حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    البرهان يزور جامعة النيلين ويتفقد مركز الامتحانات بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بالجامعة    وزير الصحة المكلف ووالي الخرطوم يدشنان الدفعة الرابعة لعربات الإسعاف لتغطية    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا بعد توقيع خمسِ دولٍ على إتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل؟ ... بقلم: د. سلمان محمد أحمد سلمان
نشر في سودانيل يوم 22 - 05 - 2010


خبير قوانين وسياسات المياه
مقدمة
قام وزراء المياه لأربعِ حكوماتٍ من دول حوض النيل العشر بالتوقيع يوم الجمعة الماضي 14من مايو 2010 في مدينة عنتبي بيوغندا على إتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل. وهذه الدول الأربع هي إثيوبيا وتنزانيا ويوغندا ورواندا. المفاجأة الكبرى كانت تخلف كينيا وبورندي والكونغو الديمقراطية عن التوقيع في ذلك اليوم. فقد كانت هذه الدول السبع قد أصدرت بياناً مشتركاً عقب إنهيار إجتماع دول حوض النيل في شرم الشيخ في منتصف أبريل الماضي أكدت فيه عزمها على المضي قدماً بالتوقيع على الإتفاقية، وحددت الرابع عشر من مايو كموعدٍ للتوقيع. غير أنّ كينيا إنضمّت بعد خمسة أيام، وتحديداً في 19 مايو، إلى الدول الموقّعة، مرجّحةً عددها إلى خمس دول.
إنّ أُولى مظاهر هذا التوقيع هوالإنقسام داخل دول المنبع نفسها بين الدول التى التزمت ببيان شرم الشيخ وقامت بالتوقيع، وتلك التي إتسم موقفها فجأةً بالتردد وقررت ألا تٌوقع، على الأقل في الوقت الحاضر، علي إتفاقية الإطار التعاوني. هذا من جانبه يعمّق حالة التمحور داخل دول الحوض العشر حيث تمثّل مصر والسودان تكتّلاً رفض منذ البداية، لأسباب سنتعرض لها بعد قليل، التوقيع على الإتفاقية. نضف إلى هذا موقف الدولة العاشرة لحوض النيل –إريتريا- والتى قررت عدم الإنضمام كعضوٍ لمبادرة حوض النيل، واكتفت بوضعها كمراقبٍ. هذا الوضع المتأزمٌ أصلاً قد يزداد تعقيداً إذا قرر جنوب السودان الإنفصال نتيجة الإستفتاء الذي سيعقد في يناير القادم, إذ قد تبرز للوجود الدولة الحادية عشر لحوض النيل. ماذا سيكون موقف هذه الدولة وإلي أي تكتلٍ ستنضم؟ الغرض من هذا المقال هو توضيح الجغرافيا السياسيّة لنهر النيل ومناقشة نقاط الخلاف حول إتفاقية الإطار التعاوني ومستقبل الإطار والخلاف.
الجغرافيا السياسيّة لحوض النيل
نهر النيل هو أطول نهرٍ في العالم. يجري النهر لمسافة 6650 كيلومتر من بداية منابعه في دولتي بورندي ورواندا وحتّى مصبه في البحر الأبيض المتوسط. أحد روافده –النيل الأبيض- ينبع من ثاني أكبر بحيرة في العالم (بحيرة فكتوريا 68500 ك م). تقع على بعض روافد النهر أكبر المستنقعات في العالم (السٌدّ بجنوب السودان 30000 ك م)، وأقدم وأكبر السدود في العالم (أسوان والسد العالي بمصر، وسنار وجبل أولياء والروصيرص ومروي بالسودان). وُقِّعتّ بسببه وتحت إسمه أقدم الإتفاقيات وأكثرها إثارةً للجدل بين القبول الكامل والرفض الكامل. قامت على ضفافه أقدم وأعرق الحضارات الإنسانية في مصر والسودان واثيوبيا ويوغندا. الدول العشر المشاطئة لنهر النيل هي بورندي، رواندا، الكونغو الديمقراطية، كينيا، يوغندا، تنزانيا، اثيوبيا، أريتريا، السودان ومصر. من هذه الدول العشر تتشارك تنزانيا وكينيا ويوغندا بحيرة فكتوريا والتي هي المصدر الأساسى للنيل الأبيض. أكبر روافد بحيرة فكتوريا هو نهر كاغيرا الذي ينبع في بورندي ورواندا مضيفاً هاتين الدولتين كدولٍ مشاطئة لنهر النيل. يدخل النيل الأبيض بحيرة البرت بعد خروجه من بحيرة فكتوريا و يضيف في هذا الأثناء قليلاً من المياه لحوضه، وبما أن بحيرة البرت تتشاركها جمهورية الكونغو الديمقراطية ويوغندا فإنّ هذا الوضع يضيف جمهورية الكونغو الديمقراطية كدولةٍ مشاطئة لنهر النيل. من الجانب الآخر ينبع نهر السوباط والنيل الأزرق ونهر عطبرة من أثيوبيا. أحد روافد نهر عطبرة-نهر السيتيت- يمرّ بدولة اريتريا، مضيفاً اريتريا كدولةٍ مشاطئة لنهر النيل. تلتقي معظم روافد نهر النيل في السودان وتكوّن نهر النيل الذي يعبر شمال السودان ثمّ مصر قبل أن يصب في البحر الأبيض المتوسط. تقع من ضمن دول حوض النيل العشر أفقر خمس دول في العالم. سبعٌ من الدول المشاطئة عاشت خلال الخمسة عشر عامٍ الماضية، أو مازالت تعيش، نزاعاتٍ مسلّحة. يعتمد أكثر من 300 مليون نسمة في هذه الدول على نهر النيل (أكثر من 25% من سكان أفريقيا) ويٌتوقع أن يصل هذا العدد إلى 500 مليون بحلول عام 2025. يتحدث قاطنو حوض النيل في هذه الدول اللغات الأساسية في العالم (الإنجليزية والفرنسية والعربية) بالإضافة الى لغتين رئيسيتين في افريقيا هما السواحيلي والأمهارنجا، ويدينون بالإسلام والمسيحية وعددٍ من المعتقدات المحلية.
حوالي 86% من مياه النهر تأتي من الهضبة الإثيوبية (59% من النيل الأزرق و14%من السوباط و13% من نهر عطبرة) بينما تساهم البحيرات الإستوائية بحوالي 14% فقط من مياه نهر النيل. وتٌقدّر كميات مياه نهر النيل التي تصل أسوان سنويا بحوالي 84 مليارمترمكعب وهذا يجعل نهر النيل من أضعف وأقل الأنهار مياهاً في العالم مقارنةً بمساحة حوضه وطوله وعدد دوله المشاطئة. وتساوي هذه المياه 2% من نهر الأمزون، 6% من نهر الكونغو، 12% من نهر اليانغستي، 17% من نهر النيجر، و26% من نهر الزمبيزي إنّ هذا الضعف الحاد في وارد المياه السنوي يمثّل المشكلة الكبرى لنهر النيل ودوله وشعوبه خصوصاً مع الزيادة المضطردة للسكان والإحتياجات المائية المتنامية لهم، ومع التغييرات المناخية و التدهور البيئي في دول الحوض.
غير أنه لابدّ من إضافة أن المشكلة الأساسية في حوض النيل هي انّ مصر والسودان هما المستعملان الرئيسيان لمجمل مياه النيل الواردة إلى أسوان والبالغة 84 مليار متر مكعب. فتحت مظلة إتفاقية مياه النيل التي وقّعتها مصر والسودان عام 1959 فإنّ نصيب مصر هو 55,5 مليار متر مكعب، بينما يبلغ نصيب السودان 18,5 مليار متر مكعب ويضيع الباقي ومقداره عشر مليارات تبخراً في بحيرة السد العالي. تصرّ مصر والسودان على أنّ هذه الكميات هو حقها المكتسب وأنه غير قابلٍ للتفاوض. على الجانب الآخر تطالب بقية دول الحوض وعلى رأسها أثيوبيا بحقوقٍ لها من مياه النهر تحت نظرية الإنتفاع المنصف والمعقول. لا بدّ من الاضافة هنا أنّ اتفاقية مياه النيل التي وقّعتها مصر والسودان عام 1959 نفسها تعترف في المادّة الخامسة بحقوق الدول الأخرى غير أنها تضع إشكالاتٍ إجرائية في وجه هذه الحقوق لإنها تعطي مصر والسودان حق تقرير كميات المياه التي قد تُعطى لأي دولةٍ أخرى قد تطالب بحقٍّ لها، وتمنح مصر والسودان سلطة الرقابة على هذه الكمية، وهذا وضعٌ لا يُتوقع أن تقبله أي دولةٌ أخرى. على ضوء هذه المعلومات والوقائع فإنّ التحدي الحقيقي الذي يواجه نهر النيل ودول حوضه هو موازنة الإستعمالات القائمة لمصر والسودان بالإحتياجات المشروعة والمعقولة للدول المشاطئة الأخرى.
تاريخ وسياق التعاون بين دول حوض النيل
تشكّلت أولى ملامح التعاون بين دول حوض النيل في منتصف الستينات من القرن الماضي إثر الإرتفاع المفاجئ والكبير في بحيرة فكتوريا والذي نتجت عنه عدّة مشاكل في تنزانيا ويوغندا وكينيا. كانت هناك عدّة إرهاصات لهذا الإرتفاع في بحيرة فكتوريا وأن من ضمن أسبابه قد يكون وقوف مستنقعات جنوب السودان كعقبةٍ في طريق انسياب النيل، أو قد يكون حجز السدّ العالي لمياه النيل. لهذه الأسباب فقد دعت دول البحيرات الإستوائية مصر والسودان وأثيوبيا لمناقشة هذه المسألة تحت مظلة برنامج المسح المائي للبحيرات الإستوائية والذي ساهمت الأمم المتحدة في تمويله وتسهيل إجراءاته. تواصلت لقاءت وإجتماعات دول الحوض تحت عدة مظلات لاحقة من بينها النيل الفني، والأخوّة، والنيل لعام 2000. وفي عام 1997 برزت فكرة مبادرة حوض النيل والتي أخذت شكلها الرسمي في 22 فبرائر عام 1999 في مدينة أروشا في تنزانيا إثر توقيع وزراء المياه لدول الحوض بالأحرف الأولى على وقائع الإجتماع الذي أسس لقيام مبادرة حوض النيل. وقد اتفق الوزراء على أن الهدف من المبادرة هو تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية المستدامة من خلال الإنتفاع المنصف والمنافع من موارد النيل المشتركة. لقد قام البنك الدولي وعددٌ من منظمات الأمم المتحدة والمانحين بدورٍ تسهيليٍ للمبادرة، وقد نجحت المبادرة في عدّة مجالات من بينها إنشاء سكرتارية بمدينة عنتبي في يوغندا ومكتب للنيل الشرقي بأديس أبابا ومكتب لنيل البحيرات الإستوائية بمدينة كيغالي بدولة رواندا وتمويل عددٍ من المشاريع المشتركة. وبدأ العمل قبل عدّة أعوام في إتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل.
نقاط الخلاف حول اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل
منذ بداية المناقشات واجهت مفاوضات اتفاقية الإطار التعاوني نفس نقاط الخلاف التي تواجهها اليوم. فمصر والسودان
يصران على أن الإتفاقيات التي عقدت في الماضى ملزمةٌ لدول الحوض الأخرى، و تحديداً اتفاقية 1929 التي أبرمتها بريطانيا نيابةً عن السودان وكينيا ويوغندا وتنجانيقا والتي كانت ضمن مستعمراتها في ذلك الحين مع مصر. هذه الإتفاقية أعطت مصر حق النقض لأي مشاريع تقام علي النيل يمكن أن تؤثر سلباً على كميات المياه التي تصل مصر أوتعدل وقت وصولها. وبينما تصر مصر على إلزامية هذه الإتفاقية تحت نظرية توارث الإتفاقيات، ترفضها دول البحيرات الإستوائية باعتبار أنها وُقعت أثناء الحقبة الإستعمارية ولا إلزامية لهذه الإتفاقية بعد نهاية هذه الحقبة. ولقد قامت هذه الدول بعد استقلالها مباشرةً تحت نظرية نايريرى -الرئيس الأول لتنزانيا- بإعطاء إتفاقيات الحقبة الإستعمارية عامين للتفاوض حولها وإذا لم يتم الإتفاق على وضعٍ جديد فإن هذه الإتفاقيات تسقط بعد هذين العامين. هناك أيضاً إتفاقية عام 1902 بين إدارةالحكم الثنائي في السودان وأثيوبيا والتي ألزمت أثيوبيا بعدم التعرض لسريان النيل بدون موافقة الإدارة الثنائية في السودان. مصر تصر علي إلزامية هذه الإتفاقية بينما تدعي أثيوبيا أن النص الإنجليزي والنص بالغة الأمهرية مختلفان وأن الإتفاقية لم يتم التصديق عليها وبالتالي فليس لها صفة الزامية. بالإضافة الى هذا تصر مصر والسودان على أن إستعمالاتهما وحقوقهما القائمة (55,5 مليار متر مكعب لمصر و18,5للسودان) غير قابلة للتفاوض وخطٌّ أحمر لا يمكن عبوره، بينما تصر الدول الأخرى على أنّ لها حقوقاً في مياه النيل تحت نظرية الإنتفاع المنصف والمعقول وأنه يجب على مصر والسودان الإعتراف بهذه الحقوق والتفاوض حولها. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ بعض المسئولين في السودان ومصر يذكرون أحياناً، صراحةً أو ضمناً، أن إتفاقية مياه النيل بين مصر والسودان لعام 1959 ملزمةٌ لدول النيل ألأخرى، وهذا إدعاءٌ غير صحيح لأن الزامية الإتفاقيات لا تتعدى أطرافها.
الخلاف الآخر يتركز حول إصرار مصر والسودان على ضرورة الإخطار المسبق لهما حول أي مشاريع تنوي دول حوض النيل الأخرى إقامتها على نهر النيل. ويبدو هنا الربط واضح بين هذا الطلب وإتفاقية 1929 التي تعطي مصر حق النقض حول أي مشاريع قد تؤثر عليها. من ناحيةٍ أخرى ترفض الدول الأخرى مبدأ الإخطار وتدعي أن مصر والسودان لم يقوما بإخطارأيٍ منها بأي مشاريع أقامتها هاتان الدولتان على النيل وعليه فلا ترى هذه الدول أي إلزامٍ من جانبها لإخطار مصر والسودان بمشاريعها. في هذه النقطة يجب توضيح أن القانون الدولي يلزم كل دول الحوض بإخطار بعضها البعض بأي مشاريع تقام على النهر المشترك لأن التأثيرات التي قد تنتج من هذه المشاريع قد تمتد لكل الدول المشاطئة الأخرى. فمشاريع أثيوبيا على النيل قد تؤثر سلباً على السودان ومصر، وكذلك قد تؤثر مشاريع مصر والسودان على أثيوبيا لأن هذه المشاريع ستساعد مصر والسودان على إستعمال مزيدٍ من المياه وستقوم مصر والسودان بالإدعاء لاحقاٍ بأن هذه المياه أصبحت حقوقاً مُكتسبة.
نقطة الخلاف الرابعة تخص تعديل إتفاقية الإطار التعاوني. فبينما ترى مصر والسودان أن التعديل يجب أن يتم بموافقة كل الدول أو بالأغلبية على أن تشمل هذه الأغلبية مصر والسودان، تصر الدول الأخرى على أن يتم التعديل بالأغلبية دون تحديد أي دول ضمن هذه الأغلبية.
يتضح من هذا العرض أن نقاط الخلاف كبيرة وجوهرية،. لقد إنهار إجتماع كنشاسا في مايو عام 2009 ولم تنجح المفاوضات المكثّفة التي تمت خلال الأثني شهرأ الماضية ولا إجتماعا الإسكندرية وشرم الشيخ في حلحلة هذه الخلافات أو حتى تضييق الهوة بين الأطراف.
مستقبل الإطار والخلافات
إن الركيزة الأساسية للمياه المشتركة سواْءٌ كانت مياه النيل أو نهر الأمزون أو نهر الميكونغ هي التعاون بين دول الحوض جميعها. إن نهر النيل يواجه مشاكل سياسية وإقتصادية وإجتماعية ومناخية وبيئية ضخمة، خصوصاً وأن كمية المياه التي يحملها نهر النيل سنوياً محدودة وضعيفة وأن سكان دول الحوض في إزديادٍ مضطرد. بسبب هذا فإن التحدى الحقيقي الذي يواجه الحوض هو موازنة الإستعمالات القائمة لدولتي المرور والمصب (السودان مصر) بالإحتياجات المشروعة والمعقولة لدول المنبع الثمان الباقية، والتي قد تصير تسعاً إن قرر جنوب السودان الإنفصال.
إن التمسك بنصوص الإتفاقيات السابقة غير مفيد ولن يساهم بأي صورةٍ من الصور في المساهمة في حلحلة أيٍ من المشاكل التي يواجهها حوض النيل. كما أن توقيع إتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل بواسطة خمس دول أوحتّى ثمان دول سوف يخلق إشكالات قانونية معقدة حول وضعية مبادرة حوض النيل ومن يحق له التصرف و التحدث باسم المبادرة .
إن حلّ مشاكل حوض النيل يتطلب النظرة إلى الحوض كوحدة مائية وإقتصادية وبيئية واعتراف كل دولة بحقوق الدول الأخرى، وهذا بدوره يتطلب التعاون الكامل بين دول الحوض والتركيزعلى تقاسم المنافع. فحصاد مياهٍ إضافية لزيادة إيراد النيل يتطلب تعاون كل دول الحوض، كما إنه يتطلب تعاون أثيوبيا حيث جلّ إيراد النيل، وحكومة جنوب السودان (حيث يضيع حوالي عشرين مليار متر مكعب سنوياً في مستنقعات الجنوب) ويتطلب أيضاً ترشيد الإستهلاك في مصر والسودان. كما أن الطاقة الكهربائية في أثيوبيا التي يمكن توليدها من النيل وحده تكفي كل دول الحوض ويمكن تصدير الفائض خارج الحوض. إضافةً الى هذا فإن إمكانيات السودان الزراعية وإمكانيات مصر الصناعية والثروة السمكية في البحيرات الإستوائية، خصوصاً بحيرة فكتوريا، ضخمةٌ ويمكن، بل يجب، أن تُوظف لخدمة شعوب هذه الدول. ولكن هذا لن يحدث بدون التعاون بين دول الحوض والذي هو في نهاية المطاف الوسيلة الوحيدة لتحقيق الإستفادة القصوى من نهر النيل وزيادة وحماية موارده وتوظيفها لفائدة سكانه الذين يزدادون كثافةً وفقراً مع كل يومٍ يمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.