بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    «الأولاد يسقطون في فخ العميد».. مصر تهزم جنوب أفريقيا    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر الشهيرة "ماما كوكي" تكشف عن اسم صديقتها "الجاسوسة" التي قامت بنقل أخبار منزلها لعدوها اللدود وتفتح النار عليها: (قبضوك في حضن رجل داخل الترام)    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    النائب الأول لرئيس الإتحاد السوداني اسامه عطا المنان يزور إسناد الدامر    إسبوعان بمدينتي عطبرة وبربر (3)..ليلة بقرية (كنور) ونادي الجلاء    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    ⛔ قبل أن تحضر الفيديو أريد منك تقرأ هذا الكلام وتفكر فيه    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دليل الجنوبي العميل الى الاعتراف بإسرائيل .. بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل
نشر في سودانيل يوم 18 - 08 - 2010


[email protected]
---------------------------------
(1)
نقلت وكالات الأنباء تصريحات صحفية أدلى بها مؤخراً السيد أزكيل جاتكوث رئيس بعثة حكومة جنوب السودان في واشنطن، وجرى تداولها على نطاق واسع، فحواها أن دولة الجنوب المرتقبة قد تبادر بالاعتراف بإسرائيل حال الإعلان عن قيام كيانها المستقل، عقب اكتمال إجراءات الاستفتاء على تقرير المصير في يناير القادم. وأبدى القيادي الجنوبي استغرابه لكثرة اللغط وتواتر التساؤلات حول علاقات محتملة للدولة الجنوبية السودانية الجديدة بالكيان الإسرائيلي، مذكراً بأن أقطاراً عربية عديدة تقيم بالفعل علاقات دبلوماسية واقتصادية نشطة مع الدولة العبرية. وكما هو متوقع فقد أثار تصريح المسؤول الجنوبي، الذي ينتظر إجراءات "ترخيصه" سفيراً معتمداً للدولة الجديدة في بلاد العم سام، هواجس ووساوس الكثيرين داخل حدود السودان، ووراء الحدود في مصر الشقيقة. ولا عجب، فالكابوس الإسرائيلي ظل على مدار السنين وتوالي الحقب يقض مضاجع العروبيين والمستعربين، والمسلمين والمتأسلمين وينغِّص عيشهم ويحرمهم هدأة المنام.
(2)
جاءت تصريحات ازكيل جاتكوث وعلى دار صحيفة (الانتباهة) أقفالها، إذ عطَّلتها حكومة العصبة المنقذة تعظيماً لشعيرة "الوحدة الجاذبة" وتنصلاً من شبهة التواطؤ مع الثعالب الانفصالية. ولولا ذلك لكانت الصحيفة قد وجدت في تلك التصريحات مادةً طيبة ومغذية وعامرة بالفيتامينات، تعلفها وتعتاش على خيرها حيناً من الدهر. وقد أعادت تصريحات مدير مكتب حكومة الجنوب بواشنطن الى ذهني مقالاً كتبته قبل فترة في هذه الزاوية بعنوان (كان يهودياً هواها)، تناولت فيه بالتعليق تصريحات صحفية كان قد أدلى بها لصحيفة "المصري اليوم" القاهرية رئيس البرلمان السوداني الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر، حذر فيها من الأخطار التي تحدق بمصر والسودان، في حال انفصال جنوب السودان عن شماله، وذكر فيها أن قيام حكومة مستقلة في الجنوب معناه أن (تسيطر إسرائيل على ألف كيلومتر من مجرى نهر النيل). وقد تساءلت يومها تساؤلاً ساذجاً وبريئاً: ما هو الشيء الذي ستفعله إسرائيل بمجرى النيل بعد إحكام سيطرتها على الف كيلو متر، وهو الشريط الممتد داخل الأقاليم الجنوبية الحالية؟! هل سيقوم يهود إسرائيل – تحت حماية حكومة جنوب السودان – بتحويل مجرى النيل شرقاً إلى كينيا أو اثيوبيا أم غرباً الى افريقيا الوسطى، كما تذهب الأسطورة، فيموت أكثر من مائة مليون مصري وسوداني عطشا! وكيف سينفذ يهود إسرائيل هذا المشروع الجبار؟ هل تراهم يطرحونه في عطاءات دولية ويستقدمون كبرى شركات المقاولات في العالم لإنجازه تحت سمع وبصر الدنيا والعالمين، ومصر والسودان ودول العالم العربي وافريقيا شاخصة وكأن على رؤوسها الطير؟ أم تراهم ينفذونه فرادى باستخدام المحافير اليدوية، تماماً كما أرادت حكومة الثورة المنقذة في بداية التسعينيات إنجاز مشروع حفر ترعتي كنانة والرهد في شممٍ وإباء، ثم تناسته وأغفلته، بعد ذلك، في خفر وحياء؟! وما الذي عساه أن يحفز حكومة مستقلة في جنوب السودان، لو كتب للجنوب أن يستقل بذاته، لأن تفكر في دعوة يهود إسرائيل للسيطرة على مواردها واستخدامها في مشروعات شيطانية شريرة تفوق الخيال تستعدي عليها دول حوض النيل والمنطقتين الافريقية والعربية والعالم بأسره؟! لا أحد يعرف. الذي نعرفه هو أن إسرائيل ستقوم حال استقلال الجنوب بالسيطرة على مياه النيل وحرماننا منها!
(3)
مما ظللت آخذه دوماً على "تحالف الإسلامويين والقومجية" الذي انتظم السودان والعالم العربي بعد "غزوة" صدام الكارثية للكويت عام 1990م كثرة تلويحهم ب"فزَّاعة" إسرائيل، وتوظيفها كمادة شعبوية فوّارة، والإفراط في استخدام المُعامل اليهودي على سبيل التعبئة التحريضية على المستويين القطري والقومي. وذلك مع ان الواقع الفعلي يدلنا على أن هؤلاء في خويصة أمرهم لا يرون بأساً في توطئة الأكناف لإسرائيل والتعامل معها. تأمَّل - يا هداك الله - كيف أن راعيهم وحليفهم الأول في المنطقة العربية، الشيخ خليفة بن حمد حاكم دولة قطر، يقيم في العلن علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية مع الدولة العبرية، وتستقبل عاصمته الواعدة وفودهم المتواترة، ويحتفي هو شخصياً بقادة إسرائيل في قصره الأميري بالدوحة تحت سمع العالم وبصره، دون أن يفتح الله على واحد من هؤلاء بجملةٍ واحدة في مقام الصدع بكلمة الحق عند مليكهم المقتدر. والتاريخ المُعاش يفيدنا أن الإسلامويين السودانيين، لم يروا ما يدعو الى القلق في تعاملات حليفهم الرئيس الراحل جعفر نميري مع إسرائيل، وتوليه في ثمانينات القرن الماضي أمر نقل يهود الفلاشا الاثيوبيين عبر المطارات السودانية الى إسرائيل. إذ ظل الشيخ الترابي رابضاً فى مكتبه بالقصر الجمهوري مساعداً لرئيس الجمهورية ومستشاراً له، كما بقيَ الشيخ الإسلاموي أحمد عبد الرحمن محمد يمارس سلطاته وزيراً للداخلية، عندما كانت الحافلات والطائرات تنقل يهود الفلاشا الى إسرائيل عبر مطار الخرطوم دون ان يطرف جفن لهما، أو لغيرهما من الإسلامويين المتناثرين على مقاعد الحكم المايوي، ومن بين هؤلاء الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر نفسه، الذي كان يشغل وقتها منصباً دستورياً في المؤسسة التشريعة المايوية. وقد استطرد تحالف الإسلامويين مع الرئيس الراحل، الوالغ حتى أذنيه في تنفيذ المخططات الإسرائيلية، واستطال حتى قرر النميري من عند نفسه وبمبادرة منه ان يفضه. وقد وجدت من المفارقات الطريفة، الداعية للتأمل، لاحقاً أن عدداً من الصحافيين الإسلامويين شنوا قبل حوالى العامين حملة شعواء على الإمام الصادق المهدي لمجرد انه صافح الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، بعد أن مد بيريز يده لحفيد المهدي بصورة مباغتة، ولم يكن الأخير قد تنبه الى شخصية الرجل، اذ حسبه واحد من جملة الاوربيين المشاركين في إحدى المؤتمرات التي رعاها حاكم قطر بعاصمته الدوحة وحضرها المهدي وبيريز.
(4)
في حوار الكتروني جانبي مطول دار "رحاه" بيننا وبين صديقنا وحبيبنا هانىء رسلان، مدير وحدة السودان ودراسات حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، حول المعامل الإسرائيلي في قضية الانفصال كتب هانئ يخاطبني: (بالنسبة للعلاقات بين مصر والسودان فلا أعرف إن كان رأيك هذا من قبيل المشاكسة والسخرية أم انك كتبته على محمل الجد. أنا على الناحية النقيض أرى وأشعر وأحس بأن كل ما يجري في السودان يستهدف مصر في الأساس بطريق مباشر. فاضطراب السودان وتقسيمه وتفككه سوف يحاصر مصر من الجنوب بطرق عديدة بعضها مباشر والآخر غير مباشر ويضعها في صندوق مقفل ويجعلها تغص بمشاكلها وأزماتها الداخلية. وبالعكس اذا ظل السودان سليماً معافى قد يكون هناك تعاون بينه وبين مصر وقد لا يكون، بمعنى ان المستقبل قد يحمل تطورات إيجابية، فإذا لم تحدث مثل هذه التطورات الإيجابية فعلى الأقل لن تكون هناك مخاطر. أما ما يحدث الآن فسوف يؤثر على منطقة البحيرات العظمى من ناحية ومنطقة القرن الإفريقي من الناحية الأخرى، وسيمتد هذا الى أمن البحر الاحمر وقناة السويس، وسوف يتم استهداف دولة شمال السودان لإعادة تجزئتها وجعلها في حالة اضطراب وعدم استقرار وتنازع داخلي. هذا الأمر سيحمل معه تهديدات مباشرة للأمن القومي المصري، وذلك بخلاف التغييرات الإستراتيجية التي ستتم إعادة صياغة المنطقة من خلالها خصماً على مصالح مصر الحيوية، كما سيتم قطع الطريق على مصر فى العودة من اجل التواصل مع انتمائها العريق في حوض النيل. إسرائيل في قلب هذه المعادلة. وبالضبط للمعادلة التي ذكرتها فإن دولة الجنوب ستكون دولة إفريقية لا حول لها ولا قوة، وستسلم زمامها لهؤلاء. هذا الخطر حقيقي وغير متوهم، تسنده الكثير من الشواهد العلنية التي لا تحتاج الى قراءة أو تحليل. المخرج هو في شراكة إستراتيجية بين مصر وشمال السودان كترياق لهذه التطورات، والحديث هنا عن الشراكة وليس عن الوحدة).
(5)
ذكرتني كلمات حبيبنا هانئ بحديث سمعته من الشاعر العربي العملاق أدونيس. كان أدونيس قد عبر خلال حوار تلفزيونى عن اعتقاده بأن كثيراً من الأطروحات الرائجة في العالم العربى والتي تُحمل عندنا على محمل التقديس، فنميل الى الإيمان بها إيماناً مطلقاً، هي في واقع الأمر اطروحات لا تصف الحقيقة، وانها غير ذات قيمة معرفية حقيقية. وقد ضربني أدونيس في مقتل حين سفّه جهد المفكر اللبناني الراحل حسين مروة، في كتابه الشهير "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية"، متسائلاً: (ما معنى النزعات المادية في الإسلام؟ ماذا يفيدنا إثبات أن هناك نزعات مادية في الإسلام؟ هذا مثل قولنا: النزعات الروحية في الماركسية. إثبات وجود نزعات روحية في الماركسية أو نزعات مادية في الإسلام، لا يحمل علماً حقيقياً ولا ثقافة حقيقية، فهو في حقيقة الأمر لا يعني شيئا ولا يضيف شيئا، ففي النهاية الإسلام هو الإسلام والماركسية هي الماركسية). وادونيس يشير هنا الى أن كثيراً من العربان في حياتهم العامة يعشقون المراوحة بين أطروحات خلابة في مظهرها ولكنها لا تحمل مضمونات ذات محتوى منتج (كون أن حديث أدونيس أصابني شخصياً في مقتل مرجعه هو انه كانت قد انتابتني حالة من الفخر، عندما أكملت في فترة باكرة من حياتي قراءة الجزئين الأول والثاني من كتاب "النزعات المادية" لحسين مروة، وأخذت أزين لنفسي بعدها انني أصبحت عقب اكمالي مهمة قراءة ذلك السفر العظيم حاملاً عن جدارةٍ واستحقاق لصفة "المثقف". تماما كما كان المتخرج من الأزهر، في زمان مضى، يحمل صفة العالِمية. وقد عشت على ذلك المجد زماناً، ثم اذا بي أفاجأ بأدونيس، الرجل الذي أطلق عليه إدوارد سعيد لقب: الشاعر العربي العالمي الأول، يلقي بي من حالق، ويردني الى أصل الشجرة، قرداً كما كنت!)
وإنك لتجد في حياتنا اليوم قناعات ثقيلة ترسخ في الوعي العام السياسي رسوخ الجبال. قبل ايام ناقشت مع بعض خاصة أصدقائي دعاوى ظلوا يتمترسون حولها زماناً، مؤداها أن الهدف الأساسي لتدخل الولايات المتحدة وبريطانيا للإطاحة بنظام صدام حسين في العام 2003م إنما يتمحور فى تأمين تدفق إمدادات النفط لأسواق الغرب، وكنت كلما تقدمت بسؤال أو سؤالين بغية اختبار هذه الاطروحة تناوشتني اتهامات الجهل بديناميات النظام العالمي. وذلك مع ان الدنيا كلها تعلم أن صدام حسين وقادة حزب البعث الأشاوس لم يكونوا قبل مغامرات صدام الهوجاء يشربون البترول، او يرسلونه الى واق الواق، بل كانوا يبيعونه كله الى الغرب. ونحن نعلم ان نصف بترول العراق كان يباع في ميناء روتردام الهولندي وتشتريه إما شركات امريكية، أو شركات غربية متعددة الجنسيات، أما النصف الآخر فقد كانت تبتاعه فرنسا وإيطاليا وانجلترا وغيرها من الدول الغربية عن طريق التعاقدات المباشرة. والعرب منذ أشرقت عليهم شمس النفط، لم يعرفوا لتصريفه غير طريقين لا ثالث لهما: البيع للدول عن طريق التعاقد المباشر، أو البيع للشركات الغربية المتعددة الجنسية في السوق الفورية (Spot market). ولم يحدث قط في التاريخ العربي كله أن تعرضت امدادات النفط الى الولايات المتحدة وأوربا الى تهديد يذكر. وفي كتابه (الطريق الى رمضان) كشف الأستاذ محمد حسنين هيكل كيف أن أسطورة حظر البترول العربي عن الدول الغربية في أعقاب حرب السادس من اكتوبر 1973م كانت في واقع الأمر تمثيلية كبرى، وان الدول العربية النفطية، برغم الإعلان الدعائي الكثيف عن الحظر، فإنها لم تمنع منعاً فعلياً تصدير بترولها الى الغرب ولا يحزنون، وأن مظاهر الشح في امدادات البترول التي عرفتها المدن الامريكية في ذلك العهد كانت في جوهرها مصطنعة!
(6)
ولو خيل اليك - أعزك الله - انني أرد بضاعة هانئ برمتها واشتري أطروحة أدونيس بقضها وقضيضها، فإنك لا محالة مخطئ. رأي أدونيس وعطاؤه على العين والرأس، ولكن حسين مروة يظل عندي معلماً من معالم الفكر العربي، وسيظل كتاب "النزعات المادية" بتحليله المادى الديالكتيكى للتاريخ العربى الاسلامى من أرقى ما انتج العقل العربي المعاصر، بل انه يمثل بمفرده مشروعاً فكرياً وفلسفيا متكاملاً. والتحليل الذي أهداني إياه هانئ له قواعده ومرتكزاته ومضابطه الموضوعية بغير شك، من حيث انه يستند على وقائع مختبرة وشواهد تاريخية نابضة أفرزها واقع الصراع العربى الاسرائيلى، وامتداد نفوذ الدولة العبرية فى افريقيا ما وراء الصحراء خلال نصف القرن المنقضى. ولا يشك ذو بصيرة فى ان اسرائيل، وان جهدت الى سكك السلام، فانها لا تضع بيضها كله فى سلته، وانها تحت تأثير الخوف من عدوان الآخرين عليها تميل الى انتهاج سياسة اضعاف الخصوم المحتملين واهدار طاقاتهم. ومن الخير لنا، والحال كذلك، ألا نستخف بالعوامل المتضافرة شديدة التعقيد التي تحيط بقضية الانفصال وقيام الدولة الجديدة المستقلة وعاصمتها جوبا. ولكننا في ذات الوقت ندعو الى التعامل مع الأحداث وتداعياتها وتصوراتنا المستقبلية لمآلاتها تعاملاً يقترب أكثر من حقائق الاشياء كما نراها وقد استقرت على الأرض المنبسطة، ويبتعد بقدر الإمكان عن منهج نظريات المؤامرة التي تفتح الأبواب على مصاريعها بغير حساب امام المخاوف والمهددات، وتستحضر الى حيواتنا المضطربة أصلاً الجن والعفاريت والهواجس والكوابيس من كل جنس وملة.
إسرائيل بالقطع واليقين لم "تدس المحافير" بانتظار اكتمال استقلال جنوب السودان حتى تشرع في حفر مسارات بديلة للأنهار المغذية للنيل بهدف ان تقتلنا وتقتل أحبابنا في بر المحروسة جوعاً وعطشاً، كما زعم القيادي الإسلاموي أحمد إبراهيم الطاهر في تصريحاته للصحافة المصرية. إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي في جوهرها تقوم على التمكين لإقامة علاقات طبيعية مع دول الجوار على نحو يحقق لها القبول الإقليمي ويكرس السلام والاستقرار في مجمل المنطقتين العربية والإفريقية، فالاستقرار والسلام هما الضامن الاول والاخير لأمن اسرائيل ورفاهيتها وسط الزحام الديمغرافى العربى المتنامى الذى تكاد تغرق فى لججه. اسرائيل دولة يهودية، واليهود تاريخياً بغيتهم الأمان والأسواق، لا أكثر ولا أقل.
وقد سبق ان عرضت بعض الدوريات المتخصصة فى التحليلات ذات المنظور الاستراتيجي دراسة متعمقة اضطلعت بها واحدة من أمتن مراكز البحوث الاستراتيجية فى العالم، وهى اكاديمية ويست بوينت العسكرية الامريكية، واستشهد بها الجنرال ويسلى كلارك القائد العسكرى الامريكى اللامع والمرشح السابق لرئاسة الولايات المتحدة فى مناظرات تلفزيونية، خلصت الى ان اسرائيل تحرص على أمن واستقرار وسلامة المسارات المائية الحيوية الرافدة لنهر النيل بأكثر مما تحرص عليها مصر. ومردّ ذلك ان اسرائيل تأمل فى المستقبل بعيد المدى ان يكون لها هى نفسها نصيب ما فى مياه النيل. والذى عليه جمهور المتخصصين فى علوم المستقبليات هو ان اكبر بؤر التوتر المتوقع تناميها وتصاعد وتائرها عالمياً فى نهايات هذا القرن هو الصراع على مصادر المياه. ومن الوجهة الاستراتيجية فان من مصلحة اسرائيل ان تكون المسارات والمصبات المائية على مرمى نظرها لا بمفازةٍ عنها.
(7)
وهناك الكثير من القوى العقلانية داخل هاتين المنطقتين ترحب بخيار السلام وترتقي به فوق بدائل الاحتراب والتنازع العبثي المستطرد. وليس السودان باستتثناء في مجال انتشار مثل هذا النوع من التفكير الراشد. وفي العام 1993م ألمح واحد من أبرّ ابناء السودان، ورائد من رواد نهضته الاقتصادية، الراحل الكبير فتح الرحمن البشير في حوار مطول أجرته معه صحيفة (ظلال) السودانية الى أنه لا يرى بأساً في إقامة السودان لعلاقات اقتصادية مستقرة مع دولة إسرائيل في المستقبل المنظور. وقد خرجت الصحيفة بعنوان بارز على صفحتها الأولى يحمل عبارة صرح رجل الاعمال المستنير بنشرها على لسانه وتقرأ: (تعامل رجال الأعمال السودانيين مع إسرائيل وارد وغير مستبعد). ومنذ التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد عام 1978م، التي أنهت حالة الحرب وردت سيناء المحتلة بكاملها الى التراب المصري، تنامى في أرض الكنانة اتجاه متعقل يدعو الى تحييد الخطر الإسرائيلي كلياً وإنهاء الروح العدائية وتغليب ثقافة السلام. لولا ضجيج أصحاب الصوت العالي من الإسلامويين والقومجية ومحترفي النضال، الذين جعلوا من رفض التطبيع شغلاً ومهنة واستمرأوا الهتافات الديماغوجية (مش حنساوم مش حنبيع.. مش حنوافق ع التطبيع)، في وقت فاوض فيه أصحاب القضية الاصليين اسرائيل ووافقوا على التطبيع معها، فاعترفت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بدولة اسرائيل ووقعت معها الاتفاقات المشتركة.
غير أن الذي لا نشك فيه هو ان السيد ازكيل جاتكوث مدير مكتب حكومة جنوب السودان في واشنطن محق تماماً في إظهاره الحيرة من كثافة التساؤلات التي يثيرها البعض حول احتمال اعتراف حكومة الجنوب المستقلة بدولة إسرائيل. كما انه محق في إعلانه أن حكومة الجنوب ليس لديها - في أمر أي علاقة مستقبلية محتملة مع دولة إسرائيل - ما يدفعها لأن تكون ملكية أكثر من الملك أو كاثوليكية أكثر من البابا!
صور سودانية امريكية
احتفلنا الاسبوع الماضى بحصول صديقتنا ناهد حسين ابو الحسن على درجة الدكتوراه فى القانون من كلية وليام اند ميتشيل العريقة المتخصصة فى القانون الدولى. وكانت ناهد قد دافعت فى التاسع من هذا الشهر عن اطروحتها حول موقف القانون الدولى من ازمة دارفور أمام جمع غفير من الحقوقيين، فى مقدمتهم ثلاثة من قضاة محكمة الاستئناف العليا فى ولاية منيسوتا وعدد كبير من اساتذة القانون فى جامعات الغرب الاوسط الامريكى. صادق التهانئ بهذا الانجاز الرفيع المتميز للدكتورة ناهد، ولزوجها الاستاذ محمد عبد الخالق بكرى، المحاضر بجامعة كارلتون، والكاتب الراتب بهذه الصحيفة، وابنائهما طارق وخالد ومازن.
عن صحيفة (الاحداث) - 18 اغسطس 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.