(لن نكون ملكيين أكثر من الملك) بهذه العبارة خط ازكيل لول جاتكوث - القيادي بالحركة الشعبية ورئيس بعثة حكومة جنوب السودان بواشنطون - رسماً لصورة العلاقة المرتقبة بين الجنوب واسرائيل حال ترجيح كفة الاستفتاء المستحق للجنوبيين لخيار الانفصال في يناير المقبل وقيام دولة الجنوب المستقلة. جاتكوث في حديثه غير الموارب ذاك والذي أطلقه من واشنطون قال فيه: ان الحركة( الحزب الحاكم في الجنوب) ستقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل، ودافع عن تلك الخطوة التي ستحذوها الدولة الناشئة بأنها أسوة ببعض الدول العربية التي تقيم علاقات مع اسرائيل.لذا لا تتحرج الحركة من هكذا علاقة ما دام المعنيون بالامر (العرب) سبقوها في التطبيع مع اسرائيل. ..... والحديث عن اسرائيل ليس ممنوعا لدى قادة الحركة وان لم يكن بهذا الوضوح الذي تحدث به جاتكوث، ولكن المكتب السياسي بالحركة وهو الذي يضم قيادات الحركة ومفكريها وأصحاب الكلمة فيها لم يصدر اية اشارات بالرفض او القبول لهكذا حديث او يحدد موقفاً معيناً يمثل الرأي الرسمي للحركة الشعبية. واسرائيل المعنية بتلك العلاقة مهتمة بأمر جنوب السودان منذ أمد طويل ضمن استراتيجيتها الشاملة في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا، وكشف نافذون اسرائيليون عن تلك الاستراتيجية في أكثر من منبر، وصدر أكثر من مؤلف ومحاضرة تتحدث عنها، وذكر ضابط الموساد السابق موشي فوجي في كتابه (اسرائيل والحركة الشعبية لتحرير السودان) ان اسرائيل انتشرت في قلب افريقيا منذ منتصف الخمسينيات في القرن الماضي والى منتصف السبعينيات وتمكنت من اقامة علاقات مع (32) دولة افريقية لكي تحيط بالسودان وتخترق جنوبه، وذلك تنفيذاً لسياسة بن غوريون التي اسماها (شد الأطراف والبتر ) وهي في نجاحها ارتكزت إلى دعم الاقليات في الدول المستهدفة ضد المركز وجذبها خارج الدولة الام ،وتقر اسرائيل بأن علاقاتها مع الحركة الشعبية بدأت باتصالات القنصلية الاسرائيلية بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا بقادة الحركة في شكل مساعدات انسانية لم تتعد توفير الأدوية والمواد الغذائية والاطباء. ومنذ ذلك التاريخ والى توقيع اتفاقية السلام الشامل تشير مصادر الى ان الحركة تحصلت على مساعدات من اسرائيل بلغت (500) مليون دولار، كما ينسب لوزير الامن الداخلي السابق آفي ديختر في محاضرة القاها قبل عامين حول أسباب اهتمام اسرائيل بجنوب السودان انها ترمي من وراء ذلك الى اضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه وانها تشجع الانفصال حتى لا يكون السودان دولة قوية وموحدة رغم انها تعج بالطائفية والتعددية العرقية. وذلك لتعزيز دور اسرائيل في المنطقة وحفظها لأمنها القومي. وأشارت مصادر الى ان دور اسرائيل لن ينتهي باعلان انفصال الجنوب ولكن اسرائيل مهتمة بتدريب الجيش الشعبي وتحويله الى جيش قوي له تأثير مباشر على الاحداث في قلب الخرطوم متى ما ارتأت ذلك. واشار د.آدم محمد أحمد - استاذ العلوم السياسية بجامعة الازهري في دراسة اعدها حول علاقة اسرائيل بقضية جنوب السودان: الى ان اسرائيل تتبع ذات الاستراتيجية الامريكية، والتي يرى مراقبون انها تسير في خط دعم انفصال الجنوب من الشمال الاسلامي الداعم للارهاب والذي تبقيه واشنطون الي اليوم في قائمة الدول الداعمة للارهاب . بجانب ان اسرائيل تحركها اهداف خاصة في المنطقة أهمها مياه النيل وهو واحد من الأهداف الاستراتيجية التي تسعى بشتى السبل و الوسائل لادراكها.. بالاضافة الى البترول والمنتجات الزراعية وعبر تمتين علاقتها مع الجنوب تهدف اسرائيل الى انهاك السودان واضعافه لدعمه للقضية الفلسطينية اي العين بالعين. إلاّ أن الكاتب والمحلل السياسي جون ليمي في حديثه ل (الرأي العام)اشار الى ان تصريحات جاتكوث ليست إلاّ كرت ضغط يشهره في وجه الخرطوم لاحراز نقاط تحسب للحركة فيما تبقى من قضايا .وفي اطار العلاقات الكلية لاسرائيل بالجنوب نفى ليمي ان تكون قوية، وقال انها منذ أيام الانيانيا وجوزيف لاقو كانت في حدود ضيقة وكل ما قدمته أنها قامت بتدريب عدد من العساكر واشترطت على جوزيف لاقو - حسب حديث ليمي- بأنها ستبذل مزيداً من المساعدة مقابل ان تطلق يدها في منطقة أبيي لمدة عشر سنوات لاستغلال الموارد المتوافرة بها ومن ثم تركها للجنوبيين، إلاّ ان لاقو رفض بحسبانه شرطاً غير مقبول فقطعت اسرائيل علاقتها به. . واضاف ليمي: وعلى أيام قرنق عادت اسرائيل وعرضت مساعدتها له مقابل ان تقوم احدى شركات المياه الاسرائيلية في الاستثمار في منطقة شامي (السدود)إلاّ ان المشروع لم ير النور لاسباب لم يتم الكشف عنها. اما بالنسبة للفريق سلفاكير فقد قال ليمي انه على المستوى الشخصي او كقائد للجنوب ليست لديه علاقات مع اسرائيل. وأشار ليمي الى ان شعب الجنوب لا تربطه اية عاطفة مع اسرائيل بدليل ان قلة منهم وبعد ان تقطعت بهم السبل لجأوا اليها بينما تدفق عليها طالبو اللجوء السياسي من الدارفوريين. سواء صدق جاتكوث في حديثه أو كان بقصد ابتزاز الشمال، فإن جنوب السودان اذا صار دولة مستقلة فإن بامكانه وحده ان يحدد العلاقة مع اسرائيل او اللا علاقة.