هاتفني صديقي محمد إبراهيم محمد الصحفي المخضرم الذي عمل في مجال الإعلام لما يقرب من 40 عاماً بدأها في وكالة (سونا) في عهدها الذهبي في السبعينات ثم انتقل إلى جريدة (عرب نيوز) الانجليزية أوسع الصحف الانجليزية انتشارا بالسعودية والخليج ، ثم اختطفه البنك الإسلامي للتنمية الدولي ليقود العمل الإعلامي في البنك الكبير باقتدار في فترة أيضا تعتبر ذهبية توسع فيها نشاط البنك في مختلف أنحاء العالم ، وبعد التقاعد أعادته صحيفة عرب نيوز مرة ثانية للعمل فيها لتستفيد من خبرته وإمكاناته الواسعة. إنه كفاءة لم يفكر الوطن في الاستفادة منه بينما لازال يجد العروض من هنا وهناك .. وهو كحال كثير من أبناء الوطن الغالي الذين سكبوا خبرتهم وقدموها في المحيط العالمي الواسع دون أن تستفيد منهم أوطانهم ولو بالمشورة في عصر أصبح الإعلام هو الصناعة الرائجة ، وأصبحت مثل هذه الخبرات عملة نادرة. هاتفني صديقي بعد مقالي عن الوحدة الجاذبة وما أدراك ما الوحدة الجاذبة يسألني ..ألا يوجد أي بصيص أمل في أن ينداح كابوس الانفصال عن ذهننا ؟ .. لم اجبه بشيء ، فتقرير الأمور أصبح ليس في يدنا نحن (الأغلبية الصامتة) ، كتب علينا أن نقف خلف الكواليس ونشاهد هذه المسرحية الرديئة الإخراج والمضمون ونصبح كالممثل عادل إمام ( شاهد ماشافش حاجة ). ماذا نفعل والكل قد تحدث ، والكل أدلى بدلوه ، كتابات صدرت من أعماق الأعماق في الداخل وفي المنافي وفي الدياسبورا حباً في الوطن وحبا في المستقبل وطرحت رؤيتها وقدمت مقترحاتها. مفكرون سودانيون قلبهم على الوطن سكبوا الحروف من أجل غد واعد. ولكن للأسف لم تستجب جهة واحدة لهذا العطاء الذي سكب في الأيام الأخيرة. ولم تحاول أي جهة جمع آراء من كتب عن قضية الاستفتاء والوحدة واتفاقية السلام للاستفادة منها في تقرير الخطوات المقبلة. وما من جهة سعت لإجراء استطلاع حقيقي لمعرفة رأي المواطن السوداني لتستجلي موقفه من قضية مصيرية كمثل هذه القضية! لا يمكن أن يحدث ذلك في زمننا هذا إلا في وطن لا يعرف معنى المشاركة الشعبية ، ولا يعرف معنى مشاركة قوى الحراك المدني في قضايا الأمة المصيرية.. فنحن نعيش في عصر آخر لا احترام للكلمة فيه ولا احترام للرأي الآخر ، وغير الآخر . الاجتهاد ممنوع ومحاولة المشاركة في حل قضايا الوطن محظور.. فهذا الأمر حكر على فئة وجماعة معصومة من الخطأ والزلل !! في مثل هذه الظروف يخوض الآن المؤتمر الوطني مرحلة كسر العظم مع القوى السياسية الشمالية بينما الحديث كله يتركز حول موضوع أن ما يجمع السودانيين أكثر مما يفرقهم ، وأن ما يواجهه الوطن من مشكلات تنوء بحملها الجبال يحتاج لتكاتف الجميع. بدأت المماحكة بالمؤتمر الشعبي واعتقل زعيمه وأفرج عنه فكم من الوقت أخذ ذلك الأمر .. ثم دخل المؤتمر الوطني في مناكفة مع الاتحاديين بدأت بحرب البيانات وحول رغبة الحزب في المشاركة في الحكومة وعدم المشاركة فيها .. ثم جاء الدور على حزب الأمة القومي .. مناكفة من نوع تقليدي تجاوزها الزمن عبر التهليل والترويج لمجموعة انقسمت عن حزب الأمة وانضمت إلى المؤتمر الوطني !! هل هذا سيقنع أي شخص أن المؤتمر الوطني بعد 21 عاما يبحث عن أعضاء من الأحزاب الأخرى ليتقوى بها ؟ وعلى المستوى النقابي هل كان الوطن محتاجاً لذلك الصراع مع الأطباء ليخسر الناس كل هذا الوقت ويفقد الكثيرون فرصة العلاج .. ونعيش في أزمة علاج لفترة من الزمن ويتلبد المناخ في أكثر بيئة تحتاج إلى جو معافى حتى تقوم بعملها الإنساني لخدمة المواطنين ؟ و في المجال الإعلامي ونحن نعيش عصر الإعلام الحر المفتوح كان الجميع يتوقع بعد الفوز الساحق الماحق أن تتفتح كافة الأبواب لمساحات الرأي والرأي الآخر بعد هذه الأغلبية التي لم تحدث في أي انتخابات ( ديمقراطية) في العالم !! وألا تغلق صحف ويعتقل صحفيون وتحجر مقالات ويلجأ بعض الكتاب الى مواقع الشبكة العنكبوتية هرباً من الرقابة. ولا ادري .. هل هي صدفة أم هو تحرك محسوب بدقة مقصودة أن يقوم د صابر محمد الحسن محافظ بنك السودان بتفجير قنبلته عن الخطر الذي يهدد (خزينة ) الشمال في حالة انفصال الجنوب في ندوة علمية. وأن يتحدث على كرتي وزير خارجية السودان في (ندوة ) أيضاً ويفجر فيها هذا الموقف الذي يؤكد فيه أن عهد المعجزات لتحقيق الوحدة الجاذبة قد انتهى. موقف ورؤية واضحة لا تحتاج إلى عناء في التفكير أو التدبربينما الدولة تعلن نفير الوحدة على أعلى مستوياتها.. ثم يأتي أحد رجال النظام ويجاهر برأي آخر. مواقف مفصلية تعلن في ندوات للنخبة وهي تدق ناقوس الخطر لما سيؤول إليه حال السودان فهل من متدبر؟ لقد ارتجفت أوصالي لما قاله د. صابر بأن الشمال سيفقد ما يقرب من 80 % من دخله من العملة الصعبة ( 7 مليارات دولار) بعد 6 أشهر فقط وقال بنص الحرف : أن المسألة خطيرة وعلينا أن نبحث الأمر ونناقش سلبيات الانفصال على ميزانية الدولة.. وقال : يجب علينا ألا نعتبر الحديث عن ذلك من المحرمات ! دعوة مفتوحة للجميع ليشارك كل منا بدلوه. ويزيد من مخاوفنا ماأكده الاعلامي الخبير في شؤون النفط الاستاذ السر سيداحمد في ندوة تلفزيونية بقناة الشروق أن السودان سيفقد 97% من عائدات النفط بعد الانفصال ، معلومات موثقة من شخص خبير فقطع جهيزة قول كل خطيب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه .. أين كان د. صابر محمد الحسن محافظ بنك السودان كل هذه السنوات الخمس وهو احد المشاركين الرئيسيين في مفاوضات السلام خاصة في مجال قسمة الثروة .. الم يكن يعلم أن الاستفتاء سيكون في 9/1/2011م على الوحدة أو الانفصال ... وفي حالة الانفصال الم يكن يعرف أن الشمال سيفقد كل هذا العائدات ؟ وما هي المعالجات التي طرحها بنك السودان؟ أليس المجال كان مفتوحاً لندوات ومشاركات من كل الأطياف السياسية وغير السياسية لوضع تصورات تعالج هذا الوضع ؟ وهل يمكن أن يأتينا بعد خمس سنوات ليلجمنا بحجر بأنكم ستواجهون الكارثة ؟ طبعاً ماذا ستجد من شخص بقى في منصبه لحوالي عقدين من الزمن ، شهدنا فيها انهيار المصارف والبنوك والممارسات الكثيرة التي تحدث عنها الجميع حول المصارف ؟ بيئة مصرفية لا تسر القريب ولا البعيد. أكيد ستغيب النظرة المستقبلية لمثل هؤلاء الأشخاص من أصحاب الولاء فلا احد سيزحزحهم عن مكانهم مهما كانت درجات الفشل والخيبة ! ويا عجبي من بعض الحلول المطروحة التي قدمها د. صابر التي تشبه الحلول التي طرحها عبد الرحيم حمدي وزير المالية الأسبق في مرافعته في جريدة (الرأي العام) قبل شهور قليلة والتي نعى فيها الاقتصاد السوداني ودعا إلى اللجوء إلى الضرائب والاستثمار الخارجي وهلم جرا. وأنا أضيف وابشر المغتربين البقرة الحلوب أن الدور سيأتيهم عاجلاً أم آجلاً إذا كان الحل في ( الضرائب) فهم أولى بالتطبيق ، لأنهم كالعادة .. دولاراتهم جاهزة ولا تحتاج لشيء ... فقط جهاز المغتربين جاهز ( للي) ذراعهم بالتأشيرة وإجراءات الجوازات لينصاعوا .. لكن هذه المرة فقد جف الضرع ويبس الزرع والأفضل الابتعاد عن أي تفكير يدخل المغتربين في دائرة الحل الاقتصادي لأنه لن يكون مجديا....ألا تتفقون معي؟ ولنعد قليلا لنعرف ما هو موقف القوي السياسية من هذا الذي يجري. الكل يحفظ كلمات (باقان أموم ) حول الوحدة : ( قطار الوحدة ولى ..والوقت أصبح متأخراً على الوحدة الجاذبة ، وعلى الشماليين الاستعداد لتقبل دولة جارة في الجنوب) وانظروا ماذا قال علي كرتي وزير الخارجية بعد تشكيل الحكومة الجديدة في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 17/6/2010م في ندوة ( تقرير المصير الحق والواجب ) : (أن الوقت فد مضى للحديث حول البحث عن معجزات لجعل الوحدة جاذبة ، منوها إلى الضغط والشحن الإعلامي من أجل الوحدة برفع توقعات المواطنين عالياً في الوقت الذي لم يتم فيه العمل بصورة مرضية ، وشدد كرتي على ضرورة الاهتمام بالقضايا الرئيسية المتعلقة بالاستفتاء مثل ترسيم الحدود لتحاشي قيام حرب جديدة حال عدم قبول نتيجة الاستفتاء.) إذا كان هذا حديث الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان ووزير السلام الجديد يعني المتحدث باسم الحركة الشعبية . وإذا كان ذلك حديث علي كرتي وهو المتحدث باسم الحكومة واحد القيادات النافذة في حزب المؤتمر .. فكيف لي أن أحلم بعد الآن بغير الانفصال. وبعد كل هذه التأكيدات من علية القوم في الحزبين الشريكين اللذين توليا ( أمرنا) وكأننا قصر لا نعرف مصلحتنا واعني بذلك (الأغلبية الصامتة ) .. كتموا ا نفاسنا حتى لا نقول ( لا ) أو ( بقم ) لهذه الاتفاقية ، وتركونا لأحلام الوحدة الجاذبة وخدرونا خمس سنوات .. والآن وداعا لهذه الأحلام. وإذا كان اموم انفصاليا ويبشر للانفصال كما قال د. مصطفى إسماعيل في حديث صحفي .. فماذا يكون الطيب مصطفى وهو القيادي البارز في المؤتمر والمجموعة المعاهو طوال السنوات الخمس الماضية .. لم يحاسبه فيها أحد وكأن المؤتمر هو الذي دفع بهم لخلق منبر آخر للترويج للانفصال !!. وفي الأيام الماضية شهدنا كيف فرح ناس الخرطوم من أن باقان اموم قد أجلس في قاعة الصحفيين ولم يسمح له بالمشاركة في اجتماع مجلس الأمن الدولي.. وهللت وسائل الإعلام المحلية لهذا الأمر وكأنها هزيمة لأموم ، وهي معالجة ( سطحية ) جداً. وقد طالعت الصحف لأجد أن بعضها قد كتب ذلك بالخط العريض ( منع اموم من مخاطبة مجلس الأمن وإجلاسه خارج القاعة )! ولكن الواقع غير ذلك فما قام به اموم في أيام وجوده في نيويورك يحتاج المؤتمر الوطني لشهورعديدة ليمسح بعض ما قاله وروج له. مداولات مجلس الأمن كانت محط أنظار الجميع ، وكان الموضوع عن السودان وسرق اموم الأضواء ليجعل القضية المثارة هي انفصال الجنوب والدولة الجديدة التي تبارى كل سفراء الدول الأعضاء في المجلس بالترحيب بها في حالة وقوعها ، ونجح في (إيصال الرسالة ) التي جاء من اجلها ، وهي تسويق الانفصال وقيام الدولة الجديدة بل غطى حتى على اجتماعات مجلس الأمن . انظروا تصريحاته ومقابلاته ملأت الساحة الإعلامية على مستوى العالم ( الواشنطن بوست الغارديان والنيويورك تايمز وغيرها من عشرات الصحف العالمية ) فلأول مرة يتحدث الجنوبيون عن احتمالات الدولة الجديدة ومن منبر الأممالمتحدة ومن قلب المركز الإعلامي الدولي .. ولهذا كان صدى التصريحات تصل آذان الجميع في مختلف أنحاء المعمورة. عمل دبلوماسي واسع وكبير قام به اموم .. وفي خلال أيام نقل قضية انفصال الجنوب إلى أسماع كافة الدول. وبدلا من الرد على القضية الأصل وهي احتمالات انفصال الجنوب انشغل البعض في الخرطوم بتلك المسألة الشكلية .. والشيء المعروف أن اموم لا يمثل دولة وبالتالي لا مجال لمخاطبة المجلس إلا بدعوة محددة مقبولة من جميع الأعضاء. لقد نبهتنا ( الانتباهة ) منذ وقت مبكر للانفصال ، فما هو رد الفعل إذا ما تشكل منبر جنوبي يدعو للانفصال وهو حق ديمقراطي في النهاية ؟ وما هي جريرة الذين خرجوا في مظاهرة جوبا يدعون إلى الانفصال. ولنكن أكثر شفافية بان المفروض ألا يحظر على الطيب مصطفى ترهاته وسخافاته كما علينا ألا نرفض للآخرين أن ينحو بمثله بعد أن استمر كل هذه السنوات يبشر لعنصرية يغيضة. ما قاله د. مصطفى إسماعيل أن اموم ينفذ برنامجاً سريا للانفصال ليس بجديد .. ولا زلت أقول أن الحركة الشعبية تدير معركتها مع المؤتمر الوطني وكافة القوى السياسية بمهنية حزبية عالية جداً .. وللأسف الشديد نحن أسرى مفاهيم قديمة ومهترئة وبائدة ولا زال الكثيرون يعتبرون أن الحركة سنة أولى سياسة بينما هي دكتوراه في العمل السياسي..انظروا إلى كل الممارسات مع المؤتمر الوطني وغيره من القوى السياسية ، كانت الحركة الشعبية الكاسب الأكبر .. وكانت في كل مرة تحصل على انتصار جديد ونحن مشغولون.. أولاً بأولاد قرنق وأولاد سلفا ، وثانياً بوجود تيارين في الحركة وثالثاً بوجود انشقاق .. وهناك متمردون وانفصاليون ووحدويون .. وهلم جرا .. بينما مياه النهر تجري وتنساب ولا احد يستطيع أن يوقفها. شهدنا في الأيام الأولى اقل خلاف بين الشريكين كان سلفا كير (يحرد ) ويذهب إلى جوبا فإذا ( بعراب ) الاتفاقية علي عثمان محمد طه يقفز ثاني يوم إلى جوبا ويتم حل المعضلة ويأتي سلفا كير معززا ومكرما إلى الخرطوم بعد أن يكون قد نال ما يريده. ثم يتكرر الأمر مرة تلو المرة حتى أصبحت هذه الرحلات لا تثير الاهتمام. كم مرة ذهب علي عثمان إلى جوبا وكم من القضايا استجيب فيها للحركة الشعبية بعد أن (يحرد سلفا ) ؟ بذرة الدعوة للانفصال انطلقت في ذكرى اتفاق السلام في 9 يناير الماضي عندما تحدث سلفا كير بكلمات بسيطة ومفردات عادية وقال مخاطبا أبناء الوطن الجنوبي من داخل الكنيسة بجوبا : ( اذا كنتم تريدون أن تكونوا مواطنين درجة ثانية فصوتوا للوحدة !! ) كلمات لا تحتاج الى شرح ، بل كانت إشارة البدء في حملة الترويج للانفصال بينما تلفزيون السودان هذه الايام يروج لكلمات قالها سلفا كير عن الوحدة وهذه الدعاية تخاطب أهل الشمال أكثر من الجنوبيين الذين فهموا رسالة سلفا كير تماماً وهم على موعد مع الاستجابة لها في التاسع من يناير 2011م. إذن لنطرح السؤال الجديد القديم .. ألا يوجد حل لمشكلة السودان ؟ وقبل ذلك ، لنرى القوى السياسية ومواقفها عما يجري في السودان. إذا نظرنا إلى حزب الأمة القومي ..هل يمكن للصادق المهدي ألا يكون ( وطنياً ) والمؤتمر الوطني قد جاذبه الحوار في جيبوتي واتفاق التراضي حيث كان بيت المهدي كأنه أحد معاقل المؤتمر الوطني من كثافة حضور أعضاء المؤتمر الوطني لمراسم توقيع اتفاق التراضي الذي تبخر مثل اتفاقيات أخرى. والصادق المهدي الآن يتكلم ويحاضر ويخاطب ويتحدث مع الجميع داخل وخارج السودان ويشارك في المنتديات الدولية في بيروتوالقاهرة ومدريد وغيرها ويطرح أفكاراً ( إسهام فكري متقدم ) يجب أن ينال الاحترام من الجميع ، وعلينا أن نفخر به كسياسي متقدم على أقرانه وان ننزع هذا الضباب الحزبي الذي يغطي أعيننا ويحجب عنا أي إنصاف لمن يخالفنا في الرأي. وإذا كانت تصريحاته حول مستقبل السودان تزيدنا هماً من خطورة القادم فهل يمكن أن يتحدث بمثل هذه الصراحة من باب التشفي من النظام وهو الذي امضي نصف قرن يقارع السياسة وتقارعه ودخل مع الحكومة في اتفاقات بحثاً عن التراضي والتوافق لمواجهة معضلات ومشكلات الوطن؟ ألا يمكن أن يكون له دور في حل معضلة الاستفتاء. أكاد اجزم أن ما يطرحه الصادق هو قمة في ( الوطنية ) ، ورغم أن لا علاقة لي بحزب الأمة لا من قريب أو بعيد ، ولكن كلمة الحق يجب أن تقال ، ونأمل ألا يأتي اليوم الذي نتحسر فيه بأننا لم نسمع لتحذيرات المهدي. والسيد محمد عثمان الميرغني (وحدوي) حتى النخاع .. هذه تركيبته وتركيبة حزبه الاتحاد الديمقراطي وإذا تخلى عن ذلك فقد جذوره وانتهى إلى لاشيء .. اتفاق القاهرة لم ينفع ، زيارات مصطفى إسماعيل إلى المدينةالمنورة للاستنارة بمواقف وآراء الميرغني لم تنقطع في أحلك الظروف وحتى علي عثمان نائب الرئيس واتصالاته لم تنقطع بالميرغني في المدينةالمنورة. اللقاءات المباشرة بين البشير والميرغني في كل وقت ألا تكون شفيعا للاستماع لرأيهم في هذه القضية المصيرية. لا تقنعونا بأن ( عبدالله مسار ) أو ( جلال الدقير ) أو ( الصادق الهادي المهدي) يمثلون أحزابا أو تنظيمات تستحق هذه المناصب السياسية والوزارية فهؤلاء لا يمثلون شيء !! وأحزابهم الأم التي انشقوا منها هي الأساس والأصل. وأفضل للمؤتمر الوطني أن يؤسس لأمر آخر غير هذه العطايا التي لا تقنع السودانيين وهم بفهمهم الواسع ووعيهم الكبير يعرفون ما يطبخ تحت الطاولة لكسب امثال هؤلاء. ولنرى الحزب الشيوعي في موقفه من قضية الاستفتاء وهو يغازل المؤتمر الوطني وقال في الوحدة الجاذبة ما لم يقله مالك في الخمر. واقتطف هنا فقرات من بيان الحزب الذي أصدره بتاريخ 3/7/2010م والنص موجود في موقع سودانايل : (يدعو الحزب الشيوعي لالتئام مؤتمر قومي تشارك فيه كل القوى السياسية في الجنوب والشمال حكومة ومعارضة وحضور جهات دولية وإقليمية ذات الصلة بالشأن السوداني للاتفاق على مشروع للحفاظ على وحدة السودان على أسس جديدة منطلقاً من اتفاقية السلام وفي نفس الوقت يبحث المؤتمر الترتيبات اللازمة في حال جاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال ، كما يبحث المؤتمر تهيئة الظروف لضمان الاستفتاء في موعده. والحزب مع وحدة طوعية تقوم على الديمقراطية والارادة الحرة ودولة المواطنة التي تسع الجميع. ولهذا فان قضية ترجيح كفة خيار الوحدة في الاستفتاء هي قضية صراع تقتضي حشد كل الطاقات والمعطيات والحزب لن يدخر جهداً في سبيل الوصول لهذا الهدف النبيل ، وحدة طوعية تقوم على الديمقراطية والارادة الحرة ودولة المواطنة التي تسع الجميع لتستوعب مضامين النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي ولتراعي العدالة في توزيع السلطة وفي التنمية واقتسام الثروة. وإن قضية ترجيح كفة خيار الوحدة في الاستفتاء على تقرير المصير هي قضية صراع تقتضي حشد كل المعطيات والطاقات لها.) ماذا يريد المؤتمر الوطني أكثر من هذا الموقف القومي من ألد أعدائه ؟ فكرة الحزب الشيوعي حول المؤتمر القومي جديرة بالاستفادة منها وجدير بالأخذ بها قبل فوات الأوان ، وألا يحجبنا عمى الألوان واللون الأحمر عن رفضها .. فقط ، لأنها جاءت من الحزب الشيوعي. الغريب في الأمر أن هناك قيادات في المؤتمر الوطني تنادي بالتوافق والتراضي فالقيادي الجنوبي بالمؤتمر الوطني (رياك قاي كوك ) في تقرير نشرته صحيفة الشرق الأوسط 2/7/2010م وهو من دعاة الوحدة يدعو إلى توافق سياسي وطني عبر التراضي والحوار. وقال : ( إن قضية الوحدة تحتاج إلى تنازلات من كافة الأطراف ، وشدد على ضرورة الجلوس في حوار جامع لتحديد مصير البلاد دون إقصاء لأحد ) وطالب قاي الجميع بتحمل مسؤولياتهم الوطنية تجاه الوطن والنظر إلى قضية الوحدة أو الانفصال بعيدا عن صراع السلطة والصراع العقائدي ونوه بان (عملية الاستفتاء تتطلب تنازلات من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية). فهل يمكن أن نخلع ( الرداء الحزبي ) ولو لبرهة أو فسحة من الزمن ( 6 أشهر ) فقط لا تعادل شيء في أعمار الأوطان فنستغلها في البحث عن وفاق أو مؤتمر قومي أو تراضي حول قضية واحدة : الوحدة ( القوية) بدلاً من كلمة ( الجاذبة ) التي فقدت طعمها ونكهتها ام الخيار الثاني الانفصال الودي ذو المصالح المتبادلة ؟.. خياران لا ثالث لهما .لا نريد أن نلعب ( ضمنة ) أو ( بوكر) أو (كنكان ) لنعرف من الفائز .. نريد رؤية واضحة وحلول واضحة لقضية واحدة وليست مستحيلة.. الكل يريد أن يدلو بدلوه .. فريحونا من هذه التجاذبات التي لن تخدم أحداً.. على الرئيس عمر البشير أن يصدر أمرا بإعطاء إجازة لصقور المؤتمر الوطني حتى يتوقفوا عن هذه التصريحات النارية. ماذا تفيدنا ( عنتريات) بعض قادة المؤتمر الوطني الذين استهوتهم الفضائيات ووسائل الإعلام فأصبحوا يوزعون الاتهامات يمينا وشمالا ويناكفون هذا ويردعون ذاك ! وعلى الآخرين أيضا أن يتوقفوا عن حملات النقد فهذا لن ينفع ولن يجدي حالياً . لا نريد تصريحات تصب الزيت في النار ، فقد شبعنا من التصريحات .. لا نريد حكومة أو معارضة في هذا الموقف الذي يواجهه الوطن بحاله .. نريد موقفاً ( قومياً ). نحن لا نطلب المستحيل ونعرف ما صنع الدهر بالخصوم السياسيين ما لم يصنعه الحداد... هذا الحديث قد لا يعجب من هم في الموالاة .. وقد لا يعجب من هم في المعارضة لكن سنقولها بالفم الملآن أن الأغلبية الصامتة تعبت من هذا العك .. وهذا الضياع .. وهذا العبث .. وتريد مستقبلاً فالمجهول قاتم. صحيح أن جميع القوى السياسية والأحزاب السياسية التي تحكمنا منذ أن فتحنا أعيننا فقدت الكثير وتحتاج الى مراجعة شاملة وهي في مرحلة الانقراض الافتراضي إذا لم تتدارك موقفها ولكن الوقت لا يسمح لمثل هذه المناقشات ..وعليها الا تضيع الفرصة التاريخية في المشاركة في الحل. وإذا كان فعلاً جرى طرح فكرة ( الكونفيدريشن ) رغم أنها فكرة سابقة لأوانها فهذا يعني التسليم بالانفصال .. وعلينا أن نبحث في مرحلة ما بعد الانفصال بروح التراضي والمصالح المشتركة. ونحن لا حيلة لنا غير أننا نريد إنقاذ شعبنا في الزمن الضائع !! كفانا حسرة ونحن نسمع عن أوضاع اللاجئين في مصر تتناقلها الفضائيات عن الذين يبحثون عن لقمة عيش أو وجبة واحدة .. يقتاتون الوهم وهم على بعد أمتار من وطنهم. كنا نفخر بأننا الأم الأفريقية ونحن نحتضن اكبر عدد من اللاجئين في العالم واليوم نرى (الكشات) تلاحق السودانيين في اشد أحياء القاهرة فقراً ، ونسمع عن الذين يدفعون حياتهم ثمنا للهروب عبر الحدود إلى الكيان الصهيوني في اتجاه المجهول. ونسمع أيضاً كيف أهين أبناء وطننا في لبنان فتمزقنا الحسرة.. وأكثر من ذلك عندما نذهب لاي مكان في الكرة الأرضية وفي ابعد الأماكن لا يخطر على بالك تجد بعض السودانيين هناك يحترقون كل يوم في بعدهم عن الوطن. لقد أتاح لي عملي الصحفي في تجوال كثير وعندما التحقت بإحدى المنظمات الاغاثية الدولية كانت الفرصة واسعة للسفر إلى أحراش في أفريقيا ومناطق نائية في آسيا .. ويصيبك العجب عندما تفاجأ ببعض السودانيين في قرى نائية في تلك المناطق.. لا أعرف كيف وصلوا إليها. وبعد أن كنا شعب ( الوسطية ) وشعب ( الجودية ) وشعب ( الأجاويد ) وشعب كبار القوم وأهل الحل والعقد في العائلة .. وفي القبيلة والمجتمع ونقبل بالحلول الوسط .. لا نعرف التعصب حتى في الكورة ! كان التشجيع مثالياً.. ولكن و.. آه .. من لكن .. فقد تحول وتغير كل شيء .. فقدنا (عذريتنا ) في كل شيء ودخلنا مرحلة التكفير والتهجير ، والنزوح ، واللجوء وكل مفردات الضياع. ويبقى من المسؤول تاريخيا إذا حدث الانفصال ؟ هل هي الحكومة الحالية ؟ هل هم الإسلاميون أو التيار الإسلامي ومشروعه الجهادي لبناء دولة الإسلام الحضاري ومواجهة أهل الكفر ؟ أم القوى السياسية التي أمضت دهراً في اللجاجة والمناكفة ؟ وهل ينشغل المؤتمر خلال الفترة المقبلة بالبحث عن ذرائع لرد المسؤولية التاريخية عن نفسه ونسيان البحث عن حلول واقعية لمصير الوطن بعد الاستفتاء؟ المؤتمر الوطني وقع اتفاق السلام وعزل كافة القوى السياسية عن المشاركة بأي صورة .. فما هو الرد الذي يقنع به الشعب السوداني في حالة الانفصال؟ هذا ليس زمن المناكفة ولكن زمن المسؤولية الوطنية التي تتعالى فوق كل شيء. لا نريد اتهامات .. نريد وطن يعمل الجميع من اجل إنقاذه ووضعه في السكة الصحيحة. فلنتنادى جميعاً أحزابا ( من كل طيف ) أفرادا ، مفكرين وسياسيين لوضع تصور المستقبل. علينا أن نتنادى ولو لمرة واحدة لنؤكد أننا فعلا .. شعب آخر ، وأننا قادرون أن نعيد ما حدث قبل أكثر من نصف قرن في ( برلمان 1956م) عندما صوت الجميع للاستقلال ... (شمال .. جنوب .. غرب .. شرق ) في تناغم واحد. لا نريده كلاماً عاطفياً لايسمن ولا يغني عن جوع. فلنجتمع جميعا على قضية واحدة .. وأن نواجه هذا الاستحقاق ونترك الحكم للشعب والتاريخ .. ومن يشذ فلن يرحمه الشعب السوداني ولو طال الزمن !!