500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    حمّور زيادة يكتب: من الخرطوم إلى لاهاي    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أَمَامَ كُلِّ جَنُوبٍ .. جَنُوب! ... بقلم: كمال الجزولي
نشر في سودانيل يوم 02 - 11 - 2010

الحمد لله الذي أذهب الضُّر عن أخت روحي، وأزال الأذى، وقشع الغمَّة، وأعاد الفرحة إلى بيتنا الصغير عندما أعادها، بعد أن منَّ عليها بالشِّفاء، ترفل، رويداً رويداً، في ثوب عافيتها القشيب، بعد أن ظلت تتكتم، في صبر وجلد، على عذابات لا تطاق، وتطوي خلف المحيا الصَّبوح الوضئ، والابتسامة الطيِّبة الآسرة، آلاماً مبرِّحة، وهي تتقلب بين الجَّمر والشوك، تغدو إلى الجَّامعة، مع الصَّباح، متأوِّهة، وتعود، آخر اليوم، منهكة، تداري دمعتها عن كلِّ مَن حولها، حتى عنِّي، وتدسُّ أوجاعها طيَّ ما تحتقب من مشاريع محاضرات وأوراق علميَّة تعدُّها، أو زكائب بحوث لطالباتها تسلخ المساءات في تصحيحها ومراجعتها.
الحمد لله أن أذهب الضُّر، وأزال الأذى، وقشع الغمَّة، وأعاد (ماما فائزة) إليَّ، وإلى أبَي وأروى، وإلى عائلتها الكبيرة، وإلى طالباتها، وصديقاتها، وأصدقائها، وزميلاتها، وزملائها، وجيرانها؛ فالشكر، من بعد الله، لصديقنا الجرَّاح البارع د. خالد ياجي، ولخدن الطفولة والصِّبا في حيِّنا الأمدرماني العتيق، اختصاصي التخدير الرائع د. عثمان عبد الوهاب، ولطاقم (مستوصف المنيرة) المتميِّزين كافة، ولكلِّ الأوفياء، سواء الذين ما تركونا وحدنا، لحظة، داخل المستشفى، أو الذين لزموا بوَّابتها تحت وهج الشَّمس المحرقة، أو الذين خفوا سراعاً، ساعة العمليَّة، وبعدها، يؤازروننا بصدق أحاسيسهم، فعطروا المكان بأريج الأخوَّة والمحبَّة، أو الذين لم تنقطع اتصالاتهم الخارجيَّة، يخففون من قلقنا بنبل مشاعرهم، فأهدونا باقات زكيَّات من زهور تضامنهم الجميل، ولا نخصُّ أحداً من هؤلاء أو أولئك حتى لا نفسد شيئاً من ألق هذا المعنى الإنساني الشفيف، و .. نجيئهم في أفراحهم بإذن الله.
الثلاثاء
القضاء الإداري المصري ينظر، هذه الأيَّام، دعوى لا نشكُّ، البتة، في أن متابعتها تهمُّ، على نحو خاص، الكثير جدَّاً من السياسيين، والقانونيين، والصحفيين، وناشطي حقوق الإنسان في بلادنا، مثلما أقامت قيامة رصفائهم في مصر الشقيقة ولم تقعدها حتى الآن. فقد أعلن عدد من منظمات المجتمع المدني، عموماً، وحقوق الإنسان، خصوصاً، فضلاً عن نشطاء النوبيين، انضمامهم إلى الدعوى التي رفعها الأستاذ شحاتة محمد المحامي، أمام المحكمة الإداريَّة المصريَّة، حول عدم قانونيَّة العقد الذي أبرمته الحكومة المصريَّة، وملكت، بموجبه، الأمير السعودي المعروف الوليد بن طلال، صاحب ومدير شركة روتانا للصوتيات والمرئيات، 100.000 فدان في منطقة توشكي بمصر العليا، مقابل 50 جنيهاً للفدان، حيث أكد شحاتة في عريضة دعواه أن هذا السعر لا يتناسب وقيمة الأرض، مِمَّا يُعدُّ إهداراً للمال العام (موقع صحيفة "الرَّأي" على الشَّبكة، 27/10/10) كما ولا يتناسب مع حجم الإنفاق الكبير للدَّولة على البنية التحتيَّة للمشروع، والبالغة أكثر من 6 مليارات جنيه (موقع "سبق" على الشَّبكة، 26/10/10)؛ هذا فضلاً عن منح الوليد 128.000 فدان إضافيَّة كحزام أمان! وأورد شحاتة في عريضته أن مجلس الوزراء المصري كان قد وافق في مايو 1997م، في عهد كمال الجنزوري، رئيس الوزراء الأسبق، على تخصيص المساحة المذكورة لشركة الوليد، وتمَّ، من ثمَّ، توقيع العقد في 1998م، بإجمالي 5 ملايين جنيه، كثمن للأرض، لم يدفع الوليد منها، حتى الآن، سوى مليون جنيه فقط (المصدر)
يصف الناشطون هذا العقد بأنه "جائر، لكونه يتيح للوليد التمتع بحقوق غير مسبوقة، في حين لا تحصل الدَّولة المصريَّة، ولا شعبها، على شئ بالمقابل" (موقع "الزاوية" بالإنجليزيَّة على الشَّبكة، 20/10/10). وقد أفصح النوبيون، أهل توشكي الأصليون، عن رفض هذه الصَّفقة، على نحو مخصوص، حيث قالوا، خلال (مؤتمر بطلان عقد بيع أراضى توشكي) الذى عقده، في 19/10/2010م، المركز المصرى لحقوق السَّكن، إن مشروع القرى النوبيَّة الجَّديدة بمنطقة وادي كركر لا يصلح للسَّكن، ولا يتلاءم مع طبيعة حياتهم، معبِّرين عن "حزنهم الشَّديد لحرمانهم من الحصول على قطعة أرض لهم بتوشكى!" (موقع "اليوم السَّابع" على الشَّبكة، 19/10/10). وأكدت منال الطيبى، المديرة التنفيذيَّة للمركز، على أن ثمَّة توجُّهاً غير معلن لتشتيت النوبيين، وأن ثمَّة خمسة آلاف أسرة نوبيَّة لم تأخذ حقها في أرض توشكي، وأن الدَّولة تمارس سياسات منحازة ضدَّ الفقراء لصالح رأس المال الذى يملكه رجال الأعمال، على حين لا تملك هذه الدَّولة حقَّ بيع أرض توشكي باعتبارها مملوكة للمصريين (المصدر)؛ هذا، فضلاً عن أن الصَّفقة تجهض الغرض القومي الذي تمَّ لأجله تهجير 13.000 عائلة نوبيَّة من موطنها الأصلي في توشكي لإخلاء المنطقة للاستثمار (موقع "الزاوية"، 20/10/10).
وقد احتجَّ الناشطون، عموماًً، على أن العقد ينصُّ على حق الوليد في الحصول على البذور بعيداً عن رقابة السُّلطات المصريَّة، وحقه في استخدام أيدٍ عاملة أجنبيَّة مع التزام الحكومة المصريَّة باستصدار تراخيص العمل اللازمة لها فوراً، وكذلك حقه في زراعة أي محاصيل يختارها، دون أن يكون مقيَّداً بأي شرط لتاريخ بداية استثمار الأرض، كما ويمكنه تصدير أيٍّ من محاصيله، أو كلها، إلى أيِّ مكان خارج مصر (موقع "الزاوية"، 20/10/10). ويحتجُّ المدَّعون، كذلك، على كون العقد يعفي الأمير السُّعودي من أيَّة ضرائب للحكومة المصريَّة لمدة 20 سنة (موقع "اليوم السَّابع"، 19/10/10).
وفي المؤتمر الصَّحفي المشار إليه نعي المحامي شحاتة على هذا العقد كونه "يخرق القوانين المصريَّة الخاصَّة بالاستثمار في ملكيَّات الأراضي في الصَّحراء" (المصدر)؛ والأخطر أنه يمكِّن الوليد من "الحصول على نسبة 20% من المياه المقرَّر ضخُّها لأرض توشكي، والتي تقدر ب 5.5 مليار متر، أي حوالي 10% من إجمالي حصَّة مصر من مياه النيل" (موقع "الشُّروق" على الشَّبكة، 19/10/10). كما اعتبر شحاتة الصَّفقة من قبيل "الخيانة العظمى، كون من أبرموها باعوا، في الحقيقة، أراض شاسعة، على الحدود الجنوبيَّة للبلاد، بأبخس الأسعار، دون أن يحتفظوا بأدنى عنصر للتحكم فيها!" (موقع "الزاوية"، 20/10/10)، كما وأنهم لم يراعوا، من جهتي المساحة والسعر، مبدأ "تكافؤ الفرص"، حسب المادة/8 من الدُّستور المصري، والتي تنصُّ على أن "تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين" (موقع "الشُّروق"، 19/10/10)؛ ولذا شدِّد شحاتة على أن قضيَّتهم ليست شخصيَّة ضد الأمير طلال، ولا بسبب جنسيَّته، وأن مطلبهم لا ينحصر، فحسب، في إلغاء عقد الحكومة معه، بل وفي أخذ كلِّ مَن شارك في إبرامه جنائيَّاً، وعلى رأسهم رئيس الوزراء ووزير الزراعة (المصدر). كما أشارت منال الطيبي إلى أن العقد يتسبَّب في "سرقة مياه مصر، وإنشاء دولة داخل الدَّولة!" (المصدر)، وهدَّدت باللجوء إلى اللجنة الأفريقيَّة لحقوق الإنسان والشُّعوب، حال عدم إعلان المحكمة المصريَّة بطلان العقد، مؤكدة أنهم لن يقبلوا بأيَّة تسوية مع الوليد حتى يتمَّ فسخ العقد بينه وبين الحكومة (موقع "اليوم السَّابع"، 19/10/10).
محكمة القضاء الإداري دائرة العقود بالقاهرة، قررت، في جلسة 26/10/2010م، تأجيل نظر هذه الدعوى المثيرة للاهتمام، بالرَّقم/48642، إلى جلسة 9/11/2010م، فيمكن لمن شاء متابعة تطوَّراتها عبر المصادر المشار إليها. غير أن اللافت للنظر، على نحو خاص، ما أوردت صحيفة (الأهرام) من أن أصحاب الدعوى والنشطاء نظموا، بعد الجلسة، مظاهرة حاشدة أمام المحكمة، أغلقت الباب الرئيس، وتسبَّبت في تعطيل العمل الأمني والقضائي، حيث رفعوا لافتات، وردَّدوا هتافات تقول: "كيلو الطماطم ب 10 جنيه .. ومتر توشكي بنصِّ جنيه!" (موقع "سبق"، 26/10/10).
الأربعاء
أطرف ما سمعت عن إتقان الفنانة السُّوريَّة الشَّابَّة، ونجمة (ستار أكاديمي)، زينة أفتيموس، مؤخَّراً، أداء رائعة إبراهيم الكاشف (أسمر جميل)، هو تعليق صديقي الموسيقار الكبير موسى محمد إبراهيم الذي هاتفني من مغتربه بدولة الإمارات ليقول لي ضاحكاً: "غايتو الزولة دي يا أبوها سوداني، يا أمَّها سودانيَّة، لكين شاميَّة عديل كدا .. ما معقول"!
وقد كان أوَّل ما تبادر إلى قلبي ولساني، وأنا أتابع ضَّجَّة الدهشة المثارة، أغلب الأحيان من شباب سودانيين، وأكثر شئ في المواقع الأسافيريَّة، حول عذوبة أداء زينة لهذه الأغنية، أن ترحَّمتُ على روح الكاشف، وعلى روح صديقي الرَّاحل جمعة جابر الذي كان أشدَّ الناس ثقة في أن السُّلم الخماسي السُّوداني، إذا ما جوَّده موسيقيونا، وعمل إعلامنا على نشره، بجدٍّ، فإنه سيشق طريقه، بسلاسة، إلى الأذن العربيَّة، مثلما عانق الأذن الأفريقيَّة بحميميَّة مشهودة.
وهل نغمط د. مكي سيد احمد حقه هنا؟! حاشا! ذكرنا جمعة، عليه رحمة الله ورضوانه، لريادته وسبقه في التأليف ونشر المعرفة دفاعاً عن الخماسي؛ لكن د. مكي، أطال الله عمره، ومتعه بالصحَّة، يستحق وقفة متمكثة لما ظلَّ يبذل من أكاديميا متخصِّصة، بمنهجيَّة حديثة، في تبيئة هذا السُّلم مكانة مرموقة بين السَّلالم العالميَّة. فقد وضع ونشر، بين دفتي كتيِّب واحد، خلال العامين 1999م و2002م، عملين قيِّمين هما (ضبط الخماسي) و(تجويد النغم) اللذين لا غنى عنهما لأيِّ ممارس/دارس/متخصِّص، أو حتى لمَن كان، مثلي، مجرَّد طالب شئ من المعرفة المتواضعة في هذا الحقل.
في الكتيِّب الأوَّل يعرِّف مكي السُّّلم الخماسي بأنه أشبه ما يكون بالسُّلم (الدُّوريان) الذي هو من السَّلالم اليونانيَّة القديمة التي يُطلق عليها سلالم القرون الوسطى، أو السَّلالم الكنسيَّة (ضبط الخماسي، ص 27 28). وبفضل معطيات علم الموسيقى، القائم على قواعد الموسيقى الغربيَّة، تمَّ تقعيد السُّلم الموسيقي، والإمساك بناصيته من كلِّ جوانبه تقريباً؛ حيث تحدَّدت الموسيقى الغربيَّة، من ناحية السَّلالم المعاصرة، بسُلمين أساسيَّين: كبير وصغير (المصدر، ص 32).
ويذكر مكي أن التعرُّف على سُلمنا الخماسي تمَّ وفق قواعد وضوابط معيَّنة، واتضح أنه "يتكوَّن من سبعة أنواع مختلفة، ثلاثة منها غير متطابقة، واثنان غير كاملي التطابق، واثنان كاملا التطابق. وتمَّ التعرُّف، أيضاً، ضمن خصائص أخرى، على الأبعاد المميِّزة لكلِّ نوع" (المصدر، ص 30). غير أن سُلمنا الخماسي "لا يخضع، كما السَّلالم الغربيَّة المعاصرة، لنظريَّة (الكبير والصغير)، ولذا، فإن الأمر يتعلق، عند تناوله، معرفيَّاً، بأنواعه السَّبعة فقط" (المصدر، ص 32).
هكذا، وبدراسة هذه الأنواع السَّبعة أمكن أن "يُشتقَّ منها ثمانية وتسعون سلماً، فأصبح المجموع الكلي مائة وخمسة سلالم" صنفها مكي، ورتبها، وربطها، من باب التكريم، بأسماء عدد من كبار مبدعينا الموسيقيين، فاقترح سُلم (دو الخليل)، و(دو كرومة)، و(دو الكاشف)، و(دو عثمان حسين وبرعي)، و(دو وردي والكابلي)؛ ثمَّ (صول الخليل)، و(صول كرومة)، و(صول الكاشف) .. الخ؛ وكذا بالنسبة لسلالم (ري لا مي سي فا .. الخ). وقد يتغيَّر المبدعون الذين تنسب إليهم السَّلالم، فيكون هناك سُلم باسم عبد المعين، وآخر باسم عبد الرحمن الرَّيَّح وأحمد المصطفى (المصدر، ص 60 73). ويختم مكي درسه هذا بقوله: "إن الطريق الأمثل للاستيعاب النظري والعملي لهذه السَّلالم، ولغيرها .. بصرف النظر عن أساسها النظري، هو في عزفها وغنائها، والمزيد من عزفها وغنائها، إلى أن تتمَّ رؤيتها من الدَّاخل بشفافيَّة عاليَّة، ويتمَّ التعامل معها، ومع ما تحمله من خلق وإبداع، بكلِّ معرفة واقتدار، وقد لا يكفي العمر كله، مهما طال، لبلوغ هذه المرتبة الرَّفيعة (المصدر، ص 74).
أما في الكتاب الثاني الموسوم ب (تجويد النغم برنامج للتمرين اليومي على السَّلالم الموسيقيَّة)، والمُهدى إلى (جماعة التفكير الموسيقي السُّوداني الجَّديد)، فإن مكي يشدِّد على عدم التعويل على الموهبة وحدها، ويضرب، في ذلك، مثلاً ببتهوفن الذي كثيراً ما كان يؤكد على أهميَّة التحصيل العلمي والمران المستمر، قائلاً: "الموهبة وحدها لا تكفي، مهما كبر حجمها، أو عظم شأنها"؛ وكان يمنح الموهبة 10%، بينما يمنح ال 90% للتحصيل العلمي والتمرين؛ وكان يقول: "عندما أتوقف عن التمرين يوماً واحداً، فإنني أحسُّ بذلك بيني وبين نفسي؛ وعندما أتوقف ليومين، فإن الذين من حولي يحسُّون بذلك؛ أما عندما يمتدُّ التوقف لثلاثة أيام، فإن الجُّمهور هو الذي يحسُّ بذلك" (تجويد النغم، ص 1).
حقاً إن لنا أن نطرب، وندهش، لأداء الصبيَّة السوريَّة الرائع، وللكورال البديع، وللفرقة الموسيقيَّة المقتدرة؛ لكن علينا، بعد هذا كله، بل قبله، أن ننفض الغبار عمَّا ران، أمداً طويلاً، على طاقاتنا المدنيَّة من أجل تنظيم الحوار المطلوب حول التفكير الموسيقي الجَّديد، الذي قامت له، ذات يوم، سوق، في ما يبدو، وانتظمت لأجله جماعة، لكن ما من أحد يعلم أين هي الآن، وماذا حلَّ بها، والإجابة، دون شكٍّ، طرف صديقنا د. مكي سيد احمد، فهلا وافانا بها مشكوراً؟!
الخميس
التناسب بين الفعل وعقوبته يدور، طرداً، مع التناسب بين الفعل وخطورته، اجتماعيَّاً كان ذلك أم فرديَّاً. وهذا من أهمِّ الأبواب المرعيَّة، بوجه مخصوص، عند تشريع القانون الجنائي، حيث تصنِّف كثير من التشريعات الأفعال المعاقب عليها إلى جرائم، وجُنح، ومخالفات .. الخ، بحسب حجم خطورتها، والضَّرر الذي يمكن أن تسبِّبه للمجتمع أو للأفراد؛ كما وأن الدُّول تبذل في محاربة الجرائم الأكثر خطورة مجهوداً أكبر مِمَّا تبذله، عادة، في محاربة الجُّنح والمخالفات,
على هذا الأساس يمكننا تصوُّر حجم الضَّرر الذي قد يسبِّبه حادث مروري، وبين ذلك الذي قد يسبِّبه نهب خزينة الدَّولة! الأوَّل، على ما يمكن أن يوقعه من آلام عريضة على الضَّحايا أو ذويهم، إلا أنه يظلُّ محدوداً بالمقارنة مع حجم الضَّرر الذي يسبِّبه نهب المال العام. فالأخير هو المقابل لقوت عشرات الملايين، ولصحَّتهم، وتعليمهم، وسكنهم، وترقية مختلف جوانب حياتهم؛ فنهبه يساوي، إذن، قتل الناس جميعاً! ومن ثمَّ فإن الوجدان السَّليم يفترض لهذا الفعل الإجرامي عقوبة تفوق أضعاف العقوبات التي قد تخصَّص للمخالفات المروريَّة!
لكن لدولتنا السَّنيَّة، في ما يبدو، رأي آخر! وهاكم الدَّليل من خبرين لا تفصل بينهما غير تسعة أيَّام فقط:
(1) ففي 11/10/2010م عقد اللواء عابدين الطاهر، مدير الإدارة العامَّة للمرور، مؤتمراً صحفيَّاً توعَّد، من خلاله، بإنزال "عقوبات رادعة"، و"بلا رحمة"، بحقِّ مخالفي قواعد السَّير، مشاة وقائدي مركبات، متعهِّداً بحسم ما أسماه "الفوضى المروريَّة"، ومعدِّداً خمس مخالفات قال إنها باتت تمثل خطورة بالغة على حركة المرور، وهي السرعة المفرطة، والتخطي الخاطئ، وعبور المشاة الخاطئ، وعدم ربط حزام الأمان، واستخدام الموبايل أثناء القيادة. وفي سياق تشديده على جدِّيَّة شرطة المرور في تطبيق قانون المرور لسنة 2010م، بما فيه المادة/66/2/ج التي تجيز للمحكمة، بالإضافة إلى عقوبتي السِّجن والغرامة، توقيع عقوبة الجَّلد بما لا يتجاوز 40 جلدة، قال اللواء عابدين: "محونا كلمة (معليش)، نهائيَّاً، من قاموسنا .. ولن نستثني أحداً .. ولا عذر لمن أنذر" (الأحداث، 12/10/10).
(2) وفي 20/10/2010م أودع السَّيِّد الطاهر عبد القيوم إبراهيم، المراجع العام الجديد، منضدة البرلمان تقريره للعام المالي (2009م 2010م)، حيث كشف أن حجم الاعتداء على المال العام بلغ، خلال الفترة المذكورة، عدا قطاع المصارف، 16.6 مليون جنيه، بنسبة زيادة تقدَّر بثلاثة أضعاف حجم الاعتداء على هذا المال عام 2008م، والذي بلغ قدره، وقتها، بحسب السَّيِّد أبوبكر عبد الله مارن، المراجع العام السَّابق، 5.4 مليون جنيه. وقدَّر التقرير الحالي نسبة المال المعتدى عليه ب 9% من إجمالي إيرادات الدَّولة الفعليَّة البالغة 19.2 مليار جنيه، و8% من إجمالي مصروفات الدَّولة الفعليَّة البالغة 20.2 مليار جنيه. وكالعادة، سنة بعد سنة، وبلا طائل أو فائدة، أحال تقرير المراجع العام أسباب هذا الاعتداء إلى "ضعف الإشراف وعدم فاعليَّة الرَّقابة الدَّاخليَّة" (الأخبار، 21/10/10).
بغضِّ الطرف عن معقوليَّة أو لامعقوليَّة درجة التشدُّد التي يرفع اللواء عابدين إليها قوَّاته من شرطة المرور إزاء المخالفين لقواعد السَّير، فإن التشدُّد إزاء حراميَّة المال العام أوقع وأوجب؛ وبصرف النظر عن عدم عدالة العقوبات التي سنَّها مشرِّع قانون المرور الجَّديد، إلا أنه إذا كانت قيادة السَّيَّارة في حال عدم ربط الحزام قد تستوجب السِّجن والغرامة والجَّلد، فإن عقوبة مثل هذا النهب المتصاعد للمال العام ينبغي أن تكون الإعدام .. بلا أدنى تردُّد، حتى لو اقتضى الأمر تعيين اللواء عابدين الطاهر وزيراً للعدل نائباً عامَّاً، كي نضع التشدُّد في موضعه الصحيح!

الجمعة
كنت، في بادئ الأمر، أحاول، جاهداً، أن أقنع نفسي بأنني وحدي من لا أرتاح، البتة، بسبب من وسواس خناس يستهدفني، دون سائر الخلق السودانيين، لذلك الإعلان عن منتج إحدى الشَّركات المصريَّة الذي درجت أغلب الفضائيَّات المصريَّة على بثه، منذ رمضان الفائت، حتى وجدت أفراد أسرتي الصغيرة ينظرون، بدورهم، إلى بعضهم البعض، صامتين، وهم يقلبون شفاههم، امتعاضاً، كلما أطلَّ هذا الإعلان العجيب، من شاشة ما! ثمَّ ما لبثنا أن استوثقنا من أنه يضايق الكثيرين غيرنا، وبنفس القدر، وسط أهلنا، وأصدقائنا، ومعارفنا، فصنفناه، نهائيَّاً، في خانة البذاءة، واللؤم، والدَّس الوضيع!
نصُّ كلمات هذا الإعلان، والتي تصاحب رسومات متحرِّكة لمحصول (الفول السُّوداني)، تقول الآتي: "طول عمرو مذلول يتباع ني ومتحمَّص، ومحروء ومتأرطس، ما هوَّ بآلو ميِّة سنة ما طوَّرش نفسو، فاحنا قلنا إنِّ كدا كفاية .. الفول المِدمِّس مش هيتبهدِل تاني، واخترنا المأصَّل، وسبنا المِكسَّر، ولأوِّل مرَّة عملناه بالشَّطة واللمون .. وكمان بالجِّبنة المتبِّلة، وبالفلفل الرُّومي، وبالملح .. نكهات هتغيَّر معنى السُّوداني"!
والآن، إن كان هذا النصُّ بريئاً، فينبغي لفت النظر إلى ضرورة معالجة هذا النوع من الإعلانات التجاريَّة بحساسيَّة خاصَّة تمنع من قلب المعنى في الأذهان؛ أما إن كان غير بريء، ونحن صامتون ننظر، أفلا نستحق، إذن، كلَّ هذا الذي يجري لنا!

السبت
دائماً ما تحيِّرني التحليلات المجَّانيَّة، الخالية من أيِّ منطق متماسك، بل الممعنة في التبسيط والسذاجة، والتي تصدر، في ما يتصل بشأننا السُّوداني، عن (خواجات!) كثر، لأسمائهم، من عجب، دويٌّ، ولألقابهم شنَّة ورنَّة!
فمثلاً لن يحتاج المرء، يقيناً، إلى كبير عناء كي يتحقق من أن أندرو ناتسيوس، المبعوث الأميركي السابق للسودان، والمحاضر، حاليَّاً، بجامعة جورج تاون بواشنطن، قد لجأ إلى (ضرب الرَّمل!)، و(رمي الودع!)، وقراءة (الفناجيل السِّياسيَّة!)، بأكثر من أيِّ منهج علمي، وذلك خلال أغلب ما أورد في محاضرته التي نظمتها له جامعته، بتاريخ 20/10/2010م، وتناقلت أخبارها شتى الصحف الورقيَّة والمواقع الأسفيريَّة، بمناسبة عودته من زيارة قام بها إلى جنوب السودان، خلال الفترة ما بين نهاية سبتمبر وأوئل أكتوبر المنصرمين؛ ويمكن، لمن أراد استفاضة، أن يتابع نصِّها عبر موقع (نيوميديانايل) الإليكتروني: http://www.newmedianile.com.
فعلى سبيل المثال، نفي الرَّجل في محاضرته تلك، وبأشدِّ العبارات تأكيداً، أيَّ احتمال لنشوب حرب، بسبب الاستفتاء، بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبيَّة، قائلاً: "أنا عسكري سابق، والبشير وسلفاكير عسكريَّان؛ ليست ثمَّة حرب على الأبواب. التصريحات المتشدِّدة من المؤتمر الوطني مجرَّد تكتيكات لتحسين اتفاقهم النهائي مع الحركة الشعبيَّة!" (المصدر). ذلك في الوقت الذي كان يتعيَّن عليه، بحكم تخصُّصه وخبرته، النظر بعمق في ما عناه الرئيس الأمريكي، قبل أقل من شهر من تلك المحاضرة، حين قال، في خطاب له في مستهلِّ قمَّة حول جنوب السودان عقدت، آنذاك، في مقرِّ الأمم المتحدة بنيويورك، إن "مصير ملايين الأشخاص على المحك، وما سيجري في السودان خلال الأيَّام المقبلة قد يقرِّر ما إذا كان هؤلاء الناس الذين عانوا من الحروب سيتقدَّمون نحو السَّلام أم سيغرقون مجدَّداً في حمام دم" (بي بي سي، 24/9/10). كما كان على ناتسيوس، أيضاً، أن يسبر، من ثمَّ، غور الخيارات السِّياسيَّة لإدارة الرئيس باراك أوباما، في المدى القريب على الأقل، فيستقرئ، مسبقاً، اتجاهها الذي تكشَّف، بعد مضي ما لا يزيد على الأسبوع من تلك المحاضرة، إلى استثناء السودان (المقصود، تحديداً، جنوب السودان)، فضلاً عن تشاد والكونغو واليمن، من قانون يمنع تقديم العون العسكري إليها، كونها تستخدم الأطفال في أنشطتها العسكريَّة، وتبرير بعض مسئوليها هذا الاستثناء، في ما يخصُّ السودان، بأن العون (العسكري!) الأمريكي سيكون مطلوباً ل (جنوب) السودان إذا ما قرَّر الانفصال (الواشنطن بوست، 29/10/10). كما وكان على ناتسيوس، كذلك، قراءة عمليَّة النزوح الكثيف لمئات الجنوبيين من الشمال إلى قراهم ومدنهم بالجنوب، استعدادا لاستفتاء تقرير المصير في يناير المقبل، على خلفيَّة مخاوف جدِّيَّة من انفلاتات أمنيَّة قد يتعرضون لها في الخرطوم عقب إعلان الانفصال، وكذلك على خلفيَّة التحذير الذي أطلقه معهد الريفت فالي المتخصص في الشُّئون السُّودانيَّة، نهاية الأسبوع الماضي، ضمن تقرير من 65 صفحة بعنوان (سباق مع الزمن)، من أن التنازع على نتائج الاستفتاء قد يعيد إشعال إحدى أطول وأشرس الحروب في أفريقيا (شبكة محيط الإليكترونيَّة، 30/10/10).
بدلاً من ذلك كله انشغل ناتسيوس ب (تخميناته) اللامنطقيَّة! والأغرب أنه عندما أراد إسنادها، لجأ إلى قياس ممعن في الفساد، حيث قال: "عندما ذهب الصادق المهدي لتوقيع إتفاقيَّة مع الحركة الشعبيَّة عام 1989م قاد الترابي انقلابا كي يقطع عليه الطريق. والرئيس البشير يعلم أنه يمكن أن يلقى نفس المصير، لذلك ليس من مصلحته الذهاب الى الحرب!" (موقع نيوميديانايل).
ورغم تشديده على أن "البشير إذا بقي في السُّلطة فإن الحرب لن تقع"، إلا أنه عاد ليترك الباب موارباً بإشارته إلى "متشدِّدين في المؤتمر الوطني يسعون إلى الحرب، لكنَّ البشير، بحسب زعماء عرب، سعيد بإتفاقيَّة السَّلام الشَّامل، ولا يريد الحرب!" (المصدر).
مع ذلك لم ينجُ ناتسيوس من الوقوع، هنا، في تناقضين، أوَّلهما حين أفاد، بعد ذلك كله، بما بلغ علمه من أن "حكومة الخرطوم قد حشدت قوَّاتها على الحدود بين الإقليمين، وأن الحركة ردَّت بالمثل، علماً بأن حكومة الشَّمال تملك الآن قوَّة طيران جديدة، كما تملك الحركة الشَّعبيَّة، بالمقابل، قوَّة طيران صغيرة"! أما التناقض الثاني فقد تمثل في تأكيده تمام العلم بأن "البشير حفر خنادق حول الخرطوم استعداداً لأيِّ حرب شوارع قادمة!" (المصدر).
من جهة أخرى لم يبلغ ناتسيوس، في (تحليله!) لبواعث (رفض!) حكومة الشَّمال للانفصال، أبعد من خشيتها قيام "دولة مسيحيَّة قويَّة في الجنوب، الأمر الذي لا تريده الخرطوم ذات التوجُّه العربي الإسلامي!" (المصدر). لقد فات على ناتسيوس في تحليله التبسيطي البائس هذا أن السودان ظلَّ محاطاً، منذ الاستقلال، بشبه حزام مسيحي لم يعدم، معظم الأحيان، علاقات جيِّدة مع أغلب حلقاته؛ دَعْ أن (الجنوب الحالي) لن ينفصل دون أن يخلف (جنوباً آخر)، فالحقيقة التي ينبغي على ناتسيوس أن يدركها هي أن دلالة (الجنوب) لم تعُد (جغرافيَّة)، فحسب، بل (اجتماعيَّة)، في المقام الأوَّل؛ وبهذه الدلالة فإن أمام كل (جنوب قديم) نفصله عن بلادنا .. (جنوباً جديداً) يبرز بظلاماته، ومطالباته، ولا فكاك، بل لات ساعة أهميَّة للمواقع الجهويَّة، حيث يمكن ل (الجنوب الآتي) أن يطلَّ برأسه من أقصى الغرب، أو أقصى الشرق، أو أقصى بلاد النوبة في الشَّمال!
أما قمَّة ما بلغته (تحليلات!) السيِّد ناتسيوس المجَّانيَّة هذه من بؤس يقارب الابتذال، أحياناً، فقد تمثلت في انعطاف محاضرته إلى دارفور، ل (يؤكد!)، من ناحية، على أن "عبد الواحد .. (مستمتع!) ب (مطاعم باريس!)، ولا يريد السَّلام، بل يحاول اغتيال زعماء قبيلة الفور الذين يودون التفاوض والوصول إلى سلام"! ول (يؤكد!)، من ناحية أخرى، لا فضَّ فوه، على استحالة المطالبة ب (السلام والعدالة) في آن واحد، "فإما سلام .. وإما عدالة"!
الأحد
سأل متنطع برناردشو:
"أليس الطباخ بأنفع للأمَّة من الشَّاعر أو الأديب"؟!
فردَّ شو، على الفور، قائلاً:
"الكلاب تعتقد ذلك"!
***
Kamal El Din Elgizouli [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.