بدأت الخرطوم تتحدث عن الوحدة الجاذبة بطريقة جعلت كل الشعب السودانى في دهشة من حديث عن الوحدة في هذا الوقت ولا احدا يستطيع التصور كيف يمكن صناعة الوحدة في زمن وصفه اهل الحركة بالزمن الضائع وبل بدأوا في هندسة العلاقات المستقبلية بين دولتين والخرطوم لا تزال تتحدث عن الوحدة الى ان درجة الشك اهل الجنوب والشمال معا بان المؤتمر الوطنى تنوى وضع العراقيل العملية امام مشروع الاستفتاء لتقرير المصير بخلق بيئة غير صالحة لاجراء الاستفتاء وخاصة لدى الخرطوم رصيد كبير وخبرة طويلة في هذا المجال. بيد ان انواع الاحتجاجات بسبب عدم الرضا من نتائج الانتخابات امرا شائعا وحتى اللجوء للعنف لم تكن بدعة سياسية ولكن الخطا موقف الحركة الشعبية في اسلوب معالجة التمرد .فان عملية سحق التمرد امر مكلفا للغاية ولربما من المستحيلات لان العنف لا يولد الا العنف واذا كان الحل العسكري ممكنا لما احتاجت الخرطوم الي نيفاشا وان هناك امثلة كثيرة واقربها ما يدور الان في دارفور . فان اجراء الانتخابات باى شكل وحتى التزوير اذا امكن تمريرها بشكل لم تثير اى شكوك ليس هناك ما يدعو للتوقف كثيرا ولكن من الصعب جدا محاولة التمرير عملية التزوير للشخص جزء من المنظومة نفسه ولتلك الحجة تخلت الخرطوم طوعا دائرة مالك عقار عندما اعلن نفسه هوالفائز واشهر سلاحه ادركت الخرطوم ان التمسك بهذه الدائرة قد يفقدها اكثر من دائرة واحدة ان لم يكن السلطة برمتها ولذلك تخلت طوعا وطويت الملف فالشاهد ان الصورة التى رسمه اللواء الناطق باسم الجيش الحركة الشعبية في تلفزيون الجزيرة يوم 5/7/حاول تقليل من دور اللواء المتمرد ليؤكد بان هناك تمردا اخر قاده شخصا اخر بسبب فشله في الدائرة الانتخابية اي بالسبب نفسه حسبما جاء علي لسان السيد اللواء . مما يؤكد بان لاحد يستطيع ان يؤكد حجم الاحتجاج في الجنوب علي خلفية الانتخابات الا اهل الجنوب انفسهم وما هو واضح للعام ان الحركة وضعت ايام وليس اسابيع لحسم المعركة وهو الشئ الذى ام يحدث حتى الان. والواقع ان العالم كله واهل السودان جنوبه وشماله ينتظرون ليروا مدخل الحكومة لصناعة الفتنة في الجنوب ولذلك كانت اية بداية للحرب في الجنوب المتهم الاول المؤتمر الوطنى وبل المتهم الوحيد. وخاصة اذا كانت مدخلها دكتور لام اكول. بيد الحركة الشعبية وفرت للحكومة مشقة البداية، لحزب المؤتمر الوطنى التى لم تكن تحلم بها، لان الاحتجاجات علي نزاهة الانتخابات في الجنوب لا يمكن ان تتحمل نتائجها سلبا وايجابا، لانه زور في الشمال وتحملت نتائجها وفوائدها وعلي الحكومة الجنوب ان تتحمل نتائج اعمالها في الجنوب . ولذلك كانت علي الحركة الشعبية معالجة هذه القضايا بالسرعة المطلوبة. بصرف النظر عن اسس التى قامت عليها لاغلاق هذا الباب، همها كلفت الحركة لتفويت الفرصة علي المؤتمر الوطنى لممارسة هويتها بدون ان تتحمل نتائجها. كما تبدو الان حربا جنوبيا جنوبيا خالصة بالرغم من ايعاز الحركة بدور المؤتمر الوطنى. الا ان قناعات المنطقة الاقليمية والدولية بان الخلل في اجراء الانتخابات وراء التمرد وان لم تستبعد دورا محتملا للمؤتمر الوطنى في وقت لاحق. مهما يكن من تسفيه دور حركة التمرد، لقد رسمت صورة غير وردية لجنوب السودان، لقد اكدت مخاوف بعض الدول والمنظمات الدولية بان المجتمع الجنوبى بالرغم من الموقف الموحد ضد الشمال الا انه غير متماسك سياسيا. وجاء التأكيد لذلك الاحزاب الموالية للمؤتمر الوطنى وموقفها الغامض حتى بين الوحدة والانفصال. ولكنها لا تستطيع ان تفصح نواياها امام التيار الانفصالي الجارف ،ولكن في انتظار الفرصة المناسبة يمكن ان تفصح عن نواياها الحقيقة ، وخاصة اذا لم يتمكن الانفصاليين تقديم النموذج الافضل . اما علي صعيد الاقليمى ان القارة الافريقية تقف بصلابة امام الحركات الانفصالية، لان فتح هذا الباب يصعب اغلاقه في القارة الافريقية بحدودها السيئة. اما دول الجوار السودانى ابتداء من مصر التى عملت بقدر ما تستطيع للحفاظ علي وحده السودان واخيرا ادركتها اليأس علي الاقل من الناحية الظاهرية الاعتراف بالهزيمة و انحنت امام الامر الواقع رضوخا لدور كبار اللعيبة والواقع السياسي السودانى. ودولة ارتيريا التى اعلنت صراحة رفض فصل جنوب السودان وقالت ينبغي ان لا يسترشد الناس بنموذج الارتيري لانه لم يطابق والواقع السودانى في كونها دولة موحدة في الاساس. وهذه تشاد الاخري لديها مشكلة طبق الاصل بدأت تعترض صراحة فتح هذا الباب وكان اخره الزيارة التى قام بها الريئس التشادى الاسبوع الماضى لجمهورية مصر ليس بعيدا عن الهم المشترك. واثيوبيا التى سكتت كثيرا بدعوى عدم السباحة عكس التيار الا ان ظاهرة الانفصال وتكوين دول جديدة هي اول المتضررين ولذلك الزيارة الخاطفة التى قام بها ريئس حكومة الجنوب لاثيوبيا في الاسبوع السابق ليس بعيدا عن هذا الهم. وكينيا هي الاخري بالتأكيد لم تكن مستعدة لاستقبال افواج جديدة من اللاجئين بعد ان ايقنت ان الانفصال لم يكن الترياق الناجع لمعالجة امر اللاجيئن للابد ويوغندا لم تكن هي الاخرى متحمسة لخلق بيئة صالحة لجيش الرب بتجدد صراعات جنوبية جنوبية بعد ان تم محاصرته في نطاق محدود. وعلي صعيد العالمى وامريكا بوجه الدقة بدأت تدرك النتائج السلبة للانتخابات المزورة، سواء في الشمال او الجنوب. وقد اثارت حفيظة الحركات المتمرد وعملت علي تصعيد الحرب وادت ذلك الى التوتر في العلاقات بين ليبيا والسودان والسودان ومصر وباتت عقدة الانتخابات المزورة المعضلة الاساسية في المفاوضات الدوحة ما بين من يستند الي هذه الشرعية و من يرفضها بدعوى التزوير. واشعلت الحرب في الجنوب. واحتجت النقابات. ورفض القوى السياسية الاعتراف و المشاركة في الحكومة. وادركت الحكومة سندها الحقيقى لاتتجاوز اصابع اليد في المائة دفعتها الى ممارسة القهر و مصادرة الحريات وهي في حاجة ماسة الي سند حقيقى اثناء وبعد فصل الجنوب. اذا كانت الدول الغربية تجاهلت رغبة حلفائها في المنطقة الاقليمية وعملت علي تأسيس دولة في جنوب السودان فبدأت هذه الدول نفسها تشعر بان المعضلة الكبري جاءت من الجنوب في كونها لم تكن مستعدة للدولة الناضجة في الوقت المعلوم وكما جاءت في تحذير المنظمات الاقليمية والدولية لمخاطر الاستعجال لدولة الجنوب . اذا ترك الامر كما هو مخطط بايقاع اتفاقية السلام حتما سوف تعجز الحكومة في الخرطوم من اجراء الاستفتاء في موعدها بسبب الحروب المحلية فان ذلك تعنى انهيار الاتفاق عمليا من دون ان تتحمل المؤتمر الوطنى ادنى المسؤلية، وبل فرصة لاضافة تعقيدات اخري علي الحرب. ودول الجوار قد تجد العذر المناسب في دعم الخرطوم والاحزاب التوالى الجنوبي اذا طرحت برنامج العودة للوحدة . وهذا بالاضافة الى مخاطر قيام دولة غير متماسكة داخليا وحكومة غير متفقة عليها من الصعب جدا ان تدير الصراع الحدودى بين الشمال والجنوب بالغة التعقيد وتعمل علي تأسيس الدولة وتواجه التمرد وقضايا شائكة اخري. الجميع ما زال يتذكر موقف الدول الغربية وامريكا خاصة عندما اقترحت بعض الاطراف تأجيل الاستفتاء لبعض الوقت. لحين رسم الحدود وبالرغم من وجاهه الاقتراح رفضت هذه الدول بصوت عال التأجيل حتى ليوم واحد. وبل كشرت بعض الدول انيابها لمجرد المقترح. ولكن هذه الدول نفسها سكتت عندما طرحت حكومة الخرطوم المشروع السياسي الجديد يتطلب تأجيل الاستفتاء لسنوات عدة او حتى الغاؤه . وهو مشروع لم يكن مسموح للمؤتمر الوطنى مجرد التفكير ناهيك من طرحه في الاعلام ويسير به في موكب كبير الى الجنوب. ولكنهم يحملون طرحا اقليمىا ودوليا واعادة التفاوض حوله ولم تستطيع حكومة الخرطوم اعلان هذا المشروع قبل حصول علي الموافقة من الحركة الشعبية هو معنى ان لاترد الحركة بشكل رسمى حتى الان بالرفض او القبول . وما هو غير العادى ان لانسمع صوت السيد قريشن الذى اعتاد ان لا يسمع ذكر الاتفاقية السلام الشامل حتى ولو بالخير. بيد رفض حضوراجتماع الفاشر حيث المكان المناسب لتسويق مشروع الاستفتاء اولا . كما كان يفعله في اي مكان يجتمع الاثنان بشأن السودان الا هو ثالثهم حاملا نيفاشا ذهابا ايابا. فان غيابه او غياب رأي واشنطن في الطرح الجديد امرله مدلوله السياسي. يبدو بكل وضوح ان المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية كلاهما في حاجة الي الاخر لفترة اخري بموافقة المجتمع الدولى ودول الجوار الاقليمى التى تعتقد بان اضافة فرصة اخري قد توفراحتمالات الوحدة الطوعية فالمشروع ( اعمى و المقعد) ولربما تتمكن كل منهما التقاط انفاسها ولكن المشكلة الكبري ان قيادات الحركة لا احدا منهم يستطيع بدأ في تسويق هذا المشروع للجنوبين الذين حزموا امرهم وقضي الامر وكفي. وكما يبدو لاول مرة الحديث عن الجوار الجاذب هو يعنى الكنفدريالية واحيان الحديث عن الوحدة الجاذبة بطريقة خجولة ومهما يكن ليس هنالك اي خيار اخر غير المواجهه. mohamed fasher [[email protected]]