كرتنا السودانية بين الأمس واليوم)    شاهد بالفيديو.. البرهان يصل من تركيا ويتلقى التعازي في وفاة ابنه    ديمبلي ومبابي على رأس تشكيل باريس أمام دورتموند    لماذا دائماً نصعد الطائرة من الجهة اليسرى؟    ترامب يواجه عقوبة السجن المحتملة بسبب ارتكابه انتهاكات.. والقاضي يحذره    محمد الطيب كبور يكتب: لا للحرب كيف يعني ؟!    القوات المسلحة تنفي علاقة منسوبيها بفيديو التمثيل بجثمان أحد القتلى    مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    إيلون ماسك: لا نبغي تعليم الذكاء الاصطناعي الكذب    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان فى مهب الريح ..أزمات الحاضر و مالآت المستقبل .. بقلم: د. حمد عبد الهادي
نشر في سودانيل يوم 25 - 10 - 2010


بسم الله الرحمن الرحيم
د. حمد عبد الهادي *

يمر السودانُ بمرحلة مفصلية في تاريخه الحديث تهدد وحدته وبقائه مما يتطلب تضافر الجهود من أجل حفظ أمن و سلامة الوطن. لقد أفرزت سياسات حكومة المؤتمر الوطني و آخرها المواجهات و الاتفاقيات الثنائية مع الحركات المسلحة ؛ وضعاً استثنائياً غير متجانس عقّد أزمات البلاد بصورةغير مسبوقة أصبح معه الحل أقرب الي المستحيل.

الوضع السياسي الراهن
1-اتفاقية نيفاشا ومستقبل جنوب السودان

عقب توقيع اتفاقية نيفاشا في العام 2005؛ كانت الآمال معقودةً أن يصبحَ التغيير جسراَ تعبر به البلاد الي بر السلامة والأمن المنشودين بعد سنوات من ا لحرب و الإقتتال. بشرت الإتفاقية بالسلام ، التحول الديمقراطي ، سيادة الدستورو القانون.
من جهة أخري ؛ تشاء م الكثيرون من نذر الإتفاقية وقصورها عن تقديم الحل السياسي الشامل لمشاكل البلاد المتراكمة باقتصارها علي عدوين هما طرفي نقيض لا يمثلان كل الشمال و الجنوب. أضف الي ذلك غياب عاملي الثقة و الإرادة السياسية لتنفيذ بنود الإتفاقية بالشفافية المطلوبة كما تعاهدا .
لسؤ حظ الوطن؛ رجحَت كفة المتشائمين عندما نكص المؤتمر الوطني بصورة جوهرية عن كثير من بنود الإتفاقية ، لا سيما التي تتعلق بالحرية ، حقوق الإنسان ، الديمقراطية و التداول السلمي للسلطة. استسلمت الحركة الشعبية لهيمنة المؤتمر الوطني السياسية و الاعلامية وانكفأت علي حقوق الجنوب في السلطة و الثروة و ترسيم الحدود.مهد ذلك الطريق للمؤتمر الوطني لتعطيل دور الاعلام في التحول الديمقراطي ، شل العمل السياسي بتمديد عمل قانون الأمن و المخابرات و تكوين أجهزة غير محايدة للإشراف علي التعدادالسكاني ، التسجيل الانتخابي و من ثم الانتخابات التعددية. تحت هذا الوضع المقيّد للحريات؛ تمخضت الانتخابات الماضية عن أضخم عملية تزوير للإرادة الشعبية في تاريخ السودان الحديث علي مستوي رئاسة الجمهورية ، البرلمان و الدوائر الولائية يصعب تفسيرها بكل علوم الإحصاء الحديث.
بعد هذه الطريق الشاق ؛ استيقنت قيادة الحركة الشعبية أن آخر بند من الاتفاقية لا يمكن أن يؤدي الي سودان موحد تحت ظل هيمنة و تسلط المؤتمر الوطني. كما أدت المشاكسات و المناورات السياسية المتكررة جل زمن الفترة الانتقالية الي فقدان عامل الثقة من جانب الحركة الشعبية فاستيأست و آ ثرت سبل النجاة لتدفع بخيار الانفصال كهدف استراتيجي رغم إ لتزامها بترجيح خيار الوحدة ادبان المفاوضات وعند الاتفاقية . أفاق المؤتمر الوطني من سباته الوحدوي العميق و تضييعه فرصة جعل الوحدة جاذبة فأخذ يحاول النجاة بالوطن بعد أن ضيع مسلك الخلاص و أمعن في المكابرة عن رؤية الواضح الجلي. قبل شهورمن وقوع الكارثة ؛ يتبادل الشريكان المتشا كسان الاتهامات بتركة المسئولية التاريخية فيما يظل الخاسرالأوحد الوطن و شعبه
لقد أصبح انفصالُ الجنوب واقعاً يجب الاعتراف به للأسباب التالية :
أ- غلبة يد الانفصاليين في الحركة الشعبية علي صوت الوحدويين .
ب- هيمنة الحركة الشعبية علي الخطاب السياسي و الاعلامي بالجنوب.
ج- عدم ثقة أهل جنوب السودان في الشمال ممثلاً في المؤتمر الوطني.
د- الدعم الاقليمي و الدولي لمشروع الانفصال.
ه- فائدة الحصول علي السلطة و الثروة المطلقة دون مشاركة الشمال.
في ظل هذا التاريخ الحرج من عمر الوطن ؛ تنسي قيادة الحركة الشعبية حقائق جوهرية تتغافل عن رؤيتها بسبب ضبابية الموقف السياسي :
أ- أن المؤتمر الوطني لا يمثل كل شمال السودان و أن تماديه في نقض المواثيق و العهود لا يمثل كل القوي السياسية في الشمال.
ب- إن المؤتمر الوطني يمثل حقبة غير مستدامة من تاريخ السودان الحديث لا يجب معها إتخاذ قرارات مصيرية تهدد مستقبل الوطن.
ج- لأسباب متعددة ؛ سيظل جنوب السودان مرتبطاَ بشماله و إن تم الانفصال.
في مطلع العام القادم ؛ ستدخل الاتفاقية مرحلتها النهائية وسط احتقان سياسي غير مسبوق ، ستدعم الحركة الشعبية خيار الانفصال و تعمل له بالاستنفار السياسي و الشعبي و في الجانب الآخر سيعمل المؤتمر الوطني للوحدة ما استطاعَ ، حاشداً لها كل آلياته الإعلامية و الشعبية.
يخشي المؤتمر الوطني في المقام الأول ؛ العواقب الإقتصادية المترتبة علي انفصال الجنوب ثم الأمنية متمثلةً في عدم الاستقرار في مناطق التماس و اخيراً السياسية بتحميله المسؤلية التاريخية . يضاف الي ذلك مشكلة ترسيم الحدود التي لم تحسم و نحن علي شفا نيران الإستفتاء ووضع منطقة أبيي المليء بالألغام السياسية العنقودية ، التي فشل المفاوضين في ايجاد حل مرض لها قبل قيام الاستفتاء مما ينذر بشر مستطير من الممكن أن ينفجر في مستقبل الأيام.
في ظل هذا الاستقطاب الحاد ؛ ستسفر نتيجة الاستفتاءعن خيبة أمل كبيرة لأحد الطرفين و أنصارهما من الممكن أن تؤديَ الي عدم القبول بالنتيجة و بالتالي تفجر الصراع. إن لم يتم الإتفاق علي توخي الحكمة و الرضاء بحقوق تقرير المصير ؛ سيصبح الإستفتاء زلزالاَ يدك أمن و سلامة البلاد. لذلك ندعو أن تتوفر كل مقومات نجاح الاستفتاء من حيثُ النزاهة ، العدالة ، الشفافية و المراقبة الاقليمية و الدولية . كما ندعو الطرفين الي الاحتكام لصوت العقل بوضع أمن و سلامة البلاد فوق كل شيء . لن ينجزَ دق ُ طبول الحرب شيئا ، سوي أن يعود بنا القَهقَري.

2- مشكلة دارفور

منذ اندلاع نار الحرب في دارفورمنذ ما يقرب من عقد من الزمان؛ عاني إنسان دارفور شتي ضروب المذلة و البؤس ،حيث غاب الأمن و السلام ، و الحرب قد أودت بحياة الآلاف و أكلت الأخضر و اليابس ، و انتشر النازحين في معسكرات كئيبة لسنوات اقعدتهم عن الحياة المستقرة و سلبتهم حقوقهم الأساسية في الصحة ، التعليم و الحياة الاجتماعية الآمنة المستقرة. تطورت مشكلة دارفور افقياَ و راسياَ ؛ فانتشر اللاجئييون و المهاجرون في مختلف الدول الدانية و القاصية وفوق كل ذلك غابت التنمية التي من أجلها رفع السلاح.
منذ توقيع اتفاقية أبوجا و ملحقاتها ؛ فشل المؤتمر الوطني و الحركات المسلحة في توفير السلام ، الأمن و الاستقرار في الاقليم ، حل مشكلة النازحين ، تحقيق العدالة و توفير تنمية مستدامة.
تحمّل الحركات المسلحة المؤتمر الوطني وزر فشل الاتفاقية في تحقيق مراميها ، بينما يرمي الآخر اللوم علي الأولي لضعف القيادة الرشيدة، غياب الإرادة السياسية وتفشي الفساد. في خضم كل هذا؛ استمرت معانآة إنسان دارفور و زاده افقا راً ؛ أكبر عملية احتيال اقتصادي شهدها الإقليم علي مر تاريخه السياسي في ظل ضلوع مباشرلمنسوبي المؤتمر الوطني و حماية من قيادته السياسية.
أدي تدويل مشكلة دارفور؛ إلي كثرة المنابر السياسية لمحاولة الوصول لحل للصراع في الإقليم المضطرب. تنوعت المنابر من حادب علي مصلحة الوطن إلي باحث للمجد و السؤدد.
كما أدي البحث عن تحقيق العدالة في الاقليم ؛ الي الخروج بالمشكلة الي رحاب المجتمع الدولي ومنه إلي المحكمة الجنائية الدولية التي لم تتورع في توجيه الإتهام الي رئيس الدولة بتهم جرائم الحرب و الإبادة الجماعية مما أدخل الدولة بأجهزتها السياسية و الإعلامية في مواجهة مع المجتمع الدولي . لكل هذه الأسباب ؛ دخلت الدولة في سباق محموم للوصول لإتفاق يحل المشكلة ولو شكلياَ دون رغبة أكيدة لحل جذري لإس المشكلة .
تكونت مؤخراَ ؛ عدة منابر لتوحيد الحركات المتشظية تحت قيادة جماعية تفاوض المؤتمر الوطني في ظل معارضة البعض . نثمن علي هذه الجهود لأن في الإتحاد قوة و لأن الإنقسام و التشظي لعب دوراَ مباشراَ في تاجيج الصراع و إضعاف قضية دارفور أمام الرأي العام السوداني والدولي . يجب علي الحركات المختلفة أن تسمو فوق مسببات الإختلاف علي علاتها وأن تضع مصلحة إنسان دارفور أولاَ و أخيراَ.

بعد استفتاء جنوب السودان ؛ سوف يكثف المجتمع الدولي جهوده للوصول لحل لمشكلة دارفور بما يضمن السلام ، الإستقرار ، التنمية و العدالة . سيستمر المؤتمر الوطني في رفضه لأي تدخل دولي لتحقيق العدالة وينادي بتولي القضاء السوداني تحقيق قيم الإنصاف. في ظل هيمنة وشمولية الحزب الحاكم يستحيلُ تحقيق مقاصد الإنصاف و العدل مما ينذر بتصعيد المواجهة التي قد تسفر عن عقوبات إقتصادية وربما تدخل عسكري كما يقتضيه قانون مجلس الأمن.
يجب الجهد علي حل مشكلة دارفوربالعمل علي توفير الأمن و الإستقرار، حل مشكلة النازحين و اللاجئين
، تنمية ا لإقليم تنميةَ مستدامة و إشراكه العادل في السلطة و الثروة ، تحقيق العدالة و التعويض المادي و العيني لجبر الضرر.
3- الأزمة الإقتصادية
قبل أن ينفصل الجنوب و تفقد الحكومة المركزية نصف الثروة من الجنوب؛ تشكلت نذر أزمة إقتصادية تنبيء بشر مستطير.أدي الصرف الحكومي غير المرشد علي أجهزة الدولة المترهلة ، التزامات اتفاقيات السلام ، الوظائف السيادية المتعددة ، المتطفلين السياسيين ؛ الي افقار خزينة الدولة من الإحتياطي الاستراتيجي . حل ذلك بالإستدانة من النظام المصرفي ليؤدي الي عجزالموازنة و بالتالي هبوط سعر العملة الوطنية. يضاف الي ذلك الجزع مما قد تسفر عنه الأيام المقبلة مما أدي الي عدم الإستقرارالمالي و الإقتصادي . أدت كل هذه الأسباب ؛ الي الإرتفاع المتسارع في الأسعار و غلاء مستوي المعيشة بصورة لم تقابلها زيادة في الأجور أو دعم للشرائح الفقيرة.

يقابل ذلك دعمٌ مباشروغيرمباشرلمنتسبي الحزب الحاكم في أجهزة الدولة أو القطاع الخاص . كما أسبغ النظام علي الأجهزة النظامية و الأمنية رعايةَ خاصة خوفاً منه و طمعا . لكي تظل حكومة المؤتمر الوطني في الحكم ؛ كان لا بد لها أن توطد ذلك عبر آليات عسكرية و امنية . دعمت الحكومة المركزية القوات النظامية و الأمنية دعماً غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث وهي تهدف من ذلك لأمرين ؛ حماية النظام من أي عمل عسكري أو مدني ضد السلطة و توفير مصالح دنيوية و مادية تربط هذه القوات إرتباطاً مباشراً ببقاء السلطة.
لذلك نشأت علاقة ٌ تكافلية بين هذه القوات و السلطة يرعي كليهما الآخر بالدعم و الحماية. للأ سف الشديد كان هذا الدعم خصماً و استنزافاً لموارد الدولة و علي حساب منصرفات التنمية من صحة و تعليم و تنميةً إقليمية. جعل هذا الوضع الشاذ ؛ هذه القوات بعيدة عن وجدان الحس القومي و مشاكل غالب السكان في الحل و الحضر.
في ظل غياب الدعم المركزي الكافي ؛ لم تجد الحكومات الولائية و المحلية بداً سوي تسليط سيف الضرائب و الجبايات علي عنق المواطن المغلوب علي أمره لتزيده عنتا ًومشقة. كما أصبح المواطن حكومة مصغرة ؛ يوفر المستلزمات الأساسية يضاف اليها العلاج و التعليم لغياب دولة الرعاية الإجتماعية.
زاد من سوء الأوضاع الإقتصادية ؛ نشوء طبقة جديدة أستفادت من نظام الحكم وهي ترتبط ارتباطاً و ثيقاً بالسلطة مستفيدة من التمويل الميسر ، فرص الإستثمار ، التسويق و ربما القوانين في بعض الحالات. لم تهتم هذه الطبقة بالتنمية ، الإنتاج أو توسيع فرص العمل بل كان جل همها العائد السريع علي حساب المواطن البسيط الذي أرهقه الغلاء ، ضعف الأجور و الضرائب المركبة.

في العام القادم ؛ من المرجح أن تفقد الحكومة المركزية نصف العائد من ثروة الجنوب البترولية التي يعتمد عليها الإقتصاد بصورة أساسية . لسد هذه الفجوة ؛ ستعمل الحكومة المركزية بزيادة الضرائب ، الجمارك ، الرسوم و الإستدانة كخطوات سريعة لتدارك الأزمة المالية في غياب التخطيط السليم لتوفير البدائل الزراعية و الصناعية طيلة السنوات الماضية. سيسفر هذا الوضع ؛ عن غلاء طاحن و إرتفاع تكاليف المعيشة يتضرر منه بصورة أساسية المواطن البسيط.
4- الأزمة السياسية
لم يشهد السودان الحديث استقراراً سياسياً منذ استقلاله. فقد تأرجحت الحكومات بين ديمقراطية مدنية إلي عسكرية شمولية تخللتها ثورات شعبية . فشلت الحكومات منذ الإستقلال مدنية و عسكرية في إيجاد حل لمشكلة الجنوب ،المواطنة ، الهوية و نظام الحكم أقعدنا حتي اليوم و جعلنا ندفع ثمناً غالياً قد يفضي إلي تمزيق أرض الوطن لغياب الرؤية السياسية الثاقبة. لقد تباينت الرؤي السياسية حول الوسائل المثلي لحكم الوطن و ها نحن بعد ما يفوق علي الخمسين عاماُ من الاستقلال ؛ لا نمتثل لدستور دائم ولا نخضع لقضاء مستقل ، و لا نحترم حقوق المواطنة و لا نتراضي لوسيلة حكم مثلي . لقد تسببت النخب السياسية و العسكرية بصورة مباشرة في القعود بالوطن بسبب رؤيتها الضيقة و إرادتها الضعيفة و اخفاقها في ايجاد مخرج قومي تجتمع عليه الأمة .
رغم تشابه المكونات الإثنية ، الثقافية ، الدينية و اللغوية بين الهند والسودان ؛ نجد أن الأولي قد نجحت في تأسيس نظام ديمقراطي تعددي أدي لأحداث طفرة اقتصادية و تنموية جعلت الهند قوة إقليمية و دولية علي الرغم من كثافتها السكانيه العالية. من الأسباب الرئيسية لتطور الهند ؛ الإستقرار السياسي ، التداول السلمي للسلطة ، سيادة القانون ، احترام حقوق المواطنة ، الأهتمام بالتعليم و إلإعتراف بالتعدد الإثني و الثقافي.
سينحتُ في كتاب تاريخ السودان ؛ أن إنقلاب الحركة الإسلامية عام 1989 أدخل البلاد في أكبرمحنة تاريخية عقدّت أزماته بشكل يستحيل معها الحل. كانت رؤي الحركة ؛ بناء الدولة الإسلامية علي قيم الحق والعدل ، الحفاظ علي وحدة الوطن ، محاربة الفساد و تحقيق قيّم العدل الإجتماعي. في ظل العقدين الماضيين تحقق نقيض كل ذلك ؛ فعم الباطل ، وساد الظلم و الطغيان ، و تمزق الوطن ، و انتشر الفساد و أنفصم العقد الإجتماعي المنظوم.
عقب مفاصلة الحركة الإسلامية في 1999 ؛ إنتهي المطاف السياسي بالحركة بالتشبث بكل متغير من أجل البقاء في الحكم و نبذت كل مبدأ يعرضها للمحاسبة و المسألة. فهي تخاف مما اغترفته و تعلم أن أي تغيير فيه فناؤها فاصبحت كالممتطي صهوة الأسد ؛ ركوبه صعبٌ و النزول منه أصعب. لكل ذّلك ؛ كانت استراتيجية المؤتمر الوطني وقتية و ظرفية تتغير عند الكسب السياسي فهو إن حدّث كذب ، و إن أؤتمن خان و إذا عاهد غدر . تظهر هذه الإستراتيجية بوضوح عند فحص محادثات المؤتمر الوطني مع مختلف التنظيمات السياسية.
ككل الأحزاب السياسية ؛ تتنازع المؤتمر الوطني مراكز قوي. تتنوع هذه المراكز من سياسية و تعُني بالمناورات السياسية ، و عسكرية وهي أقرب لمراكز إتخاذ القرار ، و أمنية متشددة وهي الأقوي و بيدها سلطة التنفيذ. لكل هذه المراكز نقاط ضعف و قوة يظهر تباينها عند الأزمات عندما يطفو علي السطح زبد صراعها السياسي. بينما تحاول المراكز السياسية إيجاد حلول وسط الإ أنها ضعيفة عند التنفيذ لاصدامها بصخرة المراكز المتشددة.

غرست السياسات الأحادية طيلة الأعوام الماضية ؛ نبت شؤم في أرض الوطن فساد فكر الإستعلاء العرقي ، وصوت التهميش ، و إنتشرت المجموعات المسلحة و غابت قومية القوات النظامية . لكل ذلك يجب السمو بالحس الوطني لأن كل دعوة للتغيير لا تضمن العواقب الوخيمة من فوضي و تشظي تماثل صورة العراق ، لبنان أو الصومال. لكن علي الجانب الآخر ؛ بقاء الأوضاع علي حالها سيطيل عمر الظلم و الطغيان.
بعد نهاية الاستفتاء ؛ ستجد الأحزاب السياسية نفسها بين رمضاء عدم الإستقرار الوطني و نار هيمنة و تسلط المؤتمر الوطني. للوصول بالبلاد إلي استقرار وطني و سياسي يجب أن تتوفر عوامل الثقة ، الإرادة الوطنية و إخلاص النوايا .
تمثل الأزمة السياسية السودانية الراهنة ؛ صورة مكبرة لمختلف أشكال الصراع القبلي المتشعب في السودان مما يتطلب حلها باللجؤ الي وسائل عرفناها منذ الآف السنين. فالحل لا بد أن يكون وطنياً داخلياً لا عبر إملآت خارجية ، فمتي جاء الغريب تعقّد الحل . و لا بد أن يجتمع العقلاء و الحكماء لايجاد سبل الخلاص بارادة قوية و نية خالصة و مقدرة علي التنفيذ . و لا بد أن نصل الي مصالحة وطنية قومية
ترسم الطريق لإنقاذ حقيقي للوطن.

نؤمن أن دون ذلك ؛ خرط القتاد و تهديدٌ لنفوذ من لا يسمعون الا أصواتهم و لا يروا الا ما تحت أقدامهم و ما فتئوا يحلمون بسبل الرشاد بعد أن أضلوا الوطن الطريق. هل يمنع قلة إرادة الشعب ؟ يعلمنا التاريخ أن دس الرؤوس في الرمال ؛ قد يفضي الي فناء الأمم.
* كاتب و سياسي
Hamad Hadi [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.