د.صبري محمد خليل/ استاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم [email protected] بخلاف التصور المادى للوجود فى إطار الفلسفة الغربية والقائم على أن الوجود يقتصر على الوجود المادى، فالتصور الاسلامى للوجود قائم على أن الوجود لا يقتصر على الوجود الشهادى( المتضمن لوجود الإنسان)، بل يمتد ليشمل الوجود الغيبي بشكليه :المحدود(غير القائم بذاته)(كوجود كائنات غيبيه كالملائكة والجن والشيطان)، والمطلق(القائم بذاته)( كوجود الله تعالى). وهو وجود (غائب) عن حواس الإنسان، وبالتالي عن إدراكه وتصوره. غير أن هناك عده مذاهب تحاول الاجابه على الاسئله: ماهى طبيعة العلاقة بين عالمي الغيب والشهادة؟وهل هناك اتصال بين الإنسان والجن؟وماهى طبيعة هذا الاتصال في حال وجوده؟ فهناك مذهب النفي المطلق ويقوم على أن علاقة عالم الغيب بعالم الشهادة هي علاقة فصل،وانه ليس هناك اى شكل من أشكال الاتصال بين الجن والإنسان. وهناك مذهب الإثبات المطلق أو الاتصال الحسي المادي، و يقوم على أن علاقة عالم الغيب بعالم الشهادة هي علاقة خلط، وان هناك اتصال بين الجن والإنسان ، و أن هذا الاتصال ذو طبيعة حسية ماديه،أو أن للجن مقدره على التأثير على البعد المادي للطبيعة والإنسان والسنن الالهيه الحتمية التي تضبط حركته.. ومن الادله التي يستند إليها هذا المذهب ظاهر الايه { (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } (البقرة: 275).غير أن الايه تصف قيام أكلى الربا من قبورهم يوم القيامة كما قال جمهور المفسرين يقول ابن كثير(لا يقومون: أَيْ لَا يَقُومُونَ مِنْ قُبُورهمْ يَوْم الْقِيَامَة). وتشبهه بحال من تخبطه الشيطان من المس، فهي تقرر المس الشيطاني بما هو شكل من أشكال الاتصال بين الجن والإنسان ولكنها لا تقرر أن هذا الاتصال ذو طبيعة حسيه ماديه ،فهي توافق معتقد العرب أيام الجاهلية في امكانيه الاتصال بين الجن والإنسان،ولكنها لا توافق معتقدهم في أن هذا الاتصال الحسي المادي ،يقول البيضاوي( وهو : أي التخبط والمس ، وارد على ما يزعمون) ( تفسير البيضاوي - 1 / 173) . وايه هذا أن القران استخدم مصطلح مس وليس مصطلح لمس إذا يقتصر الأخير على معنى الاتصال الحسي فقط ،بينما يشمل الأخير معنىٍ الاتصال الحسي وغير الحسي كما في قوله تعالى على لسان أيوب(ع) { أَنِّي مَسَّنِي الضُّرّ وَأَنْتَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ} (الأنبياء: 83). كما أن هذا المذهب يرى أن هذا الاتصال الحسي المادي بالجن يسبب أمراض عضويه (جسديه) ونفسيه(سيكولوجية). وهذا يعنى الخلط بين البعد الغيبي الروحي للإنسان والأمراض والعلل المرتبطة به (ومنها المس بما هو اتصال غيبي بين الإنسان والجن ويكون علاجها بالقران) و البعد المادي (العضوي والسلوكي)للإنسان و الأمراض أو العلل المرتبطة به (كالأمراض العضوية التي يتناولها علم الطب والأمراض النفسية التي يتناولها علم النفس الإكلينيكي -الطب النفسي) والتي يكون علاجها كيميائي أو جراحي أو سيكولوجي لقوله (ص)( إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ )). وقد رفض كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين هذا الراى صراحه يقول ابن حزم: ( وأما كلام الشيطان على لسان المصروع فهذا من مخاريق العزَّامين ، ولا يجوز إلا في عقول ضعفاء العجائز ، ونحن نسمع المصروع يحرك لسانه بالكلام ، فكيف صار لسانه لسان الشيطان ؟ إن هذا لتخليط ما شئت ، وإنما يلقي الشيطان في النفس يوسوس فيها ، كما قال الله تعالى : {الذي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ } ( سورة الناس – الآية 5 ) فهذا هو فعل الشيطان فقط . وأما أن يتكلم على لسان أحد فحمق عتيق وجنون ظاهر ، فنعوذ بالله من الخذلان والتصديق بالخرافات )(رسائل ابن حزم الظاهري – 3 / 228) و من الادله التي تضعف هذا المذهب استخدام القران لمصطلح المس في وصف بعض أحوال بعض الأنبياء كنبي الله أيوب{ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} (ص: 41)، مما يعنى عدم الربط بين المس و العلل النفسية والعقلية، لان الربط بينهما يتناقض مع ما هو ثابت من تنزه الأنبياء من العلل النفسية والعقلية. وإذا كان بعض المفسرين قد قالوا أن المراد بالنصب والعذاب في الايه مرض بدنه وفقدان ماله وأولاده مما يعنى أن للشيطان والجن القدرة على التاثبر على التركيب المادي للطبيعة والإنسان والسنن الالهيه التي تضبط حركته،فان ذلك على - فرض صحة هذا التفسير- مقصور على مرحله ما قبل حتم النبوة وانقطاع المعجزات بوفاة محمد(ص). لكننا نرجح تفسير النصب والعذاب بوسوسة الشيطان له كما قال كثير من المفسرين يقول القرطبى ( وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى : \" أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب \" أَيْ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ وَسْوَسَته لَا غَيْر . وَاَللَّه أَعْلَم ) . ومذهب الإثبات المطلق أو الاتصال الحسي المادي- فيما نرى -لا يعبر عن جوهر التصور الاسلامى للجن وعلاقته بالإنسان، ومرجع شيوعه فى الاعتقادات الشعبية انه يختلط فيها التصور الاسلامى للجن مع الاعتقادات ذات الأصول غير الاسلاميه ( كديانة عبادة الارواح التي سادت في الشعوب القديمة و التي تفسر كافة مظاهر الحياة بالأرواح الخيرة والشريرة التي تدخل الجسم). أما مذهب الإثبات المقيد أو الاتصال الروحي أو الغيبي فيرى أن عالم الغيب يحد عالم الشهادة ولا يلغيه ، وان العلاقة بينهما هي علاقة وحده (لا خلط ) وتمييز (لا فصل). وبالتالي فان إثبات الوجود الغيبي بشكليه المحدود والمطلق لا يناقض التفكير العلمي لانه لا يترتب عليه إنكار الوجود الموضوعي (الحقيقي) للوجود الشهادي المحدود بالزمان والمكان أو انضباط حركته بسنن إلهية لا تتبدل (السببية) (فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً).. كما يرى هذا المذهب أن هناك شكل من أشكال الاتصال بين الكائنات الغيبية والإنسان ، غير أن هذا الاتصال هو اتصال روحي غيبي لا اتصال حسي مادي ،ومن أشكاله حفظ الملائكة للإنسان { وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين ،يعلمون ما تفعلون }، ورؤية الجن للناس { إ نَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَ قبيلة مِنْ حَيْثُ لَا ترونهم } (الأعراف:27 )...، كما أن للشيطان والجن مقدره على التأثير على التركيب الروحي للإنسان دون تركيبه المادي والسنن الالهيه التي تضبط حركته، ومن أشكاله وسوسه الشيطان للإنسان{ الذي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ }(الناس:5 ). ومرجع هذا الاتصال او التأثير الغيبي او الروحي أن الوجود (المحدود) فى التصور الاسلامى ذو درجات ، وان الكائنات التي فى الدرجة الأعلى تتوافر لها امكانبه معرفه الدرجة الأدنى والكائنات التي تنتمي إليها، بينما الكائنات التي تنتمي الى الدرجة الأدنى لا تتوافر لها امكانبه معرفه الدرجة الأعلى والكائنات الى تنتمي إليها ،إلا استثناءا، فهي غيب بالنسبة لها. وبناءا على هذا المذهب فانه يجب التمييز (لا الفصل) بين نوعين من الأمراض أو العلل: الأولى:ترتبط بالبعد العضوي (الأمراض العضوية التي يتناولها علم الطب) والسلوكي (الأمراض النفسية التي يتناولها علم النفس الإكلينيكي -الطب النفسي) للإنسان، والسنن الإلهية التي تضبط حركته. وهنا يكون علاجها كيميائي أو جراحي أو سيكولوجي لقوله (ص) (إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ ) الثانية:تربط بالبعد الغيبي الروحي للإنسان ومنها المس بما هو اتصال روحىغيبي بين الإنسان والجن ويكون علاجها بالقران. امكانيه رؤية الإنسان للجن:ومن أشكال الاتصال بين الجن والإنسان رؤية الإنسان للجن ،والتي اتفق العلماء على إمكانية تحققها للأنبياء، باعتبارها من المعجزات التي خصهم الله تعالى بها، فهي احد أشكال إطلاع الله تعالى لبعض عباده (الأنبياء) بعض من الغيب والذي ينفرد بالعلم به الله تعالى، وامتدادا لذلك امكانيه تحققها لغير الأنبياء قبل ختم النبوة، اى امكانيه تحققها لغير الأنبياء قبل ختم النبوة لكن باعتبارها امتدادا لمعجزات الأنبياء. أما رؤية غبر الأنبياء للجن بعد ختم النبوة فقد اختلف العلماء في امكانيه تحققها : المذهب الأول: ويقوم على نفى امكانبه رؤية غير الأنبياء بعد ختم النبوة للجن باى صوره من الصور استنادا إلى الايه { إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَ قبيلة مِنْ حَيْثُ لَا ترونهم} (الاعراف:27) يقول ابن حزم الظاهري : ( وإذا أخبرنا الله عز وجل أننا لا نراهم فمن ادعى أنه يراهم أو رآهم فهو كاذب إلا أن يكون من الأنبياء عليهم السلام فذلك معجزة لهم كما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تفلت عليه الشيطان ليقطع عليه صلاته قال فأخذته فذكرت دعوة أخي سليمان ولولا ذلك لأصبح موثقا يراه أهل المدينة أو كما قال - عليه السلام - ، وكذلك في رواية أبي هريرة الذي رأى إنما هي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سبيل إلى وجود خبر يصح برؤية جني بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هي منقطعات أو عمن لا خير فيه ) ( الفصل في الملل والأهواء والنحل – 5 / 12 ) ويقول القرطبي : قال بعض العلماء : في هذا دليل على أن الجن لا يرون ، لقوله : ( مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ) . وقيل : جائز أن يروا ، لأن الله تعالى إذا أراد أن يريهم كشف أجسامهم حتى ترى . قال النحاس : ( مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ) يدل على أن الجن لا يرون إلا في وقت نبي ، ليكون ذلك دلالة على نبوته ، لأن الله عز وجل خلقهم خلقا لا يرون فيه ، وإنما نقلوا عن صورهم ، وذلك من المعجزات التي لا تكون إلا في وقت الأنبياء صلوات الله عليهم . قال القشيري : أجرى الله العادة بأن بني آدم لا يرون الشياطين اليوم ، وفي الخبر : \" إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم \" \" متفق عليه \" ) ( الجامع لأحكام القرآن – 7 / 186 ) . ويقول الشوكاني: ( وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على أن رؤية الشياطين غير ممكنة) ( فتح القدير – 2 / 197 ) قال الحافظ بن حجر (وروى البيهقي في \" مناقب الشافعي \" بإسناده عن الربيع سمعت الشافعي يقول : من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته ، إلا أن يكون نبيا )( فتح الباري - 1 / 555 ) المذهب الثاني: ويقوم على التميز بين: الصورة الاصليه له وهى التي خلق الله تعالى الجن عليها ، وهنا ينفون امكانيه رؤية غير الأنبياء للجن على هذه الصوره .والصورة أو الصور التي يتشكل عليها الجن، وهنا يرون امكانيه رويه غير الأنبياء للجن على هذه الصورة أو الصور. قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( وفهم ابن بطال وغيره منه أنه كان حين عرض له غير متشكل بغير صورته الأصلية فقالوا : أن رؤية الشيطان على صورته التي خلق عليها خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وأما غيره من الناس فلا لقوله تعالى ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ ) الآية ) ( فتح الباري - 1 / 555 ) وقال تعقيبا على ما نقل عن الشافعي ( وهذا محمول على من يدعي رؤيتهم على صورهم التي خلقوا عليها ، وأما من ادعى أنه يرى شيئا منهم بعد أن يتطور على صور شتى من الحيوان فلا يقدح فيه ، وقد تواردت الأخبار بتطورهم في الصور - قلت : وبمثل كلام الحافظ قال السخاوي في \" الإيقاظ \" – ص 31 000 ) ( فتح الباري – 6 / 344 ) . ويقول ابن تيميه ( الذي في القرآن أنهم يرون الإنس من حيث لا يراهم الإنس ، وهذا حق يقتضي أنهم يرون الإنس في حال لا يراهم الإنس فيها ، وليس فيه أنهم لا يراهم من الإنس بحال ؛ بل قد يراهم الصالحون وغير الصالحين أيضاً ، لكن لا يرونهم في كل حال ...) ( مجموع الفتاوى – 15 / 7 ) . وإذا كنا نرجح المذهب الأول،فان تقرير المذهب الثاني(وبداهة المذهب الأول) يجب أن يخضع لجمله من الضوابط حتى لا نخلط بين التصور الاسلامى للجن والتصور الخرافي لها: أولا: أن الجن غير خاضع لحتمية السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود الشهادى،دون أن يعنى هذا انه تتوافر له امكانيه إلغاء أو إبطال هذه الحتمية، فعلاقة وجوده وحركته بهذه الحتمية هي علاقة غيريه لا علاقة نفى، لأنه لا ينتمي وجودا إلى درجه الوجود الشهادى بل درجه من درجات الوجود الغيبي المحدود، كما أن حركته غير خاضعة لهذه السنن الالهيه بل لسنن إلهيه أخرى، فهو مفارق وليس خارق لهذه السنن وحتميتها.والقول بامكانيه إلغاء حتمية هذه السنن الالهيه بواسطة الجن أو غيره هو نقض للاراده الالهيه التي تظهر تكوينيا في الوجود الشهادى المحدود بالزمان والمكان في شكل سنن الالهيه حتمية، كما تظهر في درجات الوجود الغيبي المحدود في شكل سنن إلهيه حتمية أخرى، قال تعالى{ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بسلطان} ( الرحمن :33) يقول القرطبى:...( َقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض فَاعْلَمُوهُ , وَلَنْ تَعْلَمُوهُ إِلَّا بِسُلْطَانٍ أَيْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ اللَّه تَعَالَى . وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ مَعْنَى : \" لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ \" لَا تَخْرُجُونَ مِنْ سُلْطَانِي وَقُدْرَتِي عَلَيْكُمْ . قَتَادَة : لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِمَلَكٍ وَلَيْسَ لَكُمْ مَلَك . وَقِيلَ : لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا إِلَى سُلْطَان , الْبَاء بِمَعْنَى إِلَى , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : \" وَقَدْ أَحْسَنَ بِي \" [ يُوسُف : 100 ] أَيْ إِلَيَّ . وَقَوْله : \" فَانْفُذُوا \" أَمْر تَعْجِيز) . وبالتالي فان الجن قد يفوق الإنسان فى بعض القدرات لكن قدرته ليست مطلقه. ثانيا: أن الجن لا يعلم الغيب لقوله تعالى{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} (سبا: 41)، والمقصود بالغيب هنا الغيب المطلق الذي ينفرد بالعلم به الله تعالى، أما الغيب النسبي (اى ماغاب عن علم الإنسان في مكان أو زمان معينين وفى ذات الوقت ينتمي إلى الوجود الشهادى المحدود بالزمان والمكان ) فتتوافر للجن امكانبه العلم به . وبالتالي فان الجن قد يفوق الإنسان علما فى بعض الأحوال لكن علمه ليس مطلق. ثالثا: انه يجب عدم الخلط بين الظواهر المجهولة السبب (العلة) المعلومة المسبب ( الأثر)(كالحرائق المجهولة السبب مثلا) والجن ، لان كون هذه الظواهر معلومة المسبب فهذا يعنى أنها تنتمي الى عالم الشهادة،وبالتالي خاضعة لحتمية السنن الالهيه التي تضبط حركته(اى أن لها سببا سواء عرفه الإنسان او جهله) ، بينما الجن غير خاضع لحتمية هذه السنن الالهيه بمعنى انه مفارق لها ، اى انه لا ينتمي الى هذا العالم والسنن الالهيه الحتمية التي تضبط حركته ولكنه ينتمي الى درجه أخرى من درجات الوجود خاضعة لحتمية سنن إلهيه أخرى ( فلا يحترق بالنار مثلا). لا بمعنى انه خارق لحتمية السنن الالهيه التي تضبط حركه عالم الشهادة (اى لا تتوافر له امكانيه إلغاء او إبطال حتمية هذه السنن الالهيه،( فلا يمكنه إلغاء العلاقة الضرورية بين النار واحتراق الأجسام المادية فى عالم الشهادة مثلا)).