في الوقت الذي تقترب فيه مفاوضات دارفور بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة من حط رحالها بالداخل، وانهاء رحلة طويلة من التفاوض بالعاصمة القطرية الدوحة، عملاً بتنفيذ استراتيجية الحكومة الجديدة للتعامل مع ازمة دارفور عبر توطين الحل الداخلي، وهو الأمر الذي أكّده رئيس الجمهورية في خطابه الذي القاه ببورتسودان بمناسبة عيد الانقاذ ال (21) في يونيو الماضي، بأن منبر الدوحة سيكون آخر منبر خارجي، وأنه لا مفاوضات خارج السودان. في هذا الوقت لا يزال ملف القضايا الخلافية العالقة بين شريكي الحكم المؤتمر الوطني والحركة الشعبية يتنقّل بين العواصم، بحثاً عن حلول لقضايا ترسيم الحدود في أبيي، وقضايا ما بعد الاستفتاء، المواطنة والجنسية، والديون، والمياه، وهي القضايا التي قتلها الشريكان بحثاً ومشاورة، في الخرطوم وجوبا وأديس أبابا، دون العثور على حلول مناسبة، او تسويات اوصفقات، تحل على الأقل محل الاتفاق النهائي بينهما. وأمس حمل الشريكان اوراقهما وخلافاتهما، وحزما أمتعتهما في رحلة جديدة، متوجّهين هذه المرة صوب اوروبا، حيث تلقّى الطرفان دعوة من حكومة النمسا لعقد اجتماعات بالعاصمة فيينا، من اجل العمل على تسهيل التفاوض حول القضايا العلاقة، والوصول لأفضل السبل لحلها، ويقود وزير الخارجية علي كرتي الوفد الحكومي رفيع المستوى، حيث أعرب في تصريحات صحفية قبل سفره عن أمله في أن تأتي الجهود النمساوية متسقة ومكمّلة للجهود المبذولة أصلاً بين الشريكين، بغية التوصل لحل يرضي جميع الأطراف، ويرأس وفد الحركة الشعبية أمينها العام ووزير شؤون السلام بحكومة الجنوب باقان اموم، الذي كرر أمس الأول في تصريحات خاصة لقناة "العربية" اتهامه للمؤتمر الوطني بوضع العراقيل والصعوبات أمام اجراء الاستفتاء، مشيراً إلى تبنّي الولاياتالمتحدة لبعض المقترحات لتجاوز تلك العراقيل، في اشارة لحزمة الحلول التي تقدم بها السيناتور الأمريكي جون كيري لطرفي الحكم مؤخراً، والتي لم يعلن عنها، ولكنت ر شحت تسريبات بأنها تتمحور حول تأجيل اجراء الاستفتاء بموافقة الطرفين. وكان الشريكان انخرطا الاسبوع الماضي في مشاورات واجتماعات ماراثونية في الخرطوم، عقب انهيار اجتماعات أديس الأخيرة، وتأجيل جولة أديس الثانية بينهما بخصوص أبيي. في اجتماعات متواصلة دعا من خلالها رئيس لجنة حكماء أفريقيا ثابو مبيكي الطرفين إلى سرعة الاتفاق على حل الخلافات بينهما خلال خمسة أيام اعتبارا من الأحد الماضي. وتأتي اجتماعات فيينا التي انطلقت أمس ويرجّح أن تستمر ليومين في اطار الموقف الأوروبي الثابت الذي يشدّد على ضرورة الالتزام باجراء الاستفتاء في موعده في التاسع من يناير المقبل. وهو ذات الموقف الذي تتبناه الولاياتالمتحدة، ما يصب في دعم موقف الحركة الشعبية الرافض لأي اتجاه للتأجيل. ويذهب استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د. الطيب زين العابدين إلى أن الطرفين لا يسعيان إلى التوصل لحول أصلاً ، وإلا لتوصلا إليها هنا وليس في اوروبا أو أمريكا، مضيفاً بأن الحركة دائماً هي التي تفرض الطرف الأجنبي الذي يلجأ إليه الشريكان، وغالباً ما يدعم هذا الطرف مواقف الحركة، ويقف ضد مواقف الوطني، ويصف زين العابدين موقف الوطني في السعي وراء الحلول الأجنبية بالغريب، قائلاً "هذا مفهومٌ من جانب الحركة، لكنه غير مفهوم ولا مقبول من الوطني". ويمضي زين العابدين في حديثه ل (الأحداث) أمس ليشير إلى أن قضية أبيي منذ بدايتها كانت أجنبية، حيث ظلت في يد الأجنبي منذ تقرير دانفورث والخبراء الأجانب، مروراً بمحكمة لاهاي، ثم اجتماعات نيويورك في سبتمبر الماضي، وصولاً لاجتماعات المبعوث الأمريكي غريشون بأديس حول أبيي، وأخيراً الاجتماع الأخير الذي احتضنته أديس بحضور اطراف دولية. ويضيف زين العابدين إلى أن كل طرف لا يريد التزحزح من موقفه، وأنهما يريدا أن يصنعا بذلك ضجة وزخماً على مستوى العالم، حتى يأتيهما الحل من الخارج. ويصف زين العابدين مطالبة الحركة الشعبية بمنع المسيرية من التصويت بغير المعقول ولا المقبول، ويصف أيضاً اعلانها بأنها ستعطي المسيرية 2% فقط من النفط، والمنصب الإداري الثاني بعد دينكا نقوك، فضلاً عن عرضها بالتنازل عن أبيي مقابل تعويض مالي وحوافز أمريكية بالأمر الغريب، قاطعاً بأن الوطني لا يمكن أن يوافق على كل ذلك، وحتى لو وافق فإن المسيرية الذين سجل (67) ألف منهم في دائرة أبيي في الانتخابات الأخيرة، لا يمكن أن يتنازلوا عن حقهم. ويحصر زين العابدين الحل الوحيد للخلاف حول أبيي في نقطتين اثنتين، هما أن تكون أبيي منطقة تكامل بين القبيلتين، ويتم منح سكانها الجنسية المزدوجة، وهو الاقتراح الذي طرحه الوطني من قبل، وإما أن يتم اقتسام الأرض بين الدينكا والمسيرية، وإذا تم الاتفاق على ذلك يقول زين العابدين فلن يكون هناك داعٍ لاجراء استفتاء في المنطقة. jamal koora8 [[email protected]]