في عام 1949 ، صدرت رواية ساخرة للكاتب الانجليزي جورج أوريل بعنوان (1984) ، حيث يتعرض بطل الرواية ، سميث الذي يعمل صحفياً بوزارة الحقيقة (المتخصصة في بثّ الأكاذيب!) ، إلى مراقبة صارمة من الشرطة وزملائه بإيعاز من الأخ الأكبر المهيمن على الحكومة ، وحينما تم اكتشاف علاقة حب بين سميث والصحفية جوليا أرسلا إلى غرفة التعذيب بوزارة الحب (المتخصصة في بثّ الكراهية!) وعادا من هناك عدوين لدودين ولعل المفارقة تكمن في أن سميث الذي وُضع تحت المراقبة ليس مجرماً ولا يُشكل خطراً على أحد لكن الأخ الأكبر لا يفرض المراقبة بغرض احتواء الخطر المرتقب بل من أجل صب الجميع في قالب الحكومة الاستبدادية! منذ منتصف القرن الماضي وأثناء فترة الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفيتي، تم وضع كل دول العالم الثالث تحت كاميرات المراقبة التابعة للأخ الأكبر الغربي والأخ الأكبر الشرقي وتم تفخيخ أجهزة الاتصالات والسيارات بأجهزة تنصت خفية بالغة الدقة يُمكن تنشيط شرائحها في أي وقت لمراقبة أي مشتبه به في أي مكان في العالم وتحديد مكانه بدقة بالغة والتنصت على مكالماته بوضوح مذهل! بعد انتهاء الحرب الباردة بانهيار المعسكر الشرقي تنامت ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب ، وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر تم وضع شعوب غربية وشرقية بأكملها تحت المجهر الأمني وتحولت بعض المدن الغربية مثل لندن إلى مدن مفخخة بكل أنواع كاميرات المراقبة المبثوثة في كل مكان والتي تراقب الجميع بلا استثناء بغرض مكافحة الإرهاب ومن ثم تم الانقلاب على المفهوم القانوني للبراءة الذي مفاده أن كل إنسان بريء إلى أن تثبت إدانته وحل محله مفهوم الاشتباه الدائم في الانسان والذي مفاده أن كل إنسان متهم ومُراقب حتى لو ثبتت برائته! والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل من مصلحة الشعوب الغربية وغيرها من شعوب العالم المعاصر أن تضحي بكل الحريات الشخصية التي انتزعتها عبر قرون من النضال بحجة مكافحة الإرهاب الذي لم يتفق البشر على تحديد مفهومه مطلقاً؟! ما هي فائدة كل قوانين حماية الخصوصية إذ تم وضع كل البشر تحت مجهر الأخ الأكبر الذي يراقب الجميع وينصب كاميرات مراقبته في كل مكان وتتواجد قرون استشعاره الالكترونية حتى داخل البيوت التي يتوهم الكثيرون أنها ملاذات آمنة شديدة الخصوصية بينما يُمكن انتهاك حرماتها في أي وقت عبر تنشيط الشرائح الخفية في الجولات ، التلفزيونات والكمبيوترات؟! أليس تحقيق الحلول العادلة لقضايا فلسطين، كشمير، الشيشان، أفغانستان، وزيرستان وتركستان الشرقية هو ثمن بخس لاستعادة الشعوب الغربية وبقية شعوب العالم الأخرى لحرياتها الخاصة التي سرقتها عيون كاميرات المراقبة الدولية المتلصصة؟! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر