صدر كتاب د. فرانسيس دينق: السودان علي شفا الهاوية: تقرير المصير والوحدة الوطنية( نيويورك 2010م)، باللغة الانجليزية، في 55 صفحة من الحجم الكبير. قدم للكتاب كالفن كاهل البروفيسور والمدير لمعهد الشئون الانسانية العالمية بجامعة فوردهام. أشار كاهل في تقديمه الي (أن انفصال الجنوب سوف يكون أول سابقة في افريقيا ، تتعارض مع ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية ، اذا غضينا النظر عن انفصال اريتريا والذي كان مبررا، كما أشاد بموضوعية وحكمة وعقلانية د. فرانسيس دينق الذي ظل مثابرا وداعيا لوحدة السودان من خلال تنوعه وعلي أساس المساواة الكاملة والعدالة الاجتماعية، غض النظر عن الدين أو العرق أو اللون). تناول الكتاب الفصول الآتية: 1- نحو الوحدة الوطنية، 2- حوار حول مواضيع السلام، 3- ندوة تقرير المصير والوحدة الوطنية، 4- تطورات جديدة، 5- عشرة قواعد للتفاوض- شرح المبادئ، 6- اتزان العام والخاص. ويخلص الكاتب الي ضرورة: قيام سودان جديد يقوم علي المساواة الكاملة ودون تمييز علي كل المستويات، كما يري الكاتب أن ابيي يمكن أن تكون جسرا للتواصل بين الشمال والجنوب، ومن خلال تفاهم المسيرية والدينكا علي الأرض، وبما يراعي مصالحهما المشتركة بينهما، كما يري ضرورة الحل الشامل والعادل لقضية دارفور وبقية المناطق المهمشة علي أساس التنمية المتوازنة والتنوع الثقافي والعدالة في توزيع السلطة والثروة وفك احتكار الأقلية الحاكمة في المركز، اضافة الي ضرورة حل المشاكل والعقبات التي تواجه الاستفتاء مثل: ترسيم الحدود ، وتكوين مفوضية ابيي وبداية التسجيل..الخ، وحل مشكلة الهوية. د. فرانسيس دينق معروف سوداني من أبناء قبيلة الدينكا، وله عدة مؤلفات منها : (صراع الرؤي: نزاع الهويّات في السودان)، و(البحث عن السلام)، و(الوحدة في السودان)، و(رجل يدعي دينق ماجوك- والد الكاتب-)، اضافة للعديد من المؤلفات حول ثقافة الدينكا والهوّية السودانية. ويري د.فرانسيس ضرورة وحدة السودان علي أسس جديدة يقول في ختام كتابه ( صراع الرؤي): ( لاشك أن الوحدة هدف سام ونبيل ، ولكن الضمان الأفضل لتحقيقها علي الصعيد الوطني هو أن تسمو القيادات فوق الشقاق الحزبي وتطرح للوطن بكامله رؤية تلهم قطاعا عريضا من السودانيين بغض النظر عن العرق أو الاثنية أو الاقليم أو الدين)( صراع الرؤي: ترجمة د. عوض حسن، مركز الدراسات السودانية، القاهرة 1999م، ص 47). كما يقول في ورقته( نحو استراتيجية ثقافية في وحدة تعددية – الصحافة:28-11-2000م) ( لابد أن ندرك أنه مهما كانت اجندتنا السياسية أوالثقافية أو الدينية لهذا الوطن أنه فقط من خلال الاقناع والحسني وليس القهر والفرض يمكن أن نحقق أهدافنا بطريقة متينة ومستمرة). يجئ كتاب د.فرانسيس دينق أعلاه والسودان فعلا علي شفا الهاوية أو جرف هار يكاد ينهار به، وفي وقت وصلت فيه اتفاقية نيفاشا الي طريق مسدود وانفصال الجنوب اصبح علي قاب قوسين أو ادني مهما يهدد بعودة الحرب الأهلية وانتشار عدوي الانفصال الي بقية أقاليم السودان( دارفور، الشرق، النوبا في الشمال..الخ)، بسبب التهميش والعوامل نفسها التي ادت لانفصال الجنوب. كما يأتي كتاب فرانسيس دينق في وقت تراجعت فيه قيادة الحركة الشعبية النافذة عن شعارها الذي اكدته في مؤتمراتها السابقة وآخرها الذي عقد في مايو 2008م وهو وحدة السودان علي أسس جديدة، بعد أن اصابها اليأس من مماطلة المؤتمر الوطني وسياساته المرواغة، علما بأن الانفصال ليس الحل ، بل سوف يزيد المشكلة تعقيدا في ظل التوتر الحالي ويعود بنا لمربع الحرب، وسوف يؤدي الي تعميق الخلافات داخل الحركة الشعبية، اضافة الي أنه قرار يعبر عن اليأس من العمل المثابر والدؤوب مع القوي السياسية في الشمال من أجل الوحدة علي أسس جديدة ، وتفكيك النظام الشمولي، وتحقيق دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو العرق أو اللون أو الثقافة، والتمدد شمالا بدلا من الانكفاء جنوبا. كما يعبر فرانسيس دينق عن صوت العقل الذي يهدف الي اطفاء وميض النار تحت الرماد، التي يزكيها المتطرفون الانفصاليون في الشمال والجنوب، بدق طبول الحرب والتي بدأ التحضير لها من الجانبين من خلال سباق التسلح والحشود علي الحدود، ومن خلال تصريحات المسيرية: لاترسيم للحدود ولاستفتاء مالم يشاركوا فيه، واعلان الجيش: لاستفتاء مع حشود الحركة الشعبية والخروقات التي تقوم بها علي النيل الأبيض، وتلويح سلفاكير باستفتاء خاص بالجنوب، اضافة الي أن فشل الاستفتاء سوف يؤدي الي الحرب، اضافة للخلافات التي بدأت تطل برأسها في قيادة الحركة الشعبية مثل تصريح د. محمد يوسف: (اعلان سلفاكير بالتصويت لصالح الانفصال رأي شخصي ، لأن خط الحركة الشعبية المجاز في مؤتمرتها هو وحدة السودان علي أسس جديدة). وأخيرا يبقي مؤلف د. فرانسيس دينق من المعالم البارزة في تحقيق وحدة السودان علي أسس جديدة، وما احوجنا للحكمة وصوت العقل في هذه الظروف الحرجة من تاريخ السودان والتي يجب فيها منع العودة للحرب بكل الأشكال. كما لايفوتني أن أشكر الاستاذ صالح محمود المحامي الذي أمدني بنسخة من هذا الكتاب القيّم. alsir osman [[email protected]]