وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    قرارات اجتماع اللجنة التنسيقية برئاسة أسامة عطا المنان    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    مناوي : حين يستباح الوطن يصبح الصمت خيانة ويغدو الوقوف دفاعآ عن النفس موقف شرف    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفريات لغوية - شام و( شُويَمْ) وتحولاتها الدلالية ... بقلم : عبد المنعم عجب الفَيَا
نشر في سودانيل يوم 13 - 08 - 2010

سألني صديقي العالم البحر الدكتور خالد فرح عما لدي في مادة "شويم" السودانية والاسم "ام شيوم" . فذكرت له ما جال بخاطري في حينها وقلت: شويم من شام اي قصد ويمم شطر أو ناحية. واستشهدت بقصيدة الشيخ المجذوب عليك صلام الله ثم سلامه التي يقول فيها: فكيف بمن قد شامكم كل ساعة فهذا يقينا في الجنان ينعم. شامكم،اي تقصدكم وتطلع اليكم. وعن الاسم "ام شيوم" ذكرت له اما ان تكون جمعا للاسم شام (الغزال قالت بلدي شام) وكان في ذهني اسم "أرض الشام" الذي تسمى به بعض البنات عندنا، أو أن يكون المراد به، ذات الشيم، اي الخصال الحسنة.
ومن يومها وانا اتطلع بشوق الى ما ستجود به قريحة الباحث الثبت الدكتور خالد فرح حول دلالات هذا اللفظ واشتقاقاته. فهو لم يسالني هذا السؤال الا لانه كان منكبا على تجويد بحث لغوي حول هذه المادة. وبالفعل صدق حدسي فلم يطل انتظاري كثيرا حتى اتحفنا دكتور خالد بواحدة من حفرياته اللغوية الثاقبة والشيقة في مقالة بعنوان ( شويم شال الجداية)المنشورة بسودانايل وجريدة الاحداث بتاريخ 11 اغسطس 2010.
وقد انتهى خالد فرح في سياحته اللغوية الممتعة كعادته دائما، إلى ان "الشيوم" في اللهجة السودانية هو السير نحو الهدف او المقصد الاسمى، او هو الرحلة ذات الغرض النبيل.وبذلك يكون معنى "شويم شال الجداية" في اغنية السيرة المعروفة: ذهب ومضى الى الجداية اي العروس الحسناء شبهها بالجدية. ومن هنا يرجح خالد ان معنى الاسم (ام شيوم) هو المحبوبة التي ينظر ويتطلع اليها بتشوق وتستحق ان تقصد بالسفر ويضرب اليها اكباد الابل.
و لكن يبدو أن خالدا استبعد الربط بين الفعل شام وشويم وبين الاسم شام ( بلاد الشام) في الدلالة على اتجاه الشمال، بالرغم من انه اورد حديثا سمعه عن المرحوم عبد الهادي الصديق الذي يرى ان الفعل " شويم معناها اتجه شمالا لان من معاني كلمة شام لغة هو اتجاه الشمال الجغرافي مطلقا مثل ما أن من معاني يمن، الجنوب مطلقا". وهذا صحيح مع الاخذ في الاعتبار ان شام لا تعني الشمال في كل الاحوال, كما أنها لا تفيد القصد والتطلع دائما.
ومن هنا أريد أن أذهب إلى أبعد مما ذهب اليه خالد فرح في سبر دلالات الفعل شام "شويم" وذلك لان معنى، القصد والتطلع ليس المعنى المقصود بالاصالة وانما هو معنى لاحق. فقد حدث تحول دلالي للفعل شام ومصدره، انتقلت الدلالة بموجبه من المعنى الخاص الى المعنى العام. فبعد ان كان مقصورا للدلالة على الشمال والتوجه شمالا، صار يفيد القصد والتوجه والتطلع مطلقا. وفي سبيل بيان هذا التحول الدلالي لا بد من الربط بين الفعل شام و الشام والشمال من جهة، وبين اليمين واليمن والجنوب من جهة اخرى.
فأغلب الظن أن العرب لم تهتد إلى تسمية الاتجاهات الجغرافية الرئيسية الاربعة باسمائها المعروفة الآن دفعة واحدة. والغالب انهم اهتدوا اولا الى تسمية الشرق والغرب من حركة طلوع وغروب الشمس فقالوا الشرق، حيث تشرق الشمس، والغرب حيث تغرب الشمس. ومن ذلك أن اهل كردفان ودارفور يسمون الشرق صباحا " دار صباح " اي الشرق حيث يطلع الصباح. أما الجنوب والشمال فجاءت تسميتهما هكذا في مرحلة لاحقة. إذ كانوا في مبتدأ أمرهم يحددون الشمال والجنوب باليد اليمين والشمال باليد الشمال او اليسرى.
يقول صاحب لسان العرب:" قيل لناحية اليمن يمن، لانها تلي يمين الكعبة، كما قيل لناحية الشام شأم لانها عن شمال الكعبة " وهذا يفترض بالضرورة ان يكون المرء مستقبلا ناحية طلوع الشمس حتى تكون اليمن فيما يلي جانبه اليمين او يده اليمنى والشأم مما يلي جانبه الشمال او يده اليسرى. ثم خصصوا فيما بعد الجنب او الجانب اليمين لاتجاه الجنوب فصاروا يقولون (جنوبا) لما يلي الجنب اليمين او ناحية اليمين فالجنوب من الجنب.
هكذا ارتبط الفعل شام باتجاه الشمال وبلاد الشأم وارتبط اليمين ببلاد اليمن. وفي هذا الافق الدلالي يروى ان النبي ص قال وهو بتبوك: " الايمان يمان والحكمة يمانية" يورد صاحب اللسان "ان النبي قال هذا القول وهو بتبوك ومكة والمدينة بينه وبين اليمن، فأشار الى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة اي هو من هذه الناحية."اي ان المقصود بالايمان يمان، ناحية اليمين حيث مكة والمدينة من تبوك.
اذن ان أصل الفعل شام من الشأم والشمال، اليد اليسرى وما يليها. يقول صاحب اللسان:" يمنتهم أخذت على أيمانهم –اي ناحية اليمين – وشأمتهم : أخذت على شمائلهم – اي ناحية الشمال" ويقول قال ابن السكيت:" يامن بأصحابك وشائم بهم اي خذ بهم يمينا وشمالا."
ولسبب ما صاروا يتفاءلون باليمين ويتشأمون بالشأم أوالشمال. واشتقوا من الشأم كلمة الشؤم والتشاؤم والمشأمة قال تعالي :"فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة" اي اليمين وقال :" وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة" اي الشمال.(سورة الواقعة).
ومن التفاؤل باليمين، اشتقت ألفاظ اليُمن بمعنى البركة والسعد والبخت. قلت: وما قولهم "اليمن السعيد " الا لان اليمن في الاصل من اليمين.أما اليمين بمعنى القسم والحلف فانما سميت بذلك نسبة لليد اليمين. يقول ابن منظورنقلا عن الجوهري:" سميت اليمين بذلك لانهم كانوا اذا تحالفوا ضرب كل امريء منهم يمينه على يمين صاحبه."
أما في اللسان السوداني فظل الفعل شام"شويم" ومصدره شأم يحتفظان بدلالتهما الخاصة والعامة. فشام تفيد في اللهجة السودانية اتجاه الشمال الجغرافي كما تفيد ايضا في مستوى دلالي آخر، القصد والتوجه والتطلع مطلقا. يقول ود تميم في المدحة النبوية السودانية المعروفة في الدلالة على اتجاه الشمال :
علي طال الشوق وحماني قط ما أروق
للقبرو شام وشروق يا حاج نبينا
"شام وشروق " ناحية الشمال الشرقي. استخدم شام هنا بمعنى الشمال.
وكذلك نجد شام بمعنى شمال مستخدمة في رمية الأغنية التراثية المعروفة :
أريل شام شروق شراكي ما نشابك
وشم نفسك يفوق مسك العشاري الشابك
والأريل الجدية وقد شبه محبوبته بها والتي مسكنها ناحية الشمال الشرقي.

أما شام بمعنى القصد والتوجه والتطلع مطلقا فمن امثلتها قول الشيخ المجذوب في قصيدته النبوية المشار اليها اعلاه :
فكيف بمن قد شامكم في كل ساعة
فهذا يقينا في الجنان ينعم
شامكم هنا تقصدكم وتطلع لرؤياكم.
وفي هذا الافق الدلالي الذي عناه الشيخ المجذوب ترد "شويم" السودانية بمعنى قصد وتوجه وتطلع ويمم شطر الحبيبة كما في اغنية السيرة " الزفة" المعروفة :
الليلة سار يا عشايا عديلة ليه
شويم شال الجداية يا عديلة ليه
فالمقصود بقولهم " شويم شال الجداية " أن العريس سار وتوجه قاصدا الى العروس التي شبهت بالجدية.على أنني أرى أن "شال" هنا ترد في معناها السائد وهو الاخذ وليس السير كما ذهب إلى ذلك الدكتور خالد فرح. بدلالة قولهم ، فلان أخذ فلانة اي تزوجها. ولان كلمة سار مضمنة في كلمة "شويم" ومذكورة قبلا في صدر البيت. وتأويل المعنى : الليلة سار ليأخذ الجداية.
ومن مشتقات شويم الصفة، مشويم. يقولون " زولك مشويم ساي" و" مالك مشويم كدي؟" اي شاخصا بنظره في البعيد، نافرا ،لا يتفاعل مع من حوله مستغرقا في التفكير في محنة تخصه.
abdou alfaya [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.