وكأن الجنوب كتب له ان يعيش فى حروبات دائمة ، فما ان انتهت حرب الجنوب مع الشمال باتفاقية السلام الشامل ( CPA) ، حتى اطلت الحرب الجنوبية بانشقاق احد قادة الجيش الشعبى لتحرير السودان . فى الوقت الذي وضع انسان الجنوب فيه آماله بالاستقرار بعد الفرار ، جاءت الحرب الجديدة لتضع على عاتقه هماً آخر هو فى غنى عنه ، فالاستقرار بالنسبة له قد صار حلماً يراوده . فهو فى الماضى هرب للشمال والى دول الجوار لينقذ اطفاله من الحرب الاهلية بين الجنوبيين و حكومة الشمال ، وهاهو الان يجد فى حرب جديدة .لا يدرى الى اين يهرب ففى الشمال سيكون الحال أسوأ بكثير ,اما دول الجوار فلا استقرار بها ، لقد ظل المواطن الجنوبى يهرب من الجنوب للشمال تارة ، و من الشمال للجنوب تارة آخرى ، و فى طريقه ما بين هذا الهروب و ذاك يتربص به قطاع الطرق فينهبوا ما تعب فى ادخاره للغد المجهول ، و ينجوا باعجوبة ليجلس بعد رحلته الشاقة يتحسس ما بجعبته عله شيئاً يسد به رمق صغاره الذين يملأون الدنيا صراخا وان كانت لقمة يابسه . امسى المواطن الجنوبى غير آمن لا فى الشمال التى تعاديه حكومتها فتهدده بسحب الجنسية منه , و لا بالجنوب الذى يعتبر وطناً له ، فامر الامرين صعب المنال ,فهو ليس سوى العٌوبة فى ايدى الساسة يستخدمونها اينما ووقتما شاءوا بلعبة السياسة القذرة . لم يكن الجنرال جورج اتور اول المنشقين عن الجيش الشعبى لتحرير السودان الجنوبية فقد سبقه الى ذلك العديد من القادة الكبار بما فى ذلك القادة المؤسسيين وتاريخ الجيش الشعبى ملئ بالمنشقين ، فكاربينوا كوانجين ، ووليم نيوان ، اروك طون اروك ، الدكتور رياك مشار نائب الرئيس سلفاكير ، كلهم انشقوا وعاد بعضهم للجيش الشعبى ، ولقى الاخرين حتفهم بعيدا عن العودة . القاعدة بحركات النضال الافريقية دائماً كلما اشتد الاختلاف تولدت مشاعر الانشقاق ، وحركات دارفور خير مثال قريب للتناول ، لقد قبل الجنرال جورج اتور العودة لصفوف الجيش الشعبى اخيراً بشروط اهمها الاصلاحات الدستورية لدولة الجنوب القادمة عبر مؤتمر يجمع كل الاحزاب الجنوبية و هو امر اعلنه رئيس حكومة الجنوب الفريق سلفاكير للاحزاب الجنوبية فى الحوار الجنوبى الجنوبى الاخير بمدينة جوبا وهو قد اكد للاحزاب التزامه بكل ما تم الاتفاق عليه بالمؤتمر . هنالك مقولة شهيرة عند الدينكا تقول اذا اخطأ الصغير فعلى الكبير تاديبه لان فى مفهوم الدينكا القديم ,الصغار هم من يرتكبون الاخطاء دائماً ، فحتى ان اخطاء احد الكبار وهنالك صغير بالقرب منه وضعت التهمه عليه لحين ما ، لان الكبير لا يخطئ ، بل يحاول جاهداً ان لا يسقط بخطاء يجلب له و لزملاء العمر العار . اما الان وقد تعددت ا لاخطاء , مساوئ الكبار ترى بعض النساء والصغار يضربون كف بكفِ ، و آخرين يقفون حياري لما يجرى . استقبل الجنوبيين عام 2011م ، بفرح عارم ، وسعادة بالغة لثلاثة اسباب : اولها زيارة رئيس الجمهورية المشير عمر البشير الاخيرة لمدينة جوبا حاضرة الجنوب وخطابه التاريخى به بالرغم من الانتقادات من البعض لتاخرها . ثانية اتفاق وقف اطلاق النار المعلن بين الجيش الشعبى و المنشق الجنرال اتور و مجموعته . ثالثاً وصول اتفاق السلام الشامل لمراحلها الاخيرة بالتصويت للوحدة او الانفصال وهو ما جعل الجنوبيين يرقصون فرحاً قبل التصويت بلحظات من عمر الزمن و ذلك لثقتهم بتجاوز النسبة المطلوبة للانفصال و تظل اسئلة كثيرة دون اجوبة شافيه تدور رحاها فى ذهن كل جنوبى ينبض قلبه بحب الوطن ليل نهار. ترى هل سيقبل الجنرال العائد اتور بالنتائج التى ستاتى من الشعب يوماً فى الفترة المقبلة ام سيترك الديمقرطية التى انشق من اجلها خلف ظهره و يعود الى حيث جاء نسال الله ان يتعقل قادتنا و حكامنا الكبار فى كل قرار يتخذونه ولتكن كل اعمالهم من اجل المواطن المغلوب على امره.