المركز العالمى للدراسات الافريقية لعب الأعلام الغربى دوراً فاعلا في قضيه أبيى، رغم أن القضية لم تكن لسنوات طويلة موضوع إعلامي، وذلك لبعد المسافة جغرافيا على وسائل الإعلام لتبلغها، ولعدم انتشار الإعلام السوداني خاصة التوزيع والوجود الفعلي على الأرض، ولكن سعة انتشار القبائل الموزعة في المنطقة كالدينكا والمسيريه والرزيقات وغيرها ساهم في نشر قضية أبيى، أو ما يحدث بين الحين والآخر من المناوشات. ولم تبعث وسائل الإعلام الإعلاميين القادرين على تقصى الحقائق وبثها على حقيقتها، وبذلك وجدت مادة جاهزة نتيجة للندوات وتصريحات الأطراف المختلفة للنزاع، وتعصب الأطراف المختلفة، وبالتالي لعب الإعلام مؤخرا دوره الفاعل الذي يعبئ مزيد من العواطف مما أعان على زيادة المشكلة في بعض الأحيان، وجعل منها ماده إعلامية كبرى في تاريخ السودان الحديث، ومما زاد من التعقيدات، على الأقل في مستوى فهم الناس لطبيعة منطقة آبيي وجعلها لأول مرة موضوع إعلامي عالمي، ولكن بعد توقيع اتفاقية السلام وغموض النصوص والخيارات، التي وضعت لحل مشكلة أبيي جعلها منطقة تنازع سياسي بين الشمال والجنوب. فى الفترات السابقة عقدت العديد من المؤتمرات لمناقشة الاوضاع فى المنطقة وذلك لوضع آليات لمعالجة النزاعات التي وقعت بين المسيرية الحمر والدينكا نقوك، و مثل تلك المؤتمرات مؤتمر ابيى الأول والثاني وابيم وكادقلى والأبيض، الا إن هذه المؤتمرات لم تركز على آليات مستمرة لفض النزاع والوقاية منها مستقبلا ، لتكن بمثابة انذار مبكر فى المنطقة المتنازع عليها، بل ركزت غالبيتها على التعويضات وتحديد الديات والاهتمام بالمراحيل ومسارات الرعاة على أراضى المزارعين المقيمين وأماكن استقرار قبائل الرحل في المشائى والمصائف بالإضافة الى توزيع الاراضى بين المرعى والمزارع . عند صدور قرار محكمة لاهاى لتحكيم الدولى فى 22/7/2009م حكمها النهائى فى قضية ابيى المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، قررت المحكمة ان لجنة خبراء ابيى لن تتجاوز تفويضها فى ترسيم الحدود الشماليةوالجنوبية للمنطقة الا انها قد اشارت الى تجاوز الخبراء فى ترسيم الحدود الشرقية والغربية لابيى بعد ان كانت لجنة الخبراء التى تم تشكيلها بعد توقيع اتفاقية نيفاشا بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الحاكم عام2005م قد وسعت من حدود المنطقة، مما جعل تحديد معالمها اكثر صعوبة وبناء على محكمة التحكيم الدولية فى لاهاى سوف يتم ترسيم الحدود بمنطقة ابيى مرة اخرى مما يعنى انها ستتقلص عما رسمته من قبل لجنة الخبراء بمساحه اقل وما سوف تأول له المنطقة من تبعية الاقليم لاى من الطرفين، وبذلك يتم ترك الحرية لسكان ابيى للانضمام الى الشمال او الجنوب. واذا تحدثنا عن أثر انفصال الجنوب علي أبيي فقد أعطي قانون الاستفتاء لسكان ابيي ممارسة حق تقرير المصير عبر إستفتاء يمارسوه سكان ابيي ولم يحدد من هم سكان ابيي المعنيون بمارسة هذا الحق، اشار تحكيم أبيي الي ان سكان ابيي هم دينكا نقوك بعمدياتهم المختلفة، تصريحات رئيس الجمهورية طمانت المسيرية بان لهم الحق في ممارسة الاستفتاء الذي يفضي اما الي وحدة مع الشمال او الجنوب. اذا أثمرت نتائج ٍاستفتاء الجنوب الي خيار الانفصال قطعا سوف يصوت دينكا نقوك الي الانضمام اليها أكثر من الشمال، انفصال الجنوب قد يدفع بعض حركات دارفور الي الاستقواء بحكومة دولة جنوب السودان الوليدة خاصة ان المنطقة قد شهدت حوادث استهداف عسكري من قبل حركة العدل والمساواة، في محاولة لنقل الحرب الي العمق الكردفاني، اذا انفصل الجنوب سيقطع الطريق علي المسيرية بالتمتع بحق الرعي في وسط وجنوب ابيي مما يضطر المسيرية الحمر التوجه غربا حيث الاحتكاك والصراع مع الرزيقات او الاتجاه شرقا حيث الاحتكاك مع المسيرية الزرق ويتجدد القتال القديم حول المياه والمرعي. فالمشكلة في منطقة أبيى أن قرار هيئة التحكيم الدولية في لاهاي ليس مرضياً عنه من كلا المجموعتين الأساسيتين في المنطقة: دينكا نقوك والمسيرية، فالمجموعة الأولى تظن أن حقول البترول في هجليج قد أخذت منها بغير حق، والثانية تعتبر أن الحدود الشمالية التي ضمت إلى أبيي قد توغلت كثيراً في مناطقهم وحرمتهم من الأراضي ذات المياه الوفيرة التي يعتمدون عليها في سقي بهائمهم وقطعانهم فى فترات الخريف، وفي ذات الوقت فإن إضافة المنطقة الشمالية لا يخلو من مشكلة بالنسبة للدينكا لأنه يعطي المسيرية الذين يعيشون في تلك المواقع حسب تفسير الحكومة حق التصويت في الاستفتاء حول تبعية المنطقة لبحر الغزال أو إلى جنوب كردفان، فهم يخشون من تصويت المسيرية لصالح الانضمام إلى كردفان. ولكن الحركة الشعبية لا تقر بهذا الحق للمسيرية على أساس أنهم رحل ولا يقيمون في المنطقة بصورة دائمة فلا ينطبق عليهم ما نصت عليه اتفاقية السلام الشامل «السودانيون الآخرون المقيمون في منطقة أبيى»، ورغم الاتفاق على قانون استفتاء أبيى إلا أن تحديد من سيصوت في الاستفتاء بجانب «أعضاء مجتمع دينكا نقوك» ما زال عالقاً وأحيل البت فيه إلى مفوضية الاستفتاء التي ستحدد معايير الإقامة التي تؤهل صاحبها لحق التصويت في الاستفتاء. وقد يبدأ تمرد مسلح جديد في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق بسبب عدم الرضى عن تنفيذ الاتفاقية التي تخصهما وستقوده عناصر الحركة الشعبية التي جاءت إلى السلطة في الولايتين بقوة السلاح، وربما تدعم الحركة مثل هذا التمرد خاصة إذا كان الانفصال متوتراً ومضطرباً بين طرفي الاتفاقية، الإنفصال يعمق المشكلة فى منطقة أبيي، ففي حال نتيجة الاستفتاء الذى نتوقعه بعد ايام قليلة فى حال الانفصال سوف يتزايد المواجهات بين الجانبين وذلك نتيجة لرفض أبناء المسيرية لقانون إستفتاء أبيي ولقرار التحكيم بلاهاي، وهو غير ملزم من ناحية قانونية سوى لأطرافه (الحكومة والحركة الشعبية). فلا دينكا نقوك ولا المسيرية كانوا طرفاً في النزاع، وبالتالي لم يصدر حكم التحكيم في مواجهتهم ، فتمسك الدينكا بالاتجاه جنوبا بالرغم من التعايش السلمى والمصاهره بين الجانبين وتمسك المسيرية بالاتجاه شمالا، وحسب نتيجة الاستفتاء اذا إنفصال الجنوب، لربما يؤدى الى دمج ابيى في دولة جنوب او شمال السودان التي ستحدد وضع أبيي، ويتم التفاوض مع الدولة المعنية حول قضايا المواطنة والقضايا الاخرى المتعقلة بالمنطقة ، او ابقاء ابيى منطقة تكامل بين دولة الشمال ودولة الجنوب وتصبح ادراة المنطقة مشتركة بين الجانبين، الا انه، الغير مقبول نهائيا، بالرجوع الى دائرة الاقتتال بين الجانبين مرة اخرى ، وبالتالى سوف نعود الى الخلافات القبلية والجهوية ونحتاج الى عشرات السنين لوقف الاقتتال بينهما، الا اذا تدخلت حكومة السودان بكل جاهزيتها فى ظل السودان الموحد الان للسيطرة على الوضع فى المنطقة وتقارب الاراء بين الطرفيين، وهذا ما نأمله اذا تحولت كلمات مولانا احمد هارون بعد مؤتمر الصلح الى واقع معاش بين الطرفين فمنطقة ابيى تتميز بالتعايش والتمازج بين القبائل المختلفة ، فالمسيرية والدينكا وقبائل أخرى فى المنطقة يمثلو خليط من السكان متجانسين من حيث الثقافات والعادات والتقاليد المشتركة بينهما، فقد نتج من التعايش السلمي والتنوع الثقافى بين المسيرية والدينكا سياسياً واجتماعياً واستراتيجياً في بروز آليات فض النزاعات والمحاكم الأهلية التقليدية القبلية، واطلق بعض مثقفو المسيرية بتسمية بعض هذه الآليات بمجالس البرامكة التى نامل ان تكون مرجعية للطرفين لحل النزاعات بينهما.