تكونت الحركة الاتحادية من النخب التىً نالت قسطا وافرا من التعليم و كانت رائدة العمل الثقٌافى فى الفترة ألتى تأسس فيها نادى الخريجين عام 1918 حيث تعددت فيه النشاطات المختلفة ألتى شاركت فيها النخب ذات الاهتمامات المختلفة و عندما قيام مؤتمر الخريجين استطاعت النخب ذات الانتماءات المختلفة أن تشارك فى كل انتخابات مؤتمر الخريجين و نشاطاته حيث استطاعت ان تدرك كل الإجراءات الانتخابية ألديمقراطية و لكنها لم تستوعب الثقافة الديمقراطية و تنشرها فى المجتمع لذلك عندما بدا الصراع يشتد بين مؤتمر الخريجين و المستعمر و أصبح المؤتمر أداة تحتاج لتطوير ذاتها لمواجهة المستجدات فى الصراع مع المستعمر و فى ذات الوقت توعية واستنهاض و تهييئة الجماهير و تعبئتها للنضال ضد المستعمر هذا التطور الكبير أدى إلى بروز الأحزاب السياسية كأدوات ووسائل تناسب المرحلة. تأسست الأحزاب من ذات النخب التى كانت تقود مؤتمر الخريجين و بذات انقساماتها و اختلافاتها ألتى كان من المفترض تشكل أرضية خصبة لنمو الديمقراطية و لكن النخبة تركت كل تلك التراكمات للثقافة الديمقراطية التى كانت تمارسها و تحترمها فى نادى الخريجين و من ثم مؤتمر الخريجين وجاءت الى الأحزاب بثقافة بعيدة جدا عن الديمقراطية كنظرية و كممارسة باعتبار إن الأحزاب أدوات للحكم و ليس للممارسة الاجتماعية و الثقافية فقط الامر الذى أدى الى بروز الثقافة البطريكية مرة اخرى و هى ثقافة متأصلة فى المجتمع و بالتالى التمسك بها لا يحتاج الى تبريرات إنما هى ثقافة أبوية محتضنة من كل افراد المجتمع و ان كانت بدرجات مختلفة فى الدرجة و النوع و لكنها دائما تبرز فى الممارسة التى فيها شىء من السلطة. فى هذا البيئة المتناقضة ثقافيا كانت تعيش النخبة الاتحادية و خاصة قياداتها التى جاءت من رحم نادى الخريجين و مؤتمر الخريجين و من قبلهم الجمعيات الأدبية التى كانت منتشرة فى الأحياء السكنية إنهم جاءوا الى الأحزاب مستصحبين معهم الثقافة السائدة فى المجتمع و ليس الثقافة التى كانت سائدة فى مؤسساتهم الجديدة باعتبار انهم سوف يخلفوا المستعمر بعد مغادرته البلاد و بالتالى ليس هناك رقيب سوى مجتمع تغلب عليه الأمية و الجهل بالثقافة و الممارسة الديمقراطية فتنازلت عن كل ما اكتسبته عبر تلك المؤسسات لتؤكد ان الممارسة الديمقراطية و خاصة التى كان تتم فى مؤتمر الخريجين ما هى إلا نتيجة للرقابة الشديدة التى كان قد فرضها المستعمر الذى كان يعتقد إن المؤتمر يجب أن لا يخرج عن ألآهداف التى اسس من اجلها و بالتالى كان حريصا لتطبيق الوائح و القانون الذى يحكم مؤتمر الخريجين. فطاعت الوائح هى التى أدت الى نجاح الأجراءات الديمقراطية و عندما غاب المستعمر و بقى الامر فى يد النخب الوطنية فضلت عدم العودة لثقافة المستعمر و فضلت العمل من خلال الكارزما الجماهيرية مع غياب كامل الى المؤسسية. ان الزعيم اسماعيل الازهرى رغم انه كان احد اعمدة مؤتمر الخريجين و شارك فى 90% من لجانه التنفيذية المنتخبة بانتخابات ديمقراطية سليمة الا انه جعل كل تلك الممارسات وراء ظهره عندما جاء الى قمة الحزب الوطنى الاتحادى رغم انه كان يعرف ان الحزب الأتحادى تكون من أحزاب اتحادية متعددة و الاشقاء و هى مجموعات تحتاج الى فترات طويلة للحوار لكى توحد فكرها و برنامجها السياسى الامر الذى يتطلب مساحات واسعة من الحرية و مؤسسة ديمقراطية تستوعب التنوع و الاختلاف و لكنه عطل كل ذلك و ركز على انه اصبح كارزما جماهيرية يستطيع أن يغيب المؤسسية و بالفعل غابت المؤسسة و بقيت الكارزما تدير الحزب و على منهج الازهرى سار الشريفين حسين الهندى و زين العابدين الهندى و السيد محمد عثمان الميرغنى رغم فقد البعض لمقومات وخصائص الكارزما. النخبة الاتحادية فى مسيرتها التاريخية منذ تأسيس الوطنى الاتحادى و من ثم الاندماج حافظت على السير تحت ظلال الكارزما دون اية انتقادات تقدمها لتلك السياسة الا فى الحالات التى كانت تتعرض مصالحها الذاتية للخطر او إنها تفقد مواقعها نتيجة للصراعات الداخلية فى الحزب فتعلوا صيحاتها من اجل الإصلاح و التحديث و المطالبة بالمؤسسة ليس كضرورة تفرضها ديمقراطية مبدئية إنما انفعالات احتجاجية تعبر عن عدم رضى لتهديد مصالحها الذاتية ثم تتراجع عن شعارات الإصلاح عندما تتصالح مع الكارزما او بتسوية تضمن لها الاستمرارية فى مواقعها السابقة إذن هى نخبة لا تملك مبدئية فى الشعارات التى ترفعها كما هى نخبة عاجزة عن تقديم افكار او برامج سياسية تهدف لعملية الإصلاح و التحديث و الضعف ليس و ليد النخبة الحالية انما حالة موروثة منذ تأسيس الحزب الوطنى الاتحادى و تأكيدا لذلك فقر المكتبة الاتحادية من الإنتاج ألفكرى و الثقافى إنما هى نخب تعيش على ذكرى نضالات الاستقلال و اجتراره اضافة الى انها نخب اعتمدت على تصعيدها الى قمة القيادة ليس من خلال قدراتها الذاتية انما تسلقت على اعمدة المحسوبية و الانتهازية و الولاءات الطائفية فهى خاوية وخالية من اية قاعدة ثقافية او سياسية يمكن ان تبنى عليها لكى تستفيد حتى من تلك الامتيازات التى توفرت لها لتحسين مقدراتها إنما ظلت تحافظ على فقرها المعرفى لكى تكسب رضى الطائفة التى ترفض الاشتغال بالفكر لإنها تحتاج حيران يتعاملون بالسياسة و ليست كوادر سياسية لها قدرة على الابتكار و الخلق و الابداع و فتح حوارات فى شتى الموضوعات تهدف منها الى توسيع رقعة الديمقراطية داخل المؤسسة من جانب و من الجانب الأخر نشر ألوعى و الثقافة الديمقراطية بين الجماهير بصفة عامة و القاعدة الاتحادية بصفة خاصة. ان الضعف الفكرى و الثقافى فى النخبة الاتحادية يعود بشكل أساسى للضعف الذى اصاب الطبقة الوسطى و من ثم تراجع دورها منذ النصف الثانى فى عقد السبعينيات فى القرن الماضى حيث بدا الإنهيار يصيب الاقتصاد السودانى بصورة كبيرة جدا و بدا العديد من السودانيين الذين ينتمون لهذه الطبقة يفقدون و ظائفهم ثم بدأت الهجرة الى دول النفط العربية وغيرها و الإنهيار الاقتصادى ادى الى توقف اكثر من 60% من المصانع و المعامل و الاستثمارات الصغيرة مما أنعكس تاثيره السلبى بصورة مباشرة على الطبقة الوسطى و اذا اضفنا لتلك الاسباب الضعف التعليمى بسبب تغير المناهج عام 1970 عندما كان الدكتور محى الدين صابر وزيرا للتعليم. ان ضعف الطبقة الوسطى بسبب ألإنهيار الاقتصادى انعكس على اداء النخب الاتحادية التى جاءت الى القمة فى غياب العديد من النخب المؤهلة علميا و ثقافيا و سياسيا حيث انها سعت للمحافظة على ما كان سائدا فى عهد الزعيم الازهرى " الاعتماد على الكارزما دون المؤسسة" لذلك كان كل اجتهادها ان تخلق لها كارزما لكى تعمل تحت رايتها حتى و لو كانت الشخصية المرشحة لكى تكون كارزما لا تملك خصائص و مؤهلات الكارزما و ظلت النخب الانتهازية تعمل بكل الطاقة المتوفرة لها ان لا يتغير هذا النهج لان البديل هو المؤسسة الديمقراطية التى تفرض شروطا للتصعيد ليصبح عبر التنافس و المقدرات الذاتية للعضو الذى يجب ان يصعد لقمة الهرم فكانت الحرب ضد ديمقراطية المؤسسية من داخل المؤسسة نفسها و من ذات النخب الاتحادية و مثل هذه النخب لن تساند و تعاضد شخصيات ديمقراطية قوية إنما تاتى بشخصيات محدودة المقدرات متواضعة المعارف و الثقافة بعيدة عن الفكر الديمقراطى لكى تستمر البئة الحاضنة لهم تجدد ذاتها بذات السلوك الأمر الذى انعكس على الدور السياسى للحزب و أدائه العام هذه البيئة المريضة اصبحت بيئة طاردة للعديد من النخب منهم من فضل الوقوف على السياج يراقب ما يحدث من انهيار داخل المؤسسة و منهم من ترك العمل السياسى العام و منهم من هاجر الى أحزاب أخرى. معروف ان الطبقة الوسطى فى تاريخ تطور المجتمعات هى التى لعبت دورا تنويريا كبيرا جدا منذ القرن الخامس عشر و بدأت تظهر الالة الصناعية و بروز لبرجوازية و تراجع دور الطبقة الإقطاعية عبر صراع عنيف للأفكار و المصالح الطبقية حيث أصبحت الطبقة الوسطى هى صمام الامان لاستقرار المجتمعات الصناعية بإنتاجاتها الفكرية فى شتى المجالات و فى جانب آخر إنها كانت تحفظ التوازن الآجتماعى لذلك إستطاعات المجتمعات الغربية أن تنهض و تتغير بالدور التنويرى الذى لعبته الطبقة الوسطى تاريخيا و ماتزال تلعبه حتى الان و فى السودان إن الطبقة الوسطى التى كان منوط بها أن تلعب مثل هذا الدور و قد نجحت فى نضالها ضد المستعمر و حققت الاستقلال و لكن بدات بعد ذلك تخون الدور الطبيعى الذى كان من المفترض أن تلعبه فتراجعت عن اطروحات الحرية و الديمقراطية و فى ذات الوقت كان إنتاجاتها الفكرية و الثقافية فقيرة و محدودة جدا و من اراد ان يقدم اجتهادات لم تخرج من دائرة السير الذاتية او كتب تبرير مواقف الامر الذى انعكس على المؤسسة السياسية و ادى الى صراعات بين النخب ليست صراعات بهدف تطوير الحزب و تحديثه انما هى صراعات حول المصالح الذاتية كانت النخبة الاتحادية هى الاضعف فيه فى مواجهة الطائفة التى كانت تملك مؤسسة منظمة و ذات ولاء و امكانيات مادية لشراء العديد من الذمم لاصحاب فقدين الاهلية. ان صعود الطائفة لقمة الحزب و القبض على زمامه كانت متوقعة جدا فى ظل تلك النخب الضعيفة التى فقدت اهم مقومات دورها التاريخى هو خلق مؤسسة سياسية ديمقراطية " فاقد الشىء لا يعطيه" و كان امام النخب الاتحادية بعد صعود الطائفة خياران اما ان تقف فى وجه الطائفة و تستعيد الحزب منها و هذا يتطلب آليات ووسائل تفتقدها النخبة الاتحادية باعتبارها نخبة مبعثرة مشتته فقيرة فكريا و تنظيميا الخيار الثانى ان تذعن الى الطائفة و ترضخ لها و تصبح تحت رحمتها و للآسف إن الأغلبية فضلت الخيار ألثانى على الاول لإنها تعرف حدود إمكانياتها و استطاعت الطائفة أن تبذر بذور الشقاق بينهم و استخدمتهم فى ضرب بعضهم البعض و من فضل موقفا اخر وجد نفسه خارج المؤسسة. نواصل الغريب فى الأمر إن الطائفة اول ما بدأت فى حرق القيادات الاتحادية بعد ماجاءت الإنقاذ بدأت بالعناصر التى ساندتها فى القبض على زمام أمر الحزب