Tuesday, 10 August 2010 ALAKHBAR هناك اتفاق عام وسط المتابعين والمحللين حول ضعف أداء قوى المعارضة طوال السنوات الخمس السابقة من عمر الفترة الانتقالية، بل إن البعض يقول بتراجع دورها بشكل متواصل ومتزايد في الانتخابات الأخيرة تكشف هذا الضعف والتراجع بشكل واضح لا لبس فيه. فقد كان المتوقع أن تحدد موقفاً موحداً من الانتخابات بدخولها، رغم عيوبها، بقائمة مشتركة في كافة المواقع أو مقاطعتها بشكل جماعي. وذلك انطلاقاً من قدرات بيانها الختامي في مؤتمر جوبا في سبتمبر 2009م ولكنها تأخرت في اتخاذ القرار المطلوب وسارع بعضها قبيل اجتماع رؤساء أحزابها فبراير 2010م بإعلان ترشيحاته لموقع رئيس الجمهورية. ويعد ذلك فشل الإجماع المذكور في اتخاذ موقف موحد، بسبب الاختلاف في تقدير الموقف، كما يقول العسكريون، وأدى ذلك إلى ارتباك موقفها وتشتتها وترددها في اتخاذ الموقف المطلوب. وقبل ذلك عاشت موقفاً مماثلاً عندما طرح رئيس الجمهورية (مبادرة أهل السودان لحل أزمة دارفور) في منتصف عام 2008م وكاد هذا الموقف أن يتكرر ف مبادرته الأخيرة لعقد لقاء سياسي جامع حول الاستفتاء، لولا أن لطف الله. وفي هذا الإطار فعلت الحركة الشعبية نفس الشيء بل أنها ساعدت في إرباك موقف أحزاب المعارضة، رغم أنها هي التي استضافت مؤتمر الأحزاب في جوبا ولعبت دوراً مقدراً في الوصول إلى قراراته وبيانه الختامي.. ومع أن انعقاد مؤتمر الأحزاب في جوبا قد أشاع جواً من التفاؤل والحيوية وسط قوى المعارضة والحركة الشعبية بعودة هذه القوى إلى توحيد صفوفها من أجل العمل المشترك لتنفيذ برنامجها الموحد وكان البعض يظن أن المؤتمر قد وضع الأساس لتحالف سياسي واسع، يضم كل القوى السياسية الأساسية في الشمال والجنوب على السواء، مع كل ذلك جاءت معركة الانتخابات وقبلها معركة قوانين التحول الديمقراطي لنكشف أن (تحالف أحزاب مؤتمر جوبا) لم يكن تحالفاً وإنما مجرد مظلة للتنسيق بين هذه الأحزاب تتفق من خلالها حول بعض المواقف العامة ولكنها تمنح نفسها الحق في اتخاذ الموقف الملائم في الممارسة العملية. وبذلك يصبح المؤتمر الوطني ونخبة الإنقاذ المسيطرة هي المستفيد الأول من كل ذلك. وهنا تطرح أسئلة عديدة: لماذا لا تتوحد أحزاب المعارضة في منبر موحد في مواجهة تكتيكات وسياسات نخبة الإنقاذ؟ لماذا لا تتوحد هذه القوى في كتلة موحدة ومتماسكة تستند إلى مواقفها المشتركة المعلنة حول القضايا الوطنية الأساسية؟ لماذا لم تستطع أن تجذب الحركة الشعبية والأحزاب الجنوبية إلى جانبها، رغم خلافاتها وصراعاتها مع شريكها المؤتمر الوطني؟ هل يرجع ذلك إلى خلافات وصراعاتها مع شريكها المؤتمر الوطني؟ هل يرجع ذلك إلى خلافات حقيقة في تقدير هذه الأحزاب للموقف السياسي العام؟ أم لتداخلات المصالح والمواقف مع نخبة الإنقاذ المسيطرة؟ أم أنه يرجع إلى خلافات السياسة السودانية التاريخية، خلافات الختمية والأنصار، وصراعات القوى الحديثة والقوى التقليدية، والقوى الكبيرة والصغيرة، وانعدام الثقة بين القوى السياسية الشمالية والجنوبية؟ وفوق كل ذلك.. هل فقدت هذه الأحزاب الاتجاه ولم تعد تدري ماذا تريد بالتحديد استناداً إلى قدراتها السياسية الفعلية؟ هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى إجابات محددة لا لبس فيها من قوى المعارضة والحركة الشعبية. ونحتاج أيضاً إلى مراجعة صادقة مع النفس لمجمل أدائها خلال الأعوام الخمسة السابقة، أعوام الفترة الانتقالية واتفاقية السلام الشامل والاتفاقيات الملحقة الأخرى، وذلك بهدف تحديد العوامل الذاتية والموضوعية التي أدت إلى ضعفها وتراجعها وتهميش دورها في معادلة السياسة الوطنية خلال الفترة السابقة. هناك بالطبع إجابات جاهزة تضع المسؤولية على عاتق اتفاقية السلام الشامل وشريكي الاتفاقية والقوى الإقليمية والدولية التي قامت برعاية اتفاقيات مشاكوس/ نيفاشا.. وهي إجابات صحيحة في بعض جوانبها.. ولكن هذه الوضعية ظلت معروفة منذ مطلع 2002م حسب شهادة الشفيع خضر، القيادي في التجمع الوطني، في مقاله بجريدة الأحداث في نهاية يوليو الماضي. ولذلك كان يمكن مواجهتها بتكتيكات وسياسات ملائمة.. ويبقى السؤال قائماً: لماذا عجزت قوى المعارضة عن توحيد صفوفها طوال السنوات الثماني السابقة وفرض نفسها في معادلة الوضعية السياسية التي انتجتها اتفاقية مشاكوس/ نيفاشا؟ هل حدث ذلك فقط بسبب تآمر شريكي الاتفاقية والقوى الإقليمية والدولية التي تقف خلفها؟ أم أن هناك أسباب أخرى، ذاتية وموضوعية، ترتبط بهذه القوى والقوى الاجتماعية التي تستند عليها؟ وربما بدورتها التاريخية كما يقول د. حيدر إبراهيم علي؟ الحديث عن ضعف وتراجع أداء أحزاب المعارضة يشمل بالطبع حزبي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية المسيطران على الوضعية السياسية الراهنة. فقد أدت سيطرتهما طوال السنوات الخمس السابقة على البلاد وشعبها إلى تدويل الأزمة السودانية بشكل كامل، وبالتالي إلى غياب الإدارة الوطنية وفشلها في تحمل مسؤوليتها في تنفيذ اتفاقية السلام الشامل والاتفاقيات الأخرى بشكل يضمن تحقيق أهدافها في تكريس السلام في عموم مناطق البلاد واستكمال التحول الديمقراطي الكامل وتعزيز خيار الوحدة الوطنية والإصلاح الاقتصادي المرتبط بالتنمية والعدالة الاجتماعية. إذ أن المؤتمر الوطني والحركة الشعبية هما نتاج نفس البيئة الاقتصادية الاجتماعية التي أدت إلى إضعاف وتراجع قوى وأحزاب المعارضة. وهما يتميزان عنها فقط بسيطرتهما على السلطة والثروة. ويفسر عبد العزيز الصاوي هذه الوضعية بما يسميه (التراجع التحديثي) أي تدهور وزن القوى الحديثة خلال العقود الثلاثة الأخيرة تحت وطأة النظم العسكرية وسياساتها المخربة التي أدت إلى انهيار الطبقة الوسطى وترييف المدن والقطاع الحديث عموماً والتوسع الكبير في النظام التعليمي على حساب نوعيته من حيث المناهج والتدريب والبيانات الأساسية، إضافة إلى عوامل أخرى أقل أهمية (الهوية والديمقراطية، دار عزة للنشر، الخرطوم 2005م) والمهم هنا أن تبذل قوى المعارضة جهداً مطلوباً لتفهم أسباب ضعفها وتراجعها والانطلاق من حقائقها في نشاطها اليومي. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه تبدأ بتوحيد صفوفها ونشاطها في اتجاه عمل طويل وصبور لبناء (البديل الديمقراطي) في صفوف جماهير الشعب ومن ثم فرض التسوية الوطنية الشاملة في أرض الواقع.