كمال الهِدي [email protected] اقتربت من صديقتي اللدودة بعد غياب طويل فسمعتها تتمتم بالكلمات " يا شريف نيجيريا ما بهدلتهم لكن.." قبل أن ألقى عليها التحية سألتها: من هم هؤلاء الذين بهدلهم شريف نيجيريا؟ ردت على سريعاً ودن تردد: من غير أهلك السودانيين يا صديقي؟ ألم تسمع بالقصة أم أنك تتغافل كعادتك؟ قلت: إذاً تقصدين شريف مادوغري يا صديقتي. قالت: ذكرت الكل وقصدت الجزء ، ولا دي كمان فايتة عليك! قلت: دعك من هذا وقولي لي أي بهدلة تقصدين؟ ردت بعد أن علت وجهها ابتسامة أعرف مراميها جيداً: لا تقل لي أنك لم تسمع بالمغنيات اللاتي تحدين السلطة في بلدكم وسافرن إلى ولاية مادوغري النيجيرية لإشباع رغبة شريفها في الاستماع للطرب السوداني الأصيل! أجبتها: سمعت بسفر بعض المطربات السودانية للوجهة التي تقصدين، لكن ما المشكلة في ذلك؟ قالت: المشكلة أن سفر المغنيات السودانيات إلى هذه الولاية قد أثار الكثير جداً من اللغط في فترات سابقة وسمعت أن حكومتكم قد منعت سفر الفنانات إليها، ولا أدري كيف تمكنت هذه المجموعة من السفر؟ قلت محرجاً: الرجل يحب الغناء السوداني ويستمتع به ولا مانع عنده من التكفل بتكاليف رحلات أي عدد من المغنيات السودانيات إلى هناك، ولا أعتقد أن هناك مشكلة في أن يطربنه ويعكسن جانباً من فنونا في تلك الأصقاع. هزت رأسها قبل أن تضيف: لا أفهم كيف تسمح بعض عائلاتكم لبناتها بالسفر إلى هكذا وجهة بعد كل اللغط الذي أثير حول رحلات سابقة لمغنيات أخريات.. صدقني هذا يحيرني حقيقة، كما أنني لا أفهم كيف يمكن أن تسافر بعض المغنيات المعروفات رغم أنف السلطة كما تشيعون. سألتها: العائلات السودانية صارت مولعة بالغناء والطرب، وطالما أن بناتهم سافرن في رحلة فنية لكي يغنين ويطربن شريف مادوغري فليس هناك مشكلة بالنسبة لهم.. لكن يبدو من جملتك الأخيرة " رغم أنف السلطة" أنك لا تصدقين ما نقول! ردت سريعاً: لا يمكن أن تقنعني بأن دولتكم جادة في قرار منع المطربات من السفر إلى هناك ما دام أن عشر مطربات قد حزمن حقائبهن وسافرن عبر مطاركم الوحيد! قلت: ربما تم تهريبهن، فمن يعلم يا صديقتي! قالت ضاحكة: تهريب عشر فنانات معروفات وعبر المطار!! قلت: كل شيء جائز يا عزيزتي. ضربت فكاً بكف قبل أن تضيف: والعجيب تلك الأخبار التي تقول أن هيئة علماء الدين عندكم حرمت الأموال التي سيحصلن عليها من رحلة مادوغري! والأكثر غرابة أن مطربتكم التي فتحت هذا الدرب الصعب ترى أنهن أخطأن بالسفر إلى هناك! قلت: كل شيء ولا الفتاوى الدينينة.. أرجو ألا تقحميننا في أمر كهذا. قالت: ألم يكن من الأجدى أن تتناول هيئتكم الدينية أصل المشكلة بدلاً من الحديث عن نتائجها؟ قلت متسائلاً: لم أفهم ما تقصدين؟ أجابت: بدلاً من الحديث عن حرمة الأموال التي سيحصلن عليها كان يفترض أن يتحدثوا عن الكيفية التي سافرن بها رغم قرار المنع، فصوت اللوم يفترض أن يوجه لدولتكم وليس لهن. قلت: أفهم من ذلك لو أن لصاً قفز عبر حائط منزل أحد المواطنين وسرق بعض ممتلكاته، نترك أمره ( اللص ) جانباً ونلوم المواطن على أنه لم يرفع الجدار بدرجة تصعب على اللص مهمة القفز منه! أطلقت ضحكة مجلجلة وهي تقول: مقارنة عينة! لكن قل لي ألا تملون من كثرة الحديث عن الغناء والطرب، فأنا ألاحظ أن بلدكم امتلأت حد الفيضان بالمطربين والمطربات. قلت: الناس في كل العالم يستمتعون بالغناء والطرب والقصة ما واقفة علينا وحدنا. قالت: لكنكم تبالغون كثيراً يا صديقي.. وأخاف أن يأتي يوم تغنون فيه جميعاً ولا تجدون من يسمعكم؟ قلت: إن لم نجد من يسمعنا داخل البلد فشريف مادوغري وأمثاله جاهزين بأموالهم وهدياهم الثمينة كمان. أضافت:حتى برنامجكم الذي قلدتم فيه الآخرين " نجوم الغد" يبالغ أهله في عدد المواهب التي يستضيفونها كل أسبوع. قلت: يبدو أنك لا تريدين لنا الخير ولذلك تسعين لتثبيط همة شبابنا الموهوب! قالت غاضبة: تعلم إلى أي درجة أحب لكم الخير يا عزيزي.. لكنني استغرب للجنة التحكيم في البرنامج التي يقول أعضاؤها أحياناً للمطرب أو المطربة " الصوت فيه القليل من الضعف والأداء يحتاج لشيء من المراجعة والمخارج غير واضحة في بعض الكلمات وهناك استعجال وزمنك فارق قليلاً..." وفي النهاية يقولون له أو لها " لكن بمزيد من الاجتهاد والاستماع يمكنك أن تكون ( تكوني ) أفضل. سألتها: وما المشكلة في مثل هذا النصائح؟ أجابت: المشكلة أن ما يقولونه يهدم مشروع الفنان في المطرب أو المطربة وليس منطقياً أن يقبل البرنامج بكل من يحاول الغناء لمجرد الرغبة في المحاولة. قلت: تنكرين على هؤلاء الشباب حقهم في المحاولة! قالت: بهذا الفهم يا صديقي يمكنك ككاتب أن تضع قلمك جانباً وتتوجه منذ صباح الغد لأقرب مستشفى وتحاول بمساعدة بعض الاختصاصيين الكبار ممارسة مهنة الطب.. ويستطيع النجار أن يلقي بمنشاره جانباً ويمارس الهندسة الميكانيكية إن تبرع له مهندس كبير بالنصائح التي تعينه على أداء هذا العمل! قلت بشيء من الغضب:كأنك تسخرين مني يا صديقتي! قالت: ليس تماماً.. لكن الغناء الذي أعرفه يا عزيزي يحتاج لشيء من الموهبة ومن غير المعقول أن يكون عدد المواهب في بلدكم بهذه الضخامة.. ويبدو لي مما أراه في هذا البرنامج أن الهدف هو توفير وسيلة عيش دائمة للعاملين فيه ولذلك تجدهم يقبلون بأنصاف أو حتى أرباع المواهب وهذا أمر غير .. قاطعتها بالقول: أقحمتينا كعادتك في أمر ربما ( يجيب لينا اللوم) فاتركيه جانباً ولنكمل ما بدأناه عن رحلات مادوغري. قالت: ألم ينته الحديث حول هذا الموضوع بعد..؟ يبدو أنك بت لا تفهم النهايات يا صديقي.. والآن حان وقت مغادرتي، فإلى لقاء قريب بإذن الله. هرولت صديقتي وكأنها تخاف من إصراري على مواصلة النقاش وتركتني في حيرة من أمر مطرباتنا وعائلاتهن ودولتنا وشريف ما دوغري الذي يبدو أنه لا يطرب إلا للمغنيات السودانيات تحديداً!