من المواضيع التي استرعت انتباهي, في زمن كثره المعروض و قلة التعليقات موضوع الأخ بابكر فيصل بابكر (جعفر شيخ إدريس:ليس تحت القبة فكي) فقد غادر بنا - مشكورا ً - متردم الاسفيريين الطافح بسوس السياسة الذي هو قوت حرافيش النت المفضل. و لا ينكر أحد أن الأخ بابكر أجاد في طرحه, قبلناه أو رفضناه. فالرجل واضح لم يتدثر بالكلمات أو يتوارى خلف العبارات في بذله لآرائه.وهو دليل على صدقه فيما يرى و اعتقاده لما يطرح. و هذا النوع من الكتّابيفيدك و تفيده ويريحك من محاولات استحلاب النصوص. و سأحاول – مستعينا ً بالله- أن نتقابس الأفكار معهعلنا نجد في المقابسة هدى .ً أو ينتفع من يتابعنا عبر هذه الكلمات, و ليكن قصدنا لله أولا ً و أخيرا ً. أجد نفسي أشاطر الأخ بابكر الرأي في أن أداء البروفسير جعفر شيخ إدريس لم يكن بالقدر المطلوب من أمثاله من أهل العلم و الدعوة. و ربما كان هذا الأمر بسبب عدم ظهور الدكتور في الإعلام في مثل هذه البرامج التي تعتمد المناكفة و الجدال . أضف إلي أن الدكتور ربما اعتاد علي المحاضرات بحكم الوظيفة وسط جمهور يشاطره الفكر ويكن له الاحترام. فعرض البرنامج الشيخ و كأنه لم يحسن الإعداد , فلم يفلح في تقديم نفسه بالصورة التي ظلت في إطار الأذهان . فجاءت كثير من إجاباته متحفظة و موجزه أشبه ما تكون بالمقابلة الشخصية. و ليته أخرج من مكنون علمه و أفاض في مواضيع كانت الكرة فيها في ملعبه, فمكانه الدكتور العلمية لا تحتاج إلي دليل و جهوده في الدعوة يصعب على الجاحد إنكارها . ونجد أنفسنا جميعا ندين بالفضل ل(مراجعات) الأستاذ الطاهر التوم الذي يرفد ( النيل الأزرق) بتيار سلس الجريان تشعر معه بالإمتاع و المؤانسة . و يخرج من حقيبته قضايا يسهر الخلق جراها و يختصموا . وهو برنامج جعل التنقيب في الشخصيات السودانية متعة عالية الدسم وحلوة الجنى,و مما يزيده تألقا ً إنهلم يتثآب قط و لم يدعناننام. فجزي الله خيرا ً أهل النيل الأزرق و هذا ( الطاهر) الذي ليس له ( توم). وقد أراحنا الأخ بابكر بالإفصاح عن هدفه مباشرة و هو (التيار السلفي النصوصي الذي يعلي من شأن "النقل" و يضعه في تضاد مع " العقل",) و حتى لا نبحر في التحليل فالنص الذي يتحدث عنه هو( أرضية سلفية تستند الي النصوص (القران والسنة) دون إعمال العقل في أمور مثل السياق الذي نزلت فيه (بالنسبة للقران) أو الظرف التاريخي أو إشكاليات النقل (عصر التدوين للسنة) (وينصب جل همه في ترحيل و اجترار النصوص وحفظها وترديدها) وهو (تيار يركز أساسا علي معرفة علل الأحكام وأنواعها و تخريج الأحكام , أي يبدأ من النص وينتهي إليه من دون خضوع للواقع أو أعمال للعقل). و لاشك أن منزلة العقل العالية جدا ً في الإسلام لا تحتاج إلي دليل من المنقول من كتاب الله و سنه رسوله صلى الله عليه و سلم. فالآيات لقوم يعقلون ولذوي الألباب و لذوي النهى . و الحث على إعمال العقل للتدبر في كتاب الله المسطور, و التفكر و التأمل في كتاب الكون المنظور. لا تحتاج منا إلي (ترحيل و اجترار النصوص وترديدها) و كل يوم بحمد الله يزداد يقيننا بما نرّحل و نجتر و نردد, لعلمنا سلفاً بأن الذي آمنا به سبحانه عليم خبير, لا يضل و لا ينسى. و مثل هذا الإيمان يجعلنا نؤمن أنه لا يعزب عن علمه – سبحانه- شيء أبدا فنطمئن لحكمه و نعرف حكمته و أن خفيت علينا و غابت عنا. و هنا يتحد عندنا مثل أسلافنا من النصوصيين– رحمهم اللهجميعا ً- العقل و النقل تماما. لأن الله الذي خلق هو الله الذي أمر, و كلما و سوس العقل إلينا بأن يتقدم النقل أمرناه بأن ينظر ويكرر النظر في الآيات المسطوره و المنظورة فيرجع إلينا خاسئا ً و هو حسير. و يرى بين السطور نوراً فيأنس به ويرتاح من نار الحيرة المؤلمة التي أرهقت الفلاسفة في كل عصر و مصر و ينال برد اليقين. و سلفنا الصالح رضوان الله عليهم أجمعين لهم صله قويه بهذه النصوص قرآنا ً و سنة ً. فقائدهم صلى الله عليه و سلم شاب من هود و أخواتها و أبكته ({فَكَيْفَإِذَاجِئْنَامِنكُلِّأمَّةٍبِشَهِيدٍوَجِئْنَابِكَعَلَىهَؤُلاءشَهِيدًا} (41) سورةالنساء. وكان غير واحد من السلف يقيم الليلة بآية واحدة يرددها. و ما كان هنالك ثم تضاد بين العقل و النص. فكانوا يدرسون العشر آيات فلا يتركوها حتى يتعلموها و يعملوا بها. لذلك كان جل خوفهم من تطبيق الأوامر الإلهية. قالوا للرسول صلى الله عليه و سلم عند نزول قوله تعالى {الَّذِينَآمَنُواْوَلَمْيَلْبِسُواْإِيمَانَهُمبِظُلْمٍأُوْلَئِكَلَهُمُالأَمْنُوَهُممُّهْتَدُونَ} (82) سورةالأنعام ومن منا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فشرحه لهم بأنه الشرك كما في قول لقمان لابنه ({وَإِذْقَالَلُقْمَانُلِابْنِهِوَهُوَيَعِظُهُيَابُنَيَّلَاتُشْرِكْبِاللَّهِإِنَّالشِّرْكَلَظُلْمٌعَظِيمٌ} (13) سورةلقمان وكذلك خافوا قوله تعالى { وَإِنتُبْدُواْمَافِيأَنفُسِكُمْأَوْتُخْفُوهُيُحَاسِبْكُمبِهِاللّهُفَيَغْفِرُلِمَنيَشَاءوَيُعَذِّبُمَنيَشَاءوَاللّهُعَلَىكُلِّشَيْءٍقَدِيرٌ} (284) سورةالبقرة فكان كل الهم في التطبيق لا العبارات و التزويق. وظل هذا أسلوب هذه الثلة (المعيارية) حتى في نقاش حبر الأمة رضي الله عنه للخوارج في إلزامهم بالمنقول و المستنبط من الآيات. و على دربهم كان سبيل المؤمنين. و السؤال الذي يطرح نفسه هل "النقل" في تضاد مع " العقل"عند النصوصيين؟ كما قال بذلك الأخ بابكر فأهل السنة و الجماعة الذين يطلق عليهم الأخ بابكر ( النصوصيون) يرون أنه لا يوجد تناقض مطلقا ً بين صحيح المنقول و صريح معقول كما كتب مستفيضا ً شيخ الإسلام بن تيميه -رحمه الله- في كثير من كتبه الزاخرة. فلا أدري من أين للكاتب العزيز بهذا القول؟ فالكل يعلم أن من أثار هذا التناقض هم المعتزلة عندماأعملوا عقولهم المحدودة في صحيح المنقول عندما رأوه مخالف لصحيح معقولهم. فرأوا تناقضا ً متوهما ً فأعملوا معاول هدمهم الصدئة فنفوا جل صفات الرحمن سبحانه و تعالى و نفوا أن يكون الله كلّم موسى - عليه السلام - تكليماً. فقادوافتنة خلق القرآن و نكلّوا بإمام أهل السنة و الجماعة - رحمه الله - أحمد بن حنبل , فكان نصيبه الجلد و الحبس حتى انجلت الفتنه و أظهر الله الحق . و هكذا( نتج عن تثبيت الظاهرة الاعتزاليه كأيديولوجيا سلطوية قمع العديد منالتيارات الفكرية الأخرى) فالمعتزلة لهم قدم سبق في مصادرة الحريات و إكراه الناس علي المعتقدات على الرغم من قصر مدة تمكينهم. فهم أصحاب تاريخ منتن في الكبت و التعذيب تستحى منه محاكم التفتيش الأوربي فما كان بمستغرب أن ترد عليهم بضاعتهم البائرة عندما دارت عليهم الدائرة ومن يزرع الشوك لا يحصد به عنبا. فقول المعتزلة بخلق القرآن جرأهم على كلام الله سبحانه و تعالى , فأطلقوا لعقولهم العنان, فأعطوا العقل خاصية القص و الحذف من هذا المخلوق الضعيف الذي هو – القرآن- و بذلك اعتزلوا المعروف من سلوك السلف الصالح مع كلام الله سبحانه و تعالى من التأدب و التعلم و الاستنباط. (انّ التيار السلفي النصوصي يضع "العقل" في تضاد مع "النقل" عندما يعجز عن قراءة النص في سياقه التاريخي (بالنسبة للقران)) وهم بهذا التوهم حملّوا العقل ما لا يطيق, وأركضوه في ميدان ليس ميدانه, ميدان محاده الله و رسوله. فجعلوا مكلّفهم يرد الآيات الصريحة و الأحاديث الصحيحة تقديما ً لتقبيح و تحسين يعتمد علي العقل . وكل ذلك اعتمادا ً علي معتقدهم الفاسد الذي حاولوا نشره بالسوط لا الصوت و العدل بأن القرآن مخلوق فأصبحوا أحيانا ً يفرضون على هذا المخلوق الضعيف خصال الفطرة جميعها , و الآن أبت فرقهم الجديدة إلا إدخال عمليات التجميل و شد الترهلات و إدخال عمليات السليكون الغربي و حقن البوتكس . تعالى كلام الله عما يقولون علوا ً كبيرا ً. فالذي نعرفه جميعا ً, هو أن أهل السنه و الجماعة و ضعوا قواعد محددة ل( قراءة النص في سياقه التاريخي (بالنسبة للقران)) تفسيرا ً و استنباطا ًللأحكام. و أكبر الأدلة على صحة هذا الأمر الفقه المذهبي الذي و جد القبول من الأمة جمعاء. و مازال هو سبيل المؤمنين تعبدا ً و سلوكاً و كل الذي يفعله (الشواذ) في كل زمان و مكان هو إثارة قضية هنا أو تقديم رأي شاذ و لكن ما قدموا لأنفسهم ما يقنع من مشاريع تجديديه متمناه فصاروا جميعهم في حب لفكرة التجديد دون الوصول للتجديد حقيقة و تقديمه باعتباره منهجاً إصلاحيا ً متكامل. و نواصل- بإذن الله -إن كان في العمر بقية.