زار وفد من قوى الإجماع الوطني السيد سلفا كير بمنزله بالخرطوم للتهنئة له برئاسة حكومة الجنوب. وشدد على ضرورة قيام الاستفتاء في الجنوب في موعده لأن التلاعب فيه، في قول السيد مبارك الفاضل، يهدد الوحدة. وهذا الكلام البيضحك سلفا. ثم تحدث الوفد إليه عن وجوب إطلاق سراح الدكتور حسن الترابي والحفاظ على الحريات وعدم إنتهاك الدستور. وصورة الحريات بعد الإنتخابات بالحق منذرة. وقد أفرد الأستاذ كمال الجزولي لخروقها بوسطة الحكومة باباً في روزنامته للاسبوع الماضي بجريدة الأخبار. وهي خروق مشفقة لا يمكن السكوت عليها. فالحكومة العائدة ترجع بنا القهقري بغير "تابلت" بالاعتقال الإداري وتعطيل الصحف جزافاً والتعذيب والرقابة القبلية للصحف ( التي حجبت صدور أجراس الحرية والصحافة)، وتقييد حق لسفر والاجتماع والتظاهر كما في حال الأطباء. وتخطفتنا هذه الإجراءات المتعسفة ولم يجف حبر الكتاب الناصحين للحكومة :بمنعرج اللوى" أن ترشد في موسمها الثاني وتعقل حتى لا تستبين النصح "ضحى الغد". ما احزنني في هذه الهجمة المرتدة على الحريات ما سمعته عن إلغاء ندوة للأستاذ السر سيد أحمد عن البترول والاستفتاء اعتذر عن انعقادها من نظمها وهو طيبة برس. وحسبت أن هذا كان لسبب طاريء كثير الحدوث على طروئه. ثم قرأت في أجراس الحرية أن السلطات لم تأذن بقيام الندوة وماطلت في الرد على منظمها. ومن يخاف على الأمن من السر خاف من ظله. فمعروف عن السر، الذي حرر مجلة سوداناو في السبعينات فجعلها سبقاً صحفياً لم يتكرر، اعتدال المزاج السياسي بأكاديمية ملطفة. وقال لأجراس الحرية أنه لم يكن سيأتي في الندوة برأي لم يقله من قبل في كتاباته الراتبة بالصحف. وكتاباته زينة. فهو متفائل علي بينة لأنه ممن يؤمنون بأن كل شيء سيكون على مايرام متي أخذنا بعادة الفكر لا الهرج. فمثلاً عامل النفط عنده من أقوى أسباب الوحدة حتى في الدقائق الأخيرة هذه. فالسودان في رأيه مسرح لصدفتين جيلوجيتين لا فكاك بينهما. الصدفة الأولى جعلت الجنوب يحتوي على أكثر من ثلثي إحتياطاتنا النفطية. اما الصدفة الأخرى جعلت الشمال منفذ هذا الذهب الأسود للبحر. وسيكتشف غلاة الإنفصاليين أنه لا بديل في الوقت الحاضر أو المستقبلي ل "جدل" المنبع والمنفذ. فبناء خط الأنابيب من جوبا إلى ميناء لامو في كينبا (الذي تدرس جدواه شركة تايوتا) أضغاث إيدلوجية سرعان ما سيفيق منها عتاة القوميين الجنوبيين متى تقوت البروقراطية والمهنية الجنوبية. لا أريد أن أعتذر للسر بإعتداله ليستحق عرض خبرته عن النفط والسياسة للجمهور. فالديمقراطية لا تعرف قشة مرة من الأفكار. وفحلها غير عواف. ولكني أردت بذلك التنبيه بأن الإنقاذ العائدة لا ينقصها الرشد الذي يتبرع به الناصحون لتسلم الجرة هذه المرة. فهي نظام قد خلت منه النظم. وككل النظم فهي لا "تنتصح" بالرأي بل تٌزع به. فبالرأي القوي تتخلق الأجندة الجديدة التي تصطف عندها الجماهير فتستحيل قوة مادية مٌغيرة مزلزلة . ولكن الإنقاذ على خلاف النظم لم "يمتعها" الله بمقاومة سديدة مالكة لزمام تكتيكها وأجندتها. ولذا لعبت بنا القردية: من يدها الثورية إلى يدها الإنتخابية أو كما قالت. خذ مثلاً في تهافت المعارضة زيارتها الموصوفة لسلفا كير. سألته التدخل لإطلاق سراح الترابي. ولكن خلا خبر المقابلة عن رد سلفا على المطلب سوى قول عرمان عن الخرطوم الطاردة وعرمانيات أخرى. أما عن الترابي . . . فلا نأمة من نائب رئيس الجمهورية المنتخب. وعاد السائلون عن الترابي بخفي . . . تلفون كوكو.