د. صبرى محمد خليل استاذالفلسفه بجامعه الخرطوم [email protected] التصور الاسلامى للإنسان قائم على له البعدين: بعد غيبي روحي و بعد مادي ،غير أن هناك عده مذاهب تحاول الاجابه على الاسئله: ما هي طبيعة العلاقة بين هذين البعدين؟ وما هي طبيعة العلاقة بين الإمراض والعلل والمرتبطة بهذين البعدين؟ وبالتالي ما هى طبيعة الطب الاسلامى وفلسفته؟ مذهب النفي المطلق:ينفى أن يكون القران علاجا سواء للأمراض والعلل المرتبطة بالبعد الغيبي الروحي للإنسان ، أو الأمراض المرتبطة بالبعد المادي (العضوي والسلوكي)للإنسان(كالأمراض العضوية التي يتناولها علم الطب والأمراض النفسية التي يتناولها علم النفس الإكلينيكي -الطب النفسي). وهو مذهب لا يعبر عن جوهر التصور الاسلامى . مذهب الإثبات المطلق:يقوم على الخلط بين البعد الغيبي الروحي للإنسان ،والأمراض والعلل المرتبطة به، والتي يكون علاجها بالقران.و البعد المادي (العضوي والسلوكي)للإنسان ،و الأمراض المرتبطة به (كالأمراض العضوية التي يتناولها علم الطب والأمراض النفسية التي يتناولها علم النفس الإكلينيكي -الطب النفسي)، والتي يكون علاجها كيميائي أو جراحي أو سيكولوجي... فهذا المذهب يرى أن الطب الاسلامى(الذي يقصره على العلاج بالقران)هو شكل من أشكال الطب البديلAlternative Medicine: اى الذي يستخدم مكان علم الطب أي كبديل عنه. ويستند هذا المذهب إلى ورود عده آيات تصف القران بأنه شفاء. غير أن هذه الآيات تدل على أن القران علاج للأمراض التي ترتبط بالبعد الروحي الغيبي للإنسان والمرتبط بعلاقته بالله تعالى ،ولكن لا تدل على أنه علاج للأمراض التي ترتبط بالبعد المادي(العضوي والسلوكي) له،وهو الأمر الذي تشير إليه كتب التفاسير،فعلى سبيل يقول ابن كثير في تفسير الايه: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا )(الإسراء:82) (... أَيْ يُذْهِب مَا فِي الْقُلُوب مِنْ أَمْرَاض مِنْ شَكّ وَنِفَاق وَشِرْك وَزَيْغ وَمَيْل فَالْقُرْآن يَشْفِي مِنْ ذَلِكَ كُلّه وَهُوَ أَيْضًا رَحْمَة يَحْصُل فِيهَا الْإِيمَان وَالْحِكْمَة وَطَلَب الْخَيْر وَالرَّغْبَة فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ ... ). كما يستند هذا المذهب إلى قوله r (إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ) كدليل على اباحه اخذ الأجر على العلاج . غير أن الحديث لا يدل على الاباحه المطلقة بل الاباحه المقيدة بضوابط تشير إليها نصوص أخرى،وهو الأمر الذي أشار له كثير من العلماء. مذهب الإثبات المقيد: يرى أن البعد الغيبي الروحي للإنسان لا يلغى البعد المادي له ولكن يحده ، وان العلاقة بينهما علاقة وحده لا خلط وتمييز لا فصل. وانه يجب التمييز (لا الفصل) بين نوعين من الأمراض أو العلل: الأولى:ترتبط بالبعد العضوي (الأمراض العضوية التي يتناولها علم الطب) والسلوكي (الأمراض النفسية التي يتناولها علم النفس الإكلينيكي -الطب النفسي) للإنسان والسنن الإلهية التي تضبط حركته. وهنا يكون علاجها كيميائي أو جراحي أو سيكولوجي قال تعالى ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) ...وفى تفسير ابن كثير( أي: إذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره، بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه). و قال صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" البخاري. ورواه أيضا النسائي وابن ماجة مع الزيادة : "علمه من علمه وجهله من جهله" وأخرجه أيضا بهذه الزيادة ابن حبان والحاكم وصححاه. الثانية:تربط بالبعد الغيبي الروحي للإنسان،ويكون علاجها بمعرفة والتزام القواعد الموضوعية المطلقة التي مصدرها الوحي. وهنا يأتي العلاج بالقرآن... غير أن هذا لا يعني إلغاء العلاقة بين النوعين من العلل، فما هو روحى يحد ما هو مادي ولا يلغيه، وبالتالي فإن العلاج الروحي بالقران يحد العلاج المادي الذي يقدمه علم الطب فيكمله ولكن لا يلغيه. وطبقا لهذا فان الطب الاسلامى هو شكل من أشكال الطب الشامل comprehensive Medicine الذي يجمع بين العلاج المادي الذي يقدمه علم الطب،والعلاج الروحي الذي يقدمه القران،وان الأخير هو شكل من أشكال الطب المكمل Medicine Complementary اى الذي يُستخدم مع علم الطب أي يكمله . بناء على ما سبق فان العلاج بالقران مقيد بضوابط تكوينية وتكليفيه وردت في النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة، وذكرها العديد من العلماء منها: • أن يحد العلاج بالقران العلاج بعلم الطب فيكمله ولكن لا يلغيه. • أن لا تكون غاية المعالج بالقران استغلال الناس لتحقيق الربح بل رضا الله تعالى ونفع الناس لقوله تعالى (ولا تشتروا باياتى ثمنا قليلا..)، وهو ما قرره العديد من العلماء. • أن تكون الأجرة بشرط الشفاء، يقول ابن تيمية ( وكان الْجُعْل على عافيةِ مريض القوم لا على التلاوة ) (مجموع الفتاوى 18 / 128 ) ، وقال - أيضاً - : ( فإن الْجُعل كان على الشفاء لا على القراءة ) ( مجموع الفتاوى 20 / 507 ). لذا قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي : ( لا يجوز الجعل على إخراج الجان من الإنسان لأنه لا يعرف حقيقته ولا يوقف عليه وكذا الجعل على حل المربوط والمسحور ) ( نقلا عن كتاب الشرك ومظاهره للميلي ص 169 • عدم اتخاذ العلاج بالقران كحرفه ، إذ لم يعرف ذلك عن السلف ،وحديث أبي سعيد ألخدري وقع في الروايات الصحيحة الثابتة الدلالة على أن الذي رقى هو أبو سعيد الخدري إما تصريحا وإما بالتورية . لم يصبح أبو سعيد رضي الله عنه يرقى الناس بعد ذلك واتخذ ذلك خاصا به يقصده الناس لأجله ولا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. • يترتب على ما سبق عدم جواز تحديد اجر ثابت ومسبق وجواز اخذ ما يدفعه المعالج برضاه وحسب سعته. • أن لا يتخذ العلاج بالقران كوسيلة لتزكيه النفس، أو أن يعتقد المعالج انه واسطة بين الناس والله تعالى(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)،فقد روي أن رجلا جاء سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال : يا صاحب رسول الله استغفر لي ، فاستغفر له ، فجاءه آخر فقال استغفر لي فقال : لا غفر الله لك ولا له ، أو تحسبني نبي ) ( أبو اسحق ألشاطبي ، الاعتصام). • لذا فان الأصل في السنة النبوية أن يرقى الإنسان نفسه وأهله ( الدكتور علي بن نفيع العلياني، الرُّقى على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة واتخاذها حرفة “ ط . دار الصفوة القاهرة ص 75 - 79 ) فعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لآلِ حَزْمٍ فِي رُقْيَةِ الْحَيَّةِ. وَقَالَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ" مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ " .قَالَتْ لاَ وَلَكِنِ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ . قَالَ " ارْقِيهِمْ ". قَالَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ " ارْقِيهِمْ " مسلم .