ممسكاً بخارطة السودان – ناقصة مثلث حلايب – بيده، وملوّحاً بها امام نوّاب مجلس الشورى المصري الأربعاء الماضي، طرح وزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط مقترحاً مصرياً بإنشاء كونفدرالية بين شمال السودان وجنوبه، باعتباره مخرجاً مصرياً مناسباً لأزمة السودان المعقدة. وتحدث ابو الغيط امام النوّاب بلغة "مَنْ وَجد التايهة"، وهو يقول بحماسة بائنة "طرحنا عليهم خيار الكونفيدرالية، والذي يعني بقاء الشمال والجنوب في إطار دولتين بنظام سياسي واحد".. لكنه شدّد مع ذلك بإن مصر ترى ضرورة اجراء الاستفتاء في إطار وحدة السودان، خاصة أن الشمال يثق في تأييد شعب الجنوب لخيار الوحدة. وكانت الزيارات الماكوكية للقيادة المصرية إلى السودان - شماله وجنوبه – قد تزايدت خلال الأسابيع الماضية بصورة واضحة، بغية البحث عن سبل لانجاح مساعيها الرامية إلى تجنيب وقوع الانفصال، وبالتالي النأي عن أي مخاطر محتملة، تزيد من البلبلة والصداع الدائم الذي يأتيها من جنوبالوادي، خاصة في ما يتعلق بمشاكل مياه النيل، والنزاع الحدودي بين السودان ومصر. وفيما جاءت زيارة وزير الخارجية احمد ابو الغيط، ومدير المخابرات عمر سليمان منتصف الشهر الماضي لكل من الخرطوم وجوبا، دعماً لهذا السعي المصري في محاولة لاقناع طرفي الحكم في السودان، الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، بضرورة تأجيل الاستفتاء، تجيئ تصريحات ابو الغيط الأخيرة حول طرح الكونفدرالية كمحاولة جديدة من مصر التي يبدو أنها ستطرق كل السبل للحؤول دون انفصال السودان. غير أن الاقتراح المصري والذي رحّبت به الجامعة العربية على لسان امينها العام عمرو موسى، قوبل برفض تام من قبل الحركة الشعبية، وبلا مبالاة من جانب المؤتمر الوطني، على الرغم من أنه ليس طرحاً جديداً، فقد سبق وأن طرحه المؤتمر الوطني على الحركة الشعبية في يونيو الماضي. وصرّح القيادي بالوطني ربيع عبد العاطي ل "رويترز" حول المقترح المصري بأن الأمر لا يعدو كونه اقتراح، وزاد : " باب المقترحات مفتوح". أما الحركة الشعبية فقد قطعت برفض المقترح من اساسه، ووصفت على لسان أمينها العام باقان اموم مقترح الكونفدرالية بأنه أمر سابق لأوانه، ولم تستبعد مناقشة المقترح عقب اجراء الاستفتاء. وهو الرأي القريب من حديثٍ جديد لأبي الغيط أدلى به أول أمس، عندما استقبل وزير الخارجية البريطاني وليام هيج، ونَسَخ به تصريحاته السابقة حول مقترح الكونفدرالية، حيث أبان ابو الغيط أن مقترح الكونفدرالية الذي عرضته مصر على السودان قُصِد به أن لا يتم ذلك الا بعد اجراء الاستفتاء وفي حالة حدوث الانفصال فقط، وأبدى الوزير المصري تخوّفه من احتمال اندلاع أعمال عنف مصاحبة لعملية الاستفتاء، ومن ثمّ تدفق المهاجرين السودانيين إلى مصر بأعداد كبيرة. غير أن الخبير الأمني والمحلل السياسي العميد م حسن بيومي سَخَر من المقترح المصري، ووصفه بأنه أمر بعيد الحدوث، وأضاف في حديثه ل (الأحداث) أمس بأن الكونفدرالية نظام متقدّم جداً، ويصعب تطبيقه في دولة مثل السودان، وأضاف بأنه بخلاف سويسرا لا توجد دولة تطبق الكونفدرالية الآن.. مشيراً إلى استحالة خلق جسم أو هيكل واحد بالسودان يدير دولتين لهما سياسات خارجية وعسكرية وأمنية مختلفة بكفاءة، وتساءل بيومي قائلاً: إذا طبقنا الكونفدرالية بين الشمال والجنوب، فماذا عن الغرب والشرق؟ هل ستكون هناك كونفدرالية لكل منهما أيضاً، ومضى ليقول إننا عجزنا عن تطبيق نظام فيدرالي ناجح، دعك من نظام كونفدرالي. وأضاف بيومي بأن مصر تخشى من وقوع انفصال غير سلس بين الشمال والجنوب مما يؤثّر على أمنها، وأشار إلى أن هجرة السودانيين سواء أكانوا شماليين أو جنوبيين إلى مصر في حال حدوث أي اضطرابات هو أمر طبيعي، فالعراقيون أثناء الحرب فرّوا إلى مصر، وكذلك الكويتيون، فلماذا تخشى مصر من تدفق السودانيين إليها؟! وتبقى كل الاحتمالات والحلول متاحة قبل حلول موعد الاستفتاء في التاسع من يناير المقبل، ويبقى الأهم من ذلك هو توافر الإرادة السياسية بين الطرفين، لتنفيذ كل ما يتم التوصّل إليه من حلول في كافة القضايا الخلافية. jamal koora8 [[email protected]]