عندما اعلن فى الخرطوم ان الرئيس عمر البشير سوف يتراس وفد السودان لاجتماعات دول الساحل و الصحراء الذى عقد مؤخرا فى انجمينا العاصمة التشادية و كانت تشاد قد ابلغت الرئيس البشير بانه يمكن ان يزور تشاد دون اية قلق بادرة الخارجية الامريكية على لسان متحدثها الرسمى فيليب كراولى الذى قال " تشاد لديها واجبات حيال المحكمة الجنائية الدولية بينما يزورها الرئيس السودانى عمر البشير المتهم بجرائم حرب فى دارفور" و تعد هذه الخطوة من قبل الادارة الامريكية تصعيدية تجاه الخرطوم رغم ان الولاياتالمتحدة ليست عضوا فى المحكمة و فى ذات الوقت نقلت و سائل الاعلام العالمية و المهتمة بشئون السودان ان الاتحاد الاوروبى يعتزم تقديم وثيقة جديدة توصى بدعوة السودان إلى التعاون كليا مع المحكمة الجنائية الدولية و رفضت الخرطوم الدعوة الامريكية للحكومة التشادية و قال السيد كمال حسن على وزير الدولة فى الخارجية للجزيرة ان الادارة الامريكية تحاول استخدام المحكمة سياسيا لتنفيذ اجندتها ضد السودان و هذا ليس غريبا ان تكون المحكمة جزءا من سيناريوهات بدات من منتصف عقد التسعينات فى القرن الماضى. سيناريو التسعينات:- السيناريو الاول بعد ما استطاعت الانقاذ ان تحقق انتصارات متواصلة ضد الحركة الشعبية من خلال رفع رايات الجهاد و التجييش وسط الشباب" الدفاع الشعبى – التجنيد الاجبارى" مما ادى الى محاصرة الحركة الشعبية فى الحدود الكينية اليوغندية قال الرئيس عمر البشير كلمته المشهورة فى بورتسودان متحديا المعارضة " من يريد السلطة عليه بحمل السلاح و على المعارضة ان تستحم فى بحر المالح لكى تغسل ادرانها و خطاياها" فى خضم هذه المشادة بين الحكومة و المعارضة حدثت تفجيرات السفارات الامريكية فى كل من نيروبى و دار السلام ثم بدات مسيرة التقارب بين المعارضة بصورة اكبر بعد توقيع اتفاقية اسمرا للقضايا المصيرية و توحيد كفاحها و كان السيناريو المطروح ان تصعد القوى العسكرية فى الخارج اعمالها العسكرية و فى ذات الوقت تقوم الاحزاب بتعبئة الشارع السياسى ضد نظام الانقاذ الامر الذى يؤدى الى انتفاضة شعبية محمية بالسلاح نقل هذا السيناريو الى من قبل الحركة الشعبية و بعض اقطاب المعارضة الى الادارة الامريكية فى عهد الرئيس الامريكى بيل كلينتون و كانت تساؤلات الامريكيين هل الاحزاب السياسية السودانية لها القدرة و الوجود فى الشارع من اجل تحقيق هذا السيناريو؟ كانت الادارة الامريكية تعتقد ان الاحزاب السياسية خاصة " الاحزاب التقليدية" فقدت قدرتها فى الشارع السياسى الذى يؤهلها من اجل نجاح هذا السيناريو و بالتالى يتطلب هذا السيناريو دعم القوى الجديدة فى المجتمع من خلال رفع ريات الديمقراطية و الحرية على ان تكون القوى السياسية نفسها هى قوى منتجة للديمقراطية لكى تجذب قطاعات واسعة من الشباب بعد ما استطاعت الانقاذ تصادر المؤسسات التى كانت تقوم بدور التعبئة الجماهيرية " الاتحادات و النقابات" و قد فشلت القوى السياسية المعارضة فى تحقيق هذا السيناريو لانها هى نفسها كانت تحتاج الى ثورة ديمقراطية داخلها لذلك فشلت فى التعبئة الداخلية للجماهير هذا الفشل اعطى الحركة الشعبية سلطة اكبر و مساحة اكبر لكى تفرض شروطها على القوى السياسية الاخرى دون ان يكون هناك معارض سوى السيد الصادق المهدى الامر الذى دفعها للضغط على حزب الامة لمغادرة كراسى التجمع الوطنى الديمقراطى. السيناريو الثانى بعد فشل المعارضة فى تعبئة الجماهير من اجل انجاح فكرة الانتفاضة المحمية و بدات الحركة الشعبية تحقق انتصارات من خلال استلامها الى دعم متواصل لوجستى و بدات الحركة تفرض شروطها كان رأى الادارة الامريكية ان يقدم دعم متواصل من قبل الولاياتالمتحدة للحركة اضافة الى دعم من قبل الدول المحيطة بالسودان خاصة " اثيبوبيا – اريتريا – يوغندا" لذلك اجتمعت وزيرة الخارجية الامريكية فى ذلك الوقت مادلين اولربرايت بالدكتور جون قرنق و مسؤولين من تلك الدول فى كمبالا و اعلنت ان الولاياتالمتحدة سوف تقدم دعما لتلك الدول من اجل ان يذهب النظام الحاكم فى الخرطوم ثم بدات الادارة الامريكية فى اقناع قادة الدول الاوروبية بالفكرة و قد فشل السيناريو رغم التحركات العسكرية للمعارضة فى عدد من الجبهات ثم انتهى عهد ادارة الرئيس بيل كلينتون. السيناريو الثالث بدأ السيناريو الثالث بعد وصول الرئيس الامريكى جورج بوش الى السلطة و بعد غزو افغانستان والعراق و فشل القوات الامريكية على بسط الامن و الاستقرار فيهما لذلك فكرة الادارة الامريكية فى نجاحات اخرى الامر الذى ادى الى تعين مبعوث خاص للسودان من اجل التوسط بين الحكومة السودانية و الحركة الشعبية " لماذا الاثنين دون بقية القوى السياسية الاخرى؟ " كان هناك قناعة عند موظفى وزارة الخارجية الامريكية المهتمين بالشأن السودانى ان القوى التقليدية فى السودان قد فشلت فى تحقيق الاستقرار و السلام و التنمية فى السودان و ان الانقاذ والحركة الشعبية هما يمثلان القوى الجديدة فى المجتمع و يمتلكان القدرة على الحركة وسط القطاعات الجديدة فى المجتمع و بالتالى كان التركيز عليهما حيث كان السيناريو الامريكى يشير الى ان اية اتفاق او تسوية سياسية توصل هولاء الى السلطة ربما يخلق واقعا جديدا فى السودان كما كانت هناك قناعات عند بعض صناع القرار الامريكيين ان دخول الحركة الشعبية فى السلطة الى جانب حلفائها سوف تعطيهم الفرصة من اجل الحركة السياسية الواسعة وسط جماهيرهم لممارسة الضغط على المؤتمر الوطنى و تقليص دوره فى السلطة و لكن القوى السياسية و الحركة الشعبية ايضا فشلت فى تحقيق هذا السيناريو الغريب فى الامر ان كل هذه السيناريوهات كانت تنقل الى الادارة الامريكية من قبل الحركة الشعبية و بعض اقطاب المعارضة. السيناريو الرابع بعد ذهاب ادارة الرئيس جورج بوش و جاء الرئيس الامريكى باراك اوباما اعتقد الكثير و خاصة اهل الانقاذ ان هناك واقعا جديدا سوف يحدث فى العلاقات الامريكية السودانية و لكن جاءت الادارة الامريكيةالجديدة بعناصر من ادارة الرئيس بيل كلينتون و الذين كانوا دعامة السيناريو الثانى فى وجوب ذهاب نظام الانقاذ و على رأسهم سوزان رايس المندوبة الحالية للولايات المتحدة فى الاممالمتحدة ثم تعين الجنرال السابق اسكوت غرايشن كمبعوث امريكى خاص للسودان و الذى له سياسة تخالف سياسة وزارة الخارجية حيث يعتقد بوجوب التقارب الاكبر مع الانقاذ من اجل تحقيق الاهداف و يعتقد العاملين فى وزارة الخارجية الامريكية يجب الضغط المستمر على الانقاذ و يجبرها على تقديم تنازلات اكثر ثم تنفيذ كل بنود اتفاقية السلام الشامل هذا التعارض فى الافكار قاد الى تناقض فى التصريحات و لكن لا اسكوت غرايشن و لا الرئيس اوباما قادرين على تجاوز المنظمات الاهلية مادام الولاياتالمتحدة تحكم بنظام ديمقراطى تؤثر فيه تلك المنظمات على الراى العام و هى تشكل احد العوائق الرئيسية للدبلماسية السودانية التى تعتمد فقط على رؤية المؤتمر الوطنى فى حل الازمات دون الالتفات الى دعوات الاخرين. فى ظل هذا الصراع و الشد و الجذب كان قضية دارفور التى فرضت واقعا جديدا على الانقاذ حيث دخلت لحلبة الصراع منظمات اهلية فى كل من الولاياتالمتحدةالامريكية و دول اوروبا و استطاعت هذه المنظمات ان تمارس الضغط على حكوماتها لكى تتخذ موقفا من حكومة السودان المتهمة بانها التى مارست الابادة الجماعي ضد المواطنين فى دارفور مشكلة دارفور خلقت رأيا عاما فى تلك الدول ضد الحكومة السودانية و بالتالى لا تستطيع تلك الدول ان تتجاوز ذلك الراى مهما فعلت دون احداث واقع جديد فى دارفور و بالتالى لا تستطيع الحكومة السودانية ان تعالج مشكلة دارفور بتجاوز اية واحدة من منظمات دارفور التى استطاعت ان تقيم علاقات و طيدة مع تلك المجتمعات. السيناريو الجديد فى واقع المحكمة الجنائية هناك قناعة بفكرة عند بعض مراكز الدراسات الاوروبية و الامريكية و بعض صناع القرار تقول الفكرة ان حزب المؤتمر الوطنى حزب سلطة اى انه حزب مرتبط بالسلطة و هو حزب يضم اهل المصالح المرتبطين بالدولة و اية تغيير يحدث فى الدولة سوف يؤدى الى نهاية التنظيم مثله مثل الاتحاد الاشتراكى القديم فى السودان او فى مصر او اية حزب سياسى فى دول العالم الثالث تشكل من خلال مؤسسات الدولة و اية تغيير فى الدولة او السلطة يعنى نهاية الحزب السياسى و يعتقدون ان التنظيم يشهد صراعات داخلية بين قياداته يمكن ان تنفجر فى اية وقت و ان الرئيس البشير يمثل اللحمة التى تمسك كل تلك الاطراف و بالتالى يعتقدون ان قطع هذه اللحمة سوف تعجل بنهاية التنظيم السياسى و من هنا جاء الاستهداف و ممارسة الضغط المستمر عليه. و هناك قناعة اخرى تعتقد ان ممارسة الضغط المستمر على رأس النظام سوف يهدد السلطة كلها الامر الذى سوف يؤدى الى خلق صراعات داخل السلطة سوف تحسم من خلال تسليم مجموعة من اطراف الصراع الرئيس البشير الى المحكمة الجنائية لكى يتسنى لها الانفراد بالسلطة ثم تتم مصالحة بينها و المجتمع الدولى تؤدى الى رفع السودان من قائمة الدول الداعمة الى الارهاب و رفع كل العقوبات المفروضة عليه من قبل الولاياتالمتحدة و مجلس الامن هذا السيناريو يشكل كذلك قناعة كبيرة جدا عند عدد من قيادات المنظمات الاهلية المهتمة بمشكلة دارفور و لكن هولاء لا يعتقدون ان الفكرة سوف تؤدى لاستقرار السودان و التعجيل ببناء النظام الديمقراطى لان الاحزاب السياسية السودانية التى يقع عليها هذا العبء تعانى هى نفسها من اشكاليات كبيرة و دلالة على ذلك حالت الانشطارات التى تتم داخلها و لكن يعتقدون ان الفكرة اذا تم لها النجاح سوف تخلق واقعا جديدا ليس فيه فريق قابض على مفاصل الدولة كلها انما تتساوى الاحزاب فى ضعفها او قوتها الامر الذى يخلق اتفاقا ربما يؤدى الى التفاهم حول الاستقرار و التبادل السلمى للسلطة. تعتقد الحكومة السودانية من خلال تصريحات قياداتها ان الادارة الامريكية تستخدم المحكمة الجنائية من اجل تحقيق مصالحها فى السودان ربما يكون كذلك و لكن قضية المحكمة الان ليست هى فى يد تلك الحكومات انما هى خلقت واقعا فى الراى العام فى الولاياتالمتحدة و الدول الغربية و ان الراى الذى تتمسك به المنظمات الاهلية لا تستطيع القيادات السياسية تجاوزه و ربما لا يفهم البعض ذلك لاختلاف الثقافة الديمقراطية فى السودان و تلك الدول حيث قرات خبرا فى "اس ام سى" ان هناك 75 من الاكاديميين و اساتذة الجامعات يرغبون فى تسليم مذكرة للرئيس الامريكى باراك اوباما عبر المبعوث الامريكى الخاص اسكوت غرايشن تطالب المذكرة الرئيس الامريكى "بالوقوف بحزم ضد مجموعات الضغط التى تساند سياسات الانفصال" اولا ان الرئيس الامريكى لا يستطيع الوقوف بحزم ضد تلك المنظمات ربما يهملها او لا يسمع لها و لكن كل ذلك سوف يكلفه الكثير اذا كان ينوى الترشيح لفترة ثانية ثانيا ان تلك المنظمات لا توقف سياساتها الا جمعياتها العمومية فقط و بالتالى هى تمارس الضغط على الرئيس و العكس ليس صحيحا اما فى السودان فان اية مسؤول قادر على حل اية منظمة اهلية بجرة قلم دون ان يدير اعتبارا للقانون و الوائح و بالتالى يجب علي الذين يريدون ادارة الازمات مع تلك الدول و خاصة المنظمات الاهلية ان يتعرفوا على الثقافة التى تحكم تلك الدول. القضية الاخرى ان استنفار المنظمات الدولية من اجل ان ترفض قضية المحكمة الجنائية هى خطوة و لكنها خطوة سوف تتعرض لكثير من الضغط من قبل الدول الغربية و الولاياتالمتحدة كما ان تلك الدول سوف تقف عند مرحلة الرفض فقط ولا تتجاوزه الى مواقف و افعال اخرى كما انها لا تستطيع الذهاب الى حد المواجهة و دليل على ذلك الانقسام الذى حدث مؤخرا فى مؤتمر كمبالا بين الدول الافريقية و مهما كانت كفة الانقسام فانها فعلا تسبب ضررا فى المستقبل اذا حاولت الدول الغربية و الولاياتالمتحدة ان تصد القضية و الضغط تجاه النظام و كل الدلائل تشير ان ذلك سوف يحدث عقب قضية الاستفتاء خاصة اذا كانت النتيجة هى انفصال الجنوب. القضية الاخرى ليس هناك تناغم فى ادارة الصراع مع الخارج فى الوقت الذى تحاول بعض الاطراف و المنظمات فى الخارج ان تقول ان عملية الانتخابات الديمقراطية فى السودان خطوة فى اتجاه التحول الديمقراطى و يجب ان تتبعها خطوات اخرى من قبل المؤتمر الوطنى لكى تقيم جسرا للتواصل مع الخارج لكن من غير المتوقع ان تحدث الانتكاسة فى التحول الديمقراطى و تاتى محاصرة الصحافة و فرض الرقابة القبلية ثم اعتقال صحفيين و تعذيبهم و الحكم عليهم باحكام رادعة تؤكد ان الانقاذ ليست مهتمة بقضية التحول الديمقراطى انما هى تسعى فقط بالقبض و التمسك بالسلطة و تؤدى مسوغات قوية لتدخل المنظمات المهتمة بقضية حقوق الانسان و فى ذات الوقت اننى مقتنع ان هذا المقال لن يجد طريقه للنشر داخل السودان رغم ان التفكير بالصوت العالى هو الذى يؤدى الى تقارب الافكار و الوصول الى ارضيات مشتركة. ان المشكلة الاساسية ان العديد من القيادات فى المؤتمر الوطنى تاتى نظرتهم للقضايا من خلال لبس نظارات ملونة تناسب الرؤية التى يريدونها كما انهم لا يريدون الا سماع صدى صوتهم فقط و يعتقدون ان الاراء الاخرى اما هى اراء مدسوسة او تعبر عن قناعات غير وطنية او انها مدفوعة من قبل اعداء السودان الامر الذى يجعل تراكم الازمات فوق بعضها البعض دون ان يكون هناك اية ضوء فى نهاية النفق يعطى الامل و هى الحالة التى تجعل الاخرين يتنبأوا بالمستقبل المظلم للسودان. و يجب التاكيد ان الاتهامات التى اضافتها المحمة الجنائية الدولية للرئيس ليست قضية مثل سابقتها تواجه بعدم المبالاة و التحدى دون النظر لابعاد القضية و ما سوف يترتب عليها كما ان اليد الواحدة لا تصفق و يجب البحث عن التوافق الوطنى للخروج من كل تلك الازمات و الله الموفقز zainsalih abdelrahman [[email protected]]