مما لا ريب فيه أنّ الكثيرين من مراقبي الشأن السياسي السوداني داخل السودان وخارجه، لا سيما المتابع للحراك السياسي القلق تجاه مصير السودان، هذا البلد القارة، الذي يُعد الدولة الأفريقية الأكبر، من حيث المساحة الكُلية لأراضيه، يلحظون كثرة الهيئات والمنظمات الشعبية التي أُنشئت أخيراً من أجل جعل خيار الوحدة خياراً جاذباً، وتبديد احتمالات الانفصال، عند انفاذ استحقاق الاستفتاء على حق تقرير المصير حول جنوب السودان في يوم الأحد التاسع من يناير 2011م، ضمن متبقيات استحقاقات اتفاقية نيفاشا للسلام. وقد تزاحمت هذه الهيئات والمنظمات الشعبية لدعم خيار الوحدة الطوعية في التباري لإصدار بيانات تُبرز هدفها الرئيسي المتمثل في إضافة جهد شعبوي تكاملي مع الجهود الرسمية في جعل خيار الوحدة خياراً جاذباً، واختياراً جذاباً لكافة الجنوبيين وبعض الشماليين أيضاً، في إطار المحافظة على وحدة السودان التي بُذلت من أجلها المُهج رخيصةً، وأُريقت الدماء في سبيلها غاليةً، وقُدمت تضحيات في الذود عنها جسيمةً، ولكن هذا التدافع من أجل وحدة السودان زُمراً وفرادى في هذه الأيام العصيبة من تاريخ بلادنا، يكشف بقليل جهدٍ، أصالة معدن هذا الشعب الوحدوي النبيل، وفي الوقت نفسه يُنذر بخطر تبديد الجهود وتشتيتها، بكثرة إنشاء هذه الهيئات والمنظمات الشعبية، حيث يُخشى أن تنطبق عليها المقولة الشهيرة "إذا أردت أن تقبر قضية فأنشئ لها لجاناً، وكوِّن لها هيئاتٍ"، على الرغم من سلامة النية، ونبل المقصد، وعظمة الهدف. من هذه التقدمة، ألج إلى لب موضوع هذا المقال الذي يتلخص في إمكانية البحث عن آلية جامعة لدعم خيار الوحدة، وجعله خياراً جاذباً لكافة الجنوبيين خلال الأشهر المقبلة، بهدف أن تُحدث هذه الآلية الجامعة، توافقاً كبيراً، وتراضياً عظيماً، بين كل الأحزاب والقوى السياسية، حكومة ومعارضة، وتنظيمات المجتمع المدني، ومنابر الرأي والإعلام، والجامعات والشخصيات الوطنية كافة، من أجل تكثيف الجهود وترشيدها، وإحداث مقاربة ومضاغطة لمطالبي الانفصال بُغية المراجعة والتراجع عن هذه الغاية، والانضمام إلى ركب الوحدويين، اقتناعاً بوحدة السودان، وإقناعاً بمخاطر تداعيات الانفصال على السودان وبنيه في الجنوب والشمال معاً. وأخلص إلى أن الخيار الجامع في هذا الصدد، والآلية الجامعة لتحقيق هدف الوحدة النبيل، في رأيي الخاص سيكون بلا أدنى شك جامعة الخرطوم، باعتبارها أُم الجامعات، وأٌس التعليم العالي في السودان، وأن مبادرتها الوطنية الأخيرة، المتمثلة في إعلانها تبنيها لخيار الوحدة الطوعية، وعزمها الأكيد في تنظيم العديد من الأنشطة، في إطار حملتها الواسعة لدعم خيار الوحدة بين الشمال والجنوب، حفاظاً على وحدة السودان كما ورثته الأجيال الحالية من الأجيال السابقة، أي تناغم جيل التضحيات مع جيل البطولات، تأكيداً لما جاء في بيان مجلس عمداء جامعة الخرطوم في السابع من يونيو الحالي، حيث دعا ذلكم البيان في صراحة تامة، وفي عبارة صادقة، إلى استنهاض الضمير الوطني الحي لكل أبناء السودان للانحياز إلى خيار وحدة طوعية منصفة، ووحدة وطنية بناءة لمواجهة تحديات استحقاق الاستفتاء على حق تقرير المصير للجنوبيين في التاسع من يناير المقبل، حيث يواجه الوطن احتمالات الانفصال الذي يعني احتمالات التقسيم والتشرذم. ودعا البيان بوضوحٍ وصدقٍ، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية خاصة، والقوى الوطنية الأخرى، الحزبية والشعبوية، إلى تعاضد الجهود وتضافرها من أجل جعل نتيجة الاستفتاء المقبل، فرصة حقيقية لاستدامة وحدة طوعية للسودان. من هنا كان من الضروري أن تكون جامعة الخرطوم الجهة التي تنظم هذا الجهد الشعبوي، وتكون البوتقة التي تصب فيها الجهود الوحدوية، حتى لا تضيع هذه الجهود أو تتبعثر نتيجة لكثرة الهيئات والمنظمات الشعبية، خاصة وأن الزمن المتبقي لتحقيق الوحدة الطوعية بين الشمال والجنوب في تناقصٍ مستمرٍ، لذلك من الضروري أن نسابق الزمن من أجل تحقيق هذا الهدف العظيم. لقد ناشدت الأخ البروفيسور مصطفى إدريس مدير جامعة الخرطوم في مقالٍ لي سابق في هذه الصحيفة بتاريخ العاشر من يونيو الحالي، بضرورة أن تتسع مبادرة الجامعة، المتعلقة بتبنيها لخيار الوحدة الطوعية المنصفة البناءة التي تقوم على المواطنة الحقة، للجامعات الأخرى، وتنتظم فيها بقية مؤسسات التعليم العالي في نفرة جامعية وحدوية، يكون فيها لجامعة الخرطوم، سبق المبادرة وأجرها، وتكون بالنسبة للجامعات في السبق للخيرات كعكاشة في الحديث النبوي الشريف، حيث ورد "عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عُرضت عليّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد، إذ يرفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أُمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم نهض فدخل منزله. فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئاً وذكروا أشياء. فخرج عليهم رسول صلى الله عليه وسلم، فقال ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه فقال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم، فقال سبقك بها عكاشة". كما تقدمت في ذلك المقال بمقترحين، أحدهما: إمكانية الاستفادة من خريجي جامعة الخرطوم داخل السودان وخارجه في هذه الحملة الوطنية من أجل وحدة السودان، وذلك بدعوتهم للمشاركة بفاعلية في فعاليات هذا الجهد المبارك خلال توافدهم إلى السودان في موسم العطلة الصيفية، بحيث يستقطعون منها بعض الوقت من أجل هذا الهدف النبيل. وثانيهما: أن توجه الجامعة دعوة عامة لكافة الخريجين في الأول من أغسطس المقبل، في شكل مؤتمر عام بجامعة الخرطوم، يُحضر له منذ الآن، بُغية التفاكر والتشاور في كيفية تفعيل مبادرة الجامعة الوطنية من أجل الوحدة، وفي كيفية الاستفادة من عطائهم الفكري والإعلامي في هذا الخصوص داخل السودان وخارجه طوال الأشهر المقبلة. وأحسب أن تلبية هذه الدعوة بالنسبة للخريجين ستكون بمثابة تلبية لنداءٍ وطنيٍ من أجل إسهام جامعة الخرطوم إسهاماً فاعلاً في دعم الوحدة الطوعية، ومواجهة تحديات استحقاق الاستفتاء على حق تقرير المصير للجنوب في التاسع من يناير المقبل، بجعل خيار الوحدة خياراً جاذباً لكافة الجنوبيين ولبعض الشماليين أيضا. وفي اتصال هاتفي من لندن تحدثت مع الأخ البروفيسور مصطفى إدريس بعد عودته من اليابان حول هذا الخصوص، فوافق مشكوراً على جملة مقترحات تشاورنا حولها، وعلمت منه أنهم في إدارة الجامعة يزمعون عقد مؤتمر صحافي لشرح مبادرة جامعة الخرطوم من أجل الوحدة. عليه أقول بقليل من التفاصيل، ينبغي أن تسارع الجامعة إلى تنظيم ملتقى وطني يشارك فيه أساتذة جامعة الخرطوم وطلابها وخريجوها والحادبون على وحدة السودان من سياسيين وأصحاب العمل والصحافيين والإعلاميين وغيرهم في الأول من أغسطس المقبل، بحيث يكون هذا الملتقى للتفاكر والتشاور من أجل تكثيف الجهود الوحدوية وتنظيمها، والبحث قي كيفية تنظيم الهيئات والمنظمات الشعبية الداعمة للوحدة وتنسيق جهودها مع مبادرة جامعة الخرطوم، حتى يكون لهذه الجهود الشعبوية مردود ملموس خلال الفترة المقبلة في دعم خيار الوحدة وجعله خياراً جاذباً لكافة الجنوبيين، خاصة المطالبين منهم حالياً بالانفصال. وأحسب أن سعي الجامعة لتنسيق جهود الهيئات والمنظمات الشعبية لدعم الوحدة الطوعية مع مبادرة الجامعة نفسها، سيجد قبولاً واسعاً، وتراضياً كبيراً من كافة الأحزاب والقوى السياسية، حكومة ومعارضة، وتنظيمات المجتمع المدني، ومنابر الرأي والصحافة والإعلام، بالإضافة إلى هذه الهيئات والمنظمات الشعبية الداعمة لخيار الوحدة، لما لها من تاريخ وطني، حافل بالتضحيات والبطولات، وأنها محل اتفاقٍ وتراضٍ لدى جميع السودانيين على اختلاف تنظيماتهم الحزبية وتباين مشاربهم الفكرية، وليست هناك جهة تنازعها قيادة مثل هذا العمل الوطني، المتمثل في مبادرتها للعمل من أجل الوحدة، وتبديد احتمالات الانفصال. كما أنني في نقاشٍ متصلٍ حول إمكانية العمل من أجل دعم خيار الوحدة، وجعله خياراً جاذباً لكافة الجنوبيين، مع الكثير من الحادبين على وحدة السودان في المملكة المتحدة وإيرلندا من خريجي جامعة الخرطوم وغيرها من الجامعات، سواء في السودان أو خارجه، حيث أجمعوا على استعدادهم للمساهمة بفاعلية في إنجاح مبادرة جامعة الخرطوم من أجل وحدة طوعية، ووعد الذين سيكونون في السودان لقضاء عطلة الصيف، بالمشاركة في فعاليات ملتقى الجامعة، إذا قررت الجامعة عقده في تلكم الفترة المقترحة، للتفاكر والتشاور في أنجع السبل وأنجح الآليات لتنزيل هدف مبادرة الجامعة الوحدوية إلى أرض الواقع، من خلال التخطيط والبرامج والأفكار التي ستقدم للشريكين (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) لدفع خيار الوحدة وجعله الخيار الأكثر قبولاً لدى المواطن الجنوبي، وتوعيته بفوائد الوحدة، وتحذيره من مخاطر تداعيات الانفصال، عند انفاذ استحقاق الاستفتاء على حق تقرير المصير في التاسع من يناير المقبل. وكنت أيضاً في تشاورٍ متصلٍ مع الأخ الأستاذ عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة "التيّار"، وتم التوافق على أن تكون صحيفة "التيّار" هي الراعي الصحافي لمبادرة جامعة الخرطوم الداعمة لخيار الوحدة الطوعية بين الشمال والجنوب، وتوافقنا على جعل "التيّار" المنتدى الوطني لهذه المبادرة الوطنية من خلال تغطية فعالياتها، والمشاركة بفاعلية في ملتقى أغسطس، إذا تكرمت إدارة الجامعة ووافقت عليه، حسبما وعدني الأخ البروفيسور مصطفى إدريس مدير الجامعة. والمأمول أن تعمل الجامعة جاهدة في إنجاح ملتقى جامعة الخرطوم الوطني في أغسطس المقبل، وذلك من خلال توجيه الدعوة لكل الحادبين على وحدة السودان، سواء أكانوا من خريجيها أو من خريجي جامعات أخرى داخل السودان أو خارجه. وستبذل "التيّار" ورسيلاتها من صحف أخرى جهداً وطنياً مقدراً، لتشكيل رأي عام داعم لخيار الوحدة الطوعية. وأحسب أن الأخ الدكتور كمال عبيد وزير الإعلام الجديد القديم، لن يتردد في توجيه الفضائية السودانية والإذاعة السودانية لتكونا بمثابة الراعي الإعلامي لهذا الملتقى الوطني الجامع من أجل وحدة السودان. كما أنني أجزم بأن الأخوين حاتم سليمان مدير عام هيئة التلفزيون ومعتصم فضل مدير عام هيئة الإذاعة، وقد ساهمت بتقديم برامج في كليهما خلال الثمانينيات، سيعملان جاهدين من أجل إنجاح مبادرة جامعة الخرطوم من أجل وحدة السودان، وذلك من خلال تغطية فعاليات هذه المبادرة ومناشطها بصورة مشرفة، لأن الهدف، بلا شك هدف وطني نبيل يجب علينا جميعاً المجاهدة في سبيله بالرأي الحصيف والفكر النير والوعد الصادق. ولنعتصم جميعاً بحبل وحدة هذا الوطن الجميل، ولنذكر نعمة الوحدة ونعيمها، ولنحذر شقاء الانفصال وويلاته. ولنتذاكر جميعاً في هذا الخصوص قول الله تعالى: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". وقول الشاعر العربي عمرو بن الأهتم السعدي المنقري التميمي: وكلُّ كَرِيم يَتَّقِي الذَّمَّ بالقِرَى ولِلخَيْرِ بينَ الصّالحينَ طَريقُ لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ Imam Imam [[email protected]]