بسم الله الرحمن الرحيم [email protected] ما أن قرأت فى الأخبار خبراً عن تكوين لجنة جديدة وإستراتيجية جديدة تسوِّق لها الحكومة من أجل حل أزمة دارفور، حتى تّذكرت المقبورة إستراتيجية العودة الطوعية والحديث الذى سمعته من أحد أولئك الذين شهدوا إحدى مسرحياتها وسأورد شهادته فى متن هذا المقال ، تلك الإستراتيجية التى صحبتها ضجةٌ إعلامية ضخمة و ( قومة وقعده ) وما صاحبها من قبض للريح حتى أضحى مصطلح العودة الطوعية من أكبر مثيرات إستفزاز النازحين ، وحُق لنا أن نتساءل بعد أن وضعت الحكومة إستراتيجيتها الجديدة لحل أزمة دارفور ، أين وصلت إسترتيجية العودة الطوعية تلك ومن من النازحين قد تمت إعادتهم إلى ديارهم ؟ للأسف كانت عودة إفتراضية ( ر كبت فيها الحكومة مأسورة ) . وصف لى محدثى ، الشاهد الذى كان ضمن حشد تدشين حملة إستراتيجية للعودة الطوعية المزعومة ، أن والى إحدى ولايات دارفور كان قد دشن برنامج العودة الطوعية فى إحتفالٍ ضخم بحضور مجلس أمن الولاية وكبار المسئولين مع حرصٍ بالغ على أن يكون المراسلون الصحفيون ومناديب الفضائيات المحلية و الخارجية حاضرون ، وأُحضرت اللوارى وأُحضر النازحون ثم تم تصويرهم وهم يركبون فوق اللوارى وسط تهليل وتكبير المسئولين وطارت الصور والخطابات الحماسية عبر الأسافير وحطت على الشاشات البلورية وصدّق الناس أن هناك عودة طوعية تمضى على قدمٍ وساق وأن الأزمة فى طريقها إلى الحل ! ولكن وبعد عدة شهور ، فإن أنفسنا الأمارة بسؤ الظن لم تدع لنا مناصاً فظلت تحاصرنا بالأسئلة من شاكلة أين هى تلك القرى التى سيق إليها النازحون ؟ وما هى محصلة إستراتيجية العودة الطوعية ؟ ولماذا لم تنقص أعداد النازحين فى المعسكرات بل ظل عددهم فى إزدياد ؟ أم هم كجبل الجليد كلما غرفت منه إزداد ؟ . الأجوبة على تلك الأسئلة وجدتها لدى محدثى الذى هو من غمار الناس موظف عادى ممن نظّموا الحشد الذى دعا إليه السيد الوالى ، فقد حكى لىّ أنه وبعد أن ركب النازحون فوق ظهور اللوارى وتحركت بهم غير بعيد وانفض سامر المسئولين وتفرق جمع السماسرة الذين تصدوا لإقناع هؤلاء بالركوب فى اللوارى بعد إخراجهم من المعسكر ، مالبثوا أن نزلوا من اللوارى وركبوا موصلات المدينه التى تمر بجوار المعسكر ليعودوا إليه بعد دقائق من مغادرته !! ليتضح الأمر فى مابعد أنه لايعدو سوى سوق مواسير خسرت فيه الحكومة الأموال وقبضت الريح وخرج السيد الوالى ببعض الزخم الإعلامى والسياسى إلى حين ولكن المستفيد الأكبر هم أولئك السماسرة الذين قبضوا أموال العودة الطوعية وطاروا برزقهم الحرام وظل النازحون هم أولئك الناس الأبرياء الذين يقطنون فى تلك المعسكرات إلى حين إشعارٍ آخر . شكوكنا آنذاك حول جدوى وفشل إسترتيجية العودة الطوعية لم تكن بسبب وساوسنا وحدنا ، ولكن البرلمان السوداني نفسه كانت تراوده الشكوك حول إستراتيجية ما يُسمى ببرنامج العودة الطوعية ، ففى يوم 28/12/2009م قرر البرلمان تشكيل لجنة مختصة وإيفادها لدارفور للوقوف على حقائق العودة الطوعية بالولايات الثلاث في وقت أعلنت فيه لجنة الشئون الإنسانية بالبرلمان أنها ستقوم باستدعاء وزير الشئون الإنسانية لتقديم تقرير عن الأرقام والحقائق التي تتحدث عنها الوزارة بشأن العودة الطوعية للنازحين بولايات دارفور ، وهل هناك شك أكبر من شكوك البرلمان هذه ، والبرلمانيون هم فى أكثريتهم زمرةٌ ممن عيّنهم المؤتمر الوطنى ؟. وهكذا وهى تحاول حل أزمة دارفور ، ظلت الحكومة تقفز من فننٍ إلى فنن ومن حائط إلى حائط ومن إستراتيجية إلى أخرى وقضية دارفور تستعصى على الحل وكل يوم الأقليم فى غمٍ و همٍ جديد ، ففى ظل محاولات الحكومة غير المجدية والتى خبرناها وحفظناها عن ظهر قلب ، ليس هناك مايشير على أن الإستراتيجية الجديدة ستنجح فى حل الأزمة ، فالطريقة التى ظلت تتبعها فى الحل أثبتت الأيام خطلها وعقمها ، فالحكومة تراهن دوماً على قدرتها على سحق التمرد عن طريق الإسهام فى تشتيت الحركات ومحاولة خلق حركات موازيةً لها وإعمال مبدأ الإستقطابات الحادة وسط أهل دارفور وتخويف قبائل أهل دارفور من بعضهم البعض وزرع الشكوك بينهم خشية أن تلتف جميعها حول المطالب المشروعة لأهل الإقليم ، أيضاً ظلت تعتمد على عدد من المنتفعين من أبناء الإقليم والسماع إلى رؤيتهم والإقتداء بآرائهم فى الوقت الذى يحرص فيه هؤلاء المنتفعون من الأزمة على بقاء الأوضاع متوترة وملتهبة على الأرض حتى تستمر الحكومة فى الإعتماد عليهم لتستمر مصالحهم فى التدفق ومواقعهم الدستورية محفوظة فى بال وخاطر الحكومة . ولكن رغم كل هذا سنُحسن الظن بإستراتيجية الحكومة الجديدة ولو إلى حين ، ولكننا من العسير أن نتجاهل ذلك الخلل البائن في تكوين اللجنة المناط بها التنفيذ وهو أمرٌ يصعب تجاوزه بسبب التجربة التأريخية لطرائق وأساليب المؤتمر الوطنى فى حل أزمة دارفور ، فإننا إذا نظرنا إلى الإستراتيجية الجديدة بعين مجردة حتى من السياقات التأريخية ومدلولات التجارب ... فإن ما يجعلنا لانثق فى قدرة اللجنة على الحل هى قائمة مهام اللجنة الطويلة والمعقدة وعضويتها المتمثلة فى وزراء وزارات هامة لديها هى نفسها الكثير من المشاكل والمهام الأخرى الأمر الذى يجعل الوزير كثير المهام ولايستطيع التفرغ للبت فى مهام معقدة تستلزم التفرغ لها تماماً ، نذكر بعضها فقط لندرك حجم التعقيدات التى ستجابه اللجنة ، فعلى سبيل المثال وضع إستراتيجيات للتعامل مع دول الجوار التى لها صلة بالأزمة ووضع إستراتيجيات للتفاوض والتعامل مع منظمة الأممالمتحدة والإتحاد الأفريقى وعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم والإشراف على سير تنفيذ الإتفاقيات الموقعة بين الحكومة والحركات المسلحة وتفعيلها إلى آخر القائمة الطويلة من المهام ، فكل واحدة من هذه المهام تحتاج إلى معجزة حتى يتمكن هؤلاء الوزراء المشغولون أصلاً لإيجاد حلٍ لها ، على كل حال سننتظر ربما تُفلح اللجنة فى إنجاز مهامها لتُخرس ألسن أمثالنا من المتشككين وحينها سنكون من أسعد الناس بالحل الذى سيتوفر رغم أن إخوتنا لن يصدقون أننا سنكون سعداء لأنهم يعتقدون دوماً أن من ينتقد طريقتهم فى حل أزمات البلاد أو يرفد لهم النصح لابد أن يكون بالضرورة طابور خامس أو متمرد أو تُحركه أجندات خارجية تستهدف السودان الذى هو هم فقط .