من المؤكد أن معظم العلمانيين ، الذين يهيمنون اليوم على الساحة السياسية في أوربا وأمريكا ، يتبنون مبدأ حرية التعبير بشكل متطرف بسبب عداءهم التاريخي للكنيسة والذي تجسد في شعار الثورة الفرنسية الذي نادي بشنق القساوسة وربما يعود ذلك إلى ممارسات محاكم التفتيش الكاثوليكية الإيطالية، الفرنسية والأسبانية في القرون الوسطى والتي تمثلت في خداع البسطاء عبر بيع صكوك الغفران ، التنكيل بالمسيحيين البروتستانت ، تنصير المسلمين واليهود بالقوة ، إحراق العلماء والفلاسفة، حرق الكتب العلمية والفلسفية وإحراق الكتب العربية والإسلامية كما حدث في مدينة غرناطة في عام 1501م ، ولعل أبلغ تعبير عن ذلك هو ما أورده الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب" والذي يفيد بأن ممارسات محاكم التفتيش هي أكبر وصمة عار في جبين التاريخ الأوربي! اليوم يعيد تاريخ محاكم التفتيش نفسه حيث أعلن القس تيري جونز راعي كنيسة دوف في ولاية فلوريدا الأمريكية عن عزمه على إحراق القرآن الكريم في الذكرى التاسعة لهجمات سبتمبر ، لقد أصبح تيري جونز المغمور أشهر رجل في العالم بعد أن انشغلت به كافة وسائل الإعلام العالمية وسُيرت ضده المظاهرات في العالم الإسلامي وانتقدت موقفه معظم كنائس العالم وعدة جهات دولية مثل الإدارة الأمريكية ، الإتحاد الأوربي والأمم المتحدة، ومع أن جونز قد تراجع عن تنفيذ مخططه الشيطاني ، إلا أن ذلك لن يزيل الغضب الذي شعر به ملايين المسلمين من مجرد تصريحه بعزمه على حرق أقدس مقدساتهم! من المؤكد أن تصورات الغربيين حول حرية التعبير تحتاج إلى إعادة نظر فلا يُعقل مثلاً أن تدين المستشارة الألمانية مخطط تيري جونز لإحراق القرآن ثم تشارك في تكريم رسام الكاريكاتير الدنماركي صاحب الرسوم المسيئة للرسول (ص) علماً بأن نشر رسومه قد أدى إلى مقتل 41 شخصاً في باكستان، أفغانستان وليبيا، ولا شك أن هكذا مواقف تتناقض مع الفلسفة الغربية التي تدعو إلى احترام الرأي الآخر والتي تقوم على مقولة فولتير الشهيرة التي مفادها "قد أختلف معك في الرأي، لكنني على استعداد لأن أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعبير عن رأيك" ومن الغريب فعلاً أن القوانين الغربية تعتبر حرق الكتب الدينية في مكان عام حرية تعبير وقد يؤدي ذلك على أسوأ الفروض إلى دفع غرامة رمزية أو توجيه إنذار فقط لا غير وغني عن القول إن هكذا قوانين تحتاج إلى تعديل جوهري فيجب تجريم الأفعال المسيئة للأديان ووضع عقوبات مشددة لها لأنها تتسبب في وقوع انفلات أمني عالمي وتؤدي إلى سقوط كثير من الضحايا الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في تلك الحماقات البشرية الكبرى التي يرتكبها من وقت لآخر الباحثون عن الشهرة عبر أساليب محاكم التفتيش التي تجنح إلى إحراق الرأي الآخر! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي