قد لا ينفع والي القضارف كرم الله عباس الشيخ تبرؤه من حملة قادتها الشرطة على بنات القضارف بتهمة ارتدائهن أزياء فاضحة .خاصة بعد الاستهجان العام لأهل القضارف من سلوك رجال الشرطة تجاه الفتيات ، واستنكار التصرف ومهاجمته من على منابر صلاة الجمعة .خبر تعرض الشرطة للفتيات واقتيادهن بعنف إلى مراكز الشرطة ليس خبراً جديداً ، فهذا يحدث وأكثر منه في الخرطوم وبعض الولايات الأخرى كل يوم.الخبر يكمن في هبة رجال الدين الحقيقين، وليس رجال دين الحكومة الذين يرون العفاف في قانون يمتهن كرامة المرأة ويجعل شرفها عرضة للانتهاك على يد جلاديها ، فليس بخافٍ على أحد القصص المتداولة عن الابتزاز الصريح والمخبوء. لأول مرة - على حسب علمي – يرفع رجل دين صوته عالياً في شأن مجتمعي في وجه قوة حكومية معترضاً على أساليب الانتقام والإذلال التي تنفذها الشرطة لتطبيق القانون ، كما حدث من إمام أحد مساجد القضارف وهو الشيخ داؤود محمد صالح الذي قال في معرض دفاعه عن بنات القضارف :" عار علينا أن ندفع السلطات لاتخاذ مثل هذا الاجراء علي بناتنا". لن ينفع الوالي تبرؤه لأنه لم يعترض على الحملات نفسها وإنما جاء رده مؤكداً على ضرورة وجودها بأنها ستكون بحضور ممثلي وكيل النيابة ، كما أكد على عزمه على إنشاء شرطة نسائية لتنفيذ قانون تزكية المجتمع .ولا أدرى متى يأتي اليوم الذي تقتنع فيه الحكومة وولاتها بأن تزكية المجتمع لا تتم بعدة وعتاد قوات الشرطة وإنما بالدعوة الحق ، ونشر القيم ومكارم الأخلاق . الفرق كبير بين قانون هيئة تزكية المجتمع الذي أنشأته وزارة الإرشاد و الأوقاف عام 2003م ، وبين ما يريد تطبيقه الوالي بقوة الشرطة . ولعل القانون المشار إليه ليس هو قانون بالمعنى الحرفي للكلمة وإنما مجموعة برامج مجتمعية تحتاج إلى دعم الدولة للمجتمع لتطبيقها دون قوة سلاح "ودون استعلاء على المجتمع ودون مصادرة لوظائفه". قانون الهيئة المنصوص عليه يعتمد في تنفيذ برامجه على المحاور الاجتماعية والثقافية والدعوية والخدمية بالتعاون مع مؤسسات وتنظيمات المجتمع ويتم كل ذلك من داخل المجتمع . ولهيئة تزكية المجتمع رسالة تركز على قيام المجتمع بوظائفه وذلك بتهيئة المناخ المناسب له ورعايته ودعمه مادياً ومعنوياً . وقفت كثيراً عند أحد بنود رسالة الهيئة وهي:" إعتماد دوافع الحب كباعث رئيسي على التواصل والتعاون واستئصال ثقافة الكراهية أياً كانت بواعثها ، طائفية ، دينية او عنصرية عرقية أو جهوية مناطقية أو سياسية أو غير ذلك". هذا النص فريد في نوعه ، كيف لا وعلى رأس وزارة الأوقاف د. عصام البشير صاحب الرؤية المتزنة في تطبيق المشروع الإسلامي ب"المحافظة على الخصوصية من غير انكفاء وعلى التفاعل الحضاري من غير ذوبان". ففي قانون الهيئة الذي نادى بسريانه في جسد المجتمع للتغيير نحو الأفضل لمسة واضحة من ثقافة احترام الآخر وضروة الحوار مهما كانت درجات الاختلاف . وإذا نظرنا إلى ولايات السودان المختلفة والقضارف بشكل خاص فيتعين علينا النظر قبلها إلى تشكل النسيج الاجتماعي والثقافي في بوتقة انصهرت فيها ثقافات عديدة آتية من قبائل وأجناس مختلفة.هذا النسيج يحتاج إلى شكل تعامل خاص يراعي اختلاف الثقافات، ليس بالحملات البوليسية وإنما بالدعوة المجتمعية المرنة. ويستطيع أي مطلع على برامج هيئة المجتمع أن يقف على أمر أنه لا علاقة البتة بين قانون الهيئة وقانون الوالي الذي نسبه للهيئة فقد يكون قانون الوالي هو الوجه الآخر لقانون النظام العام . ومع ذلك فالشرطة النسائية ليست الحل الأمثل لأنها قد تحل مشكلة الابتزاز الجنسي ولكنها لن تحل القهر الذي اتصفت به الشرطه عامة رجالاً ونساء وما أسوأ قهر النساء للنساء .الحل في ألا تكون هناك قوة من أي نوع تستعلى بنظام وسلطة على المجتمع ، والحل عند الشيخ داؤود. عن صحيفة "الأحداث" moaney [[email protected]]