في احدي المناسبات الإجتماعية بمدينة الابيض التقيت باحدي القادمات من العاصمة القومية الي حاضرة كردفان، وقد فاجأتنى بقولها أنها في السابق حسبت أن الأبيض وكل كردفان ماهي الا صور القطاطي المصنوعة من القش التي تعرض في التلفاز، ورقصات الكمبلا الشعبية ذات القرون. ولكن كردفان التى ارتبطت فى مخيلة الضيفة العاصمية بقطاطى القش هى نفسها كردفان أرض البطولات، وبؤرة التحولات الكبرى، ذات التاريخ الحافل بالأمجاد التى اختارها المهدي لهجرته، لانه يعلم أن أهلها هم الاقدر على ان يساندوه ويشدوا من أزره فأحتمي بجبال تقلي في ضيافة المك آدم أم دبالو، مك جبال تقلي فجاءت اليه الجحافل الكردفانية من كل حدب وصوب وتلاقت جميعها على قلب رجل واحد تبتغى طرد المستعمر وتطهير الأرض من دنس الغزاة، لأنهم عشاق الحرية وأهل النفس الأبية التي تأبى الظلم والفساد الذي نهي عنه رب العباد . وفي حصون تقلي جاء النموذج الحى للاستراتيجيات الحربية الرصينة و التكتيكات العسكرية الباهرة، وطوابير البيادة المنظمة. تكونت الجماعات وتلاها تكوين الفصائل ثم السرايا والكتائب واللواءات تحت رايات التوحيد الرباني والهدف مشترك هو تطهير الأرض، فكانت الدانة هي التقوي والرشاش هو لا اله الإ الله والله أكبر ولله الحمد والآربجي عندهم العزيمة والأخلاص والكلاش والجيم هي التقوي و التماسك. وتمخض من تلك التكوينات فيلق المهدي الذى تمثلت فيه جميع قبائل كردفان، حلفاء النصر المؤزر الذي دحض جيش هكس باشا في شيكان الشهيرة وتلاها فتح الأبيض و أم درمان على ايدى (أسود البر) من جحافل الهجانة. فأهل كردفان "الغرة" هم من صنع فى هذا البلد امجاد التاريخ، ومن سماتهم الكرم واحترام الضيف وأعانة الضعيف وإغاثة الملهوف والإيثار والمؤازرة (خفاف عند الفزع ثقال عند الطمع ). وما أري الا أنهم يجسدون فى واقع الحياة قول الشاعر: رفاق الضيف إن حًل هبوا لهم للضيف ضمٌ والتزام اذا نحروا العشار مودعات فلا منٌ بذاك ولا كلام أي أنهم يكرمون ضيفهم بلا من ولا أذي أي لوجه الله لايريدون جزاء ولاشكورا"، فهم من اول من ينحر العشار (الأبل القيمة) عند ورود الضيف. و من هؤلاء السيد/ اسماعيل الولي شيخ الطريقة الإسماعيلية (الطريقة الوحيدة التي تشكلت داخل السودان) وهو جد الزعيم الراحل اسماعيل الأزهري. كردفان هى معقل الخلاوي، ونيران القرآن المضيئة في سائر بقاعها. ابعد كل لا يذكر عنها الا صور "قطاطى القش"؟!