هذا التحالف بين حركة الأخوان المسلمين و الرأسمالية الإسلامية الخليجية نشأ في ظل ظروف كانت لا تزال تتسم بتعدد الأنماط الإجتماعية و الإقتصادية في تركيبة المجتمع العربي و الإسلامي و ضعف الطبقتين الرأسمالية و العاملة و اتساع فجوة التباعد الإجتماعى بينهما بما تحويه بين طياتها من رأسمالية وطنية غير مرتبطة بالاستعمار و أقسام مختلفة من البرجوازية الصغيرة. هذا الضعف جعل بعض أقسام البرجوازية الصغيرة تلعب الدور الطليعى فى التغيير الاجتماعى بيد أن هذا الخواء الكبير و المساحة الشاسعة بين الطبقتين الرأسمالية و العاملة فرض نوع من الصعود و الهبوط فى حركة البرجوازية الصغيرة و جعلها أكثر تجاذبا بين مصالح الطبقتين. و كانت حقبة السبعينات و التي نشأ فيها هذا التحالف بين الأخوان المسلمين و الرأسمالية الإسلامية الخليجية تمثل تحولا كبيرا في التركيبة الإجتماعية و الإقتصادية للمجتمع العربي و الإسلامي يتمثل فيما يلي: 1- نمو و تطور الطبقة الرأسمالية في العالمين العربي و الإسلامي و نمو قواها و تطور أدوات إنتاجها و اتخاذها طابعا جديدا مدفوعة بالطفرة التي حدثت في قطاع النفط في منطقة الخليج خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية و حتي عام 1973م و التي أدت إلي: نمو قطاع صناعة النفط و الخدمات المساندة المرتبطة به بالذات في دول مجلس التعاون الخليجي، إيران، العراق، ليبيا، و الجزائر. نمو قطاع الصناعات التحويلية ، صناعة مقاولات البناء و التشييد في مجالات المباني و الطرق و الجسور و البنيات التحتية (النقل و الإتصالات، الكهرباء و الماء، الصرف الصحي.. إلخ) و التوريدات الحكومية، قطاع التجارة العامة و التوكيلات التجارية في مجال المواد الغذائية ، المفروشات، الأدوات الكهربائية، الأجهزة الإلكترونية، التكنولوجيا، و السيارات و غيرها من السلع الإستهلاكية في الدول العربية النفطية المذكورة سابقا مستفيدة من الفوائض الضخمة التي راكمتها في خضم طفرة النفط و ارتفاع أسعاره عالميا لمستويات لم تكن مسبوقة من قبل. النمو في نفس القطاعات المذكورة في النقطة أعلاه في الدول غير النفطية العربية و الإسلامية الأخري مستفيدة من فوائض الدول العربية النفطية بالذات دول الخليج التي نجحت كثير من الدول العربية و الإسلامية غير النفطية في استقطاب جزء كبير من فوائضها و استثمارها و علي رأسها مصر، السودان، ماليزيا، و باكستان، و ما تجربة المدن الصناعية الكبري في مصر ، و شركة سكر كنانة في السودان إلا مثالا حيا علي ذلك. النمو الكبير في قطاع الخدمات المالية المتمثلة في البنوك ، شركات التمويل و الإستثمار، و شركات التأمين و إعادة التأمين كنتاج طبيعي لنمو كل القطاعات الإقتصادية المذكورة سابقا. 2- ضعف حركة الطبقة العاملة و انكماشها جراء الهجمة الشرسة المنظمة التي واجهتها إبان الحكم الناصري في مصر و حكم البعث في كل من سوريا و العراق و ردة النظام المايوي علي إثر مجازر 19 يوليو 1971 بتعاون النظامين العسكريين الحاكمين في مصر و ليبيا. 3- صعود طلائع البرجوازية الصغيرة ممثلة في أقسامها الحاكمة في مصر و السودان و بعض البلدان الإسلامية في سلم الصراع الطبقي و تحولها و تحالفها مع الطبقة الرأسمالية الإسلامية المدعومة و المتحالفة مع الرأسمالية الخليجية إبان حكم الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود و الذي تتجلي أهم مظاهره في: سياسة الانفتاح الاقتصادي التي اعتمدتها مصر بعد حرب أكتوبر 1973 و التحول نحو أمريكا و الغرب و الذي تجلي في اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني 17 سبتمبر 1978م و إطلاق دور القطاع الخاص، و العمل علي إستقطاب رؤؤس الأموال العربية و الأجنبية و تعديل قوانين الإستثمار الأجنبي و تقديم مغريات و امتيازات لضمان رؤؤس أمواله، و تصفية علاقات الإنتاج الاشتراكية و تدمير مؤسسات القطاع العام و استشراء الفساد المالي و الإداري فيها مما مهد فيما بعد لخصخصتها و بروز كبار موظفيها و العديد من وزراء النظام الناصري و قيادات الإتحاد الاشتراكي بعد سياسة الإنفتاح علي قمة الطبقة الرأسمالية العاملة في قطاع الصناعة و التجارة العامة و الخدمات و البناء و التشييد و المقاولات و المتحالفة مع رأس المال الإسلامي الخليجي ))المتحالف بدوره مع حركة الإخوان المسلمون كما أسلفنا خلال فترة حكم الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود الممتدة بين (1964- 1975)) بعد رحيل جمال عبد الناصر (الذي بلغت العلاقات المصرية السعودية خلال عهده أقصى توتر لها) و حدوث تقارب بين السادات و الملك فيصل بن عبد العزيز حيث سعى الأخير لإحداث تقارب بينه و بين الإخوان المسلمين و قد نجح في ذلك دون عناء كبير فنظام الإنفتاح الإقتصادي كان في أمس الحاجة لفوائض دول الخليج لإعادة تعمير ما دمرته الحرب و إنعاش الإقتصاد المصري المتهالك و تمهيد الطريق أمام قياداته من البرجوازية الصغيرة للصعود إلي عالم المال و الأعمال (و تعويض أنفسهم عناء سنوات طويلة ضاعت سدا في سبيل تحقيق الحلم الناصري الذي لم يتحقق) و لا يهمه ما إذا كانت تلك الفوائض إسلامية أم لا و في نفس الوقت كان الأخوان يتطلعون إلي بناء مؤسساتهم الإقتصادية و التحول إلي كيان إقتصادي كبير و مؤثر. الإنفتاح بين النظام العسكري الحاكم في السودان و بين رأس المال الإسلامي الخليجي الذي بدأ خلال الربع الأول من عقد السبعينات (و من مظاهره تأسيس شركة سكر كنانة ، شركة الفنادق السودانية الكويتية ، شركة الدواجن السودانية الكويتية ، أبراج الكويت بالخرطوم و غيرها) و تم تتويجه بالتحالف مع حركة الأخوان المسلمين عقب المصالحة الوطنية بين النظام المايوي و الجبهة الوطنية عام 1977 الذي مهد لأسلمة النظام المصرفي السوداني بكامله فيما بعد. صعود الحركة السياسية الإسلامية ممثلة في الحزب الإسلامي الماليزي (باس) إلي الحكم معتمدا علي الملايو الذين يمثلون 66% من سكان ماليزيا و مشاركته في الحكومة الإئتلافية الإسلامية خلال حقبة السبعينات و حتي عام 1978 (و لا يزال يحكم عدة ولايات في ماليزيا منها قدح دار الأمان و ترنجانو دار الإيمان وكلنتن دار النعيم منذ أكثر من 36 عاما). و هو يمثل حركة الأخوان المسلمين في ماليزيا متأثرا في أطروحاته الفكرية بحركة الإخوان المسلمين في مصر وحركة ماشومي في إندونيسيا والجماعة الإسلامية في باكستان و في توجهاته الإقتصادية بالحلف الإستراتيجي بين حركة الأخوان المسلمين و الرأسمالية الإسلامية في الخليج بقيادة رئيسه و أحد أهم مؤسسيه و رئيس حكومة ولاية ترنجانو في ماليزيا الشيخ عبد الهادي أوانج و الذي أنهي دراساته العليا في قسم السياسة الشرعية بجامعة الأزهر خلال عامي 1974/1975 و الذي تواجد بالسعودية لعدة مرات و التقي بشخصيات من علماء الأخوان ودعاتهم و قياداتهم مثل الشيخ محمد الصواف من العراق، والدكتور محمد السيد الوكيل من مصر وكذلك الشيخ سعيد حوى من سوريا وغيرهم. و خلال السبعينات و منتصف الثمانينات خطت ماليزيا ((التي بدأت نظام المصارف الإسلامية بتأسيس مؤسسة صندوق الحج (تابونغ حاجي) عام 1962م، ثم تطور ليبلغ عدد الصناديق الإسلامية المجتمعة فيها 134 صندوقاً تمثل قيمة موجوداتها المدارة 10% 150)مليار رنغيت) من أصول الصناديق الاستثمارية الإجمالية)) خطوات كبيرة جعل لديها الآن نموذجا شاملا ومتقدما ليس له مثيل في أي مكان آخر في العالم و جعلها تصبح مركزاً مالياً إسلامياً إقليمياً بارزا يضم اللجنة الدولية المكلفة بوضع معايير المعاملات المصرفية الإسلامية و مقر مجلس الخدمات المالية الإسلامية (IFSB) الذي يعمل كهيئة مستقلة تحت إشراف صندوق النقد الدولي و موقعة عليه الدول الثماني الأعضاء ماليزيا، السعودية، إندونيسيا، إيران، الكويت، باكستان، السودان، و بنك التنمية الإسلامي، وهو عبارة عن اتحاد للبنوك المركزية والسلطات المالية وغيرها من المؤسسات المسئولة عن الإشراف على المعاملات المصرفية الإسلامية وتنظيمها. صعود حركة الجماعة الإسلامية في باكستان المؤثرة جدا في حركة البعث الإسلامي و تعدد مؤسساتها الإقتصادية علي أثر نمو قطاع الصيرفة الإسلامية حتي بلغ عدد البنوك الإسلامية العاملة في باكستان حوالي ستة بنوك إسلامية و من ضمنهم بنك البركة الإسلامي الذي هو ثاني أقدم بنك إسلامي و بلغت ودائعها حوالي 2,06 مليار دولار بنسبة زيادة سنوية 76% ووصلت فروع شبكة الصيرفة الإسلامية فيها إلى 289 فرعا بنسبة زيادة مركبة بلغت 93%. و حتي صدور قرار تعميم التحول الكامل نحو النظام المصرفي الإسلامي فيما بعد و إلزام جميع مؤسسات التمويل المحلية والشركات المالية بالامتناع عن المعاملات الربوية و التعامل بالصيغ الإسلامية ابتداءا من أول يوليو 2001. إندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية أيضا يمثل صعودا لحركة البرجوازية الصغيرة الإسلامية في هرم الصراع الطبقي و تحولها للرأسمالية علي حساب الطبقة العاملة و حزبها المعبر عن مصالحها الممثل في (حزب توده) و حلفائها من الفلاحين و الموظفين وعمال الخدمة المدنية و الخادمات وأصحاب المشاريع الصغرى و ذوي الياقات البيضاء و موظفي البنوك والتجار و بعض الأقسام من الرأسماليين الذين تعارضت مصالحهم مع نظام الشاه الملكي، و الجيش المشكل أصلا من أبناء وإخوان وعائلات العمال والفلاحين والطبقة الوسطى، و بعض الحركات المعبرة عن مصالح تلك الشرائح ممثلة في حركة مجاهدي خلق و حركة فدائي الشعب. فقد كانت الطبقة العاملة في إيران علي عكس دول العالم الإسلامي الأخري قوية حيث كانت تشكل نسبة كبيرة من الشعب الإيراني فقد كان هنالك 2 مليون عامل في القطاع الصناعي وحده، وثلاثة أرباع المليون عامل في قطاع النقل وغيره من الصناعات و كان لحركة عمال النفط (ما يسمى بالفئة ذات الامتيازات بين الطبقة العاملة في إيران آنذاك) بإضراباتها المتقطعة في حقول النفط خلال الأشهر الأخيرة من عام 1978 و رفضهم إنتاج النفط لصالح النظام الملكي و صمودهم أمام حملات العنف و التعذيب و التصفية من قبل جهاز السافاك دور كبير في تقويض نظام الشاه و إسقاطه ((حيث أن إيران كانت رابع أكبر منتج للنفط آنذاك و في سنة 1976 وحدها أنتجت 295 مليون طن من النفط (أي 10% من الإنتاج العالمي)، بينما أنتج الاتحاد السوفييتي 515 مليون طن (17 %)، و أنتجت الولاياتالمتحدة أكثر من 404 مليون طن (13.8%)، وأنتجت العربية السعودية حوالي 422 مليون طن. ((هذا الصعود في حركة البرجوازية الصغيرة الإسلامية علي ظهر الطبقة العاملة و حزبها و حلفائها من التجار و البرجوازية الصغيرة غير الإسلامية في إيران كان أيضا يمثل إمتدادا لحركة البعث الإسلامي في مواجهة تغلغل الإستعمار الغربي الحديث و العلاقات الجيدة التي أرساها مع الكيان الصهيوني من خلال نظام الشاه فقد ورد في ويكيبيديا الموسوعة الحرة عن الثورة الإيرانية تحت العنوان الجانبي (الخميني) ما نصه ((ولكن بوادر الصحوة الإسلامية بدأت بتقويض فكرة التغريب التي ينتهجها نظام الشاه فظهر جلال آل أحمد الذي وصف نهج التغريب ب ((غرب زدجي)) أي (طاعون الحضارة الغربية) وعلي شريعتي وفهمه التنويري للإسلام، وكذلك تفسير مرتضى مطهري التبسيطي للتشيع، كل ذلك حاز على أتباع ومريدين وقراء والمؤيدين. ويبرز بين هذه القيادات الخميني الذي طور ونمى وروج لنظرية مفادها أن الإسلام يتطلب حكومة إسلامية يتزعمها ولي فقيه، أي كبار فقهاء القانون الإسلامي. في سلسلة محاضرات في أوائل عام 1970، صدرت فيما بعد في كتاب، بين الخميني الإسلام يتطلب الإنصياع لقوانين الشريعة وحدها، وفي سبيل ذلك، لا يكفي أن يقود الفقهاء جماعة المسلمين، بل عليهم أن يقودوا الحكومة أيضاً لم يتحدث الخميني عن هذه المفاهيم في اللقاءات والمحادثات مع الغرباء، لكن الكتاب انتشر على نطاق واسع في الأوساط الدينية، خاصة بين طلاب الخميني و الملالي، وصغار رجال الأعمال، وراح هذا الفريق يطور ما سيصبح شبكة قوية وفعالة من المعارضة داخل إيران، مستخدمة خطب المساجد، وتهريب شرائط تسجيلات صوتية للخميني وطرق أخرى، أضافت إلى قوة المعارضة الدينية، في حين ظنت بقية المعتدلين واليساريين والميليشيات المسلحة الأخرى أن الستار سيسدل بعد الثورة وسقوط الشاه على الخميني وأعوانه وأن هذا التيار اليساري سيسطر على الساحة، ولكن الخميني لم يعطهم الفرصة سيطر على الحكم)). و برغم الاختلاف بين فكر الأخوان المسلمين و الفكر الشيعي و برغم أن التجربة الإيرانية نشأت مستقلة عن تجربة السعودية و دول مجلس التعاون الخليجي و تعتبر ندا لها، و علي الرغم من أن تحالفها مع دول الخليج جاء في الإطار العام لرابطة العالم الإسلامي، إلا أن الثورة الإسلامية الإيرانية عامي 1979 أعطت دفعة قوية لحركة البعث الإسلامي و بالذات في قطاع الصيرفة الإسلامية فالفكر الخميني يدعو أيضا إلي إلغاء العمل بسعر الفائدة و تحريم الربا، و أصبحت إيران فيما بعد دولة مؤسسة و مؤثرة في رابطة العالم الإسلامي و تمتلك حصة كبيرة في بنك التنمية الإسلامي و لها تأثير واضح في كل الهيئات و المنظمات و المؤسسات المرتبطة بالصيرفة الإسلامية. Alhadi Habbani [email protected]