تؤكد ادبيات الفكر الماركسى ان التغيير لا يتم فى المجتمع الا بالثورة عندما يحدث اغتراب و عزلة كلية للبوليتاريا لذلك يرى كارل ماركس ان الملكيات الخاصة لوسائل الانتاج يترتب عليها وجود طبقتين ينشأ بينهما صراع يؤدى الى عدد من التغييرات فى المجتمع يصعد من الثورة البوليتارية التى تعمل على تصفية العلاقات الانتاجية القديمة و تجذر العلاقات الجديدة. من خلال هذه النظرة التحليلية للعلاقات الاجتماعية من و جهة النظر الماركسية و من خلال النظر الى الصراع فى المجتمع السودانى نجد ان السودان لم يصل بعد الى مرحلة التطور الراسمالى الذى يؤدى الى فرز بين الطبقات يصل الى مرحلة الصراع بينهما لربما يكون ذلك شبيه بان السودان اقرب الى نمط الانتاج الاسيوى الذى يعطيه خصوصية فى عملية التحليل الاجتماعى ولكن المهم فى القضية السودانية انحرافها الى وسائل العنف فى تحقيق المقاصد حيث ان العنف جاء من الجانبين الحكومة ثم المعارضة و لكن العنف اعاد تكوينات قديمة للصراع كان السودان قد تجاوزها فى فترة الصراع ضد المستعمر حيث برزت التكوينات الحديثة التى تؤكد وعى النخبة السياسية فى ذلك الوقت و خاصة دور مؤتمر الخرجين فيها ثم التحول الى الاحزاب الحديثة و لكن الرجوع مرة اخرى الى " الجهوية- الاثنية – القبلية" فان ذلك يحتاج الى بحث. القريب فى الامر ان الجهوية و القبلية هذه المرة صراعها مع الدولة باعتبار انها المالك الحقيقى لوسائل الانتاج و القابض على الثروة و السلطة. و الدولة نفسها اخذت مسارات نقدية مختلفة من قبل القوى السياسية الجديدة و من بعض النخب المشتغلة بالفكر باعتبار ان القوى الاجتماعية المسيطرة على الدولة هى قوة احتكرت السلطة و الثروة فى السودان ثم بدات فى تشكيل هويته حسب مصالحها وثقافتها البعض اعتبرهم مجموعة من اجلابة ساعدهم الاستعمار على السيطرة لخدمة اهدافه و البعض الاخر اعتقد انها قوة كمبرادورية تخدم البيوتات الراسمالية للامبريالية و من هنا جاءت الاجتهادات الفكرية و الجدل الذى اتخذ مسارات مختلفة بعضها سلك دروب الفكر و العلم طريقا لتصحيح المفاهيم و البعض الاخر فضل حمل السلاح من اجل التغيير ولكن فى كلا الحالتين ان النقد جاء للطبقة او الفئة الحاكمة كما يحلو للبعض ان يصفها و بانها المجموعة التى احتكرت السلطة و الثروة و هنا لا نخص الانقاذ و حدها انما الجد يطال كل المجموعات التى حكمت السودان منذ الاستقلال و قد حمل اغلبية الذين ساهموا فى تناول الموضوع هذه الفئة كل المشاكل التى تعرض اليها السودان ان كانت فى الداخل او الخارج و اعتقد البعض ان عدم تنازلها عن السلطة و الثروة طواعية هو الذى ادى الى الحروب الداخلية و التمرد فى اقاليم السودان المختلفة. و قد كتب العديد من السياسيين و المفكرين السودانيين حول قضية الصراع السياسى و الاجتماعى و الجميع مارسوا جلد الذات بدرجات متفاوته ولكنهم جميعا جلدوا ظهور هذه الفئة التى تعددت اوصافها اى " الفئة التى حكمت منذ الاستقلال حتى اليوم" و اعتقدوا انها ادخلته فى اشكالات و ازمات عديدة. ان ابرز واهم هذه التحليلات ياتى المثلث الذى اعتقد الدكتور الشريف حرير و الدكتور ترجى تفيدت " الخرطوم- كوستى- سنار" انه هو الذى احتكر السلطة و الثروة فى السودان و عمل على تغيب الاخرين حيث اتخذ الثقافة الاسلامية و العروبة منهاج و هوية له مع تهميش المجموعات الاخرى الا انهم تجاهلوا ان هذا المثلث هو نفسه الذى خلق النواة الحية لوحدة السودان وظل يحافظ عليها رغم اخفاقاته فى العملية السياسية حيث ان منطقة الوسط التى خلفتها الثورة المهدية بعد سقوطها على يد القوات البريطانية ثم ما يسمى بالحكم الثنائى فانها هى التى عززت المنوال الذى نسجت عليه الوحدة السودانية صحيح ان النسيج لم يكتمل بعد ولكن هو الذى وضع القاعدة الاساسية لمقومات الوحدة و التواصل بين جميع اقاليم السودان المختلفة و ان حالة تمييزه عن الاخرين لانه كان حاملا مشروعا نهضويا فى موجهة الثقافات الوافدة اضافة الى تصادمه مع المشروع الاستعمارى الذى اراد ان يشكل ملامح المجتمع وفقا لقيمه و ثقافته دون مراعة للثقافة المحلية فوجدت هذه الفئة التى اخذت تسيطر على مساحة ملتقى النيلين" الخرطوم – بحرى – امدرمان" انها امام تحدى فى ايجاد القواسم المشتركة التى يمكن ان يتوحد عليها اهل السودان لذلك تبنت العروبة و الثقافة الاسلامية كمرجعية فكرية لها لكى تميز مشروعها عن بقية المشروعات الاخرى و خاصة مشروع المستعمر. عندما ذهبت مجموعات الطلبة السودانيون الى الدراسة فى مصر فتاثر عدد منهم بالافكار التى كانت منتشرة فى الساحة السياسية المصرية " الاخوان المسلمين – الاشتراكيين – الشيوعين" و جاءوا بهذه الافكارالى السودان ووجدت طريقها الى مجتمعات النخب بسرعة و ذلك يؤكد ان المجتمع كان مفتوحا وان النخب كانت لها قابلية الحوار مع الافكار الاخرى الامر الذى ساعد على انتشارها وسط الطلبة و فئات المثقفين و يدل على ان الساحة كانت فى حالت حوار مفتوح يقبل الافكار الجديدة و مجتمع بهذا الفهم لا تتحكم فيه قيم القبيلة و الجهوية حيث اصبح مجتمعا متفاعلا و متداخلا و فرض قيمه الجديدة اذا كان فى مجال المفردات السياسية او فى الثقافة لذلك نجد ان كل السودانيين القادمين من مناطق السودان المختلفة دئما يتاثروا بثقافة الوسط التى لا يمكن لاية فئة جهوية او اثنية ان تدعى ملكيتها او تاثيرها المباشر على ثقافة الوسط التى اصبحت الثقافة الوطنية العامة دون ادعاء ملكيتها. يقول الكتور الشريف حرير و دكتور ترجى تفيدت فى كتابيهما " السودان الانهيار و النهضة" يقولا فيه " ان السودان سواء كانت متشظية او اقطاعية او غيرها قد عبرت عن المعنى الصارم عن وجهة النظر النهرية فقط بسبب التطور التاريخى الخاص الذى جعل النخب التقليدية و الحديثة تسودها المجموعات الشمالية النهرية المستقرة التى تنتمى عموما الى المديريات الشمالية و قد اهمل الجنوب او استخف به على احسن الاحوال بسبب عمليات التطور المختلفة وقد دخل الاسلام و العروبة هنا كأيدلوجيات تعزز الموقع المهيمن للنخبة النهرية" الغريب فى الامر ان الدكتور الشريف حرير و رفيقه متخصصان فى علم الاجتماع و من المعروف ان المجتمعات التى تسكن على شواطىء الانهار هى مجتمعات مستقرة لانها تعمل بالزراعة و ان المجتمعات الزراعية اكثر تحضرا بحكم استقرارها على المجتمعات البدوية و لكن لان الوسط نفسه قد انعم بمشاريع زراعية و شبه صناعية بحكم حاجات المستعمر وهذه النهضة الزراعية فرضت تطورا فى التعليم استفاد منه ابناء المجموعات التى استقرت فى المنطقة الامر الذى مكنها من القبض على مفاصل السلطة و الاقتصاد بعد خروج المستعمر و هذا التطور ليس قاصرا على السودان وحده انما فى كل دول العالم ان المجموعات التى تسكن على ضفاف الانهار او على الشواطىء تكون كثر حظا فى النهضة الزراعية و الصناعية عن غيرها و لكن فى السودان ظهر ما يسمى بالتسيس العلمى او محاولة الاستفادة من الفرضيات العلمية لكى تخدم منطلقات سياسية. و فى ذات الاتجاه الذى ذهب اليه الدكتور الشريف حرير ذهب اليه عبدالرحيم حمدى فى مثلثه "الخرطوم – كوستى- سنار" فى عملية التنمية الاقتصادية ثم ذهبت الحركة الشعبية ولكنها استبدلت مثلث الدكتور حرير ب مصطلح الجلابة و تعتقد الحركة الشعبية ان الجلابة هجين من عناصر عرقية عديدة تضم شماليين و عرب و اتراك و يونانيين و شوام و اختلاط هولاء انتج الجلابة عبر عملية تاريخية طويلة اتخذت شمال السودان حصنا لها فامتلكوا مراكز القوة الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و قد تم دعمهم من قبل المستعمر ووفر لهم كل الاليات و الوسائل التى تمكنهم من استلام السلطة بعد الاستقلال. اعتقد ان الاجراءات التى على ضوئها تكونت مجموعة الجلابة المدعومة من قبل المستعمر على حسب رؤية الحركة الشعبية تحمل فى احشائها تناقضاتها. كيف تكون مجموعة الجلابة التى تبنت الاسلام و العروبة كهوية و مشروعا مناهضا لمشروع الاستعمار وجدت الدعم من قبل الاستعمار الذى اراد ان يحاصر هذه الهوية و يحجمها و سياسة المناطق المقفولة التى حدثت عام 1922 هى برهان يؤكد اهدافه ويناقض دعم الاستعمار لهذه الفئة. فالنخبة السياسية السودانية التى وقع على عاتقها النضال من اجل الاستقلال و السعى من اجل الوحدة الوطنية قد قدمت ماتراه يجمع اهل السودان فى بوتقة الوحدة الوطنية على حسب تصورها و قناعاتها وربما تكون ارتكبت اخطأ ولكن ليس بدرجة تحميلها كل الاخفاقات فى المراحل التاريخية المختلفة. اما ما يسمى بالجلابة فانهم لعبوا دورا قوميا عظيما حيث انهم وضعوا البنات الاساسية للسودان بصورته الحالية لذلك كانوا حريصين كثر من الباقين على توحيده و الدفاع عن هويته كما اشار الدكتور منصور خالد فى احد لاقاءته الصحفية التى نشرت فى جريدة الخرطوم فى اكتوبر 1996 حيث قال " المثقف الشمالى يتحدث عن السودان الموحد و يؤمن بالسودان الموحد و على استعداد لمحاربة اى دعوة لتمزيق السودان لكنه يريد لهذا السودان ان يكون على شاكلته و هذا بالضرورة يقود الى صراع يؤدى لكشف التنازع الموجود فى نفس هذا الانسان" و الدكتور خالد اراد النقد لموقف المثقف السودانى فى نضاله من اجل الحفاظ على وحدة السودان لان الدكتور خالد يعتقد مثله مثل بعض المثقفين الذين ارادوا ان يقدموا اطروحات نقدية لموقف النخبة السياسية السودانية فى مساراتها التاريخية لخلق خط فكرى داعم لاطروحات الحركة الشعبية ولكن الدكتور خالد رغم كل ماكتبه بعد انتمائيه الى الحركة الشعبية لا يمثل اجتهادا فكريا داعما لفكر الحركة انما كانت محاولة لتسويق الحركة فى محيطها العربى. zainsalih abdelrahman [[email protected]]