حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤتمر الوطني وإستراتيجية إدارة الأزمات ... بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
نشر في سودانيل يوم 26 - 10 - 2010

بعد ما اتخذت الحركة الإسلامية قرار الانقلاب العسكري ضد النظام الديمقراطي و تنفيذه من قبل المؤسسة العسكرية في 30 يونيو 1989 أصبحت مؤسستان متداخلتان هناك في أدارة الدولة و علي رغم من أن المؤسسة العسكرية هي التي قامت بالانقلاب و لكن كان الحزب هو الذي يمسك بزمام الأمور و بعد التمكين بدا تراجع الحزب لمصلحة الكارزما السياسية المتمثلة في "الدكتور الترابي" في إدارة الشؤون السياسية و الدولة و هذا التراجع للمؤسسة احدث فراغات سياسية إن كان في بنية الدولة أو في المؤسسة الحزبية باعتبار أن الكارزما مهما كانت مقدراتها لا تستطيع بمجهودها الفردي ملء تلك الفراغات و كان يجب أن تملأ لكي تستمر المسيرة السياسية من جانب و تسيير دولاب الدولة من جانب آخر الأمر الذي احدث شرخا في المؤسسة السياسية ثم تحول إلي صدام مع مؤسسة الكارزما في كيفية أدارة المؤسسة السياسية و مؤسسات الدولة للأسباب الآتية:-
أولا – هناك اختلاف منهجي بين القيادات السياسية التي جاءت من المؤسسة الحزبية و القيادات العسكرية في إدارة الدولة و تعتقد القيادات العسكرية أن آية تنازل في المستقبل من قبل المؤسسة السياسية لصالح القوي السياسية الأخرى سوف يؤدي لضياع السلطة في المستقبل فرفضوا فكرة الانفتاح السياسي الذي يؤدي إلي تحول ديمقراطي و تمسكوا بفكرة الحزب الواحد و هو ذات الأمر الذي جعل الرئيس البشير يقول في مدينة بورتسودان من يريد السلطة عليه بحمل البندقية تأكيدا لمبدأ العسكرية الذي ساد في السلطة.
ثانيا – بعد الانقلاب مباشرة كانت الكارزما نفسها سببا في تعطيل المؤسسة السياسية الحزبية و اعتمدت علي ولاء العضوية للكارزما و فتنت العضوبة بسحر السلطة و التي أدت إلي تحولات جديدة في مفاهيم عضوية الحزب عن العمل السياسي من جراء سيطرتهم علي مؤسسات الدولة حيث أهملت الرابطة الحزبية العقدية التي تألف بين قلوب العضوية و تحكيم الدين في السلوك و صعدت الفلسفة البرجماتية كبديل مما يدل أن الحزب قد غفل عن التربية السياسية خاصة عن تأثيرات السلطة و هو الأمر الذي اقر به الدكتور الترابي في عدد من مقابلاته الصحفية باعتبار أن الحزب لم يضع احتمال تأثير السلطة علي أعضائه.
ثالثا – أن الخلاف بين القيادات العسكرية و الكارزما في الوقت الذي أهمل فيه التنظيم السياسي جعل الكارزما مكشوفة الظهر دون قوة تشكل تحدي قوى في مواجهة المؤسسة العسكرية لذلك كانت السيطرة للمؤسسة العسكرية و فروعها علي التنظيم الذي كان قد أهمل عندما تم الاستيلاء علي السلطة حيث كانت الكارزما تعتقد أن دورها الشخصي يغني عن المؤسسة و هي نفسها تجرعت سم اعتقادها.
رابعا – عندما كانت القناعة عند السلطة أنها قادرة علي الحسم العسكري خاصة في قضية الجنوب ثم تخويف القوى السياسية الأخرى جاءت مرحلة التجيش " الدفاع الشعبي – التجنيد الإجباري" و هي مرحلة أغفلتها الكارزما تماما لان التجيش أذا كان تحت سيطرة المؤسسة الحزبية بعيدا عن المؤسسة العسكرية كما هو حادث ألان في إيران " الحرس الثوري" الذي بني تحت الإشراف الكامل لمؤسسة الدولة " أية الله العظمي ألإمام الخميني" فإذا كان حدث ذلك في السودان تحت إشراف الكارزما " الدكتور الترابي" أو المؤسسة الحزبية كان يخلق توازنا للقوة يبعد المؤسسة العسكرية عن الصراع الذي كان جاريا داخل المؤسسة السياسية و ذلك لم يحدث لان الإجراءات كانت تسير وفقا للعواطف و الولاء للكارزما علي وتيرة ما كان قبل استلام السلطة.
احدث التغيير في إدارة الدولة و سطوة الكارزما و غياب المؤسسة الحزبية خللا إستراتيجيا لم تفطن له القيادة السياسية المدنية لتامين السلطة المدنية و إبعاد المؤسسة العسكرية من العمل السياسي و جاء هذا الخلل للاعتقاد السائد أن المؤسستين العسكرية و المدنية أصبحتا خاضعتين للكارزما و تأتمر بأمرها و قد اتضح الخطأ الإستراتيجي بعد إبعاد الكارزما حيث أصبح الجميع تحت قبضة القيادات العسكرية التي أمسكت كل الخيوط في يدها ثم أعطت صلاحيات ودورا كبيرا للقوة الأمنية في صنع القرارات و إدارة شؤون الدولة ثم خلقت عددا من مراكز القوة في الدولة لكي تخلق نوع من التوازن يقلل فرص الصراع داخل بنية التنظيم الحاكم الذي ارتبط مباشرة بمؤسسات الدولة مما أدي في تغيير لطبيعة الولاء من مبادىء سياسية طهرانية مرتبطة بالعقيدة إلي مصالح خاصة و عامة مرتبطة بالبرجماتية بالدولة و مؤسساتها لذلك أصبح الولاء للقيادة التي تقبض علي مفاصل الدولة هذا الولاء يشكل مانعا و عائقا لأية وفاق وطني أو تسوية سياسية مرضية للجميع و سيظل يشكل عائقا أذا لم تتغير موازين القوة في المجتمع يفرض تغييرا في المنهج السائد و يصبح الحوار هو السبيل للتوافق التسوية السياسية.
خامسا – تعدد مراكز القوة داخل بنية السلطة الحاكمة صنع كإستراتيجية من أجل حفظ التوازن داخل السلطة و جعل الولاء جميعا للرئاسة التي تمثل المؤسسة العسكرية أكثر من ما هي تمثل السلطة المدنية و لكن تعدد المراكز جعل هناك تجاذبات بين المؤسسات المختلفة في السلطة و بالتالي أصبح إدارة صراع الأزمات ليس وفقا لإستراتيجية واحدة أنما كل مركز له إستراتيجيته الخاصة و العمل من أجل التوافق بين تلك الإستراتيجيات هو الذي يؤدي للوقوع في الخطأ و يخلق سياسة التبرير دون المنهج النقدي الذي يمكن أن يشير إلي أماكن الخلل.
سادسا – أن تعدد مراكز القوة في بنية السلطة حتمت علي الرئاسة التي تقبض علي كل خيوط اللعبة السياسية أن تحصر الصراع في المؤسسة السياسية بعيدا عن المؤسسة التنفيذية لذلك كان التعين في مجلس الوزراء يقوم علي الكوادر التنفيذية و جعل الكوادر السياسية في المؤسسة السياسية و التشريعية حتى يسهل إدارة الصراع و السيطرة عليه و جعل المؤسسة الحزبية نفسها مرتبطة بالدولة و ليس بالمجتمع لآن ارتباطها بالدولة سوف تكون محكومة و مقيدة بلوائح و قوانين عديدة تقيد حركتها و تكون تحت إدارة الرئاسة أما إذا كانت مرتبطة بالمجتمع فهي سوف تخلق كتلة خارج قبضة الرئاسة و بالتالي ربما تخلق قوة بعيدة عن السيطرة تؤدي في المستقبل تغييرا شاملا في السياسة المتبعة و أية تغيير في موازين القوة ليس في مصلحة المؤسسة العسكرية و توابعها لذلك كان الرئاسة واعية جدا لاحتمالات الصراع لذلك جاءت بعناصر يغلب عليها الطابع التنفيذي في السلطة التنفيذية لكي تضمن بعدها عن الصراع السياسي و العناصر السياسية الفكرية توزعت بين السلطة التشريعية و المؤسسة السياسية في الأخيرة تكون تحت المراقبة المباشرة للرئاسة أما في السلطة التشريعية فهي بعيدة عن دائرة الصراع المؤثر.
أن تعدد مراكز القوة داخل بنية السلطة خلق نوعا من التنافس المحموم الخفي و أصبحت كل قوة مغلقة تدير شؤونها وفقا لمبدأ التنافس فعندما أصبح الخارج " المعارضة الخارجية " تشكل تحديا للسلطة مع استنفار للرأي العام العالمي و الإقليمي ضد الإنقاذ و أصبح الخطر ماثل توحدت مراكز القوة تجاه الخطر دفاعا عن المصالح ولكن دون إستراتيجية واضحة يغتدي بها الجميع بل ظلت الاجتهادات الشخصية هي محور أساسي في إدارة صراع الأزمة الأمر الذي خلق التضارب في التصريحات و عدم وضوح في الرؤية.
أن مراكز القوة في المؤتمر الوطني التي جاءت نتيجة لتعدد الانتماءات تعتبر دوائر مغلقة و متوجسة من الداخل القادم الجديد ليس في دائرة الحزب إنما في دوائر مراكز القوة داخل الحزب و السلطة و بالتالي ليس هناك سبيلا لتطوير ذاتها عبر حوارات للآراء المختلفة أنما هي تحاور ذاتها و لاسيما في قضية إدارة صراع الأزمات كما أن التنافس بين المراكز يمنع مراجعة السياسات بالصوت العالي حتى تدفع الآخرين للمشاركة في الحوار و أيضا يمنع المنهج النقدي لكي يأخذ مساحته في العملية السياسية و هي الإشكالية التي تعاني منها المؤسسة السياسية التي باتت دائرة التفكير فيها دائرة مغلقة تعيد إنتاج أزماتها باستمرار دون أن يحدث اختراق لتلك الدائرة.
مثالا لذلك قضية دارفور بعد اجتهادات عديدة من قبل عددا من القيادات التي كانت تدير ملف دارفور و بعد ما فشلت إستراتيجية إحداث انشقاقات في حركات دارفور لتفتيتها ثم احتوائها كمجموعة مجموعة و تعقدت المشكلة و غدت مشكلة دولية و اتهمت فيها عددا من القيادات علي رأسهم رئيس الجمهورية طرح الدكتور غازي صلاح الدين الإستراتيجية الجديدة لحل مشكلة دارفور و هي تركز علي الداخل و يعني ذلك أن السلطة لم تكون لها إستراتيجية واضحة لكيفية حل المشكلة سوى تفتيت الحركات و أصبحت للقضية تدخلات عديدة من قبل دول إقليمية و دولية هي الأكثر تأثيرا علي المشكلة من الحكومة السودانية و دليل علي ذلك إنها كل ما تبدأ الحوار مع أحد الفصائل تجد أن الحوار لا يضع حدا للمشكلة إنما يكون حلا جزئيا يفرض عليها دخول حوارات أخري مع حركات أخري و هذا يعني أنها ليست المسيطرة علي زمام الأمر أنما صناعة الأحداث تأتي من خارج أسوار السلطة و هي ليس لها مفر سوي التعامل معها إرضاء للمجتمع الدولي و ليس قصدا في الحل.
تبارت عددا من دول الجوار " مصر – ليبيا" إضافة إلي دولة قطر في المساهمة في حل مشكلة دارفور و أصبحت قطر تحتضن محادثات السلام بحكم قرار عربي و لكن لغياب الرؤية في كيفية استثمار تلك المجهودات من قبل تلك الدول في تحقيق التسوية السياسية ظلت القضية تراوح مكانها دون تطور يحدث فيها.
و التضارب في الأفكار يبين أن هناك خلالا في إدارة صراع الأزمة باعتبار ليست هناك إستراتيجية واضحة يهتدي بها الجميع مثالا لذلك يطالب السيد نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه في مؤتمره الصحفي الأخير بحملة وطنية حيث يقول "يجب أن تكون هناك حملة وطنية قومية جامعة لصالح الوحدة تتجشم المخاطر للعمل في الجنوب و إجراء حراك وطني بعيد عن التوترات و تبادل الاتهامات" و المطلب هنا يعني نداء للقوى السياسية و إلا كان المؤتمر قام بالحملة لوحده دون طلب من الآخرين لأنه هو الذي يقبض علي مفاصل مؤسسات الدولة و إمكانياتها و في ذات المؤتمر الصحفي يدعو الأحزاب أن تتجاوز تقليديتها بعدما أثبتت فشلها أي انه يرفض دعوة الأحزاب لمؤتمر جامع تناقش فيه جميع القضايا بما فيها الوحدة و ذلك يعني أن السيد النائب يريد الأحزاب تفكر بمنهجية و رؤية المؤتمر الوطني و هي رؤية لا يريد السيد النائب أن يقر إنها فشلت و دلالة علي ذلك أنها قادت إلي انفصال الجنوب و تعقيد مشكلة دارفور وهذا يؤكد أن مراجعة السياسات الخطأ تعتبر عند قادة المؤتمر سبة و هو نوع من الكبرياء و الغرور يهلك صاحبه كما هو منهج يخالف منهجية الدين " خير الخطأين التوابين" و هي حالة تريد مراجعة ووقفة مع النفس.
و في قضية الوحدة و الانفصال كانت إستراتيجية المؤتمر الوطني بعد اتفاقية السلام تقوم علي الاحتواء و العزل الاحتواء بالنسبة للحركة الشعبية و الدخول معها في شراكة ثنائية تتيح للحركة الانفراد بحكم الجنوب و إطلاق يد المؤتمر الوطني علي الشمال مع تنسيق يعطي اليد العليا للمؤتمر الوطني و هي إستراتيجية خدمت الحركة الشعبية في التقارب من جديد مع القوى السياسية بعد ما ضعفت العلاقة بإهمال الحركة للقوى السياسية أثناء الحوار في "نيفاشا" الذي تم فيه عزل القوي السياسية ثم رفعت الحركة سقف مطالبها و هي مسنودة بالقوى السياسية الأخرى و عندما توترت العلاقة بين الشريكين جاءت السلطة بإستراتيجية " صحيفة الانتباهة" كوسيلة ضغط علي الحركة و تخويف قياداتها بهدف الرضوخ و في ذات الوقت أن تخلق تيارا للرأي في الشمال يهدد بالانفصال يوازي التيار المتواجد في الجنوب و الهدف منه تحقيق شيئان متناقضان تماما الأول أن علو الخطاب الانفصالي في الشمال ربما يؤدي إلي استنهاض التيار الوحدوي في الحركة حينئذ يدب الصراع داخل الحركة و إذا فشل ذلك تستطيع الصحيفة أن تخلق تيارا انفصاليا يخفف من وطأة الانفصال باعتبار أن هناك انقساما في الرأي العام و هي إستراتيجية لم تحقق مقاصدها لذلك اضطرت السلطات وقف الصحيفة رغم قد سمحت لها أن تعمل تحت نظر السلطات أكثر من أربع سنوات و بعد ما أصبحت الانفصال واقعا لا محال أعادة الصحيفة لكي تواصل ما بدأته و كان من المفترض أن يراجع المؤتمر هذه الإستراتيجية منذ بدايتها لأنها أساسا قائمة علي سياسة إضعاف ألأخر.
كان التحالف بين القوي السياسية و الحركة الشعبية غير مريح بالنسبة لحزب المؤتمر الوطني لذلك رفض حضور مؤتمر جوبا لأنه رافض لقضية " المؤتمر الدستوري أو المؤتمر العام" و كان الهم كيفية ضرب ذلك التحالف لآن الإستراتيجية قائمة علي التفتيت و بالتالي هي إستراتيجية تحمل في أحشائها أسباب التدخل الدولي في الشأن السوداني لآن الأجندة الأجنبية لا تستطيع أن تخترق دولة ألا إذا حدث انقسام ونزاع في تلك الدولة و سهل للنفوذ الأجنبي بالتدخل فحالة الانقسامات التي أحدثتها السلطة في الأحزاب السياسية و الحركات الدارفورية باتت قنوات لدخول ذلك النفوذ و سوف يستمر ما دام الانقسام حادثا في بنية المجتمع.
كانت الانتخابات فرصة كبيرة جدا للمؤتمر الوطني لكي يعدل من المنهجية التي يسير عليها ثم يخلق واقعا سياسيا جديدا في الدولة و يكون المؤتمر الوطني علي قيادته كما أشار الدكتور هاني رسلان الباحث المصري في شؤون السودان و لكن المؤتمر الوطني فضل السيطرة كاملة و عدم السماح بمشاركة القوي السياسية بسبب أن المؤتمر لم ينظر لحل المشكلة سياسيا في البلاد لكي تفضي إلي الاستقرار و التحول الديمقراطي مستصحبا معه القوى السياسية أنما كان يريد فقط أن يثبت للعالم وخاصة الولايات المتحدة أنه الحزب المسيطر سيطرة كاملة و يجب التعامل معه دون ألآخرين رغم أنه هو المستهدف من سياسة الولايات المتحدة و هذه أيضا تؤكد ضعف الرؤية الإستراتيجية في الشؤون الدولية عند قيادة المؤتمر الوطني و المهتمين بالشؤون الدولية و السياسة التي مارسها المؤتمر الوطني في الانتخابات أدت إلي عزل المؤتمر الوطني عن بقية القوي السياسية و تؤكد حجج الحركة الشعبية أن المؤتمر الوطني لا يسمح للآخرين بالمساهمة معه في البناء الوطني من مبدأ المشاركة بل من مبدأ التبعية و كانت الانتخابات فرصة للمؤتمر الوطني لكي يشرك معه بعض القوي السياسية المعروفة علي الصعيد الداخلي و الدولي و ليس القوى السياسية التي صنعها هو حيث كان السيد محمد عثمان الميرغني راغبا للدخول في مبدأ المشاركة و دليل علي ذلك أنه لم يحذو حذو القوى السياسية الأخرى و قد شارك في الانتخابات و لا يعقل أن الحزب ألاتحادي يخسر كل دوائره حتى في مناطقه التقليدية فكانت نظرة إستراتيجية غير موفقة من قبل المؤتمر الوطني فإذا نظر إليها نظرة إستراتيجية كجزء من إدارة الأزمة في الداخل و الخارج كانت تخفف عليه الضغط و تجعل حزبا أخر يتحمل معه هذا الضغط إلي جانب أن الحزب الاتحادي كان حليفا للحركة الشعبية.
الغريب في الأمر أن يختار حزب المؤتمر الوطني السيد محمد عثمان الميرغني أن يكون هو رئيس اللجنة القومية للوحدة رغما كانت هناك فرصة لكي يكون السيد الميرغني جزءا من النظام نفسه و يتحمل عبء المسؤولية مع المؤتمر الوطني و لكن قصر النظر الإستراتيجي منع ذلك أن يحدث و عندما أصبح الانفصال واقعا أتجه الحزب لاختيار الميرغني لرئاسة اللجنة باعتبار أنه رجل وحدوي و تسمع له الجماهير و لكن هذه ليست هي القضية حيث يعتقد أغلبية الاتحاديين أن اختيار السيد محمد عثمان لرئاسة لجنة الوحدة باعتبار أن المؤتمر الوطني قد شعر أن الانفصال واقع لا محال لذلك بدأ يبحث عن جهة تتحمل معه مسؤولية الانفصال و هي أيضا نظرة قاصرة فإذا كان هناك بعض من رجال الختمية حول السيد الميرغني يريدون المشاركة في السلطة بأي ثمن فلا أعتقد أن السيد الميرغني بهذه السذاجة السياسية أن يترأس لجنة لقضية قالت عنها لجنة السلام في المجلس الوطني "أن فرص الوحدة أصبحت ضئيلة جدا" ثم في مؤتمر نيويورك قال السيد النائب في كلمته " لقد وصل الطريق المتعرج الطويل من تاريخ السودان إلي منعطف خطير لذلك تعيش بلادنا و شعبنا لحظة تاريخية حرجة دعونا نستقبلها بشجاعة و إقدام " أليست هذه كلمات تنعي الوحدة و تؤكد أن الانفصال أصبح غاب قوسين أو ادني فكيف بعد ذلك يتبرع قائد سياسي لكي يتحمل وذر شيء هو ليس سببا فيه و هي فعلا رؤية تبين كيف تنظر قيادة المؤتمر الوطني للقيادات السياسية و لا يغيب عن الذهن أن للسيد الميرغني حلفاء خارج أسوار و حدود الدولة السودانية يقدمون له النصح.
القضية الجديرة بالنظر ليس هناك قوي تريد السيطرة المستمرة و إدارة الصراع مع الداخل و الخارج بمفردها أن تبني إستراتيجيتها السياسية في إدارة صراع الأزمات من خلال النظرة السطحية للقضايا و لا تسبر غورها و أبعادها الحقيقية و القوى المشاركة فيها و الأدوات و الوسائل التي سوف تستخدم فيها أي إمكانيات الخصم و قدرته علي إدارة كل ما حوله في المعركة ثم إمكانيات النظام لمواجهة ذالك التحدي وعدم الاعتقاد أن الآخرين ينظرون للقضايا بنفس النظارة التي تنظر الإنقاذ بها لحل المشاكل دون حساب للمصالح ألآخري أو محاولة ممارسة ذات الطريقة التي تدير بها دول أخري أزماتها لان لكل دولة خصوصيتها وكروت تستخدم في المساومات السياسية تختلف من دولة إلي أخري أو تتجاهل مبدأ التقييم الموضوعي للقضايا و سماع وجهت نظر الآخرين لذلك يأتي التأكيد أن المؤتمر الوطني لا يستطيع أن ينجح في إدارة أزمات الوطن و الخارج بمعزل عن القوي السياسية الأخرى مهما كانت تعانى من الضعف و لان أية مسعى من أجل توحيد الجبهة الداخلية بعيدا عن مشاركة القوى السياسية الأخرى محكوم عليه بالفشل.
أن توظيف الأيديولوجية سياسيا سلاح ذو حين و يمكن أن تنجح التعبئة الأيديولوجية للجماهير إذا كان الصراع فقط مع الخارج و لكن بعد حالات الصراع الحادة التي انتشرت في العديد من المناطق و البؤر التي ما تزال مشتعلة هي سوف تحد من فاعلية الأيديولوجية خاصة إذا اعتقدت الجماهير ليس هناك حلا قريبا يخرجها من حالة ضنك العيش و بالتالي يكون التفكير في التغير هو السائد في الشارع السياسي و جماهيريا.
في إدارة الأزمة ظل الإعلام في يد السلطة تستطيع من خلاله توجيه الجماهير و تعبئتها وفقا لبرنامج معد سلفا من أجل خدمة إستراتيجية النظام وهي رؤية غائبة حيث أن العمل يتم بمجهودات فردية لمراكز القوة في النظام و الغياب الكامل للإستراتيجية العامة لإدارة الصراع و لكن التطور الكبير في و سائل الإعلام و انتشار المحطات الفضائية بصورة كبيرة و هي تبحث عن الخبر و المثير فيه إضافة إلي الصحف الالكترونية السودانية المنتشرة و إقبال النخب و أعداد كبيرة من الجمهور عليها سوف يعطي للمعارضة و كل القوى المناوئة للنظام أن تجد طريقها للجماهير يعني أن الإعلام سوف لن يكون حكرا علي الدولة.
أن فشل إدارة الأزمة لم ترجع نتائجه السلبية فقط علي السلطة الحاكمة و حزب المؤتمر الوطني أنما النتيجة سوف يتحمل مأساتها كل الوطن و أولها انفصال الجنوب ثم تبعات ذلك الانفصال ثم قضية دارفور التي تراوح مكانها دون حدوث أية تقدم فيها إضافة إلي أن التحول الديمقراطي لم يحدث بالصورة المرضية للجميع و هي تعد ركيزة أساسية للتوافق الوطني .
كيف يكون إعادة التقييم و المراجعة لتلك الإستراتيجية؟
أولا – يجب تقييم علمي من قبل عددا من المختصين في الشؤون الدولية و القضايا الإستراتيجية و إدارة الأزمات لإستراتيجية السودان للعلاقات الدولية و كيف إدارة الأزمة و هي قضية ضرورية لان طرح العديد من الآراء المختلفة تسلط الضوء علي العديد من جوانب الموضوع و هي الممارسة الغائبة في السلطة الحاكمة بسبب مراكز القوة المتعددة التي لا تقبل الآراء من خارجها فهي تحتاج إلي آلية جديدة.
ثانيا – فتح حوار علي مستوي النخب السودانية في العديد من القضايا المتعلقة بعملية الاستقرار و السلام في السودان إضافة لقضايا الحكم و التحول الديمقراطي لكي تتم مشاركة واسعة من قبل المهتمين السودانيين فالحوار هو الذي يقلل فرص العنف في المجتمع.
ثالثا – التأكيد بأن وجود المعارضة القوية في النظام الديمقراطية ضرورة لاستمرارية النظام الديمقراطي و تطوره ولكن يجب أن تملك المعارضة لكل الحقوق الدستورية و الوسائل التي تمكنها من أداء واجباتها و ليس معارضة صورية للزينة فقط كما يريد المؤتمر الوطني.
رابعا – إدارة الأزمة مع الخارج تبدأ بتقوية الجبهة الداخلية ليس في الالتفاف حول الحزب الحاكم ولكن الشعور بالرضي حول أدارة الدولة و نظام العدالة و عدالة الفرص المطبق علي مختلف المستويات في كل المجالات ثم الاتفاق العام علي الدستور و الثقة في النظام القضائي و الانتخابي و احترام الحقوق و الواجبات كل تلك تخلق نوعا من الرضي يؤدي إلي تماسك الجبهة الداخلية التي تعد الركيزة الأساسية لإدارة الصراع مع الخارج.
خامسا – أعادة النظر في مبدأ المشاركة حيث إن السائد هو قناعة قيادات المؤتمر الوطني بأن المشاركة يجب أن تكون وفقا لرؤية المؤتمر الوطني أو إهمال مبدأ المشاركة لذلك تفشل دعوات الحوار المقدمة من قبل قيادات المؤتمر الوطني و لكن يجب أن يكون علي أفق مفتوح تقدم كل قوي سياسية تصورها علي طاولة الحوار بهدف أن يوصل الحوار إلي تقآربات وأرضيات مشتركة من أجل الاستقرار السياسي.
سادسا – في كل برلمانات العالم يعتبر البرلمان رغم أنه مكون من القوي السياسية المختلفة و هناك الأغلبية و الأقلية و لكن دائما البرلمان هو سلطة الشعب في إصدار التشريعات المطلوبة و يمارسها في مراقبة السلطة التنفيذية و مسألتها و مراقبة كل شؤون الدولة و لكن الملاحظ أن البرلمان في السودان دائما يشعر المراقبين أنه تابع للسلطة التنفيذية و يأتمر بأمرها ثم بعض أعضاء البرلمان الذين هم في نفس الوقت قيادات في أحزابهم لم يفرقوا بين السلطتين التنفيذية و التشريعية مما يفقدوا البرلمانية هيبتها المطلوبة و هي ناتجة فعلا عن الضعف في الثقافة الديمقراطية إضافة لعدم التفريق بين الاختصاصات لذلك يفقد المواطنون الثقة في البرلمان.
أن واحدة من أسباب نجاح إدارة الأزمات أن تدرس خصمك دراسة متأنية علمية مستندة علي حقائق موضوعية وفقا لإمكانيات الخصم و قدرته علي الحركة و الوسائل التي يستخدمها في تحقيق أهدافه موقف دول العالم من قضيته قدرته علي اختراق الجبهة الداخلية أو التأثير عليها التفريق بين قضاياه الإستراتيجية و القضايا التكتيكية التي يستخدمها ثم مقارنة كل ذلك مع القدرات الذاتية و أين أماكن القوة و الضعف فيها و لكن مواجهة الخصم مع الغياب الكامل لتلك المعلومات أو من خلال دوائر أو مراكز ليست بها نوع من التنسيق سوف يشكل عائقا لعملية إدارة الأزمات.
أن واحدة من المشاكل التي تعيق إدارة الأزمة تضارب التصريحات و تعدد مراكزها حيث أن القائمين علي إدارة الأزمات تبدأ تطارد تصريح قياداتها المتناقضة و المتضاربة مثل تصريحات الدكتور كمال عبيد و زير الإعلام و أحمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان حول حقوق الجنوبيين بعد عملية الاستفتاء إذا أفضي إلي الانفصال ثم محاولة رئيس الجمهورية تصحيح ذلك عندما قال في مخاطبته للشباب أن الحكومة سوف تحفظ للجنوبيين كل امتيازاتهم و حقوقهم إذا حدث الانفصال فمثل هذا التضارب يحصر القيادات في موقف تبريري غير موثوق فيه و هي حالة تؤكد ليس هناك رؤية واضحة متفق عليها أو أن مراكز القوة لم تستطيع التنسيق بين رؤاها.
zainsalih abdelrahman [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.