أشكر للأخ بابكر تواصله معي عبر البريد الألكتروني .مما ينم عن خلق كريم و أدب عظيم. فجزاه الله خيراً عن هذه البادره الطيبة التي ترسي قواعد الحوار, وتفتح الباب لتلاقح الأفكار. فرأي صوابٌ يحتمل الخطأ و رأي الأخ بابكر خطأ يحتمل الصواب. و قديماً قالوا نصف رأيك عند أخيك. فسبحان من لا يحيطون بشئ من علمه. نواصل ما بداناه و أتأسف للتأخر في الرد بسبب لملمة الأطراف وقرب الإجازة الصيفية. فنقول مستعينيين بالله .أن أهل التيار السلفي النصوصي رواةٌ و وعاةٌ هم الذين أرسوا دعائم الدين الأسلامي, وأصّلوا أصوله و فرّعوا فروعوه ,فبهم عَرِف الخلقُ اللهَ و بهم قامت الحجه علي الخلق. ورثوا بفضل الله نور نبيهم فهم البدور و هم جلاء الناظر كلام الله عندهم الاساس, وسنه نبيهم مقدمة على كل وسواس, اجتهدوا فيما ليس فيه نص, و قاسوا ما تشابه من المشكلات حتى لا يعارضوا الله و رسوله بأقول الرجال. قائدهم في ذلك الصديق رضى الله عنه "أى سماء تظلني و أي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما ليس فيه" منهم انبجست الإنوار فصاروا هدايةً لكل ضال و محتار.فهذا هو تعاملهم (مع السياق القرآني) فبرزت علوم القرآن بمختلف أنواعها.وقامت الأركان على هدى القرآن. و ظهرت المذاهب الفقهيه التي هي جزء أصيل في تعامل السلف مع الكتاب في سياقه استنباطاً وتفريعاً .وقام الخلاف بين هذه المذهب على أساس الدليل و فهمه و كان الحكم بينهم "كل بن أنثى يؤخد من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر" هذا شيخ مالك رضي الله عنه و هو يدرّس في روضة الحبيب صلى الله عليه و سلم وغيره قالوا"أذا صح الحديث فهو مذهبي" وهذا أمر من نافلة القول. و الأختلاف كان سمةً بارزة حتى في الفرقة المعيارية, فالصلاة في بني قريظة في زمن الرسول صلي الله عليه وسلم تباينت فيها الأفهام. و بعد موته صلى الله عليه و سلم كان إبن عباس رضي الله عنهما يري خلود القاتل المتعمد في النار. وهو خلاف ما كان عليه كبار الصحابة.ولكن ظل التعامل مع النص مباشرة إعترافاً به و تقريراً لطبيعتة الحاكمة ,و من هذا الخلاف تولدت المدارس الفقهية المختلفة. و لكن ظل المنهج النصوصى يصلح ذاته بالأخذ و الرد أستناداً للنص, و ظلت شمعتة تنير للأمة الطريق وتقدم كل ما هو ممكن من علاجات لكل نازلة. و العقيدة أصبحت محور كثير من الأحداث في زمن الصحابة و غيرهم. ثم ظهرت الفرق المتطرفة القدرية و الجبرية المعطلة و المجسمه رافضة و نواصب وبعضها تكامل حتى أصبح تيارات فكرية استخدمت السلاح في الوصول السلطة و فرض الآراء. وكثير من الإنحرافات إنما تولدّت من التصورات الخاطئة التي كانت في ذلك الوقت. و الحق مع أهل السنة و الجماعة بين تطرف هذه الفرق, و كل هذا أكّد أن دين الله يخرج بين فرث و دم فطرة , سليمة و ديناَ مستقيما.وهكذا بقي من المذاهب السبعة أربعةٌ فقط, كتب الله لها البقاء و القبول. و هكذا ظلت الأمة تمارس إنتقاء الأقوى لأنها أمة حية ,فمات كل شاذ و بقي ما ينفع الناس. و من الفرق التي ظهرت باكراً المعتزله ضمن مجموعة من الفرق التي باينت المعروف من الآراء الففقهية التى عرفت فى ذالك الزمن. و قد أوضح الأخ بابكر من أن المعتزلة استخدموا العقل في ردهم علي الفرق التي لا تؤمن بالأدلة النصية. فجاءت الفلسفة اليونانية و المنطق فكانت مقدماتها هي الثوابت التي تنطلق منها ردود المعتزلة هذه الفرق المنحرفة. ولكن ما لبث هذا البلاء-الفلسفة و علم الكلام- أن صار أساساً يُرد به حتى علي ماثبت من السنة و القرآن. فكان (تهافت الفلاسفة )و (الرد علي المنطقيين) هو رد النصوصيين علي تقديم الفروض و الحجج الفلسفية علي الأيات و الأحاديث. فأستخرج حجة الإسلام الغزالي أصول هذه الدلالات من الكتاب و السنة و بايسر الطرق. فالمعروف أن العقل منفرداً أثبت فشله في الوصول إلي الهدي, وكانت العوامل الخارجية و البيئة المحيطة دائماً قادرة على إطفاء نور فطرته (فأبواه يهودانه و يمجسانه) و كانت الحاجة قائمة للرسل لتوفير المدد الإلهي لهذا المخلوق الضعيف ليتكامل شعاع الفطرة مع نور الوحي ( نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) و يشهد علي هذا الأمر كل الواقع الذي نعيشه. فنجد من برعوا في كل حرفة و فلسفة يضلون الطريق في معرفة الله الذي خلقهم و ما يعملون. فعبدوا النار و البقر و منهم من عبد هواه و عاش ضالا منكوس الفطرة عياذاً بالله. ولكن تقديس العقل وتعظيمة هو الذي قال به الفلاسفة الذين يعجب بهم الأخ بابكر لإنجازاتهم العلمية التي سار علي ضوئها الغرب معجباً مذهولاً. ولكن فات على الأخ بابكر أن أهل الغرب أعلوا من قدر الفارابي و بن سيناء و الرازي ليس فقط لعظم مكانتهم العلميه ولكن لشئ في نفس يعقوب. فالفارابي يرى النبوة أمر كسبي يدركه كل الناس إذا قويت عنده القوة (المتخيلة). فالنبي يدرك كل شى بمالمعرفة (المتخلية) التي هي أدني من المعرفة الناتجة من القوة الفكرية ( الناطقة) التي هي للفلاسفة. فالفارابي و من نهج نهجة يرون منزله النبي أدنى من منزلة الفيلسوف. و هذا أمر يسعد الغربيين فيعلون من أمثال هؤلاء المنحرفين عن التصور الإسلامي الصحيح, و يمجدونهم ليقولوا للناس ما بلغ هؤلاء هذه المكانة إلا بعد أن عرفوا أن الدين الإسلامي مختلق, وأن القرآن أساطير الأوليين, وأن محمد صلى الله عليه و سلم علمه بشر من الدعاوى التي يطلقها الكفار علي الأنبياء كافه و علي حبيبنا صلى الله عليه و سلم خاصه , و مثل هذه الشبه ٌ يسقط فيها كثير من أبناء الإسلام التي تعشيهم أضواء الحضارة الغربية.فإعجابنا بكيمياء و طب الرازي لا تجعلنا نتخذهم قدوة في أقوالهم المرفوضة شرعاً و عقلاً في أمر الدين ,و لا يمكننا أن نصمت علي باطلهم الذي لم يخفوه و لم ينكروه. وهذه ثمار الفلسفة المرة هرطقة و ضلال مبين. وأكبر ظني أن الأخ بابكر يقف حدود إعجابه بهم بحيث لا يتجاوز تطبيقاتهم العلمية التي نفخر بها جميعاً.فإعجابنا بهبوط جاجارين علي سطح القمر لا يجعلنا ندين بمعتقدات الروس الفكرية. و تمتعنا بإنجازات اليابان التكنلوجية و العلمية و لا تجعلنا نعير إلتفاتاً إلي تصوراتهم العقدية .و لا يمنعننا ذلك التعلم منهم و تتبع طرقهم من الحفاظ على دينٍ أرسله الله للناس كافة و خصنا به. فالقيم و التصورات الفكريه الصحيحة لا يملكها أحد اليوم في هذه البسيطة إلا أهل الإسلام لو فطنوا. ففقرنا في الجانب العملي و التطبيقي عوضنا الله فيه خيراً في توفيرالقدر الكافي و المقنع في قضايا الحياة و الموت و ما بعدهما ,و هو أمر أسأل عن فقدانه العبثيون و عبده الشيطان و كل الأعداد المتزايده من المنتحرين رفاهيةً. فالفلسفة والجهد البشري البحت لا يقدمان علماً يقيناً ,بل هي في أحسن الصور كلام و ردود و و جدال ويكفي أن الشيخ الجويني إمام الحرمين وشيخ حجة الإسلام الغزالي الذي برع في علم الكلام و بلغ فيه الغاية العليا تمنى لو أنه مات على دين عجائز نيسابور للحيرة التي تسببها الفلسفة و إبنها المعروف علم الكلام.و ما جعل الله الطمأنينة إلا في آياته و كتابه العزيز ,و صدق رسولنا صلى الله عليه و سلم(من ابتغى الهدى في غيره أضله الله) وترى مما نسب إلي الرازي بعد رجوعه عن الطرق الكلامية صورة و اضحة الملامح موجزاً رحلته وراء فتنة الفلسفة و علم الكلام. نهاية إقدام العقول عقال *** وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا *** وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا *** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا فكلام الناس لا يوّلد إلا و سواس. و لا يوصل إلي برد اليقين إلا كلام رب الناس فنعوذ به من شر الوسواس الخناس.وبالجملة لو قلنا أن المعتزلة الجدد قدموا مشروعاً متكاملاً لإجتهاداتهم في الثابت من الكتاب و السنة لشكرنا لهم ذلك ,و لكن دائماً آراءهم تقوم على نقد الجهد النصوصي و التشكيك فيه, فهم يستلفون حيناً من اليسار, و أحياناً من المنطلقات العلمانية و يحاولون أن يثيروا الغبار علي من آمن بثمار الوحي الإلهي. فجلّ أقوالهم (نوع من التميز السلبي). فلا أثر لهم إلا في ترقيعاتهم و آرؤاهم الشاذة عن بعض الآراء الفقهية. و سبحان الله أن الأخ بابكر لم تحركه رؤية أهل الغرب و علمائهم و خضوع أعناقهم لآيات القرآن في الآفاق و الأنفس فعادوا إلي (النصوص التي جعلت العالم الإسلامي في غيبوبة تامه منذ عهد الإمام الغزالي) ليبتغوا فيها الهدى فوجدوه ,و ضحكوا في حال أبناء محمد صلى الله عليه و سلم . كالعير في البيداء يقتلها الظما و الماء فوق ظهورها محمول فآية ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون } [يونس :92[هذه الآية التي كشفت مصير فرعون موسى و نهايته المخزية -عياذاً بالله من سوء المنقلب- فهذه القصة أعادت موريس بوكاي عالم التشريح و الجراح المشهور إلي دين الله وهي قصة أشهر من أن تعاد هنا, و كتابة عن مطابقة القرآن للحقائق العلمية معروف منشور بلغات كثيرة, و مازال أبناء المسلمين في تلك البلاد التي تموت من البرد حيتانها يستخدمونه تعويذة للذين يصفون الإسلام بالتخلف و الجهل.فإذا كان هؤلاء العلماء الغربيون ذوي الدرجات العلمية الرفيعة قالوا بلسان الحال و المقال أن ما عندكم مطابق لصحيح المعقول و المبحوث في المعامل.فما عسانا نقول للمعتزلة القدامى و الجدد سوى أنكم أبعدتم النجعة و عسى أن يدخلوا في جبة تريقعاتهم الكثيرة (رقعة بوكاي) العجيبة هذه فإن ما يأتي من الغرب يسر القلب عند كثير منا و نواصل بإذن الله.