سأعود هذه المرة للتحدث بذات الموضوعية التي انتهجتها – على الأقل من وجهة نظري - في موضوع الاتهام الذي وُجّه للصحفية الأخت لبنى الحسين بداءة ؛ وهو عدم احتشام الملبس ؛ وهي جنحة يعاقب عليها بالقانون الحالي بالجلد أو الغرامة أو العقوبتين معاً وذاك اتهام واجهته الأخت لبنى الحسين وأثناء كتابتي لتلك " الكلاكيتات " وصلتني كثير من الرسائل الالكترونية المتشنجة وكثيرٌ منها كان يحمل في طياته بعض اقزع السباب " المنتقاة " مما جعلني أزداد حزناً على حزن وإلى ما آلت إليه أدبيات إدارة الحوار سواء في السر أو العلن . يومذاك كان وما زال رأئي هو أن تلجأ الأخت لبنى الحسين للمحكمة الدستورية – وهو ما فعلته مؤخراً - لتطعن في دستورية القانون الذي بموجبه ستحاكم لأن القانون أصلاً به عوار وهذا ما فعلته مؤخراً وكان هذا عين الصواب ، لبنى لا تلجأ للمحكمة الدستورية لأن الموضوع فقط يمسها مباشرة و شخصياً ؛ بل لأنه يمس كرامة كل نساء ورجال السودان على اختلاف مستويات التعليم والثقافة والتقاليد ؛ وعلينا أيضاً أن نأخذ في الاعتبار نسبة الأمية في الحضر والريف ليس بين الرجال فقط بل والنساء ونسبتها بينهن هي الأعلى . نعم؛ نحب أن نحافظ على قيم المجتمع وأخلاقياته وعقيدته ولكن هذا لا يتأتى بالقسر وفي مجتمع متباين الثقافات والعرقيات وبه من الأزمات المزمنة ما يرجع أصله إلى الاضهاد والتهميش ؛ بالطبع لا يمكننا الحفاظ على قيم واخلاقيات المجتمع بجلد النساء بل يتم بالحسنى وبالتوعية الثقافية العقدية السمحة ، بوسطية الاسلام والتعامل المستنير ؛لا يمكن أن يحدث هذا بالجلد والترهيب والقرآن الكريم وهو التشريع الالهي لم يغلظ عقوبة الجلد إلا في حالة واحدة ؛ وهي الزنا حتى قال فيه ربنا تعالى فيهما ( ولا تأخذكم بهما رأفة) أي الزاني والزانية . قال تعالى عن الزوجة الناشز ( واضربوهن واهجرون في المضاجع ) وفسر الفقهاء الضرب هنا بالمقصد المعنوى للضرب – وهو غير الجلد - أي ( بعود السواك) أو ما شابهه ؛ فالضرب بعود السواك رغم صغره وعدم تأثيره الجسدي إلا أنه يؤثر في الأنثى نفسياً ومعنوياً لطبيعتها الفيسلوجية وتركيبتها النفسية ولرقتها .. النساء هن أمهاتنا وزوجاتنا وبناتنا وخلالتنا وعماتنا ؛ هن بنات الخؤولة والعمومة فمن منا يحتمل أن تهان إحداهن وتجلد سواء في السر أو العلن .. لقد أوصى النبي رجال المسلمين في حجة الوداع بالنساء خيراً فقال ( رفقاً بالقوارير )!! في تراثنا السوداني رثت في (مناحات ) الأخت أخاها وبنت الأخت خالها ، رثت الأم ابنها ؛ والابنة والدها ؛ مرثيات تتناقلها الألسن حتى اليوم ؛ فهل المرأة التي ترثي الأب والخال والأخ يكون جزاءها منا الجلد لمجرد أننا حكمنا على مسألة خلافية بين الفقهاء وهي مسألة نسبية ؛ وحتى وإن جنحت بعضهن لعدم الاحتشام فأين الحسنى وأين المناصحة وأين الاشاد؟!. فالمرأة السودانية والموريتانية وتلك القابعة في الصحراء المغربية في تندوف ؛ جميعهن مشهود لهن بالحشمة والاحتشام وهن يشتركن في التزيي بالثوب والذي غنى له اللحو ( شوف عيني النسيم وبي حشمة هبّ شال التوب)!! انضباط الشارع مهم ولكن التعسف في ضبطه وتوجيه الاتهامات وتطبيق ما يرفض مجتمعياً هو بحد ذاته محاولة مقصدها طيب تطبيق بمقصد غير طيب ؛ لأن العلة أيضاً في كيفية التطبيق وامكانات التربية الفكرية لمن خوِّل بالتطبيق فقد يسيء للمُشَرّعِ ويدمغ القانون بالظلم فيصبح مادة منتقدة سواء في السر أوالعلن ؛ سواء في الداخل أو الخارج . في عموم تجارب المجتمعات دوماً الثقافة والافكار المنضبطة تطرد ما هو عكسها بالممارسة المجتمعية الموجبة للإحترم والتي تنال التقدير حينما تسود ثقافة التوعية والحوار والتناصح . أصدقكم القول أن بكل ما في مجتمعاتنا السودانية من مثالب فإنها لا تساوي قدر قيراط بل تساوي صفراً مقارنة بما عشناه في مجتمعات اسلامية أخرى ناهيك عن أننا مجتمع متعدد المعتقدات والثقافات ويعزى ذلك إلى تلك المساحة من التسامح التي تتمتع بها النفس والروح السودانية . مسلمو السودان لم يعتنقوا السودان بحد السيف.!! هل نحن في حوجة لقوانين تعكر الصفو المجتمعي ؟ طالما هناك قانون لا بد بالتالي من أن تكون هناك جهة تتابع الخرق وجهة تحكم بالقانون ؛ ولكن أين الجهات الموكل إليها التوعية والحسبة ، لماذا لا نطبق أبسط مباديء إتخاذ القرار أو إقرار القوانين بأن تطرح للنقاش وفي ذلك الحوار والنقاش والاختلاف هو بحد ذلته نشر للتوعية. التشنج وركوب الموجة والدفاع بغير حق والتجريح والتخوين هي وسيلة الضعيف عندما لا تكون لديه حجية لمقارعة فكرٍ بفكر أو مقدرة على عصف الأفكار وإدارة الحوار ، وأن هذا يدل على إزدواجية معايير فكرية ؛ وعد م التفكير فيما يجب أن يتخذ بعقلانية أو موضوعية ما هو إلا أحد أهم سلبيات القدرة على اتخاذ قرار سليم وهذا ما نفتقده ؛ فكم من قضايا أضعناهاوكان يمكننا كسبها بسهولة .. وحق علينا قول نزار : [ العنتريات ما قتلت ذبابة ] !!. هامش: القاريء العزيز ، عندما تجد المقال وقد ركبت سطوره فوق بعض ويتعذر قراءته أرجو أن تظلل المقال وانسخه في صفحة بيضاء على الويرد سيظهر كاملاً ومقروءاً مع تقديري abubakr ibrahim [[email protected]]