء منكسرة تضع يدها تحت خدها (متمحنة!!!) مثل حسناء أكملت الثلاثين ربيعا و لا شبح بعل يلوح في الأفق في انتظار (جودو) الأمريكي (الذي لا يأتي و يأتي).
لو عاش صموئيل بكيت إلي هذا الزمان الأغبر لأيقن بان مسرحه التجريبي لم يكن (لا عبثيا ولا ... لا معقول) ولخبر حجم عبقريته و صدق فكرته التي شخصت بدقة داء أحزابنا السودانية التي عجزت حتى علي الإجابة بصدق وشجاعة علي الأسئلة التي أرقت جموع الشعب السوداني وجعلته في حيرة من أمره وهي كيف استطاعت الجماعة الإسلامية (الجبهة القومية الإسلامية) خداعهم و الوصول إلي السلطة ؟!! بل و الاستمرار فيها طوال هذه السنوات العشرون الماضية و مازالت رغم كل المآسي التي خلقتها والفتن والأحقاد التي أيقظتها متحكرة فيها حتى اليوم؟!! وربما لسنوات عجاف قادمات!!! وكيف اسطاعوا تغيب وعي هذا الكم من الجماهير وجمعهم حول برنامج اقل ما يمكن أن يوصف بيه انه ظلامي ومتوحش وبعيد عن روح العصر؟!! رغم أنهم كتنظيم سياسي لم يكونوا حتى منتصف ستينات القرن الماضي سوى لاعبا ثانويا و ممثل (كومبارس) علي مسرح السياسة السودانية وكانت أسمى غايتهم إن يتم تعين وزيرا منهم في حكومة أو ينتخب نائبا عنهم في برلمان.
إذن ماذا حدث ؟!! هل وجدوا مصباح علاء الدين ؟!! آم كشف عنهم الحجاب ليتمكنوا من فعل ما فعلوه؟!!. لتشخيص هذه الحالة ( السوبر- ورمية) الدخيلة علي الساحة السياسية السودانية لا بد أن نقر ونعترف بأمرين... أولهما إن ضعف الأحزاب والمنظمات السياسية الأخرى وأيضا منظمات المجتمع المدني وعجزها عن القيام بالدور التنويري اللازم وتقديم برامج ذات أهداف محددة تعمل علي رفع الوعي الجماهيري وإحداث التنمية المنشودة لتكون حافز قويا لتلك الجماهير لكي تلتف حولها و تشعر بأهمية وجودها وبالتالي تعمل علي المحافظة عليها و حمايتها غير إن واقع الضعف والعجز داخل هذه الأحزاب و المنظمات قد أدى لنفور قدر مقدر من هذه الجماهير وبحثها عن البديل الصادق و البرنامج المقنع الذي يرضي تطلعاتها ويستجيب لأمالها وطموحاتها وبذلك تكون هي نفسها الأحزاب التي تتباكى اليوم علي (اللبن المسكوب) قد هيئة المناخ واعدته دون أن تدري لتشكل هذه الحالة (السوبر– ورمية) و تمددها وسط الجماهير ومن ثم ظهورها فجاءه ( كعنقاء الرماد من الدمار). آما ثانيهما فهو بروز شخصية الشيخ حسن الترابي كظاهرة فريدة و جديدة منذ أن عرفته الساحة السياسية السودانية في منتصف القرن الماضي و عدم التعامل مع هذه الظاهرة الترابية بالجدية التي كانت يجب أن تعامل بها فالرجل ذو ملكات و إمكانيات خاصة لا تتوفر في كثير من قادة الأحزاب الأخرى كان يجب الانتباه له منذ إن كان مدخله الرئيس لتوطيد أقدامه في الساحة السياسة مدخل غير سياسي بل كان اجتماعي بحت بامتياز وذلك عندما قرر أن يقتحم عائلة زعيم الثورة المهدية مصاهرا إن هذه الخطوة تكشف أن الرجل يحسب بدقة ويتحسس موضع قدميه فهي خطوة مهدت بلا شك لما بعدها من خطوات باهرات ظافرات في تاريخ رجل ظل في بقعة الضوء وما زال طوال نصف قرن من الزمان.
إن الشيخ حسن الترابي أو (دكتور الترابي) كما يحلو لحواريه أن يسموه قد استطاع أن يسوس الجماعة الإسلامية أو الفرع الرئيسي منها بعد إن انشق عنها الجناح( الطوباوي ) ذو النزعة الدعوية الإرشادية بمزيج عجيب من خلطة سحرية يملك وحدة مواصفات ومعاير مكوناتها و مفتاح شفرتها فهي مزيج لأصول معتقديه دينية ومبادئ و نظريات فلسفية و فكرية متناقضة استطاع بعبقريته أن يألف تناقضاتها ويخرج ببناء فلسفي (بروغماتي) ظاهره وشعاره ديني إسلامي وجوهرة مكيافيللي بحت حيث( الغاية تبرر الوسيلة) ولكنه بناء مستساغ للجماعة و لكثير من العامة أيضا وهنا مربط عبقرية الشيخ التي سوف نحاول سبر غورها بإرجاع النظر في مواقف الشيخ و محطاته المهمة في تاريخ السياسية السودانية.
ولتكن ضربة البداية مما ذكرنا آنفا من تمكنه من تصفية و إقصاء الجناح الدعوي الإرشادي بقيادة الشيخ (الصادق عبد الله عبد الماجد) وإحداث التمايز و المفاصلة بين التيارين وإظهارها للعلن كوثيقة طلاق باين لا رجعة فيه موصد بذلك باب التسوية وإصلاح ذات البين بعد أن تأكد من خطورة وجودهم كتيار داخل الجماعة علي خططه وخطواته المستقبلية والتي حسم الشيخ أمرها واعد العدة لتنفيذها (ولعل الفترة التي قضاها دارسا بجامعة السوربون في أواخر الخمسينات بباريس إعانته في حسم صراعه مع النفس وتحديد منهج و أسلوب حياته القادم) وتلك فترة حاول شيخنا جاهدا إخفاء تفاصيلها حيث نجده لا يذكرها إلا لماما في معرض الحديث. و بالصدفة المحضة وقع بيدي أخيرا مقال للأستاذ الصحفي السعودي الساخر (مشعل السد يري) جاء فيه من أمر تلك الفترة ما يلي: (حدثني رجل فرنسي من أصل عربي كان قد زامله شيخ الترابي وهو يحضر الدراسات العليا في السوربون حيث كان معه في مسكن الطلبة "بوليفار جور دان" بالمنطقة 14 وبما إن الجامعة تقيم مسابقة للرقص بين طلبتها في نهاية العام الدراسي ، فقد أخذ الترابي الجائزة الأولي في عاميين متتاليين واحدة في رقصة "تشاتشا" و الثانية في رقصة "روك أند رول") انتهى حديث مشعل. والذي إن صحة روايته يكون شيخنا قد أخفى مواهب وإمكانيات مقدرة له تشرح التالي من مواقفه السياسية التي أدهش بها الساحة السياسية السودانية وهي تراه يرقص علي كل الحبال ولا يسقط !!!. عموما كان خيار الشيخ مفارقة الدعوة و الإرشاد ذلك الدور الإصلاحي الهادئ والولوج إلي عالم الشهرة و مزالق السياسة الصريحة فشيخنا يعشق السلطة ويهوى الزعامة وتفتنه الأضواء والثروة وفيه من مواصفات القائد الفطن وعنفوان السياسي ألألمعي الكثير بالإضافة إلي نرجسية طاغية تلمسها فيه و تفيض منه عند مخاطبته للأخر وهي تعتبر اكبر عيوب الرجل التي أوصلته في أخر المشوار إلي حالة التشتت النفسي والضياع الذي يعاني منه الآن.
بداء شيخ الترابي حياته السياسية متفرغ للعمل التنظيمي و الفكري الجاد ، فأمعن النظر في الممارسة السياسية السودانية و عرف (من أين تآكل الكتف) و من بعد تمحيص و تدقيق حدد غايته وطرق الوصول إليها ، فاختار الوسيلة وتخير الأسلوب والمبدأ الأمثل لتحقيق تلك الغاية بدقة وعناية يحسد عليها ... تثير عند البعض الإعجاب بنفس القدر الذي تثير عند الآخرين التقزز ولكن تبقى في كل الأحوال مثيرة للجدل عصية علي الفهم و الجزم بصحتها أو خطئها عند العامة من الناس. كانت غاية الترابي و حلمه الذي عاش من أجله هو الوصول إلي السلطة و كرسي الحكم وتحطيم أسطورة احتكار البيتين الكبيرين للسلطة المطلقة في السودان ولعمري إنها لكبيرة إلي علي الطامحين الأفذاذ من أمثال شيخنا الهمام ، آما الوسيلة لذلك فكانت الجيش اقصر الطرق لانقضاض علي السلطة و القفز عليها من عل بانقلاب عسكري يقوم بيه الموالين له من كوادر الحركة الإسلامية داخل القوات المسلحة السودانية.. إذن لم يتبقي سوى تحديد النهج والأسلوب الذي يجب إتباعه للتهيئة الأرضية الصلبة والمناخ المناسب لنجاح هذا الأمر فكان نهج شيخنا الانفتاحي وتكتيكه الحر باءي الزئبقي هو الأنجع و الأفلح لتنفيذ ما عزم عليه.
فتح الترابي التنظيم أو الجماعة سميه ما شئت... فالتسمية لا تعني شيء في عرف الشيخ لذلك نجده تقلب في الأسماء وتلون بألوان الطيف عبر مسيرة عمله التنظيمي الطويل منتقل من مسمى إلي أخر فمن الجماعة الإسلامية إلي جبهة الميثاق ومن الإخوان المسلمين إلي الجبهة القومية الإسلامية عبورا بالمؤتمر الوطني و صولا للمؤتمر الشعبي وهي المحطة الأخيرة التي وقف فيها إلي الآن، فلكل مقال مقام و الأهداف والغايات هي الأهم لذلك كان الترابي كل ما وصل إلي محطة تقربه من هدفه المنشود فتح تنظيمه ذو المسمى الأحدث لكل من (هب ودب) ما دام يخدم مصلحة التنظيم وشيخه دون مراعاة لمواصفات معينة!!! فالأخلاق و القناعات أشياء لا معني لها ويمكن تجاوزها (فالسياسي الشاطر هو السياسي اللا أخلاقي) الذي لا تثبط همته الأحاسيس والمشاعر الإنسانية المثالية. يمكننا أذن إن نخلص مما سبق ذكره إن خلاصة المبدأ السياسي الذي اعتنقه دكتور الترابي يمثل في جوهره جملة الأفكار الواردة في كتاب (الأمير) لمكيافيللي والذي يمكن تلخيصه في المبدأ القائل (إن الغاية تبرر الوسيلة).
خبر شيخ الترابي بفكره الثاقب إن لكل مرحلة سياسية رجالها و لونها وعليه لكي يصل إلي أهدافه وغاياته إن يعيش في كنف رجال المرحلة و يتلون بالونهم إذا ما اقتضى الأمر و يطاطى رأسه للريح حتى يشتد ساعد تنظيمه و يحين أوان جني الثمار وهي مقدرة لا يقوى عليها إلا أولي العزم من الرجال ، لذلك نجده تعايش مع النظام العسكري الأول برئاسة المرحوم الفريق عبود هادئا مهادنا متفرغا للدراسة حين و لدعوة حينا أخر حتى إذا ما أزفت الآزفة ركب موج (ثورة أكتوبر المجيدة عام 1964م) مصليا علي جثمان شهيدها (القرشي) و متقدما مسيرة تشيعه لمثواه الأخير و التي بها أعلن شيخنا رسميا مشاركته و التحاقه بهذه الثورة دون إن يكون قد بذل جهد يذكر في الإعداد لها أو اندلاعها وبذلك أكل عقيقية مولودها دون إن يعايش الألم مخاضه. ومن بعد عاش مسالما يراقب الفترة الديمقراطية الثانية ممعن النظر في ممارساتها و مؤتبين لأوجه قوتها ونقاط ضعفها ، وحين أطل انقلاب مايو (بصبغه حمراء) في أول عهده مارس شيخنا فعل القنفذ ونكفى علي نفسه و تحوط و دفع بالمتهور من كادر الاتجاه الإسلامي (ولعله عن قصد من أجل إزاحتهم عن طريقه حين توجس مرتبا في تطلعاتهم) من أمثال المرحوم محمد صالح عمر و الأستاذ مهدي إبراهيم و آخرون إلي الجزيرة آبا في عام 1970م بغرض الجهاد في صفوف الإمام الهادي المهدي ضد نظام مايو بعد إن أشعل فتيل غيرتهم الدينية علي الشيوعي جعفر نميري !!! ولقد قضى في تلك الواقعة من قضى وبقى هو متخندقا بعيد عن الأحداث فائزا في كل الأحوال.
دفع شيخ الترابي بثلة مقدرة من قيادات الاتجاه الإسلامي للخارج لتحالف مع حزبي الأمة و الاتحادي ليكونوا ما عرف (بالجبهة الوطنية) لمعارضة نظام الدكتاتور نميري و هي التي خططت و دعمت المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قام بها المرحوم محمد نور سعد في سبتمبر 1976م فيما عرف (بإحداث المرتزقة) ، ليعود مصالحا بل ومستشار لرئيس النظام المايوي بعد مضي فترة وجيزة من تلك الإحداث المأساوية التي راح ضحيتها نفر كريم من أبناء هذا الوطن المغلوب علي أمره ليتقلد ارفع المناصب متنقلا بين الوزارات متمرغا في خير القائد الملهم إمام المسلمين الدكتاتور جعفر نميري!!! لتبدأ اخطر المحطات السياسية في تاريخ الرجل من حيث الاستفادة القصوى من مقدرات و إمكانيات الدولة التي وفرها له و لتنظيمه ذلك النظام المترهل. فأكمل في تلك الفترة بناء عضلات التنظيم المالية و الاقتصادية مستغلا ضعف حيلة و خطل رأس الدولة بعد إن زين له الشيخ الماكر بأنه القائد المؤمن الملهم وآمره علي المسلمين وبائعه علي السمع و الطاعة في المنشط و المكره وشغله بزيارة الأضرحة و الشيوخ و تلقي البركات منهم حماية لعرشه الذي كان ينخره سوس الجماعة من الداخل و تفرغ هو
لبناء إمبراطورية الجبهة القومية الإسلامية مستغلا الدعم اللا محدود الذي وفره له التنظيم الإسلامي العالمي عبر موضة انتشار المصارف و البنوك الإسلامية مثال (بنك فيصل الإسلامي) والتي لعبت دورا مقدرا في تخريب الاقتصاد الوطني السوداني حينما ما تحولت لمضارب رئيس ومحتكر للمحاصيل التي تمثل قوت الشعب السودان بل وتعدته إلي المضاربة في (التمباك) (كيف و وزنة رأس) فقراء السودان!!! وكل ذلك من أجل مصلحة تنظيم الشيخ الجليل ، أستمر شيخنا في عمله الدواب من تهيئة الظروف والمناخ لكوادر تنظيمه لتبوء المناصب القيادية و العليا في الدولة و القوات المسلحة والتجمعات النقابية (المعينة) ومزيحا عن طريقهم بهدوء وذكاء الكوادر المايوية عبر الدس و الكيد محكما قبضته علي مفاصل الدولة.كل ذلك وإمام المسلمين في غيبته الروحية تتقاذفه المساند والأضرحة ثمل بصوت الدفوف و أوردة المشايخ. نخرت الجماعة البناء المايوي ومعه مؤسسات الدولة السودانية و تركتهما خراب كما صرح بذلك الشيخ نفسه في معرض إجابته علي سؤال وجه له بعد انتفاضة ابريل المجيدة عام 1985م حول مشاركته في نظام مايو مبررا لتلك المشاركة بنص العبارة (شاركنا لكي نهدم البناء المايوي من الداخل) ولكن الذي لم يذكره الترابي هو إن أيادي الهدم الإسلامية قد طالت كل نواحي حياة الشعب السوداني واستمر هذا الخراب يلازم الوطن ملازمة الخل الوفي حتى الآن.
ما إن اقتربت نهاية دكتاتورية مايو و الذي تمرغ الشيخ في نعيمها ردحا طيبا من الزمان والتقطت قرون استشعاره الرادارية موجات الطوفان القادم حتى هبه قافزا من قاربها بعد أن غربت شمسه و طار غرابه و في عنقه طوق النجاة الذي توفر له نتيجة لاستيقاظ الحس الأمني فجأة في دواخل الإمام المغيب ، فأمر باعتقال كوادر الجماعة وأخلاء أروقة القصر الذي احتلوه من بخورهم و أحجبتهم و أودعهم السجن متوعدا إياهم بشر مستطير حين عودته من رحلة العلاج التي قصد فيها الولايات المتحدة
الأمريكية و التي عاد منها منفيا مستضاف في احد القصور الرئاسية التي و فرها له النظام المصري الذي رافض تسليمه ليحاكم علي جرائمه التي ارتكبها في حق السودان و شعبه موقفا سجله الضمير الوطني السوداني و يحتل موقعا متقدما في ذاكرته التي تعودت من الأنظمة المصرية التدخل السافر في شئون السودان الداخلية و عدم احترامها لإرادته الوطنية و خياراته ، أما شيخنا الجاهز فلقد أوعز لكوادر الجماعة بممارسة هوايتهم التنظيمية المفضلة و هي ركوب أمواج المنعطفات التاريخية في السياسة السودانية وكدأبهم نفروا خفافا وثقالا ففي الجيش تحرك كادرهم واقنع بقية الضابط لضغط علي القيادات من أجل التحرك واحتواء الموقف من غضبة الشعب الثائر بدعوى الانحياز لصفوفه ومنع إراقة الدماء وكانت دعوة حق أريد بها باطل فالغرض الحقيقي كان إحباط المد الثوري الجماهيري و من ثم إفراغ أهداف الانتفاضة وشعاراتها من مضامينها وضمان سلامة سدنة النظام السابق و جلهم من الإسلاميين.. اجل كانت هذه الحيلة من ابرع حيل الشيخ والتي بها ضمن لنفسه و لجماعته البقاء والاستمرار في الساحة السياسية السودانية ، فسرقت الانتفاضة و أهدافها و شعاراتها ومراميها بل و دماء شهداءها أمام سمع و بصر الشعب الثائر وأحزابه و منظماته المندهشة تنظر و تسترق السمع ولا تحرك ساكن!!!
غلب الدهاء و سعت الحيلة التي تميز الشيخ ضعف و تردد قيادات الأحزاب السياسية الأخرى والتي لم تستطيع إن تحمي الانتفاضة ولا إن تحافظ علي وهج أهدافها رغم الجهد و العرق والدم الذي بذل طوال الست عشرة عاما من الإعداد والتخطيط لاندلاعها متيحة بذلك الفرصة للشيخ وجماعته من إعادة إنتاج النفس والتحليق عاليا بجناحي التنظيم المدني و العسكري لتحط علي رأس الحكومة الانتقالية مما سهل لهم الاستمرار في مخططهم الرامي إلي تعطيل المد الثوري لجماهير الانتفاضة والالتفاف علي أهدافها و مراميها ومن ثم الإجهاز عليها و نسفها بالكامل ، نفذ السيناريو بحذافيره أمام سمع ونظر أحزابنا الكسيحة وهي لا تحرك ساكنا إلا من دعوات وصرخات ظل يطلقها الحزب الشيوعي السوداني يدعو فيها الأحزاب لضرورة إيجاد ميثاق شرف لحماية الديمقراطية الوليدة من الردة وتغول سدنة النظام البائد والدفع بأهدافها قدما إلي مراميها وذلك بكنس آثار تلك الحقبة المظلمة من قوانين مقيدة للحريات وعلي رأسها قوانين سبتمبر 1983م سيئة الصيت ولكن قابلت بآذان بها وقر. لتمر فترة الحكم الانتقالي علي عجل (في خطوات تنظيم مكانك سر) وكأنك يا زيد ما غزيت !!! دون الالتفات أو الاهتمام بما رفعته جماهير الانتفاضة من شعارات دفعت ثمنها عرق و دم وشهداء أبرار. انشغلت أحزابنا ضيقت الأفق و قصيرة النظر عن أهداف الانتفاضة العليا ونصرف همها إلي الانتخابات القادمة متعجلة لمكاسب و امتيازات الفترة الديمقراطية التي طال الحرمان منها و اشتاقت القلوب و الجيوب إليها فدخلت لعبة شد الحبل الانتخابي متقطعة الأنفاس بعيدة عن (الفورمه) تعاني الترهل في أجهزتها السياسية والتكلس في هياكلها التنظيمية والتشتت في قواعدها الجماهيرية كنتيجة طبيعية لطول فترة انقطاع الممارسة الديمقراطية.
أتت نتائج انتخابات 1986م خصاما علي رصيد جميع الأحزاب و إضافة حقيقية لرصيد الجبهة القومية الإسلامية التي استفادت أيما استفادة من عيشها في كنف النظام المايوي لتقفز بالزانة بمقاعدها داخل البرلمان إلي 52 مقعدا مما أتاح لها تبؤ المركز الثالث بامتياز والمشاركة الفعلية في تكوين الحكومات و الائتلافات وحلها لتتحول بقدرة قادر إلي لاعب أساس يصعب و ضعه أو إرجاعه لدكة الاحتياط التي كانوا جلوسا عليها قبل أن يحصلوا علي مصباح النميري السحري ، إن عدم محاسبة الإسلاميين علي مشاركتهم في نظام مايو البائد وما سلف من جرائم و فظا عات ارتكبت في حق الوطن والمواطن في دلك العهد المشئوم ومن ثم حصولهم علي كم المقاعد النيابية المتميز الذي لم يكن أكثر المتفائلين من قيادتهم يحلم بيه قبل ذلك بأعوام قليلة فتح شهيتهم واسأل لعابهم وهم المعروف عنهم شدة ولعهم بمطايب الدنيا من مآكل و نساء ناهيك عن سلطة و مال وجاه فبدوا التفكير جديا في الإنفراد بالسلطة.
غلبت شهوة السلطة سلطان العقل و المنطق وأرقت الشيخ فبات الليالي يحلم بالسلطة المطلقة ولما لا ؟!! وهو يرقب و يرى ضعف الحكومات المتعاقبة ويلحظ فوضى البرلمان الكسيح المصاب بشتى الأمراض و العلل من جهل بأبسط أصول اللعبة الديمقراطية إلي فوضى عارمة واستهزاء بهموم الشعب وقضاياه المعلقة حتى وصل الحال بنواب الشعب الذين يتمتعون بامتيازات و رواتب تمتص من دم الغلابة دافعي الضرائب إن يكتفوا من حضورهم لمقر البرلمان بجلوس في المقهى و تناول المشروبات البارد منها والساخن فكهين تاركين قاعة المداولات خلاء تعوى في جنباتها الريح و مجلسها معطلا غير مكتمل النصاب ،وإذا ما تكرموا بحضور الجلسات انصرفوا عن نقاش قضايا الأمة المصيرية إلي المهاترات و الملاسنات من عينة (البلد بلدنا ونحن سيادة) حتى وصل الحال بأحدهم في لحظة صدق مع النفس لئن يقول رحمه الله (الديمقراطية دي كان شاله كلب ما بنقول ليه جر!!!) .. زاد من عكر ماء الديمقراطية الثالثة موضة ألمطالبه بالتعويضات التي خرجت بها الأحزاب في لحظة كانت خزينة الدولة أحوج ما تكون لكل فلس من اجل تغطية نفقاتها ، رغم عدالة المطلب و لكن لم يكن الزمان زمانه و لا التوقيت موفق والبلاد تعيش أزمات خانقة في كل مناحي الحياة و المواطن يكابد الأمرين من أجل توفير رغيف الخبز لآسرته ، لقد كان المطلب مستفزا لشرائح الشعب المختلفة ودافعا لهم ليسألوا في ألما و حسرة امن اجل هذا استشهد شهداء الانتفاضة ؟ نسف هذا السؤال الوجودي الذي عصف بعقول السواد الأعظم من الشعب ما تبقى من مصدقيه الحكومة العرجاء و برلمانها المقعد و تركهما مكشوفى الظهر من السند الشعبي ففقدا بذلك الشرعية والأهلية المكتسبة بتخويل الناخب لهما بسقوط العقد لإخلال بشروطه المبرمة.
كل ذلك يحدث و يدور و الشيخ يرقب مرابط يتربص متحينا الفرصة لانقضاض علي فريسته التي خبر مكامن ضعفها و يعمل بجد و مثابرة علي تهيئة المشهد قبل الأخير علي مسرح (ألامعقول) وذلك تارة بدق الأسافين و نثر الشوك في طريق الائتلافات الحكومية والتي شارك في بعضها وتارة أخري بالمشاكسات التي دفع إليها نوابه تحت قبة البرلمان الذي حرم من الجلوس فيه بعد أن تكالبت عليه الأحزاب واتحدت ضده وأسقطته في الانتخابات بدعوى انه مستشار الدكتاتور نميري و سادنه الأعظم ولعله اضمر لهم السوء من ذلك الوقت ‘ عموما نجح الشيخ في تعطيل عملية إلغاء القوانين المقيدة للحريات وعلي رأسها قانون سبتمبر 1983م وأيضا تمكن نوابه من إيقاف إجازة تشريعات تسمح بتنفيذ شعارات الانتفاضة التي نادت بضرورة كنس أثار مايو و تصفية رموز النظام البائد ، بطبع لن يسمح الشيخ بذلك و هو وجل جماعته كانوا يمثلون العمود الفقري لذلك النظام المغضوب عليه!!! هي إذن سخرية القدر و تناقض والتباس السياسة السودانية فكيف يمكن كنس ارث النظام المايوي و رموزه و سدنته قد خرجوا من الشباك ليعودوا بالباب ممثلين ب 52 نائب في البرلمان المنتخب من قبل الشعب ديمقراطيا ؟! أي منطق اعوج يسمح بذلك ؟! لم يكن المنطق و لا واقع الحال و لا أصول اللعبة الديمقراطية تسمح بذلك ..... وها كدا وبكل بساطة و ذكاء تم إجهاض أحلام و أمال وتطلعات الملاين من أبناء الشعب الذين خرجوا في انتفاضة ابريل المجيدة و أسدل الستار علي المشهد الأخير و الحزين و دم شهداءها مازال نجيع ساخن قاني الحمرة يشهد و يلعن غباء ساسة قصرت نظرتهم وضاقت فكرتهم علي أن تحيط بجوهر الصراع ولب القضية التي تدفقت الجماهير نهرا هادرا من اجلها.
تنفس الشيخ الصعداء وابتسم ابتسامته المعهودة حين أيقن أن لا خطر عليهم بعد الآن و لا هم يحزنون فلقد نجت آثار مايو و سدنتها من الكنس وتمت تهيئة الملعب ولابد من الإسراع في تنفيذ المرحلة الأخطر من المخطط الانقلابي ، وهي استمالت الجيش وقياداته وعندها تفتقت عبقرية الشيخ الفذة فقرر إن يبيع نواب تنظيمه (الجبهة القومية الإسلامية) العربات الفارهة التي سلمت لهم من البرلمان ضمن مخصصات النواب ويتبرعون بأثمانها لدعم المجهود الحربي للجيش الوطني في حربه ضد الجبهة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب خصوصا وان الجيش الوطني يمر بأزمة و الحكومة المركزية في الخرطوم مقصرة تجاه دعمه و تسليحه فاصطاد الشيخ بهذه الخطوة الفهلوية عصفورين بحجر واحد. العصفور الأول كان استمالت الجيش و خطب ود قياداته بهذه البادرة الطيبة و الفريدة و غير المعتادة من الساسة المدنيين ، آما العصفور الثاني و الأهم فقد كان أتاحت الفرصة وحرية الحركة لمبعوثه و ذراعه الأيمن آنذاك علي عثمان طه للوصول بأمان ودون إثارة أي شبهات إلي قيادة الجيش بالجنوب و التقاء بالعميد آنذاك عمر البشير وإقناعه بضرورة الانقلاب علي السلطة الشرعية وان الأمور جاهزة وكلوه تمام ، ولقد نجح علي عثمان في ذلك بامتياز حيث أتم و العميد البشير التخطيط وأكملا العدة. تبقت للشيخ فقط خطوة واحدة تمويهية أعدها للتأمين فدفع ببعض كوادره من ضابط الجيش لتخطيط لعملية انقلابية يتم تسريب تفاصيل المخطط عن قصد لجهات الأمنية الحكومية فتنشغل بها الأجهزة المعنية ليكمل هو مخطط الانقلاب الحقيقي في سرية وأمان تام وقد كان له ما أراد وتم المراد والجميع في سبات أهل الكهف أحزاب وحكومة بعد أن خدعوا ورقصوا طربا باكتشافهم للانقلاب المضروب.
(لقد أسمعت إذ ناديت حيا لكن لا حياة لمن تنادي) بح صوت صحيفة الميدان لسان حال الحزب الشيوعي السوداني و هي تحذر عبر كلمتها الافتتاحية التي يكتبها رئيس التحرير الأستاذ التجاني الطيب بابكر من إن في لأفق تلوح نذر عمل عسكري قادم ودقت ناقوس الخطر في أيام متتاليات سبقت وقوع الانقلاب المشئوم منادية بضرورة الحذر و رص الصفوف و تفعيل و تنشيط ميثاق حماية الديمقراطية الذي وافقت وقعت عليه كافة الأحزاب السياسية السودانية عدا الجبهة القومية الإسلامية (وفي هذا مؤشر للبيب الذي بالإشارة يفهم ..ولكن هيهات) ، لقد وصل إلي السيد رئيس الوزراء الأمام الصادق المهدي تقرير استخباراتي يفيد بنفس الشيء إلا انه صم الآذان عنه حتى ادلهمت وأمطرت باليل عقارب و ثعابين ليتم للشيخ ما أراد و سعى وتأتيه الإمارة طائعة عروس تجر أذيالها علي أنغام المارشات العسكرية و قرع طبول البيان العسكري رقم واحد ليعود الوطن من جديد ويدخل الحلقة الشريرة وتبدأ صفحة كالحة السواد من تاريخ السودان الحديث دامت وما زالت ترمي بكحل ظلالها علي كافة مناحي الحياة.
هذا ما كان من أمر شيخ الترابي منذ ولوجه لحلبة السياسة السودانية في منتصف القرن الماضي و حتى العام الأخير منه 1999م عام الملهاة الإغريقية أو ما عرف بالمفاصلة التاريخية بينه وحواريه المقربون ، لينال (جزاء سنمار) ويقذف بيه من أعلى البناء الشاهق الذي شيده بجهده وعرقه طوال تلك الفترة!!! لقد أدبتهم يا شيخ ولكن لم تحسن أدبهم ، لقد ربيتهم علي إن اقوي شهوة في النفس البشرية هي شهوة السلطة فانفك عقالهم و عصوك فلا سمع ولا طاعة اليوم إلا لبريقها ولا عاصم لك منهم ولا الوطن الجريح الذي رميته بدائهم إلا الله فادعوه سرا وعلانية واسأله التخفيف. فالممعن للنظر فيما يعيشه شيخ الترابي اليوم من محنة الاعتقال علي يد أتباعه و تلاميذه العاصون يدرك أنها كانت نتيجة حتمية وطبيعية للطريقة التي ساس بها أتباعه و رباهم. إن الحركة الإسلامية و بعد أن استلم زمام أمرها التربي وأزاح أئمة الدعوة و الإرشاد من قيادتها (مجموعة الصادق عبد الماجد) و فرض سلطانه عليها دخلت في حالة فصام نفسي ما بين قدسية الشعار الإسلامي و مثاليته و بين لا أخلاقية العمل السياسي و فحشه ، رغم اجتهادات الشيخ التي أوجدت توليفة فكرية توأم بين هذا و ذاك كان نجاحها في الجانب السياسي مقدر ولكن كان ذلك خصم علي الجانب التربوي و المبدئي والروحي للجماعة حيث تعذر الوصول لمعادلة تحفظ التوازن دون إن تتداخل المفاهيم والقيم و تتشابك بل وتتناقض في كثيرا من الأحيان و تختلط أمور الدين بالدنيا وتأخذ بعضها برقاب بعض ويتشابه البقر.
( الحوار الغلب شيخه) واحد من أمثال شعبنا البسيط الدارجة والمستعملة بكثرة في أحاديث العامة من الناس في السودان فكيف غابت عن فطنة الشيخ الترابي ؟ هذه وأسباب المفاصلة التاريخية و أسرارها هي موضوع مقال قادم بإذن الله.
تيسير حسن إدريس / السعودية/بريده 22/05/2010م.
تيسير ادريس [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.