إسحق أحمد فضل الله يكتب: (وفاة المغالطات)    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الوحدة والانفصال ..... بقلم: خليفة السمري- المحامي
نشر في سودانيل يوم 16 - 06 - 2010


بسم الله الرحمن الرحيم
السودان .. وما أدراك ما السودان ..أقوام وأعراق شتي وثقافات متنوعة ولهجات تعد بالمئين،ديانات وطقوس وعادات ضاربة في عمق التاريخ ، هذه الأخلاط التي قد يحار في تحليل جدلياتها علماء الانثربولوجي وأركيولوجيا التاريخ جاءت على قدر لتجتمع في محيط جغرافي واحد ،تنصهر في بوتقته من غير تكلف،وتتعايش فيما بينها على الفطرة والسجية ،يغلبها الطبع على التطبع، وينداح بينها سلامٌ تعكر صفوه أحياناً مناوشة قبيلةٍ مع أخرى أو بيتٍ داخل القبيلة نفسها مع بيتٍ آخر وسرعان ما تتدخل "الأجاويد" ليعود إلى البوتقة الطبع المسالم .. ظلت الحياة في هذا الكيان الجغرافي تنحو على هذا النحو قرون من الزمان طويلة إلى أن حلت به في آخر أيامه لعنة الساسة والسياسة.
الساسة هؤلاء سعوا بوعي أو بلا وعي –إلا من رحم ربي - إلى تأطير كيان السودان على نحوٍ لا جامعٍ ولا مانع إذا ما أردت أن تضع تعريفاً لشعب الدولة،وشغلوا أنفسهم بصراع الأهواء لا البحث عن الهوية كما يزعمون ،فللأسف ظل كل فريقٍ فرح فخور بالاختزال الذي هداه إليه هواه الأيديولوجي ،ولو كان هذا الاختزال يعارض الحقيقة المعرفية، ويناقض واقع الحال ،فوهم الإيديولوجيا هو المقصود بالإشباع ،حتى لو تقوضت البلاد أشلاءً،وفي سبيل هذا الإشباع الرغبوي اعتسفوا الواقع اعتسافاً ،فصلوا لأجله قمصاناً للبلاد لا تناسب حجمها ،ولا ترضي ذوقها ،وحاديهم إلى كل ذلك إرضاء الغرور الإيديولوجي الذي حصدنا ثمرته تصدعاً ها نحن نتباكى الآن لأجل تلافيه ونطلق الحملات لمنع آثاره الضارة ونرهق أنفسنا عسراً بما جنت أيدينا لا أيدي الغرباء،مع أنه كان في الأمر سعةً وفسحة ،فقد وضع الله عنا الإصر والعنت والمشقة ولكن أبينا على أنفسنا ذلك كأن لنا بقبيلة يهود أواصر صلة أ و وشائج قربي ، قيل لهم لا تعدو في السبت إذ كانت حيتانهم تأتي إليهم شُرَّعاً فأبوا ذلك على أنفسهم واختاروا العنت والمشقة والطقوسية وضيعوا جوهر الدين الذي جاء لإسعاد البشرية لا لنكدها وشقائها ،"وربك يكضب الشينة".
إن نهج اختزال النسيج الفسيفسائي السوداني في بعدٍ واحد قصم ظهر البلاد وأقعدها عن التطور واللحاق بنظائرها من الدول التي ارتكن قادتها إلى ما يجمع ويوحد لا إلى ما يشتت ويفرق ، نهج الاختزال هذا ظل للأسف يسكن لا شعور النخبة السياسية الفاعلة في كل مراحل تاريخ الحركة السياسية السودانية الحديثة ، ولم ينفك عنه حتى الذين رفعوا شعارات الدولة المدنية ومفاهيم الحداثة السياسية ،وبسبب هذا الداء المتمكن من النفوس جاءت جل أفعالهم السياسية معارضةً لأقوالهم وخطبهم الحماسية، يحدثك بعضهم عن إيمانه بالديمقراطية إلى حد التضحية بالروح،لكنه لا يرعوي أبداً أن يقف مدافعاً عن طرد خصومه السياسيين من البرلمان بل يتحدى أحكام القضاء لأجل مكسبه السياسي وإشباع رغائبه الإيديولوجية ، ويقف بعضٌ آخر منافحاً عن حقوق الإنسان إلى أن تنتفخ منه الأوداج ،وفي أول سانحة انقلاب عسكري تجده في الصف الأول يمارس الكيد ولا يربأ عن تعذيب الخصوم جسدياً ونفسياً ، يقول الواحد منا إنه يؤمن بوحدة السودان إيمان العجائز وتجد أفعاله بوعي أو بغير وعي توجه بوصلته إلى عكس ما آمن به،ومن عجيب الأمر ، لا ينزعج الواحد منا من مثل هذا الانقسام النفسي بل ينام قرير العين حالماً بالوحدة ورفاه الدولة ،وما درى المسكين أن فعله السياسي المخاتل هو الذي أثمر هذا الغسلين الذي نتجرع مرارته الآن ،وبدلاً من لوم النفس وممارسة نقد الذات ،تجدنا نبحث عن الدسائس والمؤامرات المتوهمة لنحيل عليها فشلنا وشيزوفرينيانا السياسية علنا نجد في ذلك تبريراً يدخل على النفس شيئاً من راحة أو قليلاً من إرضاء الضمير ،ولكن ولات حين راحة وولات حين ندم.
أنظر أخي القارئ في أحداث السياسة السودانية كيفما اتفق لك النظر،فإنك أبداً ،تجد العجائب والغرائب، الكل يزعم أنه مصلح وأنه ديمقراطي من غير أن يكلف نفسه أو يواجهها بمدى استعداده لدفع ثمن الحرية والديمقراطية ،ديمقراطي والسلام ، وحدوي والسلام، يساري ،يميني والسلام ،من غير أن يقف ليفكر بموضوعية عن ماهية الأيديولوجيا التي تحفزه إلى الفعل وهل يا ترى تصلح وسيلة لتحقيق أهداف الوحدة والسلام التي ينشدها أم لا؟،أنظر إلى كافة ضروب الأيديولوجيا السياسية السودانية فماذا تجد غير الترديد الببغاوي وتكرار الحديث عن الأفكار التي لا تلامس واقع البلاد ولا تحل مشاكل العباد بل تعقد الحياة السياسية وتزيد إشكالات البلاد ضغثاً على إبالة.فالأفكار المجردة على رأي علماء المناهج لا يسبغ عليها وصف الصحة والخطأ إلا بعد وضعها موضع الفعل والعمل والتطبيق فإن أدت غرضها فهي صحيحة بالنسبة للفعل والعمل الذي طبقت عليه وإن هي قصرت عن ذلك فهي خاطئة بالنسبة للعمل والغاية المقصودة منها، ولا يغير من ذلك صحتها في فعلٍ وعمل آخرين، فكما لكل مقامٍ مقال ، فلكل فكرة حيزها الزماني والمكاني ،فإن أنت حاولت فكها عن نسبيتها تكون بذلك وقعت في الشرك الخفي حال كونك أصبغت عليها صفة من صفات الله "الإطلاق والتجريد الذي لا يحده زمان ولا مكان".فنحن حين صنمنا الأفكار والأيديولوجيات وعبدناها من دون الله حل علينا هذا العذاب ليطهرنا ويعيد إلينا عقولاً ألغيناها ،ويلفت أنظارنا إلى سعادةٍ ورحمة كنا ساكنيها فأبيناها بطراً وكفراً بالنعمة ،واخترنا بدلا عنها الشحم مواربةً على طريقة اليهود وما علمنا أن في هذا الشحم كلسترولاً يعجل ساعة الحتف والفناء،فليتنا علمنا أنه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
هذا هو حال نخبنا السياسية ،أخي القارئ ،يبشرك أحدهم بالبعث العربي أو الناصرية العربية من غير أن يتأمل في مخرجات هذه البشارة ومآلها على وحدة العباد ووحدة البلاد، بلادٌ تتعدد ثقافاتها وأعراقها ،ويريد هذا أن يختزلها لتلبس قميصاً فصل وخيط لغيرها ،بل حتى لحمة قماشه وسداه تم غزلها من واقع غير واقعنا وظروفٍ غير ظروفنا ، وقل مثل ذلك عن ماركسيٍ يبشرك بأن الحل يقبع في جدلية ماركس التاريخية ، "فهي التي تحلل أدواءنا وتبصرنا بمشاكلنا الطبقية وباستصحاب منهجها تحل المشاكل وتتحقق لنا جنان أرضية نقطف منها أنى شئنا فترتفع من بيننا الضغينة والشحناء" ، وما درى هذا المبشر أن معطيات علاقات الإنتاج التي أفرزت الفكر الماركسي - بغض النظر عن حقه وباطله – لم توجد على أرض السودان بعد، لكنه يريد أن يعتسف الحقائق ويقفز بالتاريخ قفزات وهمية يشبع بها نهمه الأيديولوجي،ومن العجب أنه لا ينقص من لذة الإشباع هذه سكناه في الأبراج العاجية وتنظيره للبروليتاريا المغلوب على أمرها من فوق شرفات المنشية والعمارات.
هذا هو حال يسارنا ،وإن أنت أدرت ناظريك تلقاء اليمين تجد أيضاً عجباً عجاباً، يقول لك أحدهم إنه يؤمن بأن لا مخرج للسودان الموحد إلا في الدولة الإسلامية ،وإذا سألته وقلت له الدولة الإسلامية بفهم من،وإسلام من ؟ أجاب بلا تلفت ولا تفكير ،إسلام القرآن والسنة. وهكذا يختزل كل الخلافات الفقهية ،وتباينات أصول الدين في إجمالٍ كأن صاحبه ما سمع عن صراع المعتزلة والأشاعرة ولا عن أهل السنة والجماعة ولا عن الشيعة في مذاهبهم التي يكفر بعضها بعضا ولا عن الجهمية والخوارج والأزارقة والحشاشين.. إلخ الفرق الإسلامية التي فصلت عقائدها وأفكارها كتب الملل والنحل، ناهيك عن اجتهادات المعاصرين من تكفيريين ومعتدلين وتجديديين وحداثيين إسلاميين ،كل واحدٍ منهم يزعم أن إسلامه هو إسلام القرآن والسنة الصحيح ،وأن فهمه للإسلام وفكرته عنه ولو كانت ضبابيةٍ مبهمة هي الوحيدة القادرة على حل مشاكل دنيانا الفانية،فليت شعري هذه الدنيا خلقت لمن؟ . إنه لا شك عندي أن ضبابية أيديولوجيا اليمين وهلاميتها ساهمت هي الأخرى - مثل أيديولوجيا اليسار تماما -بقدر ونصيب في إنتاج مقدمات تهديد وحدة البلاد،فمثل هذه الضبابية هي التي جعلت الأب فيليب غبوش يقف يوماً في برلمان السودان في العام 1968م ليسأل عما عنَّ له بشأن مشروع الدستور الإسلامي فأدخل الجميع في حرج حديث دولة المواطنة الشهير، وما كان ذلك الحرج بسبب قصور في الإسلام عن حل مشكلاتنا الاجتماعية والسياسية ،ولكن بسبب قصور اجتهاداتنا وعدم صراحتنا مع أنفسنا في مواجهة الحقائق،فأنت إذا ألقيت نظرة في موافقات الإمام الشاطبي المتوفي سنة 590ه مثلاً أدركت أن الرجل متقدم علينا في الاجتهاد وفي ابتكار الحلول العملية للمشكلات بفراسخ تاريخية ليس قطعها علينا بيسير ،رغم أننا نعيش في العام 1431ه بفارق زمني بيننا وبينه يقارب الثمانمائة سنة، ففقه المقاصد الذي فصل نهجه الإمام الشاطبي حل كثيراً من مشكلات زمانه بل تجاوز زمانه إلى زمان الناس هذا ،ومع ذلك لم نحتفي لمثل هذه المناهج ،ولم نلق لها بالاً ،ولو كنا جادين في حل مشكلاتنا العصرية لاستصحبناها ولسعينا إلى تطويرها على نحوٍ يعالج مشاكلنا وعلى رأسها مشكلة علاقة الدين بالدولة التي ظللنا نتعاورها بمنهجية كيدية لا علاقة لها بمناهج البحث عن الحلول ،فالمواءمة بين التراث والحداثة ليست بالشيء المستحيل لكن ارتكاننا إلى الإيديولوجيا هو الذي هزمنا ووضعنا في خانة قطبية الاختيار هذه، فكتب علينا إما أن نحيا في استلاب الماضي وإما أن نشقى بمادية الحداثة في صورتها البغيضة فلا منزلة بين المنزلتين ومن هذا المنطلق الجبري تولدت كل متاعبنا ومشكلاتنا السياسية ،ولكن قل لي بالله عليك،مالي والشاطبي وابن تومرت وعلال الفاسي ومبدعي المغرب العربي جميعاً،كيف نتطلع إلى مشاريع أولئك الأباعد ،وها قد عميت عيوننا عن منهجية أولي القربى والأرحام، أعني بذلك الإمام المهدي ومنهجيته التي خطها للتعامل مع النصوص ،أقول منهجيته وقرأته الحرة للنصوص التي تخلص فيها من محددات الفقهاء وقواعد أصولهم فلا اعتبار عنده إلا للسند أما الفهم فهو رجل مثلهم له عقل مثلما لهم عقول ،فقد تكون مادة مشروع الإمام المهدي تخلفت عن زماننا هذا في بعض جوانبها لكن منهجه الفكري لتوليد الحلول لا زال بكراً فتياً ينتظر من يحتفي به ويرنو إلى من يطوره ويتخذ منه مطيةً وطنيةً زلولاً تيسر علينا رحلة السفر الشاق، وبدلاً من هذا الارتكان الميسر ،اخترنا لأنفسنا المشقة ،فضربنا أكباد الإبل في كل بلاد الله نبحث عن الحلول تارةً ذات اليمين وتارةً ذات الشمال،إلى أن هُدينا مؤخراً - وبعقلٍ مقفل وفي حسن نية على أفضل التقدير -إلى استصحاب مشاريع الأستاذ أبو الأعلى المودودي عليه رحمة الله ورأيه في الدولة الإسلامية الأممية ،وحاولنا أن ننزل مقولاته وأفكاره إلى واقع التطبيق مع أن ذات الرجل حذرنا وقال لنا إن مشروعه الفكري لا يصلح للدولة القومية أبداً حال كونه مفصل لدولة الإسلام الأممية ،يقول الأستاذ أبو الأعلى في كتابه نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور ( ومن الناس من يقول بتأسيس دولة قومية للمسلمين ولو غير مستندة إلى قواعد الشريعة الغراء،يقولون به ويدعون إليه ويغتنمون هذه الفكرة في المرحلة الأولى،ويزعمون أنه إذا تم لهم تأسيس دولة قومية يمكن تحويلها تدريجاً فيما بعد إلى دولة إسلامية بوسائل التعليم والتربية وبفضل الإصلاح الخلقي والاجتماعي،ولكن شهادات التاريخ والسياسة وعلوم العمران تفند مثل هذه المزاعم وإن نجح مشروعهم فلا شك يكون معجزة.....فليت شعري كيف يمكن أن تكون دولة قومية مؤسسة على طراز الديمقراطية عوناً ومساعداً في استكمال هذا الإصلاح السياسي وانجاز مهمته). هكذا نصحنا الأستاذ المودودي عليه رحمة الله بعدم مقاربة مشروعه السياسي إلا إذا استوفينا شروطه قاطبة ،فلوينا له رقابنا وقلنا له نحن مفتونين بسلفيتكم حد العشق والهيام ،وخضنا مع الخائضين إلى أن بان لنا الأمر ضحى الغد ، وها هو لسان حالنا يقول اليوم مع صاحب البردة عليه رحمة الله :"محضتني النصح لكن لست اسمعه إن المحب عن العذال في صمم" .فهذا الصمم أخي القارئ هو الذي أوردنا مورد التهلكة وجعلنا ضحايا لعشق الأيديولوجيات وشهداء لاجترار الأفكار بلا تأمل ولا روية،والعيب ليس في الأيديولوجيات ذات نفسها ولا في استلاف الفكر الإنساني لحل مشاكلنا خاصة بعد أن أصبح العالم قرية ً واحدة في ظل التقنية الحديثة ،وإنما العيب كل العيب في النقل الحرفي للأفكار والتعصب لها ،خاصة الأفكار السياسية ،ذلك أن الفكرة السياسية عادةً ما تنتج من معطيات واقعها وتفاعلات مشكلات مجتمعها وتتأثر بمحيطها الزماني والمكاني فيجب عند التعاطي معها أخذ كل ذلك في الحسبان وهذا للأسف ما افتقدناه في استلافنا السياسي فكان الحصاد هذا النكد الذي تلوح في الأفق منذرات وقوعه وآثاره الضارة على وحدة البلاد، وللأسف فإن الجميع –إلا من رحم ربي – قد ساهموا بقدرٍ ونصيب في إنتاج مقدمات مهددات الوحدة لا اختلاف في ذلك بين يمينٍ ويسار ،فلو قيض لأهل اليسار أن يلوا الأمر في ظل مشاريعهم التي يطرحون فإنها أيضاً هي الأخرى ستوصلنا إلى نفس النتيجة ،وستهدد هي الأخرى الوحدة الوطنية وتصيبها بشروخٍ تعيا على الراتق حال كونها كلها مشاريع تجزيئية تضيق عن الكل ولا تستوعب الجميع ، وعليه أرى أن الحل يكمن في التخلص من هذه الهيمنة الأيديولوجية لتحل محلها نظم التحليل المعرفي والبحث العلمي الحديث للوقوف على الحقيقة العلمية ومعالجة المشكلات على ضوئها،بدلاً من الارتكان إلى الأيديولوجيات التي تعلي من شأن الباطل وتصوره للناس على أنه الحق الذي ما بعده حق، يقول الإمام الغزالي عن الأيديولوجيا – إذا جسدناها- يقول عنها عليه رحمة الله : "فإذا نسبت الكلام وأسندته إلى قائلٍ حسن فيه اعتقادهم قبلوه وإن كان باطلاً،..وإن أسندته إلى من ساء فيه اعتقادهم ردوه وإن كان حقاً،فهم أبداً يعرفون الحق بالرجال،ولا يعرفون الرجال بالحق،وهو غاية الضلال" ،وهكذا تفعل الأيديولوجيا في عقول الرجال،فهي دوماً تعطل عندهم ملكة التحليل، وتقف حائلاً بينهم وبين مواجهة الواقع وإبداع الحلول لمشكلاتهم ومعضلاتهم ، لا ، بل تجعلهم يرتكنون إلى الوصفات الشعبية غير العقلانية يتلمسون لديها الحلول حتى لمشاكل السياسة والاقتصاد فيزيدوا مشكلاتنا بذلك ضغثاً على إبالة وبواراً على بوار ،وما أظن أن بمثل هذا تبني الأمم نهضتها وحضارتها التي تنشد.
وحتى لا أبخس الناس أشياءهم فإنني أقول عند خاتمة هذا المقال إن المحافظة على وحدة السودان توجب في وجهة نظري استصحاب مفهوم الدولة المدنية الذي حاول السيد الصادق المهدي من خلاله تلطيف سفور الدولة القومية العلمانية وتجنب سلبيات الدولة الدينية،والدمج بين إيجابيات الاثنين معاً في مشروع فكري يلامس واقع البلاد والعباد،ويحافظ في ذات الوقت على إرث أهل السودان الإسلامي، فهلا تعاضدت جهودنا جميعاً لإنجاح هذا الطرح الفكري كوسيلة للخروج بالبلاد من ورطة مهددات الوحدة والسلام التي تلوح في أفقنا السياسي في هذه الأيام.
والله ولي التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل،،،
خليفة السمري – المحامي .
khalifa alssamary [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.