لماذا تسعى إدارة أوباما (لطلبنة) الخرطوم، أي تحويل الحركة الاسلامية ومؤتمرها الوطني الى طالبان أفريقيا بعد أفغنة السودان؟. في العام 1998 أرسل بيل كلينتون الرئيس الاسبق للولايات المتحدة دفعة من الصواريخ لأفغانستان لضرب حكومة طالبان، ومن أسماهم الارهابيين الذين تأويهم. الإهاربيون هؤلاء يقودهم بن لادن الذي عرضت الخرطوم تسليمه (بلحمه وشحمه) لأمريكا، ولكنها رفضت كما رفض حلفاؤها استلامه أيضا.!! أرسلت أمريكا ذات الصواريخ في ذات اليوم والساعة الى المنطقة الصناعية بالخرطوم بحري، فأحالت مصنعا للأدوية الى هشيم، بادّعاء أن المصنع ينتج أسلحة كيميائية. منذ يوم الصواريخ بدأت التفكير في طلبنة الخرطوم. ذكاء الخرطوم وحده هو الذي آخرجها من مأزق الطلبنة، ومضت تقدم نفسها للعالم بشكل شديد الاختلاف عن النموذج الطالباني، وخاصة بعد الانشقاق الذي أحدث شرخا عميقا في جدار الحركة الاسلامية في العام 1999. تغيرت السياسات، وأصبح النظام أكثر انفتاحا ووجد قبولا متعاظما على المستوى الاقليمي والعالمي. بعد سبتمبر 2001 ظن كثيرون أن مصير النظام في السودان سيلاقي ذات مصير طالبان. ولكن ذكاء الخرطوم مرة أخرى أفلت الفرصة، فأبدت الحكومة مرونة فائقة، وتعاونت في ما أسمته حكومة بوش الحرب على الإرهاب، فاستطاعت أن تخرج رأسها من تحت المقصلة. ازداد النظام توهجا حين استطاع طي صفحة حرب الجنوب باتفاق سلام شامل 2005 شهد عليه كل العالم. بدأت الحكومة تمضي باتجاه تطبيق السلام الشامل، وازدادت انفتاحا على القوى السياسية، وتنفست البلاد نسائم أجواء ديمقراطية قادمة بعد إجازة قانون الانتخابات وإجراء الاستفتاء وقانون الأحزاب. وأعلنت جميع القوى حرصها على إنجاز التحول الديمقراطي, في هذا التوقيت بالذات تصاعدت حمّى دارفور حتى وصلت الى ما صلنا اليه في الرابع من مارس. نحن الآن في المحطة النهائية، وأمام ثلاثة خيارات: الأول أن تستجب الخرطوم لقائمة المطالب وعلى رأسها تسيلم رأس الدولة أو استبعاده من الترشيح، كما أوضحنا بالأمس. والثاني أن تصل المساومة على المطالب للحد المقبول، أو أن يفرض المجتمع الدولي على الخرطوم أن تتطلبن!!. الخرطوم مهيأة للطلبنة أكثر من الطالبانيين أنفسهم!! السودان أكثر قابلية للأفغنة أكثر من أفغانستان.!! إذا عجزت أمريكا عن السيطرة على البشتون هناك، فأوضاعنا هنا أكثر (بشتنة) وتعقيدا من أفغانستان. البشتون قبيلة واحدة على الحدود الأفغانية الباكستانية. أما نحن الحمد لله نملك مئات من القبائل العابرة للحدود!! فكيف يمكن السيطرة عليها إذا تأفغن السودان وتطلبنت الخرطوم.!! أمس الأول قال نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن بعدما أجرى محادثات مع حلفاء الولاياتالمتحدة الأطلسيين في بروكسل (إننا لا نحرز انتصارا في الحرب على أفغانستان، لكننا لم نخسرها على الإطلاق). وحثّ بايدن حلفاء الولاياتالمتحدة في حلف شمال الأطلسي على مساعدة بلاده في التعامل مع الأوضاع الأمنية التي تزداد سوءا، محذرا من أن الوضع يشكل تهديدا أمنيا ليس للولايات المتحدة فحسب، بل للغرب عامة، ولكل دولة حول هذه المائدة (26 دولة). الآن البحث جارٍ على قدم وساق عن طالبانيين معتدلين يمكن للغرب التحاور معهم!! يقول بايدن (إننا نبحث عن حلول براغماتية بهدف التوصل الى هدفنا المتمثل في ألا تكون أفغانستان معقلا للارهابيين، وأن تكون قادرة على حكم نفسها بنفسها وضمان أمنها). وكان الرئيس باراك أوباما قد طرح إمكانية الحوار مع المعتدلين في طالبان، بعد أن أكد له الجنرال بترويوس استحالة كسب الحرب في أفغانستان، ومن قبل استمع لنصيحة هنري كسنجر الذي أكد (لم يحدث أبدا أن نجحت أي قوة غازية في احتلال أفغانستان, وحتى محاولات إقامة حكم مركزي للبلاد نادرا ما تنجح، وإن نجحت فلفترة قصيرة). الآن راحت سكرة الغزو، والقوة القاهرة، وجاءت الفكرة وبدأت المراجعات الكبيرة. فريد زكريا واحد من أهم الكتاب الأمريكان، يكتب أهم مقالاته الأسبوع الماضي في النيوزويك (تعلّم العيش مع الإسلام الراديكالي)، قائلا (المجموعات التي تنادي بهذه السياسات الإرهابية هي قوى قبيحة ورجعية، سوف تعوق تقدم بلدانها وتلحق العار بديانتها، لكن لا ينادي كل هؤلاء الإسلاميين بالجهاد العالمي أو يأوون إرهابيين أو يشنون عمليات ضد العالم الخارجي، في الواقع، معظمهم لا يفعلون ذلك. فلنأخذ على سبيل المثال، الحالة الأصعب أي حركة طالبان. لقد قامت طالبان بمختلف الأشياء المروّعة في أفغانستان. لكن حتى الآن، لم يكن لأي عنصر من حركة طالبان الأفغانية مشاركة مهمة في هجوم إرهابي عالمي في الأعوام العشرة الماضية، بما في ذلك هجمات 11 سبتمبر. لا شك في أن هناك عناصر من حركة طالبان على صلة وثيقة بتنظيم القاعدة. غير أن طالبان حركة واسعة، وهناك فصائل كثيرة لا يجمعها رابط قوي بأسامة بن لادن. يريد معظم عناصر طالبان حكما إسلاميا على الصعيد المحلي لا جهادا عنيفا على الصعيد العالمي) .إذا كان هذا هو ما انتهى اليه العسكريون والسياسيون والمفكرون في أمر طالبان، فالسؤال لايزال قائما لماذا السعي لطلبنة الخرطوم، وماذا ستستفيد الولاياتالمتحدة وحلفاؤها من صنع جنة للارهابيين بمساحة مليون ميل مربع؟