رأينا بالأمس مشهداً تاريخياً والرئيس البشير يخاطب الأخوة الجنوبيين من قلب عاصمة دولتهم المرتقبة، كان حديثاً متزناً سيغيظ أعداء الاستقرار في السودان بعد أن أرسل رسائل مليئة بروح السلام وأمال التوحد، أكثر ما لفت انتباهي فيما ورد في حديثه كان عن الإعلام ودوره السالب وكيف أن هذا الشعب السوداني (المعلم) خذل العالم وتجار الكلمة في تجربة الانتخابات الأخيرة بعد أن قبل بنتائجها من دون وقوع صادمات وصراعات على خلفية النتائج كما حدث في بعض الدول. أشار الرئيس عمر البشير الى خذلان قادم (في الدرس الثاني) بعد إعلان نتيجة الاستفتاء التي ترجح كل القراءات حولها حتمية الانفصال، وتحدث عن حزن مرتقب بسبب فقدان جزء عزيز من الوطن بالرغم من القناعة التي تشكل سمة غالبة للمواطنينفي الشمال والجنوب. الآسى والحزن حق مشروع كفله الله لعباده بفضل التركيبة النفسية المعقدة للإنسان وتلك من معجزات الخلق وآياته، والفرح في المقابل هو الأخر حق مشروع كفلته ذات التركيبة التخصصية حصراً لله سبحانه وتعالى. السؤال الذي يفرض نفسه في خضم حالة الترقب التي تفرض نفسها قسراً هذه الأيام على كل السودانيين المتوجسين من مآلات الاستفتاء في الشمال والجنوب، أليس من حق الجنوبيين الانفصاليين التعبير عن فرحتهم بالانفصال عن الشمال في طرقات مدن الجنوب الخضراء؟!. اذا كانت الإجابة نعم، نتسأل أليس من حق الشماليين الانفصاليين التعبير كذلك عن سعادتهم في مدن الشمال.. ننتظر تفاعلاً من موقعي اتفاق نيفاشا من قياديي حزب المؤتمر الوطني، لا سيما وأن الرئيس أشار الى أنه سيشارك الجنوبيين أفراحهم بالانفصال بزيارة ثانية لأرض الجنوب. حبذا لو كفلت حكومة ولاية الخرطوم لأنصار مناصري الانفصال الاحتفال بالساحة الخضراء بالخرطوم (في موقع واحد) حتى لا يتحول الأمر الى صادمات وصراعات على خلفية النتائج ويكون فتنة وسرادق عزاء لأغلبية (ساحقة) تريده يوم استقلال حقيقي للشمال والجنوب ويؤسس لسلام اجتماعي ووداع للحرب واستهلال مستقبل الاستقرار والتنمية في الدولتين. وبهذا لن يجد الإعلام والمتربصين فرصتهم في تصوير الشماليين بالمنهزمين والجنوبيين بالمنتصرين وسيخذل العالم في الدرس الثاني الذي أشار له الرئيس البشير. *** عادة الإلقاء بالأسماء اللامعة والمشهورة في سياق الحديث درج البعض على إتباعها لإشعار المتلقي أن المتحدث يتمتع بقدرات ومهارات تواصل تميزه عن الآخرين من حوله وفعل الأمر فيها أن الشخص ذو علاقة متينة مع شخصيات مفتاحيه وأخرى ذات قيمة اجتماعية في الداخل وعبر ساحات العالم، وتعرّف هذه الظاهرة في الإنجليزية ب (Dropping Names). ظاهرة الإلقاء بالأسماء قابلتها مؤخراً في عدد من المناسبات بالسودان، حيث أتاحت لي فرصة مكوثي طويلاً هذه المرة الوقوف على بعض المتغيرات في عمق الشخصية السودانية. هذه الظاهرة ليست جوهرة مكنونة في الشخصية كما يعتقد أصحابها بل هي نقطة ضعف أكثر منها ميزة، وهذا الأمر يدفع للاعتقاد أن الفكرة القديمة عن الشخصية السودانية طرأ عليها تغيير جوهري كبير وأن عقلية التواضع والبساطة التي تميز بها سودانيو حقبة الخمسينيات والستينيات قد ولت أيامها بلا رجعة. الشخصية السودانية باتت تتجاذبها المتغيرات من كل صوب وشابتها كثير من العلل والسلبيات، وليس غريباً أن نقرأ في الصحف هذه الأيام مقالاً لكاتب يتحدث عن نفسه وانجازاته أكثر من حديثه عن قضية تتصل بعنوان مقالته المعنية أصلاً بهموم الناس. * صحافي مقيم ببريطانيا صحيفة الأحداث