هذه المؤتمرات فقدت احترامها بعد تدخل المركز وتسييسها هنالك قيادات قبلية شابة لا تعترف بالإدارات الأهلية ولا تحتكم لها الديات تكون مكلفة ولا تستطيع القبائل دفعها أولياء الدم لا يمثلون في مؤتمرات الصلح أكثر من أربعين مؤتمراً للصلح بين القبائل تمت في الفترات الأخيرة، ولكنها لم توقف نزيف الدم وحالة الاقتتال المستمرة بين القبائل في أنحاء مختلفة من السودان، ولعل دارفور هو الإقليم صاحب النصيب الأوفر من هذه الحالات والمؤتمرات كذلك، وحتى ما يحدث في الأنحاء القريبة من دارفور في كردفان مثلاً فلا يخرج عن انه امتداد لتلك الحالات، ومؤتمرات الصلح هذه هي في الأصل الوسيلة المتبعة منذ أزمان قديمة في حلحلة المشكلات التي كانت تنجم بين فترة وأخرى بين القبائل، ولكنها أصبحت في نظر الكثيرين غير مجدية، كما أصبحت كذلك الإدارات الأهلية غير مجدية، وذلك مع ميلاد جيل جديد من القيادات القبلية الشابة برزت خلال فترات الحرب السابقة لا تعترف بالنظار أو الشرتايات ولا زعماء القبائل والعشائر ولا حتى الحكومة، ولا علاقة لها بالإدارات الأهلية ولا تحتكم لها أو عندها، مع انتشار واسع للسلاح وغياب كامل لهيبة الدولة.. كاس، شعيرية، تلس، برام، خور رملة، ابوجابرة وغيرها من المناطق بدارفور وجزء من كردفان تأثرت بشدة بهذه الصراعات ولم تهدأ منذ فترة ليست بالقصيرة، كما لم يتوقف بها انعقاد مؤتمرات الصلح، وعلى سبيل المثال للحصر فان البرقد والزغاوة يفضون أولى جلسات صلحهم عند إصرار قيادات البرقد على خروج قوات الحركات الدارفورية المسلحة المحسوبة على قبيلة الزغاوة من منطقة شعيرية على أساس أنها (حاكورتهم)، كما وان هنالك العديد من المناطق تحدث بها مواجهات تخلف خسائر اكبر من مناطق أخرى تجد نصيبها في الإعلام نسبة لبعد الأولى من المركز إلى جانب أهمية الثانية، فمثلاً نجد إن قبائل الرزيقات الأبالة "نوايبة" والمسيرية جبل كانت بينهم مواجهات في منطقة خور رملة بغرب دارفور، وامتدت حتى جنوب دارفور كانت أكثر دموية من الأحداث التي وقعت بين الطرفين في جنوب كردفان بمنطقة أبو جابرة على الرغم من الأخيرة وجدت نصيبها من البحث وإرسال القوات النظامية والنشر بالصحف أكثر من الأولى، ومع ذلك فان الغالب في هذه الصراعات وهو مع الإجماع بخصوص الأرض والمياه.. حضور للسلاح وغياب للدولة الملاحظ بدارفور بصورة خاصة وأنحاء كبيرة من كردفان عدم التمييز بين المواطن العادي وفرد القوات الأمنية، فالجميع مدجج بالسلاح وهو ما اجمع عليه الكثيرون على انه السبب الرئيس في اندلاع المواجهات بين القبائل حيث يقول المحلل السياسي والناشط الدارفوري عبد الله آدم خاطر إن دخول الإقليم في نزاع حاد ومسلح مع المركز، قد تمخض عنه إن يصبح السلاح الحكومي الذي استخدم في مواجهة القبائل أصبحت ذات القبائل تستخدمه ضد بعضها، ومن جانبه زاد عضو المجلس التشريعي عن دائرة شعيرية فيصل محمد نور إن انتشار السلاح بصورة كبيرة وعدم مراقبته يعمل على تفاقم الصراعات وتجددها، كما وأشار في تصريح ل(الأخبار) إلى إن الشخص العادي لا يستطيع التمييز بين المواطن العادي ورجل الأمن أو الشرطة، موضحاً إن الحركات المسلحة بدارفور والجنود النظاميين جزء من هذه القبائل، وزاد انه مع غياب حكم المؤسسة فانه من الصعب السيطرة على السلاح الذي بأيديهم، إلى جانب استخدام نفوذهم وسلطاتهم ضد قبائل أخرى، متفقاً مع الناطق الرسمي باسم حركة تحرير السودان (جناح مناوي) ذوالنون سليمان الذي أشار في اتصال هاتفي مع (الأخبار) إلى انه لابد من إعمال القانون في البداية وبسط هيبة الدولة، مطالباً بالعمل على نزع أسلحة المليشيات بكل أشكالها، وإعمال القانون في القضاء على الجريمة والقبض على المجرمين والجناة، الذين اعتبر صديق عبد النبي أحد كبار رجالات البرقد انه لا يوجد تدخل جاد من الدولة تجاههم ومحاسبتهم، مشيراً إلى إن هذا الأمر يشجع على تجدد الانفلاتات، مؤكداً على ضرورة بسط هيبة الدولة. جيل جديد وتسييس للإدارة الأهلية جيل جديد من القيادات القبلية الشابة برزت في هذه الصراعات بقوة خلال فترات الحرب، وهذا الجيل الذي تمخض عن ظروف الحرب المشتعلة لا يؤمن بالإدارة الأهلية التي أصبحت غير فاعل على الرغم من الدور الكبير الذي كانت تلعبه في فترات سابقة، ويضيف المحلل السياسي والناشط الدارفوري عبد الله آدم خاطر المجتمع الدارفوري على الرغم من تنوعه ولكنه استطاع على مدار قرون إن يحافظ على نسيجه الاجتماعي، مشيراً إلى قوة الإدارات الأهلية في تلك الفترة، وأشار إلى إن هنالك قيادات قبلية شابة، موضحاً أنها هذه القيادات تدير شئون القبائل في المعسكرات في ظل النزاع الموجود، مع الإشارة إلى أنها تحمل أجندة سياسية، بينما اعتبر صديق عبد النبي إن هذه القيادات الشابة الجديدة لا تعرف ماذا تعني الإدارة الأهلية ولا تعترف بها ولا بدورها، ولا بكيفية إدارة الأمور وتسويتها بغير القوة، كما وأضاف إن لهم فهم جديد ونظرة للحياة مختلفة، مع عدم وجود لمجالات تستوعب طاقاتهم، معتبراً انه لهذا السبب تتجدد مثل هذه التفلتات، بينما أوضح ذوالنون سليمان انه حدث تسييس للإدارة الأهلية حتى أصبحت هي كذلك جزء من الأزمة، مشيراً إلى إن هذا ما جعلها غير ملزمة للكثيرين، مطالباً بتعزيز دور الإدارة الأهلية مما يساعد في القيام بواجباتها المجتمعية بحياد وفاعلية بعيداً عن محاولة تسييسها، إلى جانب إتباع سياسة تنموية تعليمية، والابتعاد عن ما أسماها (قبلنة) الأجهزة وتعميم الخدمات وقوميتها ومدنيتها وجعلها بعيداً عن تحكم القبائل بها. ديات مكلفة وعدم تمثيل لأولياء الدم اعتبر صديق عبد النبي إن الديات التي تقررها المؤتمرات تكون تكلفتها كبيرة ولا تستطيع القبيلة تحملها، كما وأضاف إن المصالحات لا يمثل فيها أولياء الدم بصورة مباشرة ولا يكون هنالك تمثيل لزوي الأرحام أو من لهم علاقة بالقتلى، مشيراً إلى إن هذا هو ما يولد الغبن مستقبلاً، بينما يرى ذوالنون سليمان إنه تاريخياً كانت هذه هي المؤتمرات تمثل الحلول العرفية لمشكلات صغيرة ومحدودة ولكن الآن المشكلات كبيرة ولا يمكن إن تكون هذه المؤتمرات حل لها، مشيراً إلى انه ومع ذلك نجد إن آليات تنفيذ مقررات هذه المؤتمرات ضعيفة وغير ملزمة للقبائل، في حين اعتبر عبد الله آدم خاطر إن هذه المؤتمرات فقدت احترامها بالتدخلات المركزية والأمنية إلى جانب تسييسها، مضيفاً أنها جزء من التراث التقليدي وستكون محل استفادة كبيرة عندما يكون هنالك استقرار، مؤكداً على انه لا يمكن إن تحل هذه المشاكل إلا بعد إن تتم تسوية شاملة، وسلام حقيقي بالتراضي وإيقاف للحرب، موضحاً انه من الممكن لهذه الانفجارات إن تهدأ، ولكنها كذلك يمكنها إن تنفجر مجدداً، معتبراً انه لن يكون هنالك حل نهائي لها إلا بعد حدوث تسوية لكل النزاع. قال ذوالنون سليمان في أثناء حديثه ل(الأخبار) إن هنالك من أسماه ب(كوهين) الخفي في إشارة إلى وجود بعض المتآمرين يعملون على تغذية الاحتقان القبلي وتأجيج الصراع لأغراض سياسية(على حد قوله)، معتبراً أنهم معروفين لدى كل أهل دارفور وع ذلك لم يكشف (كوهين) هذا لنا، مضيفاً إن المؤتمرات التي عقدت بخصوص أزمة دارفور تكفى لحل أزمات العالم، غير إن السودانيين جميعاً والذين يبدو إن (كوهين) هذا أحدهم لم يستطيعوا تنفيذ بند واحد من المواثيق والاتفاقات التي تتمخض عن المؤتمرات التي تعقد للصلح بين القبائل، والتي كاد عددها إن يفوق عدد الضحايا..! mohmed hilaly [[email protected]]