[email protected] (1) الوسيط القطري .. كيف كان أداؤه في مفاوضات الدوحة؟ عندما تحدثنا في مقال لنا سابق عن توهان الوساطة في مفاوضات الدوحة وإرتمائها المشين في أحضان الحكومة السودانية (أحد طرفي النزاع)، ثم فصّلنا وقلنا إن المضيف القطري ، كجزء من مكونات الوساطة ، كانت أفضل حالاً من الشق الثاني المتمثل في الوسيط جبريل باسولي ، كانت تلك الأفضلية قد أتت في سياق المقارنة بين مكونات الوساطة ولم تكن شهادة مطلقة بأن قطر كانت تقف على مسافة واحدة من أطراف النزاع ( الحكومة والثوار) من حيث الإستقلالية والحياد في إدارة التفاوض. كنا نقصد فقط أن قطر كانت تحاول أن تكون محايدة ، عكس الوسيط باسولي الذي لم يحاول مجرد محاولة على ما يبدو. لكن قطر هي الأخرى لم تستطع أن تصمد أمام ضغوط الحكومة السودانية فنفذت لها مشيئتها ..أو ربما إختارت طوعاً أن ترعى مصالحها مع النظام في السودان. هذه الملاحظة عززها سلوك قناة الجزيرة القطرية مع ملف مفاوضات الدوحة في خلال اليومين الماضيين..وطيلة الشهور الماضية أيضاً..وإليكموها بالتفصيل: 1- قامت قناة الجزيرة في الفترة القصيرة الماضية ، وبتكرار ممل ، وبطريقة حصرية ، بإستضافة متحدثين من الحكومة السودانية وأحياناً من حركة التحرير والعدالة. وقد ظلت تطرح على الضيوف اسئلة تتعلق بمواقف الأطراف الغائبة ( عبد الواحد محمد نور ، حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم ، ومجموعة خارطة الطريق) دون أن تفكر في إعطاء مساحة مماثلة لتلك الأطراف.. وهذا معناه محاولة من قناة الجزيرة ومن يقف خلفها (قطر) أن يجعلوا المتابعين لشأن الأزمة السودانية في دارفور ومحاولات التسوية في الدوحة يتلقون معلوماتهم من مصدرين إثنين فقط هما : الحكومة السودانية أولاً ، ثم حركة التحرير والعدالة بقيادة دكتور سيسي ثانياً ، حتى ولو كان الحديث الذي يجري تداوله وبحثه في تلك اللقاءات التلفزيونية ذا صلة بمواقف الأطراف الغائبة وعلاقة غيابهم بسلوك الوسيط أو الحكومة. لماذا غاب عبدالواحد عن قناة الجزيرة منذ إنطلاقة مفاوضات الدوحة؟ ولماذا لا يظهر أعضاء وقيادات مجموعة خارطة الطريق على شاشة قناة الجزيرة ؟ أليس للجمهور الحق في المعلومة الصحيحة ومن مصادرها وليس من منافسين أو خصوم يتحدثون نيابةً عنها ؟ لماذا تريد قناة الجزيرة أن تتحدث الحكومة نيابة عن حركة عبدالواحد أو خليل أو مجموعة خارطة الطريق؟ أليست المساواة في الفرص وحرية التعبير من مقومات الوساطة المحايدة؟ هذا التصرف إستدعى إلى الذاكرة سلوكيات أخرى مشابهة مارسها الإعلام القطري الموجّه وقناة الجزيرة الموجّهة بواسطة الدولة الوسيطة في تعاملها مع ملف التسوية السلمية في الدوحة. فلنتعرف عليها في الفقرة التالية. 2- في شهر فبراير الماضي ، وعندما قررت الحكومة أن تعتمد حركة التحرير والعدالة (بقيادة د.سيسي) كحركة مفضّلة (مروضة) يمكن التفاوض معها إلى جانب حركة العدل والمساواة (خليل) بينما كانت تحارب هذه الأخيرة بغرض تزهيدها في التفاوض، ثم أدارت ظهرها للمجموعة الثالثة العنيدة (مجموعة خارطة الطريق) بحجة أنها - أي الحكومة – لا تريد أن تفتح عشرات المسارات التفاوضية لكل حركة لوحدها، كانت الحكومة تكذب وتعرف أنها تكذب ، لأن مجموعة خارطة الطريق ما كانت تريد مساراً ثالثاً ثم رابعاً وخامساً ... إلخ كلا .. هذا كذب وتضليل .. هذا نثرٌ للغبار في الهواء من قبل الحكومة لمداراة حقيقة خططها. صحيح أن تلك المجموعة المسماة خارطة الطريق ، رغم أنها لم تتوحد في كيان واحد، إلا أنها قد سلمت الوساطة قائمة موحدة لوفد تفاوضي يمثلها ، وتحت قيادة كبير مفاوضين واحد هو الدكتور شريف حرير. ثم طالبت تلك المجموعة الوساطة أن تشجع فكرة أن تشكل الكتل الثورية الثلاث :حركة التحرير والعدالة .. وحركة العدالة والمساواة ومجموعة خارطة الطريق لكي يشكلوا وفداً واحداً .. وإن لم تقبل الحركتان الأخريان فيجب أن تعتمد ثلاث مسارات تفاوضية كحد أقصى لكن جاء رد الوسيط (ومن خلفها الحكومة) بأن المطلوب هو مساران إثنان .. لا ثلاثة ولا واحد .. وكان بالإمكان أن تختار الحكومة مجموعة خارطة الطريق لتتفاوض معها دون الآخرين مادامت تلك المجموعة منظمة ولديها وفد تفاوضي واحد. لكنها أي الحكومة ربما كانت ترى أن مجموعة خارطة الطريق لن تقبل بأن يتم الإنفراد بها فبحثت لها عن زبون آخر فوجدت ضالتها في حركة التحرير والعدالة ، أو هكذا أوحت لنا سلوكيات حركة التحرير والعدالة وفرحهم بالتفاوض المنفرد ورفضهم التنسيق مع البقية. لماذا كان هذا الإصرار من قبل النظام على مسارين تفاوضيين!! ما هو السر يا ترى؟ ومن أين جاءت الحكومة بفرية كثرة المسارات التفاوضية التي ربما قد تبلغ العشرة مسارا تفاوضياَ إن قبلت الحكومة أن تضيف مجموعة خارطة الطريق (ذات الوفد الواحد) إلى قائمة خصومها الذين سوف تفاوضهم؟ مع من كانت سوف تتفاوض الحكومة بخلاف الحركات التي ذكرناها ( ثلاثة مجموعات × ثلاثة وفود .. أو وفد واحد) عموماً .. إلى هنا والأمر واضح بالنسبة للجميع أن الحكومة إختارت المسارين ،لحاجة في نفسها ، وأن الوسيط باسولي ينفذ ما تقوله الحكومة ولكن ما هو موقف قطر؟ إتضحت حقيقة موقف قطر يوم أن لجأت مجموعة خارطة الطريق إلى عقد مؤتمر صحفي لتبيان موقفها إلى عموم الناس .. ثم لبت قناة الجزيرة الدعوة وقامت بتغطية المؤتمر الصحفي كاملاً .. ثم إمتنعت عن بثه إلى يوم الناس هذا، بينما كانت الجزيرة حاضرة في المحفل وتغطي كل كبيرة وصغيرة ترضي عنها حكومة البشير. تماماً كما تفعل هذه الأيام. وهذه الحادثة كانت بمثابة شهادة أخرى تقدمها قناة الجزيرة بأن الوساطة القطرية أيضاً لا تقف بعيداً عن الوسيط باسولي .. وأنها – أي الوساطة القطرية- رغم إجتهادها في بادئ الأمر إلا أنها إستجابت لما تطلبه الحكومة السودانية حفاظاً على صداقاتها الرسمية. وهناك أدلة وملاحظات أخرى كثيرة فيما يخص أداء الوسيط القطري .. نقدمها في حلقة قادمة .. أما اليوم فنكتفي بهذا حتى لا يطول المقال وأمامنا محور آخر نريد أن نتناوله. (2) رسائل غازي صلاح الدين إلى الدكتور سيسي .. دُق القراف خلى الجمل يخاف: أطلق الدكتور غازي صلاح الدين (مسؤول حكومة البشير عن ملف سلام دارفور) تصريحاتٍ في غاية الغرابة، إذ ذكر أن المبادرة العربية التي أوكلت مهمة تنفيذها إلى دولة قطر لم تعط ثمراً وأن الحكومة السودانية بصدد إعادة النظر فيها وإتخاذ خيارات بديلة. غرابة هذا الكلام هو أن يأتي في نفس الوقت الذي تتسارع فيها خطي الحكومة لإبرام صفقة سلام مع حركة التحرير والعدالة في إطار المبادرة عينها ( المبادرة العربية القطرية). كيف تصفق الحكومة للمبادرة للدرجة التي يصفها رأس النظام في السودان بأنها المبادرة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ، وأن من يرفضها فمصيره الموت المحتوم، ثم يأتي دكتور غازي ليعلن نية حكومته على التخلص منها؟ كل من يعيد النظر كرتين في مغزي التصريح يجده لا يهدف إلا إلى شيئ واحد هو أن على حركة التحرير والعدالة ورئيسها الدكتور سيسي أن يسترضيا الحكومة حتى لا تقدم على إلغاء منبر الدوحة. وفي سبيل ذلك على حركة التحرير والعدالة أن تقبل بما تعرضها عليها الحكومة مهما كانت تفاهتها. لكن هذا التخويف الموجه إلى حركة التحرير والعدالة يحمل في طياته علامة عافية حتى ولو بنسبة قليلة. هذا التخويف معناه أن الحكومة قد إستشعرت أن هناك عناصر داخل حركة التحرير والعدالة ربما تؤخر أو تمنع إنبطاح حركتها للحكومة ، وبالتالي أرادت الحكومة من الجناح المهرول المتهافت أو الذي تم ترويضه أن يرفع من وتيرة الطرب لما ينتظر المفاوضين من مكافآت النظام ، مقابل الويل والثبور إذا تم إلغاء منبر الدوحة حتى يدخلوا الخوف في قلوب المجموعة الرافضة للهرولة. الأيام القادمة ستبين لمن تكون الغلبة بين هذين التيارين على الصعيد الداخلى لحركة التحرير والعدالة. فهل سيتم ترويض الجناح الإيجابي .. أم سينتصر ؟ أم هل سينجح الجناح الإنبطاحي .. أم سيندحر؟