مع اقتراب موعد اجراء استفتاء جنوب السودان في التاسع من يناير المقبل (77 يوماً تبقّت)، ومع تزايد المخاوف من وقوع حالات عنف مصاحبة لإجرائه، في ظل عدم التوصل إلى اتفاق حول النقاط الخلافية بين الشريكين، من ترسيم للحدود، وقضايا المواطنة والجنسية والديون والمياه، وغيرها من قضايا ما بعد الاستفتاء التي لا تزال عالقة، ارتفعت بقوة الاصوات والآراء التي تطالب بتأجيل الاستفتاء إلى حين الفراغ من حل النقاط الخلافية، حتى يتم اجراؤه بصورة سلسلة وشفافة، دون أي عراقيل أو مواجهات محتملة. وتبدو الفترة المتبقية غير كافية بالفعل لإنجاز كل هذه المطلوبات بكل تعقيداتها، ومن ثم اجراء عملية استفتاء غير مضمونة العواقب. ودخلت مصر بقوة في سباق المطالبة بتأجيل الاستفتاء، يدفعها خوف منطقي على مصالحها، كأكبر الدول المتضررة في المنطقة، خصوصاً في ما يتعلّق بمخاوفها تجاه قضايا مياه النيل، حيث أنهى وفد مصري رفيع المستوى ضم وزير الخارجية احمد ابو الغيط، ومدير المخابرات عمر سليمان أمس زيارة خاطفة إلى البلاد التقى خلالها الرئيس البشير، ثم نائبه ووزير الخارجية بالخرطوم، قبل أن يتوجّه إلى عاصمة الجنوب ويلتقي برئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت، في زيارة تأتي بعد يومين فقط من زيارة وزير الدفاع السوداني للقاهرة. وكان العنوان المعلن لزيارة ابو الغيط وسليمان هو وقوف القيادة المصرية واطمئنانها على مجمل الاوضاع في السودان قبيل حلول موعد الاستفتاء، والتأكيد على ضرورة تجنيب الطرفين مخاطر العودة للصراع، والدعوة لعقد اجتماعات مكثفة على مستوى عال بين الشريكين للتفكير في حلول المسائل الخلافية بينهما. بينما رشحت أنباء شبه مؤكدة تشير إلى أن الهدف الأساسي للزيارة هو الترويج لمقترح مصري بتأجيل الاستفتاء لفترة تمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر من أجل تأمين عملية إجرائه بعيداً عن التوتر، ولتسوية المسائل الخلافية التي يمكن أن تعيد الحرب الأهلية مجدداً. وتردّد أن الاقتراح طُرِح بالفعل على قيادة الشريكين بالخرطوم وجوبا. وتزامن الاقتراح المصري مع ترجيحات امريكية بتأجيل الاستفتاء، بسبب "عقبات لوجستية وسياسية تشير إلى أنه من غير المؤكّد اجراء الاستفتاء في موعده المحدد"، وجاءت تلك التصريحات على لسان مندوبة الولاياتالمتحدة في مجلس الأمن سوزان رايس، التي كانت تتحدث لتلفزيون (بي بي اس) أمس الأول، مضيفة بأن "الوقت ضيق وهناك كم هائل من القلق والترقب والتوقع حول ما إّذا كان الاستفتاء سيقام في موعده المحدد". وبالرغم من أن التأجيل يوافق هوىً لدى قادة المؤتمر الوطني، الذين صرحوا مراراً بأن الاستفتاء لن يجري مالم يتم الفراغ من ترسيم الحدود، إلا أن وزير الخارجية والقيادي بالوطني علي كرتي أكد للوفد المصري التزامهم الكامل بقيام الاستفتاء في موعده، بطريقة سليمة وصحيحة تفضي إلى سلام دائم، واستكمال كافة القضايا العالقة والمرتبطة بالاستفتاء. بينما استبعد مسؤول في الحركة الشعبية صاحبة الموقف المتشدّد تجاه الحديث عن أي تأجيل أو تعطيل للاستفتاء، استبعد في تصريح لصحيفة "الحياة" اللندنية أمس موافقة الجنوبيين على التأجيل، باعتبار أن تأجيل الاستفتاء لثلاثة أشهر سيؤدي إلى تعطيله لعام كامل، بسبب ظروف الخريف المعروفة بالإقليم. وقال الامين العام للحركة باقان اموم عقب لقاء الوفد المصري برئيس حكومة الجنوب أول امس، إن سلفاكير أكد للوفد موقف الحركة وحكومة الجنوب الثابت بعدم إرجاع السودان إلى حالة الصراع والحرب من جديد. ويرى الكاتب السياسي وعضو قوى التجمع الوطني د. ابراهيم الأمين في تأجيل الاستفتاء خياراً أفضل من شأنه توفير قدر من الثقة بين الشريكين، ويصف التأجيل بالأمر الموضوعي لضمان مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب، عوضاً عن التمترس في مواقف محددة تصر على اجرائه في موعده، حتى ولو جاء بصورة مشوّهة، مما يزيد من مساحات عدم الثقة بين الطرفين، وأرجع الأمين التحرك المصري الأخير إلى حرص مصر على مصالحها في اقامة علاقة متوازية مع الخرطوم وجوبا، حتى لا تُتّهم بأنها تساند طرفاً على حساب الآخر، وأكّد ل (الأحداث) أمس أن هذه الزيارة مرتبطة بتصريحات وزير الدفاع الأخيرة في القاهرة، حول تأجيل الاستفتاء، وحتى لا يُفهم بأنها تساند تلك التصريحات. إذن فنحن أمام فصل جديد لشكل العلاقة بين الشريكين، ما بين موقف الوطني المؤيّد لتأجيل الاستفتاء، والذي تدعمه عدة جهات خارجية على رأسها الولاياتالمتحدة، وبين موقف الحركة الثابت تجاه ضرورة اجراء الاستفتاء في موعده المحدد تحت كل الظروف، وهو الذي عبّر عنه رئيسها في خطاب له الشهر الفائت بإحدى الكنائس بجوبا، من أن "إجراء الاستفتاء أمرٌ مقدّس وغير قابل للتأجيل أو التعطيل". jamal koora8 [[email protected]]