في قانون استفتاء جنوب السودان الذي أجازه المجلس الوطني، ووقع عليه رئيس الجمهورية في اليوم الأخير من عام 2009م، نقرأ في الفصل الثالث منه المتعلق بمفوضية الاستفتاء، وفي الفقرة السابعة منه المعنونة ب(مهام المفوضية وسلطاتها)، نجد أنه في البند الثاني (ح)، نص القانون على أنه من ضمن مهام المفوضية (تأجيل إجراءات الاستفتاء لأي ظرف قاهر بموافقة الحكومة وحكومة جنوب السودان وتحديد مواعيد جديدة لها وفقاً لأحكام هذا القانون).. وهذا النص أصطدم في الوقت الراهن مع المواقيت التي أعلنتها مفوضية الاستفتاء، التي قررت رفع هذا الأمر الذي اعتبرته عقبة تقف أمامها لرئاسة الجمهورية لحسمها، وهذا دون الخوض في تفاصيل ما إذا كانت ترى التأجيل أم لا، بيد أن المؤتمر الوطني وجد فيه ما أعتبره (ظرف قاهر) كما جاء في النص أعلاه، مشيراً إلى أن الوقت المتبقي غير كافي لإجراء استفتاء حراً ونزيهاً، وهذا ما رفضته الحركة الشعبية من جانبها، حين ربطت هذا التأخير لجهة أن الوطني ماطل من قبل في إجازة هذا القانون، وماطل مرة أخرى في تشكيل هذه المفوضية، وماطل مرة ثالثة في إجراءات تعيين الأمين العام لها، مع تأكيدها على أن الوقت كافي تماماً لإجراء الاستفتاء، في إشارة إلى تمسكهم بيوم التاسع من يناير كيوم لإجراء الاستفتاء لا جدال عليه، ولا فصال فيه.. وفي الجهة الأخرى يجد قانونيون ومحللون سياسيون أن هذا الأمر ما شأنه أن يخلق صداماً بين الشريكين في الفترة المقبلة، مع التأكيد على أنه لابد من معالجة هذا الخلل، مع توضيح أنه لا يعالج إلى بعيد إرجاعه مرة أخرى للهيئة التشريعية، وذلك بعد توافق الشريكين، وذلك في ظل مطالبتهما بالتعقل لحل هذا الأمر، الذي يعتبر بحسبهم أمراً غير مقبول، وإخلال بالمواعيد المقطوعة.. وبالعودة إلى نص القانون مرة أخرى نقرأ في الفقرة المتعلقة بسجل الاستفتاء النهائي، في البند (1) (تقوم المفوضية بعد قيامها بالمراجعات النهائية وبعد الحصول على نتائج الاعتراضات بإعداد سجل الاستفتاء النهائي وإعلانه قبل ثلاثة أشهر من تاريخ بداية موعد الاقتراع ولا يجوز النظر في أي اعتراض بعد نشرها سجل الاستفتاء النهائي)، وهو النص الذي رأت مفوضية الاستفتاء أنها اصطدمت به، حيث قال المستشار الإعلامي لمفوضية استفتاء جنوب السودان السفير جمال محمد إبراهيم، أن فترة الثلاثة أشهر هذه تقلصت الآن بصورة عملية إلى خمسة أيام، مشيراً إلى أن المفوضية ستعمل على رفع هذه العقبة التي تقف أمامها الآن لرئاسة الجمهورية لحسمها، وكان ذلك في ذات الوقت الذي أعلن فيه السفير جمال في التنوير الصحفي الدوري الذي يعقده بمقر المفوضية بالخميس الماضي عن مواقيت إجراءات الاستفتاء، موضحاً أن التسجيل سيبدأ في يوم 14 من شهر نوفمبر على أن يستمر لفترة ثلاثة أسابيع، ومع استذكار أن اليوم المقطوع للتصويت هو التاسع من يناير نجد أن الرجل قد كان محقاً حين أوضح إنها عقبة تقف أمامهم، حيث أن فترة الثلاثة أشهر لا تفصلنا الآن عن يوم الاستفتاء، وذلك مع مراجعة بقية الخطوات. وفي المقابل يبدو أن القيادي بالمؤتمر الوطني ونائب رئيس مجلس الولايات إسماعيل الحاج موسى التقط هذا الخلل، حيث أوضح أن عقبة الزمن هذه التي تحدثت عنها المفوضية سبباً قاهراً لتأجيل الاستفتاء، لافتاً إلى أن قانون الاستفتاء يعطي الحق للمفوضية في التأجيل، مشيراً في حديثه لي إلى أن قانون الاستفتاء حدد هذه التواريخ لأسباب موضوعية حتى يكون الاستفتاء حراً ونزيهاً، وأضاف إن المواقيت أختلت الآن بسبب كثرة المشاورات والعثرات التي اكتنفت تشكيل المفوضية، معتبراً أن الفترات الموضوعة الآن أصبحت غير كافية ليكون الاستفتاء حراً ونزيهاً. بيد أن الحركة الشعبية رأت عكس ذلك تماماً، حيث أنها لا تجد أن الزمن يمكن أن يكون سبباً قاهراً لتأجيل الاستفتاء، وذلك حين أوضح الأمين العام لكتلتها البرلمانية توماس واني لي أنها جاهزة له تماماً، وذلك بعد أن اعتبر أن المؤتمر الوطني هو السبب في هذا التأخير، موضحاً أن الوطني ماطل من قبل في إحضار القانون للمجلس الوطني، حيث كان مقرراً بحسب ترتيبات نيفاشا أن يدخل البرلمان في يوليو من 2008م، مشيراً إلى أنه ماطل مرة أخرى في إجازته، ومن ثم في تشكيل المفوضية ذاتها، ومرة أخيرة في اختيار الأمين العام لها، قاطعاً بعدم قبولهم لأي تأجيل لليوم المقطوع، مشيراً إلى أن شعب الجنوب مهيئا تماماً لهذا اليوم، مؤكداً على أن سلفا كير لا يستطيع أن يضرب بإرادة الشعب الجنوبي عرض الحائط (على حد قوله)، مؤكداً على عدم قبوله بأي تأجيل، وذلك في حال رفع هذا الأمر للرئاسة. وفي ظل هذا اللغط، والمواجهة الحادة ما بين الشريكين، قال المحلل السياسي والقانوني كمال الجزولي، أن هذا الأمر إخلال بمواعيد الاستفتاء، وأعتبر كمال في حيث معي عبر الهاتف أنها مسألة غير مقبولة، موضحاً أن هذا الجدل يجب أن يعاد للهيئة التشريعية لمعالجته، وذلك بعد توافق الشريكين عليه، الذيّن طالبهما بالتعقل لتفادي الصدام، مبيناً أن هذا الأمر من شأنه تأجيل الاستفتاء، وهو ما سيؤدي إلى نشوب صدام بين الشريكين، حيث ستحمل الحركة الشعبية المؤتمر الوطني مسؤولية هذا التأخير، وهذا لن يحدث في حالة واحدة فقط، وهي أن يتوافقا على حل لهذا المشكل. إجرائياً تأجلت الانتخابات العامة السودانية من قبل لفترة ليست بالطويلة، وذلك بسبب مسائل متعلقة بالتسجيل والكشوفات وما شابه ذلك من المطلوبات، ويبدو أن الاستفتاء مواجه بنفس المصير، والواضح أنه لا غضاضة في تأجيل الاستفتاء لفترة قد لا تتجاوز أسابيع اليد عداً، على الرغم من تمسك الحركة الشعبية بالتاسع من يناير إلى درجة الصدام من أجله، وذلك مع استذكار تهديدها المتواصل بالأساليب الأخرى، والتي من بينها إعلان استقلال جنوب السودان من داخل البرلمان، مع العلم أنه قد يؤدي مباشرة إلى الصدام الذي ذكرناه بينها وشريكها في الحكم الآن، الرافض تماماً لهذه الوجهة أو غيرها فيما عدا إجراء الاستفتاء، وهو ما يجعل التساؤل حول تمسك الحركة بيوم التاسع من يناير أمراً مشروعاً، ويحتاج إلى مراجعة في ظل البحث عن مصلحة السودان جنوبه وشماله على السواء. mohmed hilaly [[email protected]]