حينما انعقدت مفاوضات مكلي بين شريكي نيفاشا خلال الشهر الماضي تحت رعاية لجنة ثامبو امبيكي، قلت إن هذه المفاوضات لاجدوى منها بسبب موضوع ترسيم الحدود الذي لايزال عالقا، إذ لا يمكن حسم أي من القضايا العالقة ما لم يتم ترسيم الحدود. وبالفعل سرعان ما انفضّ مولد مكلي ولم يتوصل لأي نتائج مهمة. مرة أخرى بدأت لجنة مشتركة بين الشريكين في مناقشة قضايا ما بعد الاستفتاء، ولكنها اصطدمت بذات العقبة وتوقفت، ولم نعد نسمع عنها شيئا. هذه المعضلة الكبرى التي تواجه عملية إجراء الاستفتاء بلورت مواقف جديدة أساسها الخلاف حول ضرورة ترسيم الحدود وارتباط ذلك بقيام الاستفتاء. السيد ريك مشار كان أول من حاول فك الارتباط بين الاستفتاء وترسيم الحدود حين أفتى بأن الاستفتاء يمكن أن يجرى بدون ترسيم الحدود. ثم جاء قبل أيام رئيس حكومة الجنوب الفريق سلفا كير ميادريت ليؤكد ذات المعنى. المؤتمر الوطني من جهته وعلى لسان كل قادته يصر على أن ترسيم الحدود شرط أساسي لقيام الاستفتاء. بالأمس أكّدَ الفريق صلاح قوش (أنّ مفوضية ترسيم الحدود أكملت تقريباً كل الخطوط من أثيوبيا انتهاءً بأفريقيا الوسطى، حيث توجد بعض الخلافات العالقة في بعض المناطق بالولايات مثل الحدود بين أعالي النيل والنيل الأبيض، وبين أعالي النيل وسنار، وجنوب كردفان ومنطقة (كفيا كنجي) بجنوب دارفور وغرب بحر الغزال، التي من المتوقّع أن يكتمل فيها العمل قريباً. إلا أن أخطر ما قاله قوش هو أنّ قرار المحكمة الدولية بلاهاي لم يحل مشكلة أبيي ولم يكن عادلاً أو شافياً أو مُلبياً لاحتياجات الطرفين، وأضاف أنه لابد من وجود مخرجات جديدة بالنسبة للشريكين). ويعني ذلك أن التفاوض المطلوب قبل الاستفتاء يجب أن يشمل أبيي نفسها، وكان الظن أن هذا الملف قد تمّ طيّه في ردهات لاهاي . بالأمس أيضا رفضت الحركة الشعبية على لسان رئيس حكومة الجنوب الفريق سلفاكير موقف المؤتمر الوطني من قرار محكمة لاهاي بشأن أبيي واعتبرته نقضا للعهود والمواثيق. وهكذا كل يوم تزداد مسألة ترسيم الحدود تعقيدا، ويزداد الجو توترا وليس من حلول متوفرة، ويحدث هذا التنازع في وقت ضاغط وجَدْ محدود. بناءً على هذه المواقف المتناقضة فُتحت أبواب الاحتمالات على مصراعيها والسؤال الذي يتبادر للذهن هو إلى أين نحن مساقون.؟. المشكلة أن الوقت لايحتمل المناورات ولا التكتيكات السياسية الي أدمنها الشريكان، فما تبقى من الزمن لايتجاوز ال 158 يوما على الاستفتاء. وهي فترة بالتأكيد غير كافية لإتمام ترسيم الحدود وخاصة فيما يخص منطقتين حاسمتين في هذا النزاع وهما أبيي وحفرة النحاس (كفيا كنجي). على الرغم مما قاله البروفيسور عبدالله الصادق رئيس لجنة ترسيم الحدود (الحدود المشتركة بين الشمال والجنوب «1400» كيلو متر، وان الترسيم انتهى بنسبة «85%» وتبقت نسبة «15%») المشكلة تكمن هنا أن ال 15% تحتاج لمساومة وتنازلات يبدو أن الشريكين قد غير مستعدين لتقديمها حاليا. مشكلة أبيي ثلاثية الأبعاد تتعلق بالسكان أولا وتبعيتهم للشمال أم للجنوب؟ ومتعلقة ثانيا بالنفط وأخيرا بالحدود. حفرة النحاس مشكلة كبرى وهي منطقة تقع في ولاية جنوب دارفور وتطل على بحر الغزال، وهي منطقة زاخرة بمعادن قيمة وتمثل ثروة ثمينة يصعب التنازل عنها بالساهل بالنسبة للطرفين. ما يجري الآن بين الشريكين يشبه حوار الطرشان، فأجندة الحركة وأولوياتها تتعلق بترتيبات الاستفتاء المفضي للانفصال، وهي تناقش الآن مواضيع ما بعد الانفصال. المؤتمر الوطني أولويته الوحدة، ويحشد الآن كل قواه لتحقيقها، ويحاول أن يجد معادلة مُرضية لتعمل الحركة الشعبية معه من أجل الوحدة. كما نرى.. الشريكان يمضيان على خطّين متوازيين لايلتقيان. المأساة أن عدم ترسيم الحدود قد يؤدي لتأجيل الاستفتاء، وهذا قد يقود لنتائج كارثية، وتأجيل ترسيمها لما بعد الاستفتاء هو وصفة حرب جاهزة للفترة التي تعقب نتائج الاستفتاء وخاصة إذا كانت نتيجة الاستفتاء هي الانفصال. الله يستر