ارجو من الاستاذ الشفيع خضر عضو المكتب السياسى للحزب الشيوعى السودانى ان يسمح لى باستلاف استهلالة عنوان مقالاته السياسية التى يقوم فيها يتحليل الوضع السياسى السودانى و رغم ماكتبه الاستاذ خضر فى مجموعة مقالاته يقول انها تمهيد لمناقشة قضايا سياسية و فكرية مرتبطة بمناهج مختلفة و متعددة للاقتراب من قضايا الوطن كأنما يريد ان يقول الدكتور الشفيع انه يريد فتح حوارا بين النخب السياسية المتعددة المذاهب و المختلفة الافكار حول قضايا الوطن و هى دعوة للحوار بافق مفتوح بعيدا عن ضيق الايديولوجيا و إفرازاتها التى تؤدى الى تغبيش الوعى او بمعنى اصح تخلق وعيا زائفا فى كل إنتاجاتها اذا لم تلتحم و تشتبك مع اراء و افكار اخرى تختلف معها لكى تقبل ان تفرد مساحات للاخر و هى التى تخفف من وهج الايديولوجيا و تجعلها تقترب اكثر من المسار الديمقراطى فى المجتمع لكى تلتقى مع الآخرعلى ارضية مشتركة للحوار و هى الثمة المفقودة الان من اجل معالجة قضايا الوطن. يقول الدكتور الشفيع خضر فى مقالته الأخيرة المنشورة فى جريدة الأحداث عندما يتحدث عن أسباب الضعف الواضح فى نشاطات الأحزاب يقول " هناك اسباب ذاتية و هى تتعلق بالأزمات المصاحبة للبنية الداخلية لهذه القوى, خاصة فى مستوياتها القيادية " و يطرح سؤالا فى موضع اخر فى المقال " عن ما هى الأسباب لضعف الاداء التنفيذى لتحالف الأحزاب فى التجمع الوطنى" ثم يتحدث عن قرارات لم تجد طريقها الى التنفيذ و فقد التجمع للتفاعل السريع مع الأحداث ثم حالات الصدام الداخلى لبعض القوى داخل التجمع ....الخ حقيقة ان الدكتور الشفيع حاول من خلال منهجه التحليلى للوقائع ان يتلمس مظاهرها و لا يسبر غورها لاسباب ايضا متعلقة بثقافة الدكتور السياسية و هى رغم الاشارت المتواصلة من الرفاق انها تعتمد على المنهج النقدى الا انها تبتعد كثيرا عن عنه و هى اقرب الى المنهج التبريرى لان اية محاولة لاستخدام المنهج النقدى سوف يجعل الدكتور نفسه فى مواجهة داخل حزبه لذلك اتجه الى التعميم و التبرير فى مقالاته الاستهلالية قبل ان يلج الى قلب الموضوعات التى يريد مناقشتها بعد. عزيزى الدكتور الشفيع من خلال قربنا الصيق جدا لقيادات المعارضة انها هى التى تحمل فى داخلها فيروس المرض الذى يصيب المعارضة باعتبار ان القضية التى كانوا و مازالوا يناضلون من اجلها و هى قضية " الديمقراطية و الحرية " يفتقدون اهم مقوماتها الاساسية انهم مشبعين بالثقافة الديكتاتورية تشبعا كاملا و يمقتون تماما اية اشارة للثقافة الديمقراطية خاصة داخل المؤسسات السياسية التى ينتمون اليها الامر الذى يفقدهم المصداقية عند الجماهير فى الشعارات التى يطرحونها و سوف نضرب فيما بعد امثالا كثيرة جدا لتؤكد ذلك كما ان القيادات نفسها عندما تؤسس تحالفاتها فانها لا تاتى الى تلك التحالفات باثواب جديدة و تخلع اثوابها القديمة انما تاتى لتلك التحالفات بثقافاتها و طباعها و سلوكها الذى ملىء بعدم الثقة و الشك دائما من الاخر و مهما وضعت تلك التحالفات من لوائح و قوانين و ضوابط لكى تضبط به عملها الا ان التحالفات سوف تصاب بحمى الثقافات القديمة الامر الذى يعرضها دائما لامتحانات ليس من قبل اعدائها و لكن من قبل مؤسسيها انفسهم . ان القيادات الانقلابية او التى ساهمت فيها و التى اشتركت او قبلت فى نظم ديكتاتورية لا يمكن ان تصنع نظما ديمقراطية على الاطلاق و مها ادعت او طرحت شعارات براقة تحاول بها جزب الجماهير للشعارات التى ترفعها فان سلوكها السياسى سوف يخونها و الغريب يا دكتور الشفيع ان اغلبية القيادات فى المعارضة هى متهمة بذلك و هنا ياتى ضرب الامثال و ناخذ من التحالف الحالى المطروح على الساحة السياسية " تحالف جوبا " ما هو الشىء الذى يجعل الجماهير تصدق ان الدكتور الترابى لن يصنع انقلابا اخر او ينقلب على الديمقراطية اذا جاءت مرة اخرى ان كل ما يطرحه الدكتور الترابى ضد خصمه المؤتمر الوطنى لا ينسى الناس انه كان وراء انقلاب 1989 و القيادات التاريخية التى تقبض مفاصل الحزب الشيوعى هى نفسها قد متهمة انها شاركت فى التخطيط لانقلاب 1969 ثم ايدت انقلاب 19 يوليو التصحيحى " هاشم العطا" و السيد الصادق المهدى قبل فى المصالحة الوطنية " 1977" ان يكون جزءا من الاتحاد الاشتراكى السودانى و قال فى تصريح صحفى عقب المصالحة و تعينه فى الاتحاد الاشتراكى انه ليس ضد فكرة الحزب الواحد اما اذا عرجنا الى السيد الميرغنى نرجع الى الحوارات التى كان قد اجراها معاوية جمال الدين مع الدكتور احمد السيد حمد لجريدة الخرطوم عام 1997 قال الدكتور حمد " كنت مع السيد محمد عثمان الميرغنى نخطط لانقلاب على الديمقراطية مع الضابط شنان و كانت الاجتماعات تجرى فى جنينة السيد على الميرغنى ثم رسائل التأييد التى بعثها السيد محمد عثمان الميرغنى للنميرى و التى بلغت اكثر من 23 برقية نظر كتاب الدكتور منصور خالد " النخبة و ادمان الفشل" ثم احزاب البعث فرعية السودان لكل من سوريا و العراق التى اييدت صدام حسين فى كل جرائمه ضد شعبه و الاخرى التى قبلت تعديل الدستور لكى يسمح بتعين بشار الاسد كل هذه الممارسات للقيادات السياسية الانقلابية والمؤيدة لانقلابات عسكرية و المشاركة فى نظم ديكتاتورية هل تستطيع ان تصنع نظاما ديمقراطيا؟ إن مبدأ التقية المتعامل به فى المذهب ألشيعى و الذى يعتقد أهل السنة انه يحمل صفات النفاق فى احشائه هل هو بعيد عن السياسة السودانية اعتقد ان هذا المبدأ مطبق وسط السياسيين السودانيين اكثر مما هو مطبق عند اهل الشيعة و خاصة عند النخبة السياسية السودانية اضافة الى بعض اهل الراى الذين يحاولون فى كل مقالاتهم ملامسة سطح الاشياء دون سبر غورها و هى ايضا راجعة لشىء من ثقافى بطريكية ابوية تتخاصم مع الثقافة الديمقراطية ثم ان واقع الاحزاب هو نفسه يكشف عن تلك الثقافة المستبطنة و التى تكشف عن ذاتها عندما تثار القضايا داخل الاحزاب نفسها فان تلك القيادات تنسى كل خطاباتها السياسية عن الديمقراطية و تلبس كلها بزاتها العسكرية التى تفضح هشاشة الثقافة الديمقراطية التى تختزنها. ان اغلبية الانتخابات التى اقامتها الاحزاب السياسية ليس فيها شىء من الديمقراطية انما هى انتخابات صورية تريد فقط ان تجمل بها نفسها واقع الاشياء يقول انها انتخابات تقام لكى تؤكد على استمرارية القيادات التاريخية رغم تغيير الاحداث و تغيير الواقع العالمى السياسى و التقنى و لكن تظل الاحزاب تحافظ على تراثها على واجهاتها و تتعامل به مع متغيرات الاحداث و هى المشكلة التى اقعدت بالتحالفات السياسية و التى تعيق اية عمل مستقبلى حتى تقتنع تلك القيادات التى ظلت تحافظ على شيئين موقعها على القيادة و الفشل المستمر. عزيزى الدكتور الشفيع ان الحزب الشيوعى السودانى منذ تأسيسه عام 1946 مر على منصب السكرتير العام فيه شخصيتان فقط عبد الخالق محجوب حتى اعدم عام 1971 ثم محمد ابراهيم نقد السكرتيرالحالى هل تعتقد ان كل مل يكتيبه السيد كمال الجزولى عن التزام الحزب بالديمقراطية وحبر اطنان الاوراق و استشهد بكل ما كتب عن الثقافة و الادب الديمقراطي سوف يقنع احدا بان الحزب الذى قياداته التاريخية التى شاركت فى تأسيس الحزب عام 1946 ماتزال قابضة على مفاصل الحزب حتى الان تمنع كل التيارات و الاطراحات الجديدة ان ترى النور و هنا اتذكر حديث المرحوم الخاتم عدلا فى المناظرة التى جرت بينه و الدكتور الشفيع خضر قال فيها الخاتم للدكتور ان الجدل الذى يدور داخل الحزب من اجل تحديثه و تطويره ونقد النظرية الماركسية لن يجد طريقه الى النور و سيظل جدلا بيزنطيا لا نتائج له لاننا نعرف كيف تسير الامور فى الحزب الشيوعى حيث كان يشير الخاتم الى القيادات التاريخية الاستالينية التى لن تفرط فى الحزب مطلقا و سوف لن تفسح مجالا للقوى الديمقراطية داخل الحزب ان تعبر عن ذاتها و بالتالى تكون الشعارات الديمقراطية مرفوعة خارج اسوار الحزب و هذه مشكلة السياسة السودانية اننا نحاول ان نرمى انتقاداتنا بعيدا عن الآطار الذى نعمل فيه لكى نستمر فى مواقعنا ثم انظر الى اغلبية القيادات التى كانت فى المعارضة تملاء الدنيا ضجيجا بشعارات التحول و التغيير الديمقراطى عندما لوح لها ثم افردت لها مساحات للمشاركة للنظام الذى كانت تناطحه هرولت دون ان تنظر خلفها و من بقى مايزال البعض منهم يلعن عثرات الطريق التى حالت بينهم و بين المواقع بلاهى عليك أرنى اين يختلف هذا السلوك مع مبدأ التقية الذى ينكره البعض. ان اغلبية القيادات التى فى قمة احزابها من جاء منهم بوضع اليد او من انتخب قبل نصف قرن فى انتخابات صورية او من جاء بالوراثة اقلهم فى قمة الحزب 39 سنة و جميعا قابضين علي مفاصل احزابهم بقوة دون اية احساس ان ذلك الشىء يعيق عملية التطور و التحديث داخل تلك المؤسسات حيث ان الاراء الجديدة و الافكار و المقترحات لا تجد طريقها الى التطبيق و التنفيذ و الاجيال الجديدة هى ديكور لعملية التحديث فى الحزب اليست هى القيادات التى ننتظرها لكى تصنع لنا النظام الديمقراطى و تؤسس له كما اننا ننتظر من المواد الخام للديكتاتورية التى تحتزنها ان تنتج منها ثقافة ديمقراطية ثم نقنع انفسنا بذلك و نريد الاجيال الجديد ان تقتنع معنا بذلك ايضا. يقول الدكتور الشفيع " رغم مظاهر الضعف عجزت الانقاذ عن حسم المعارضة و الحكم بارتياح و يرجع السبب لحالة التوازن و الضعف و الإرهاق الذى تمكن من الصراع السياسى فى البلاد" و معروف ان الانقاذ جاءت الى ساحة التحول الديمقراطى مجبورة جبرا دون قناعة فى قياداتها بعملية التحول الديمقراطى و دلالة على ذلك كل العقبات التى تضعها امام قضية التحول الديمقراطى و الشروط التى تضعها من اجل مشاركة الاخرين حتى فى الحوارات السياسية و معالجة الأزمات التى يعانى منها السودان باعتبار انها وحدها التى تستطيع معالجة المشاكل التى عجزت عن معالجتها القوى السياسية الاخرى عندما كانت فى سدة الحكم و هى تبريرات و اهية حبا فى السلطة و الجاه و بمان ان الانقاذ جاءت دون رغبتها الى طريق التحول الديمقراطى فهى لا تختلف عن بقية الاحزاب الاخرى لان صناعة الديمقراطية لا يمكن ان تتم تحت سقف احتكارية السلطة وقفل ابواب الحوار و المشاركة فى حل الازمات التى تواجه الوطن كل يظهر ما لا يبطن الامر الذى افقد الثقة تماما بين القوى السياسية لذلك مالت النخبة المسيسة الى التبرير دون اتخاذ المنهج النقدى طريقا و هذا ليس قاصرا على قوى سياسية بعينها انما طال كل القوى السياسية يسارا و يمينا رجعية و تقدمية و اصبح الخيط الذى يفصل بينهم خيطا غير منظور حيث افقدت المقايس تميزاتها لان الفشل اصبح هو السمة الملازمة الجميع. ان ضعف القوى السياسية و خاصة فى المعارضة لم تكون حالة طارئة او جديدة اصيبت بها القوى السياسية بعد اتفاقية السلام الشامل انما الاتفاقية نفسها و تجاهلها للقوى السياسية و تكون حكرا فقط على المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية تبين مدى ضعف القوى السياسية و خروجها عن دائرة الفعل السياسى المؤثر فى خلق المبادرات و ادارة الصراع على افق وطنية انما اصبحت القوى السياسية التقليدية تتاثر بنعكاسات الاحداث و اصبحت الاتفاقية ثنائية لان القوى السياسية نفسها ارتضت ذلك عندما رهنت نفسها الى الحركة الشعبية و عجزت حتى على مناصحتها و نقد سياساتها و باتت تابع فى الدائرة الفلكية للحركة الشعبية و ان الخط الذى تسير عليه الحركة الشعبية الان و تحولها من حركة وحدوية الى حركة تنادى بالانفصال سببه ضعف القوى السياسية و اتخذت من مناطحتها للمؤتمر الوطنى مسوغا لتبرير اتجاهها الجديد مع السكوت الموتى للقوى السياسية الاخرى. عزيزى الشفيع ان تجربة التجمع الوطنى الديمقراطى باعتبار انها تحالف الحد الادنى بين قوى سياسية كان تحالفا فوقيا ليس له علاقة بالجماهير و حتى اتفاقية اسمرا كانت اتفاقية قيادات ليس لها علاقة بالجماهير لذلك لم يستطيع احد الدفاع عنها او فرضها فى طاولة مفاوضات و حتى الحركة الشعبية تعتقد ان اتفاقية اسمرا تعتبر مرحلة خلقتها ظروف اضطرارية لذلك لم تطرحها فى طاولة المفاوضات بل هى اول من تنازل عنها و تركتها وراء ظهرها باعتبار انها تمثل انتاج تحالف الضعفاء ثم بدات الحركة تكشف عن وجهها فى اول تصريح صرح به السيد ياسر عرمان عن التحول الديمقراطى ان الاحزاب السياسية التى ترفض تسجيل نفسها فى سجل الاحزاب السياسية لن يسمح لها بالعمل السياسى و هو تصريح يحمل فى طياته الكثير من المعانى و الاشارات اولها الغاء كل تاريخ العمل السياسى لاحزاب لها شرف النضال ضد المستعمر حتى نال السودان استقلاله و لكن لم تلتفت القوى السياسية لذلك و كان رهانها فقط على الدكتور جون قرنق الذى تحالف معها فى وقت فرضته ظروف سياسية اولها ضعف الاحزاب و فقدان البوصلة لاتجاه مسارها و فضلت ان تعطى الدكتور قرنق القيادة و الريادة الفعلية و تحتفظ هى بالقاب المنصب دون قرار او فعل ثم امسكت بطرف ثوب الدكتور قرنق دون ان تفتح عينيها على اتجاهات المسير و عندما استيقظت و جدت نفسها هى خارج دائرة الفعل السيالسى و لم يبق لها الادعوات صالحات. بعد ما رجعت القوى السياسية من حالة التيه التى كانت فيها و مسكت بزمام أمرها و جدت ان القضايا نسربت من بين اصابعها فاذا تريد ان تعيد لذاتها سطوتها و قوتها يجب ان تعيد بناء نفسها على اسس ديمقراطية و ان تفسح القيادات التاريخية المجال لقيادات جديدة لها افكارا و رؤى جديدة قادرة على احداث نقلة نوعية فى الحراك السياسى و لكن اذا ظلت القيادات التاريخية تجلس القرفصاء على قمة الاحزاب فسوف تستمر الازمة السياسية و ضعف ووهن الاحزاب و تظل الديمقراطية شعارات معلقة فى الهواء لا تجد الطريق للتطبيق فى الواقع الاجتماعى السودانى و الله الموفق