في أواسط الخمسينات و خلال العهد الديمقراطي، استدعت وزارة التربية و التعليم خبراء من اليونسكو للعمل على وضع خطة لتطوير التعليم، فجاءت لجنة برئاسة د. متى عكراوي و قدمت مشروع السلم التعليمي (6-3-3) فرأى المسؤولون في الوزارة الإستنارة و الإسترشاد برأي المعلمين و أن تزور اللجنة بعض المناطق للأستئناس برأيهم. زارت اللجنة ضمن زياراتها مدينة الأبيض حيث كنت أعمل و جُمِع لها حشد كبير من المعلمين و عرضت مشروعها (6-3-3) و أكدت أن نظام (4-4-4) هو الأعم عالمياً حينها و لكن لما كان السودان دولة نامية (تأدباً) و بالفصيح متخلفة فخيرٌ للتلميذ أن يتخرج بعد ست سنوات بدلاً عن أربع بذخيرة معرفية أفضل و عمرٍ أكبر لمواجهة الحياة العملية. كانت تلك حصيلة مشروع لجنة اليونسكو. لكن كانت للمعلمين مآخذهم التي طرحوها على تلك اللجنة، و منها أن المشروع لم يعالج الفاقد التربوي، بل فقط أجَّله لعامين بحصيلة من المعرفة لا تسمن و لا تغني من جوع، و زيادة عامين لا تخرج الطفل من طور الطفولة و لا تجعل منه رجلاً يواجه الحياة و هي بذلك كأنما تحرض على عمالة الأطفال من حيث لا تحتسب. و فات على من يقال عنهم خبراء في التربية و علم النفس، أن معلم المرحلة الإبتدائية خريج معاهد التربية، قد أُعِد لفهم مرحلة الطفولة الأولى بما تشمله من العادات و الطبائع و الغرائز و الطاقة الفائضة و الحركة الدائبة و الخيال الحر و غير ذلك ليشبع للطفل كل ذلك، و لم يقف على أكثر من ذلك بما يعينه على التعامل مع التلميذ عندما يتعدى مرحلة الطفولة الأولى و يكبر. و لكن ماذا نقول في عقدة إستجلاب الخبراء!!؟ و قديماً قالوا أهل مكة ادرى بشعابها. و يبدو لي أن البعض من الخبراء محلياً و عالمياً من ذرية طيبة الذكر البصيرة ام حمد قد انتشروا في الأرض. إذا كان تحويل السلم الرباعي إلى سداسي ملئ بالأخطاء فما بالك بمن جعله ثماني (8 سنوات)، إنه تجمع أطفال صغار و مراهقين و مراهقات، تلاميذ و تلميذات يقودهم في الغالب الأعم أناس غير مدربين و لا ملمين يسيكولوجية الطفولة و لا المراهقة، ألا ترى أن من فعل ذلك غابت عنه حقائق و أبجديات التربية وعلم النفس !!!؟. اقترح المعلمون بدلاً عن قيام السلم السداسي أن يستثمر المال المرصود لذلك للتوسع في المدارس المتوسطة و الثانوية فذلك أجدى لأنه يقلص الفاقد التربوي. و قد حدث تجني على المساحات الخالية بالمدارس، فهنالك مساحات متساوية بالمدارس و قد وُضع ذلك بحساب أن لكل تلميذ مساحة مقدرة تربوياً يمارس فيها نشاطه. و المدرسة ليست مجرد حصص داخل الصفوف فالنشاط جزء هام و مكمل للعملية التربوية. لذا فقد كان بناء صفين خامس و سادس خصماً على مساحات النشاط ثم جاءت الطامة الكبرى بالقضاء على أي فراغ ببناء الصفين السابع و الثامن. ترى عمارة يحتل الطابق الأرضي منها ورش و مغالق و على الطابق الأول تنتصب لافتة تحمل إسم مدرسة أو جامعة !! أي خلل و أي خروج على كل متعارف في توصيف مباني التعليم بكل مراحله و ضرورة بعده عن الصخب و الضوضاء؟. رفعت لجنة د. عكراوي مع مشروعها هذا جملة مآخذنا الكثيرة عليه فصرفت وزارة التربية و الحكومة وقتها النظر عنه. ثم جاء انقلاب عبود أو بالأحرى حكومة التسليم و التسلم فصرفت عنه النظر كذلك، و جاءت حكومات اكتوبر و ما بعدها فلم تأبه للمشروع. و بعد ما يقارب العقد و النصف من الزمان جاء انقلاب مايو، و كان وزير تربيتها د. محي الدين صابر فنفض عن المشروع - المرفوض من حكوماتٍ عدة – نفض عنه غبار السنين و قدمه لنميري الذي ظنه فتحاً ومكسباً سياسياً قد يحدث دوياً و لو كان أجوفاً، و سنرى كيف قبله نميري على عجل و دون تروٍ و كيف نفذه بشكلٍ كله اعوجاج و خطل. يتواصل مكي حنفي مصطفى معلم بالمعاش Hisham Hanafi [[email protected]]